أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - نايف سلوم - إسهام في مُشكل الأقليات















المزيد.....

إسهام في مُشكل الأقليات


نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)


الحوار المتمدن-العدد: 1351 - 2005 / 10 / 18 - 07:57
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


ينطرح مشكل الأقليات القومية ، الإثنية والدينية عندما يتعرقل مشروع بناء الأمة أو مشروع بناء الأغلبية الاجتماعية/السياسية، المشروع القومي العربي الديمقراطي بقيادة الاشتراكية الماركسية عبر نمو هيمنة البروليتاريا العربية وبرنامجها القومي الديمقراطي. الأوضاع الإمبريالية هي المسؤول الأساسي عن هذا الانسداد ، بالتالي الطائفية ليست صفة جوهرا نية للثقافة الدينية، إنما هي استغلال التنوع الثقافي والقومي لتكريس التبعية والتخلف ، بالتالي تأبيد العلاقة الكولونيالية كعلاقة تبعية عضوية بالإمبريالية وعلاقة تخلف.

علينا أن نحدد مستويين في طرح مُشكل الأقليات : المستوى الأول يخص الأقلية القومية معرفة بالتقابل مع الجماعة العربية والتي تشكل الأغلبية السكانية في الأرض التاريخية للعرب. ومعرفة بذاتها على شكل أقلية قومية خامدة كالأرمن والشركس والسريان والآشور وغيرهم من الأقليات الخامدة سياسياً . أو على شكل أقلية قومية نشطة سياسياً وحية كالأقلية القومية الكردية في تركيا وإيران والعراق وسوريا . وهذه الأقلية هي أمة لها حق تقرير مصيرها في أرضها التاريخية في تركيا والعراق وإيران ، أما وضع الأقلية الكردية في سوريا فسوف يدخل في سياق الأقلية القومية الطارئة والتي سوف تتمتع بحق المواطنة وبالحقوق الثقافية كأية أقلية قومية غير مشمولة بحق تقرير المصير .
المستوى الثاني من مستويات مقاربة مشكل الأقليات هو حق المواطنة ، أي التعامل مع جميع رعايا الدولة الواحدة كأفراد متساويين في الحقوق المدنية والسياسية ومتساوين في الواجبات .
في مفهوم المواطنة نشير إلى أن المواطنة تعني المساواة في الحقوق والواجبات الاجتماعية وإلى المشاركة من الناحية السياسية وبهذا المعنى تكون المواطنة توأم الديمقراطية السياسية. المواطنة للجميع بغض النظر عن التصنيف القومي أو الديني أو الإثني. لا يتعزز الانتماء الحق إلى الوطن كهيمنة سياسية لطبقة أو تحالف طبقات من دون تكريس حق المواطنة ، ومعها الديمقراطية السياسية. بالتالي يمكن القول أن معيار وطنية أي طبقة مسيطرة ومهيمنة هو ديمقراطيتها السياسية ، وعدالتها في توزيع الثروة القومية
هناك تحديد اجتماعي (سوسيولوجي) للأقلية وهي الأقليات الدينية كالأقليات المسيحية على تنوعها ، والأقليات اليهودية العربية والأقليات الإسلامية كـ الدروز والعلوية والإسماعيلية وغيرها . وهذه الفرق الدينية هي بقايا متكلسة "لأحزاب سياسية" في العصر الإسلامي الوسيط انغلقت على نفسها ثقافياً فتكلست . وهي معرفة كأقلية بالتقابل مع الأغلبية السنية في العصر الوسيط وسوف نعالج هذه المسألة في مستوى حق المواطنة لما لتفجر هذا المشكل من علاقة بإحباط التحديث العربي بكل أشكاله التاريخية الفعلية . لقد أدت قيادة البورجوازية بكل أشكالها ، التقليدية الليبرالية المدينية [أعيان المدن السورية ، والملاك العقاريين في مصر كأمثلة ] ، والصغيرة والمتوسطة المدينية والريفية منها إلى إعادة إنتاج أشكال من العلاقات الاجتماعية والانتماءات ما قبل الرأسمالية كالطائفية والعشائرية وإلى نوع من الو لاءات العائلية والطائفية.
