الاستشياخ وقال ابو هريرة

الشهيد كسيلة

الحوار المتمدن-العدد: 4909 - 2015 / 8 / 28 - 12:25
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

ما أشبه اليوم بالبارحة والتاريخ يعيد نفسه كما يقال ، كانت أفريكا أو بلاد البربر أو المغرب العربي كما تقول الصحافة العربية الأعرابية القومجية البعثية ، كانت آخر ملاذ للثقافة اللاتينية التي كانت حينها تقود الثقافة الإنسانية وكان آخر شاعر أمازيغي باللغة اللاتينية هو كوريبوس (Corippus) عندما كانت أفريكا جزءا من الغرب لأنها متصالحة مع جغرافيتها لكن ما لبثت رياح التاريخ أن حملت إليها عاصفة هوجاء انكشفت عن جحافل غزو تدّعي أنها مرسلة من الله لتنشر رسالته بالسيف والسبي والأسْر والنهب والسلب والاسترقاق وتخريب المدن وحرق الزروع .
استمر أولئك الغزاة في تدمير البلاد على امتداد ما يقارب القرن ... تحولت المدن إلى أطلال وجفّت الأرض وغارت الينابيع وأبيد أكثر من نصف السكان ونصف الباقي سيق إلى عاصمة خلافة الغزاة ... أنظروا ما ورد في ابن كثير : "... وقيل انه بعث (أي موسى بن نصير) ابنه مروان على جيش فأصاب من السبي مائة ألف رأس وبعث ابن أخيه في جيش فأصاب من السبي مائة ألف من البربر أيضا فلما جاء كتابه إلى الوليد وذكر فيه أن خمس الغنائم 40 ألف رأس قال الناس أن هذا أحمق من أين له أربعون ألف رأس خمس غنائم ؟ فبلغه ذلك فأرسل أربعين ألف رأس وهي خمس ما غنم ولم يسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير أمير المغرب اهـ .) البداية والنهاية ج 2 ص 629 .
هل تمّ إفراغ شمال أفريقيا من النساء لأن هذا العدد دليل على سبي نساء عدد من المدن بكاملها لأنّ غزاة الجيش الأموي في هذه الحال كانوا يشددون الحصار على المدن ويقومون بإخلائها من سكانها بعد تخريب العمران بالهدم والحرق ومن ثَمّ يقومون بتقييد كل السكان وسَوْقهم نحو معسكراتهم والكثير منهم يقتَل ... الخ
إن ما حدث في أفريكا من دمار وإبادة خلال قرن الغزو الأموي الهمجي (647 أول غزو بقيادة عبد الله بن أبي سرح – 701 استشهاد الملكة تيهيا المسماة في المصادر العربية الكاهنة) لا قبل لتاريخ البشرية به ... كان أفظع مما ارتكبه جنكيز خان وأتيلا وكل السفاحين الذين عرفهم تاريخ البشر ، لقد أقفرت البلاد ومن نجا من نخبة المجتمع الأمازيغي غادر البلاد فارا بروحه نحو إيطاليا على الخصوص ليبقى الشعب دون نخبة وهذا هو هدف الغزاة دائما لأن النخبة هي عقل المجتمع وبصره وبصيرته فإذا بقي بلا نخبة كان كاليتيم في مأدبة اللئيم .
انتشر جراد الغزو الأموي لتتأسس ثقافة الاستشياخ فأقيمت بيوت عبادة الديانة الجديدة وانتدب لها الأفاقون المروجون للدين الجديد وأحرقت كل الكتب وطمس تراث قرون من الإبداع وحل محله الكتاب الواحد الاوحد الذي هو عبارة عن كشكول جمع فيه سجع الكهان وأساطير الشرق الأدنى التي كانت تروى على يد تجار القوافل وهم جهاز المواصلات الوحيد آنذاك ... وأصبح ذلك الكتاب هو المرجع الوحيد في كل شيء وتحدد مسار "دراسته" لتخريج مستشيخين لا عقل ولا فكر ... واختصرت الحقيقة كل الحقيقة في ما يحمل ذلك الكتاب من أساطير وخزعبلات ... وسدّ ذلك الكتاب كل منافذ المعرفة والتنوير العقلاني فلا فلسفة ولا فكر ولا تاريخ ولا علوم تجريبية ولا فنون ... وحل محل ذلك هرطقة اسمها الإعجاز العلمي - الدالّ في الواقع على العجز العلمي - وهي أخطر هرطقة عرفها التاريخ وتم الاستغناء نهائيا على علوم الأولين والمحدثين واعتبرت بدَعا وكفراً ...
اليوم تعود الأمور إلى سابق عهدها ويعتبَر استقلال البلدان الموبوءة بالعروبة الإسلاموية استرجاعا لهذه البلاد من النصارى و"فتحا إسلاميا" وليس تحررا من استعمار وإقامة دولة مدنية حضارية ... ألم يغنّ ذلك المغني الجزائري (مَحمّد العنقا) مع فجر استقلال الجزائر: "يا مُحمّد مبروك عليك ... الجزائر رجعت ليك ..." يعني أن الانزلاق نحو الدولة الدينية كان منذ البدايات الأولى لذلك لا عجب أن نرى اليوم ما يحدث في العالم العربي من أعمال إجرامية تحت شعارات همجية مستمدّة من الغزو الإسلامي الأموي ولا غرابة أن يحمل أولئك المجرمون ذات الأسماء فهذه كتيبة عقبة بن نافع تقتل الأبرياء في تونس وهذا الخليفة أبو بكر يتزعم داعش في الهلال الذي كان خصيبا ... الخ
عادوا بنا إلى ثقافة الاستشياخ الإسلامي فلا علم إلا علم كتابهم ولا مرجع إلا مرجع فقههم وتحولت أقسام العلوم الإنسانية إلى تكايا لتنابلة الضلالات البدوية المتصحرة المعادية للحضارة والعقل والإنسانية وأصبح "دكاترة" العلوم - التي كانت إنسانية- في أيامنا هذه يبررون ويعللون ويستدلون بماذا ؟ بـ : قال ابو هريرة وفسر ابن تيمية واجتهد ابن قيم الجوزية !

#الشهيد_كسيلة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات