|
الذات العراقية بين احتلالين
وليد المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 1352 - 2005 / 10 / 19 - 07:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تعاني المجتمعات التي رزحت لفترات طويلة تحت مظلة الاستبداد والدكتاتورية من قدرة دائمة ومستمرة لاعادة انتاج العنف وتوزيعه على الكثير من الطبقات الاجتماعية ، وذلك لكونها لم تعتد على النضال السياسي الاجتماعي السلمي ، الذي يقود الى تكوين الذات المدركة لفاعليتها الاجتماعية ، ومدركة لطبيعة التطور الذي تقوم به ، والذي من شأنه ان يزحزح الكثير من المعوقات والحواجز التي تمنع انطلاقة العقل والحرية ضمن فضاء المجتمع ، اضافة الى كونها غيبت اقتصاديا وانسانيا وثقافيا ومدنيا ..الخ من ناحية اخرى . ان الدكتاتورية في عراقنا لم تزول او تتلاشى نتيجة صراع ونضال سياسي اجتماعي واسع وكبير ، ومن ثم يقود الى تأسيس مبادئ المجتمع المدني الذي تسوده منظومة من العلاقات القائمة على التعددية السياسية والثقافية وفق إرادة عراقية مرتبطة بنموذج المنجز العراقي ذاته ، ومن ثم تأسيس قيمة الديمقراطية وتأصيلها داخل وعي المجتمع ككل ، لا ان يفرض عليها ذلك من قبل إرادة فوقية عليا ، لديها المآرب والاهداف والمصالح ، التي قد تتعارض مع مصالح الوحدة الوطنية العراقية .رغم ما نقوله هنا يشكل غاية في الصعوبة ، من حيث تأصيل واقع جديد لايعاني من تشظ سياسي واجتماعي من شأنه ان يحدث حالة عدم التوازن في كيفية بناء الدولة والمجتمع القادمين ، وذلك لان الذات العراقية قد تأصل لديها كثيرا ذات الاحتلال المرتبطة بمصالح الافراد انفسهم على حساب المجتمع ككل ، وهنا الاحتلال مرتبط بذاتنا التي لاتعي هويتها المجتمعية ، ومن ثم تؤسس الكيان الاشمل ، الذي لاينضبط وفق إرادة فرد او شخص معين له الجاهزية والقدرة على السيطرة والفرض والتغيير ، بحيث تنساق الجماهير معه بكل عماء ايديولوجي سافر ، ومن ثم يغدو متجاوزا القانون وحقوق الانسان بشكل عام ، من خلال ممارسته الاقصاء والالغاء والتهميش للذين يختلفون مع إرادته السياسية والاجتماعية . فمجتمعاتنا استطاعت ان تتجاوز الاستبداد الدولتي المباشر من قبل اجهزة الدولة الامنية ، ولكنها ماتزال تعاني ذلك الارث الشرقي من الاستبداد ، والمرتبط بذات الاحتلال والهيمنة والرغبة الدائمة في تفضيل كيان الفرد الواحد على كيان المجتمع ، وهنا ذلك الاحتلال لايتعلق بعملية تصدير العنف والتطرف والغاء الاخرين داخل المجتمع من قبل اكثر التيارات الشمولية الاصولية ، بل يندرج ضمن ذلك الفساد الاداري المستشري بشكل هائل في اكثر مؤسسات الدولة ، بحيث تغدو عملية البناء في ظل " الاحتلالين " تعاني الكثير من الصعوبات والمعوقات . فالدولة إذا ارادت ان تضمن مجتمعا غير عنفي عليها ان تساهم في تحرير الذات العراقية من احتلالها الانوي ، المرتبط بكثرة الاجهزة الموروثة من الزمن الدكتاتوري الذي يحاول ان يدس انفه بكل مؤسسات الدولة الجديدة ، وما سرقت مليار دولار من خزينة الدولة الناشئة إلا دليل على تلك التربية الاحتوائية المريضة التي خلقتها ثقافة النظام البائد ، والتي تشكل في حد ذاتها احتلالا مباشرا لقوت واموال الشعب المهدوره دائما ، إذ لايمكن ان تتقدم الدولة وتعمل على تفعيل مكتسباتها الجديدة إلا من خلال العمل على خلق توازن جديد بين قيم الحرية والديمقراطية كوعي مؤنسن داخل المجتمع من جهة ، وبين تأسيس نظام الخدمات الاجتماعي وتفعيله بشكل حقيقي ، من جهة اخرى ، حيث مانزال نشهد ذلك الضعف الكبير والمتردي في اطار الخدمات ، وهنا قد تتحمل ذلك الدولة الناشئة ذاتها بسبب طابع تكوينها المحاصصي اضافة الى تركة الدكتاتورية المتمثلة بذلك الجهاز الثقافي الاحتوائي الذي نشره الدكتاتور