هكذا النظام الرأسمالي الطرفي التابع أو الكولونيا لي، [ أو علاقات الإنتاج الرأسمالية الكولونيالية] يعيد إنتاج نفسه، بحكم أزمته التاريخية، كنظام طائفي. والطائفية بهذا المعنى هي شكل تمظهر النظام السياسي الكولونيا لي
من موقع النظر البورجوازي، يظهر هذا النظام لجماهير الكادحين الواقعين تحت سيطرة الأيديولوجية السائدة كنظام طائفي وليس نظاماً كولونيا ليا [راجع مهدي عامل "مدخل إلى نقض الفكر الطائفي" الطبعة الثانية دار الفارابي 1985 ص 240] . يكتــــب د. برهان غليون : "إن الانسداد الذي عبر عنه النظام [العربي] الحديث في شكله الليبرالي أولاً ثم في شكله الحكومي المدوّل ثانياً هو الذي يهدد اليوم بعودة الشكل القديم للصراع لغة وتنظيماً [اللغة الدينية والمسجد والحزب الديني ] " [المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات ص 28 ] لكن هذا الانسداد ليس سوى التعبير المنطقي عن العجز التاريخي للنظام الكولونيا لي كنظام رأسمالي طرفي تابع ، بحكم طبيعة ولادته التاريخية والتي تزامنت مع المرحلة الإمبريالية في الرأسمالية والتي هي أي الإمبريالية تيار مضاد للميول "الطبيعية للرأسمالية " نما هذا التيار بحكم الأزمة العامة للرأسمالية في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وعلى أرضية النمو السياسي والتاريخي للبروليتاريا الأوربية . إن الكولونيالية كنظام رأسمالي طرفي هو الوليد المسخ للنظام الإمبريالي الرأسمالي ، وهو الجانب المكمل للنظام المذكور.
يحتل المستوى القومي في تحديد مفهوم الأقلية امتيازاً على أرضية تحدّيه للكولونيالية الرأسمالية نهاية القرن التاسع عشر بالنسبة للمنطقة العربية . ولهذا التحدي غرضين، الأول التعبير عن استجابة حديثة بحجم التحدي الكولونيالي الرأسمالي، والثاني متطلبات التحديث الاجتماعي الاقتصادي والسعي لبناء السوق القومية وإنجاز التصنيع ومن دون ذلك تبقى الاستجابة والمواجهة للغزو عاجزة . لقد استطاعت القوى الاستعمارية اجتياح الولايات العربية على أرضية تفوق نمط الإنتاج الرأسمالي على التشكيلات ما قبل الرأسمالية كـ التشكيلات الخراجية في المشرق العربي والإقطاعية في أوربا . إن أثر هذا الغزو في البنى المحلية هو ما نسميه بالخصوصية العربية . ويتطلب عقل هذا الجدل نقداً جذرياً للبنى المتأخرة ومنها التراث القومي العربي ومنه الديني من جهة ، وتبني خيار تاريخي لبناء التحديث العربي من ضمنه بناء أيديولوجية تهيمن على عملية التحديث وتربط أجزاءها المتباعدة . ولقد أشير إلى الاشتراكية الماركسية كمرشحة لتلعب هذا الدور الهيمني مأخوذة كلحظات ثلاث: لحظة تعليمية ، ولحظة إنتاج علم تاريخي اجتماعي بالعصر وبالخصوصية العربية، ولحظة إيديولوجية عضوية وممارسة سياسية ، أي نظرية عصرية هنا، وحزب سياسي . بهذا المعنى يكون الماضي منقودا والمستقبل مشغولا. ويمكن أن نشير هنا إلى الرابط الذي أعلنته الأحزاب الاشتراكية العقائدية، كالبعث والاتحاد الاشتراكي العربي، بين تجاوز الطائفية من جهة والاشتراكية من الجهة الثانية ، لكن تبين أن الاشتراكية المقصودة كانت اشتراكية عقائدية أو اشتراكية فظة حسب تعبير لماركس في البيان الشيوعي ، وهي تقوم على أساس تحويل في التوزيع لا على أساس تحويل في علاقات الإنتاج الرأسمالية الكولونيالية، أي أن هذا "التحويل" يبقى في دائرة الملكية الخاصة الرأسمالية وبالتالي يُبقي على التبعية، وبالتالي يعيد هذا "التحويل " إنتاج العلاقة الطائفية كعلاقة كولونيالية، أي كتمظهر أيديولوجي وسياسي للرأسمالية الطرفية التابعة الرثة. السلفية الدينية مهزومة سلفاً لأنها تشبه محطمي الآلات، وهي لذلك تخرج التحديث العربي من حساباتها ، وتخرج شكل الملكية أيضاً ، إنها ردة فعل دوغمائية تجاه الغرب الإمبريالي، وردة عاطلة ورجعية موجهة نحو ماض ولّى زمنه .
