|
!شعوبية عروبية
علي شايع
الحوار المتمدن-العدد: 1352 - 2005 / 10 / 19 - 11:48
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
هل سُيقرأ،الآن،النص الذي كُتب-أوربياً-أيام الحرب على النازية: "سحقاً لألمانيا"؟!..
النازية رحلت عن جبروت أيامها،غير أن ألمانيا بقيت في واقع خرائطها القديمة التي عادت إليها متّحدة،ولا أحد سيستطيع إذن ترديد تلك المقولة بعد أن كانت عناوين صفحاتٍ لصحف سنوات الحرب،لأن قائلها سيكون متهماً بجرم أشد من النازية اليوم،فلا عداء مطلق في العالم المتحضر،ينطلق بأفكار إبادة شعب أو أمّة ويجد لذلك من ينظّر ويزوّق الحجج والأعذار.. ثمة عداء واحد يستفحل شرّه،ويسوء كلّ لحظة مثاله في قطعان التكفير وجهلته من شذّاذ الآفاق،وأنصار لهم وجدوا متاعاً قومياً عروبياً سهل الترويج..ومثل تلك العداءات المطلقة هي ما أربك المشهد منذ زمن وأثقله بلونين لا ثالث بينهما.هذه العداءات وجدت منبتها الخصب في كلّ فكر تعبوي،يتخذ شوفينية التحزب جهة قوم أو طائفة أو عرق.. الغريب؛صرنا نسمع هذه الأيام وبين ثنايا جلبة الحديث عن دور الحكومة الإيرانية السيئ في العراق،حديثاً آخر يجترّ قادسيات العرب كأيام مجدٍ صدّامية يقع البعض ضحية منهجها من حيث لا يحتسب.. "سحقاً لإيران،سحقاً للفرس" سمعتها في لقاء ثقافي قبل أيام،هذه الشتائم والحديث عن "رياح للشرّ الإيراني الكسروي المتوارثة أحقاده الصفوية"! صارت مما يدسّ سماً وسط عسل الحقيقة؛بدور مخابراتي مشهود ومعروف، ترتكبه الحكومة الإيرانية بوعي حرب لم يدفع النظام المقبور تعويضاتها حتى رمق طغيانه الأخير.. وصار مما يكرّر في محافل الكتابة والتحليل السياسي عبارات مثل" العدوّة إيران"و "الفرس المجوس"و "الإيراني المتغطرس"و "الثأر الصَّفوي"و كلام كثير في المندسين والشعوبية كما لو أنها بديهيات وعي يراد من تكرارها المتلاحق إرساء جذور عميقة في الذات السامعة،والتي ربما تمثلته لطول ما كان الإعلام التعبوي يكررها على المسامع.. وإذا كان لهذا من جذور تاريخية فهي بالتأكيد ليست بالشرّ الذي وصل أليه الوضع الثقافي الآن،فمقاصد اليوم أشد قسوة مما أراد لها الجاحظ مثلا في زمانه،وما ذهب إليه طويلا وكتب عنه بالإجمال في كتبه مثل البيان والتبيين وكتاب العصا،ورسالة مناقب الترك التي فصّل فيها عن الشعوبية والفرس تفاصيل تظهر تحامله الواضح حدّ الكذب والانتحال في ذم الفرس والبحث عن مناقب للترك لإيجاد أحاديث نبوية تمتدح الترك وتأمر بمتاركة قتالهم..هذه كتب جاءت كردّة فعل عن صدور أخرى في ذم العرب،مثل(مَثالب العرب) أو (لصوص العرب) وغيرها من مناوشات الإعلام أيامها!. كل هذه جذور لما نحن فيه اليوم من بغضاء (أممية) ترسي لملامح عداءات مجانية تلغي جوار أمة،وفق معايير ضيقة،كانت خليقة إلا أن تمعن في اختيار الوسيلة والتدبّر في العواقب،وهي تـَظهر على حين غرّة لتنسف أصولاً وتؤسس بدائل غريبة،طالما نظّر لها الرجل التركي (القومي العربي) ساطع الحصري،الذي أوجد للعرب حاجة في فكر قومي عروبي، سرعان ما وهب متنبي الأمة الأخير(الجواهري)إلى الفُرس، وهو يفصله من وظيفته في سلك التعليم متهماً شاعرنا الكبير بالشعوبية والفارسية لأنه كتب قصيدة عن مدينة شيراز..
ليس ثمة خلاف؛لإيران (الحكومات المتعاقبة) مصالح تداخلت في الجدل السياسي العراقي،و ليس هذا أمراً آنياً، بل مذ كان الفرس قاعدة الدولة ومحوراً لها في العصر العباسي الأول،ولسنا هنا بصدد البحث في موضوعتهم بقدر البحث في الموضوعة الإنسانية الأهم المتعلقة بالجوار الحضاري والإنساني،رغم إن دراسة عربية حقيقة لم ترد إلى الآن لتكشف لنا أشكال الخلافات السياسية التي تبعد أمة كاملة وتحاربها بعد أن تقرّب أمّة أخرى إليها حابية في كنف الثانية ومحتمية من مخاطر الأولى،حتى وإن كانت هذه الأمة الثانية" أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"فهو ما ففكك منذ الأزل مفهوم الدولة من داخلها بجعلها محطّة تعبوية ومُستقطـَباً للفتن،ومثال ذلك النموذج الصدامي البعثي الأخير وما آلت إليه الأوضاع،ومثالٍ أول لتفكيك الدولة ما حصل في زمن المعتصم الذي قرّب الترك وجاء بهم بديلاً عن نفوذ فارسي مزعوم..ولا يعنينا كل هذا الآن فالتواريخ تقادمت على العراق ومرّت الحكومات بقضها وقضيضها على الخارطة،وبقي العراق في جواره الفارسي كحضارة تفتخر بحمورابي صاحب مسلة القانون مقابل كوروش صاحب أول إعلان لمبادئ حرية الشعوب مكتوبة كلماته على أبواب الأمم المتحدة اليوم.لقد أصبحوا منتجاً ومنجزاً إنسانياً ندخل اليوم كزوار لرؤيتهم في المتاحف الغربية،والرهان عليهم ليس رهان تفاخر سياسي بقدر ما هو رهان إنساني نسعى إليه الآن حديثاً في الغايات الإنسانية الأسمى.مبتعدين عن مظاهر العنف والبغضاء ومحاولات البعض صيداً في عكر المياه والحوادث السياسية،لإيجاد متنفس لأهواء قومية أو عرقية أو طائفية لا يجد ذاته دونها،وهو يسفّه حضارة كاملة أو يلغي أمّة،ويستعدي وجودها الحضاري والجغرافي الذي يجده بالضد من وجود أمته/الأهم/والمؤسِّس/والفاعل الأفضل؛في إحتواء فكر وتاريخ إسلامي تحت جبّة العروبة دون سواها.مثل هذه الأهواء لم يسلم منها حتى فلاسفة كبار سقطوا في فخ التضامنات الحزبية والفئوية الضيقة، والتفاعل مع المنتج الإنساني بضيق عرقي،مبتعدين عن الحس الكوني بالأشياء،فالفيلسوف الألماني هايدغر لم يكن يرى في الفلسفة اليونانية منتجاً يخص اليونان،ولا الإنسانية،بل يذكر عائديتها إلى عرق غربي جرماني،والمحاضرات التي ألقاها في زمن الحرب نشرت قبل أشهر لتقتطع منها نصوص تفضح شوفينيتة ونزوعه الضيق، مثل هذا النص؛"إن اسم هيرقليطس ليس عنواناً لفلسفة يونانية، ولا تعبيراً نهائياً عن فكرٍ إنساني كوني،إن هذه الفلسفة في الحقيقة ما هي إلا الاسم المطابق لقوة أصلية خاصة بوجودنا التاريخي الغربي والجرماني"،ونص آخر "بالنسبة لكلّ شعب من الشعوب، الضامن الأول لأصالته وعظمته ينوجد في دمه وأرضه وتفوقه الجسدي".. هذه أفكار استهوت الكثيرين أيامها،ولاقت بعض القبول في الوسط الثقافي حد وقوف روائي حائز على جائزة نوبل للآداب هو النرويجي كونت هامسون مع النازية.. اليوم نسمع من شعراء وكتاب عرب،حديثاً عروبياً يحاول مداعبة الأذواق وتشنيف الإسماع بهذه النغمة،وسرعان ما يتحول إلى شوفينية القصد ويتخذ آليات قاسية وإلغائية بعيدة عن الثقافة الحقّة،وما صمتُ هايدغر المخزي حين سأله الشاعر باول سيلان عن جرائم النازية،إلا صمتاً نجد لها صدى في نفوس بعض منهم ممن يريدون مجداً مستقبلياً،وقد صمتوا وهم يُسألون عن المقابر الجماعية منشغلين بالهرب إلى أكذوبة المقاومة الآن،فما أشبه هؤلاء بالسابقين لهم في المواقف والإنحيازات ذاتها،وهم يكرّرون الخطأ بتراكم أشد،وسذاجة طائفية مفتضحة،تقع في الفخ السياسي لتلغي وعياً حضارياً يسعى إليه المثقف العربي الحقيقي. لذا لن نستغرب حين يتم خلط الأوراق بطرق غريبة منها أن يقول مثقف عربي عن المقابر الجماعية "لعبة إيرانية فارسية"!. نحن بحاجة إذن لترشيد هذه الشرور ثقافياً،وفضح شعوبية البعث العروبية التي تخطّت مرحلة الأفكار لتصبح نهجاً مسلحاً يضع القائل به في موضع الدفاع عن شرّ محدق نابع من جذور تاريخية ثأرية،كما هي حاجتنا إلى ثقافة عربية لترويض الإنسان- في ذواتنا- الذي هو حيوان سياسي،حسب تعريف أرسطو.
#علي_شايع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعر حيث أتى
-
!أنصالح من يطالح؟
-
أفلام قمعٍ تعرض لأول مرّة
-
وكم ذا بمصر من المضحكات
-
مصرع القاسم..المشترك
-
منامات عربية
-
قد أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى
-
! أحسنتَ إلى العصفور سيدي الرئيس
-
كراج النهضة
-
!ما لهذا الدستور ينسى تلكم الكبيرة
-
هام..تحذير من اغتيال سفير
-
خيانة المثقفين
-
السيد الجعفري.. قل الثقافة، وانسَ الرمح
-
!سجين أخطر من الديكتاتور نفسه؟
-
تأخير العدالة؛ظلم آخر..لو تعلمون
-
وصل السيل الزبى
-
دموع ماري
-
مقال منعه موقع إيلاف من النشر
-
الحصان الملكي وحيداً
-
عندما يصمت المغني
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|