في كل مؤسسة ودائرة من مؤسسات الدولة السابقة ، ولاننس هنا ان هذه الدولة الناشئة تعاني كثرة الاعداء الذين يتربصون بها دائما ، وهؤلاء الاعداء في اكثرهم ممن كان مواليا للنظام البائد الدكتاتوري او من كان ملتزما السكوت عن جرائمه وانتهاكاته الفضيعة بحق اكثر الطبقات والجماعات البشرية في العراق او من هو يكره ان يخرج العراق من بوتقة الاستبداد التاريخية ، ومن ثم يشكل قطيعة نهائية مع ثقافة العنف والاقصاء الممارسة طيلة التاريخ العربي الاسلامي ، وذلك الاخير مرتبط بكافة الجماعات الارهابية التي تشن حملاتها الاجرامية على اكثر المواطنين الابرياء ، الذين لاينتمون الى الدولة الناشئة ومؤسساتها بقدر انتمائهم الى الاوضاع اللانسانية التي يرزحون تجت وطأتها . كيف يمكن الخروج من هكذا واقع لاانساني يفرض على العراقيين إكراهات مادية وعنوية تتعلق بطبيعة الحياة القلقة ذاتها والغير مستقرة ، والتي تعمل على إجهاض قيمة البناء والخلق وتجاوز الذات الاحتوائية التي ورثناها منذ ازمنة طويلة وما نزال من خلال 1- العمل على إعادة بناء الذات العراقية على اساس الالتزام الحقيقي بقيمة المواطنة ذاتها داخل المؤسسات واعتماد مبدأي الكفاءة والنزاهة في الانخراط ضمن هذه المؤسسات ، ومن ثم تجاوز ذلك الطابع المحاصصي للدولة القائمة من حيث القدرة على جذب المقربين سواء اولئلك الذين يرتبطون بالحزب او الطائفة او العشيرة ..الخ ، بحيث لاتكون الدولة مجرد امتيازات ومناصب يتداركها الذين يصلون اليها فحسب ، بل هي مسؤولية كبيرة من خلالها يتضمن شكل الدولة العراقية القادمة وطبيعتها الاختلافية المنجزة ، والتي يجب ان يشعر بها المواطن العراقي ، بإعتبارها دولة منتخبة وليست دولة عصابة او دولة فرد كما كان عليه الحال في زمن الدكتاتورية البغيضة . 2 - توحيد الجهود كافة من اجل طرد الذات العراقية الاحتوائية المحتلة ، والتي من شأنها ان تضفي قيم الازمنة السابقة من رغبة في تأصيل الفساد وإبقاء العراق في دوامة من الصراع والعنف ، ومن ثم لايوجد هناك اية بوادر للاستقرار والبناء ، وهنا يرتبط ذلك بدرجة تأثير وقدرة الذات الاخرى المحتلة بشكل واقعي ومهيمن على ممارسة شروطها وجاهزيتها المرتبط بالاجندة السياسية التي تحملها ضمن منطقة الشرق الاوسط بشكل عام والعراق بشكل خاص ، من اجل تفعيل الجهود فيما بعد من اجل زوال الذات الاخرى التي قد تعرقل هي ذاتها عملية البناء والتطور إذا لم يرتبط ذلك الاخير بإرادة المجتمع العراقي بشكل عام . 3- العمل على محاربة جميع قوى الارهاب التي تبث العنف والتطرف داخل وعي المجتمع من خلال المساهمة بتغيير شكل الحياة القائمة ، نحو اوضاع اكثر انسانية من حيث تحسين المستوى الاقتصادي والثقافي والمدني واحتضان جميع القدرات المغيبة ، والتي تحمل الخبرة والكفاءة ، وذلك يعتمد على فاعلية الدولة وقدرتها على فرض الامن والاستقرار ، اضافة على قدرتها في نشر ثقافة التسامح والعقلانية لدى اكثر الطبقات المغيبة عنها ثقافة احترام حقوق الانسان وثقافة الحرية المرتبطة بإحترام القانون والمجتمع
#وليد_المسعودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة العراقية بين الواقع والمثال
-
أدلجة الحقيقة - عنف المعنى
-
الديمقراطية والحركات السياسية الاسلامية
-
شريعة الافكار
-
الدولة الناشئة في العراق -السيادة والديمقراطية
-
جسر الأئمة واساطير السياسة
-
الذات العراقية من تأصيل العذاب الى تأبيد الاغتراب-نحو إعادة
...
-
ميشيل فوكو والنزعة الانسانية
-
نحو تأصيل جديد لثقافة الحرية
-
الانسان العراقي بين الدكتاتورية والارهاب
-
دولة الاستبداد - دولة الحرية
-
قبول الاخر
-
الدولة الديمقراطية
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|