تصنف الأقليات السوسيولوجية على أساس ديني أو إثني عندما لا تميل للتعبير عن نفسها سياسياً أي عندما لا تعبر عن نفسها عبر الأحزاب السياسية. هذا التصنيف ظاهري وانتروبولوجي وضعي وغير نقدي يتعامل مع الفرق الدينية وكأنها ما تزال تعيش شرطها في النمط الخراجي للإنتاج وضمن سيادة الدين الإسلامي كمهيمن على جميع مناحي الحياة الاجتماعية الاقتصادية. لكن مع هيمنة الأوضاع الإمبريالية في المراكز الرأسمالية والتي تعبر عن نفسها على شكل علاقات كولونيالية في أطراف النظام الرأسمالي ينقلب الوضع وتغدو الطائفية شكل تمظهر النظام الكولونيالي والعلاقة الكولونيالية .
بمجرد تعبير الفرقة الدينية عن نفسها سياسـياً تكون قد دخلت في التصنيف القوموي/ السياسوي ، أي دخلت على خط الطموح لبناء دولة حزبها . ومثال ذلك الأقلية اليهودية التي تبنت وجهة نظر الحزب الصهيوني . والصهيونية طائفية بهذا المعنى وعصبوية ، فهي وضع إمبريالي ، أي مرتبط عضوياً بالظاهرة الإمبريالية يكتب الدكتور أميل توما "لكن أيديولوجية القومية البورجوازية التقدمية كانت قد تحولت ، في أوربا في نهاية القرن التاسع عشر ، وقت ظهور الصهيونية ، إلى أيديولوجية التوسع الإقليمي على حساب الشعوب ، وبهذه الأيديولوجية اقترنت الصهيونية لا بغيرها " [جذور القضية الفلسطينية ص 49 ط 1973]. لقد سخرت الدين اليهودي لخدمة السياسة ، حيث استغلت "اضطهاد الأقليات القومية [الأقلية الدينية[ اليهودية في شرق أوربا لغرض السياسة الإمبريالية الرامية إلى تأمين سيطرتها " [ راجع : الأممية الشيوعية والثورة العربية ، الكفاح ضد الإمبريالية ، الوحدة ، فلسطين، وثائق 1931 ترجمها وقدم لها الياس مرقص دار الحقيقة بيروت 1970 ص 158] وبالتالي يقوم وجودها على إنكار الطوائف الأخرى . ومن هنا فهي قومية رجعية وليست مشروعا قومياً هدفه تجاوز نظام الطائفية السياسية كنظام كولونيا لي وبناء الأمة بالمعنى التاريخي والمتقدم كالقومية العربية الديمقراطية المعادية للإمبريالية كمشروع ديمقراطي تقدمي. والقومية كمهمة ديمقراطية كبرى هي مهمة رئيسية من مهمات الماركسيين العرب .
مثال آخر للأقلية السياسوية أو الجماعات العصبوية الجماعات الدينية الإسلامية التي شكلت أحزابها السياسية كالجماعات الإسلامية المتحزبة والمسيحية كالمارونية السياسية . أي التي عبرت سياسيا وليس ثقافيا عن وجودها الاجتماعي. وعلى هذا الأساس تعامل الجماعة الدينية السياسية على أساس برنامجها السياسي وليس على أساس معتقدها الاجتماعي الديني أو تميزها الثقافي. أي يتم إخضاع هذه البرامج السياسية والحزبية للنقض والتفنيد . ويكون الموقف التكتيكي منها على أساس نتائج هذا التفنيد. كما تعامل من ناحية منهجية على أساس عصبويتها وطائفيتها والتي تحمل مفارقة تاريخية في وجودها كجماعة سياسية: فهي تدعو لتجاوز الوضع السائد ولو لمصلحتها لكنها بعصبويتها وطائفيتها تكرس السائد وتعمقه، فهي عقبة ذاتها في دعوتها لتجاوز ما هو قائم. لكن يفترض أن نشير إلى أن العصبوية السياسية هي شكل للنظام البورجوازي الطرفي السائد ، والذي بدوره يشير إلى طور أزمة البورجوازية كطبقة عالمية في المراكز وفي الأطراف. بالتالي تكون السلفية الدينية العالمية ومنها الإسلامية أحدى تمظهرات أزمة النظام الإمبريالي الرأسمالي القائم. حيث تعبر هذه الأزمة عن نفسها بتحول الثقافي إلى أيديولوجي وبالتالي إلى سياسي ، أي تنخرط الفرقة الدينية في الصراع الاجتماعي كأحزاب سياسية دينية ، بالتالي التأسيس لنظام الطوائف الكولونيالي.
تتساوى الجامعة الإسلامية (الخيار الإسلاموي) مع الجامعة القومية( الخيار القوموي) في طرحهما المربك والمفارق لمسألة الأقليات . فالجامعة الإسلامية تنبذ بحكم تعريفها نفسه غير المسلم ، والجامعة السياسية القوموية [ ذات النزعة القومية] تنبذ بحكم تعريفها الأقليات القومية الأخرى . الأولى تتبنى الشرع الإسلامي بينما الثانية تتبنى علمانية تلفيقية . نقتبس من المستشار طارق البشري " إن القصور النظري في الفكر الإسلامي السائد، بالنسبة لتحقيق المساواة التامة للأقليات غير المسلمة ، قد يقابله قصور نظري مماثل في الفكر القومي بالنسبة للأقليات القومية غير العربية في الوطن العربي" [ المستشار طارق البشري "في المسألة الإسلامية المعاصرة – بين الإسلام والعروبة دار الشروق 1998 ص 53 ]
العلمانية والمواطنة مفاهيم حديثة جاءت بها البورجوازية الأوربية زمن صعودها أو في مرحلتها الديمقراطية 1500-1850 . طرح العلمانية كخيار لإنجاز التحديث العربي هو طرح سياسوي حيث يقتصر هذا المفهوم على البنية الفوقية . العلمانية قد يطرحها الاشتراكي أو الاشتراكي الماركسي أو الليبرالي العربي . العلمانية كتحديد معزول عن الخيار الاجتماعي الاقتصادي تجريد يراد منه إبعاد الشرع والفقه الديني عن الحياة الاجتماعية ، وإبعاد التأثير الديني على البنية الفوقية السياسية التي هي الدولة . أي فصل الدين عن الدولة . أي هو طرح سياسوي أيديولوجي مقطوع عن أساسه الاجتماعي الاقتصادي . فحين طالبت البورجوازية الأوربية الصاعدة بفصل الدين عن الدولة كان لديها خيار تاريخي اجتماعي – اقتصادي . لقد كان كفاح البورجوازية الصاعدة الديمقراطية ضد الكنيسة الكاثوليكية كبنية فوقية سياسية وأيديولوجية للإقطاع الأوربي كفيل بإنجاز هذا الفصل بين الدين والدولة ، من دون أي افتعال تاريخي . الدعوة العلمانية المعزولة عن خيار تاريخي يتجاوز النظام الكولونيالي كنظام رأسمالي طرفي تابع ، تبقى دعوة شكلية معزولة وسطحية . ولا تأخذ كامل أبعادها التاريخية إلا بتعاضدها مع الاشتراكية الماركسية كدعوة لتجاوز العلاقة الكولونيالية والنظام الكولونيالي. أي لتجاوز سيطرة البورجوازية الطرفية الرثة .
المقاربة الماركسية لمسألة الأقليات تجد تعبيرها في اعتبار المسألة القومية العربية مهمة ديمقراطية كبرى من مهام البرنامج الديمقراطي للبروليتاريا العربية وبرنامجها الديمقراطي ، وبالتالي تجد حلها التاريخي في بناء الأغلبية القومية أي مشروع بناء الأمة ، وإنجاز مشروع النهوض القومي العربي الديمقراطي . فتحرر الأغلبية الشعبية والقومية هو هو تحرر الأقليات القومية الأخرى. لهذا السبب نقول أنه " لا يمكن لأغلبية شعبية وقومية أن تكون متحررة حقاً و ديمقراطية حقاً إذا لم تحرر الأقليات القومية الأخرى ، و تُجري حق المواطنة على الجميع .
لقد ارتدّت الأغلبية السنية في سوريا بين الحربين العالميتين من أغلبية سياسية ذات طموح تاريخي بفعل سيطرة وهيمنة أعيان المدن السنة إلى أغلبية طائفية تسعى من خلال الدفاع عن وجودها الذاتي إلى تحطيم الأقليات الطائفية الأخرى، وبالتالي تحولت إلى أقلية سياسية تعبر عن ذاتها سياسياً عبر الحزب السياسي الإسلاموي . ونطرح هنا السؤال الذي يطرحه الدكتور برهان غليون : "كيف تحولت الجماعة [الإسلامية]ككل من أغلبية إلى أقلية سياسية ؟ ... فتاريخ تحول الجماعة الإسلامية ، السنية في العالم العربي والشيعية في إيران ، إلى طائفة هو الذي يستحق الدراسة ويفسر بعض جوانب التاريخ الراهن للصراع السياسي الداخلي العربي والفارسي " [د. غليون المسألة الطائفية ومسألة الأقليات ص21 ] . في أسباب هذا التحول أقول : إن العجز التاريخي للبورجوازية التقليدية السورية بين الحربين ، وهو وليد طبيعتها الكولونيالية، وكذلك في مصر عن إنجاز المهام الديمقراطية في التحديث الاجتماعي والتصنيع وفي بناء السوق القومية العربية الواحدة ، أي في إنجاز مشروع النهوض القومي العربي الديمقراطي ، وفي مواجهة المشروع الصهيوني القومي الرجعي ، هذا العجز مع ما رافقه من انهيار سياسي لأعيان المدن السورية السنة وكذلك لطبقة الملاكين الكبار للأرض في مصر والبورجوازية الليبرالية بعد الحرب العالمية الثانية على أرضية الانعطاف الاقتصادي العالمي منذ منتصف الثلاثينات من القرن العشرين وما رافقه عربيا من تهمش تصدير القطن السوري والمصري وتصدير الحرير الطبيعي اللبناني ، وما رافق ذلك من صعود للأحزاب العقائدية اعتبارا من منتصف الثلاثينات من القرن العشرين وبحكم السياسات الفرنسية الاستعمارية الإمبريالية التي قامت على التعاطي مع الأقليات الدينية كالموارنة في لبنان، وتشجيعها على بناء جيش سوري عناصر الصف فيه في أغلبيتها من الأقليات الدينية كالعلويين والدروز و السنة من أصول ريفية وغيرهم . نقرأ عند فيليب خوري : "ثمة عامل آخر ظهر خلال الانتداب وســاهم كثيراً في تجذ ير المؤسسة العسكرية بعد الاستقلال ، وهو تركيبه المتبدل . فوفقا للتخطيط الفرنسي ، طور الجيش تركيباً ريفياً وأقلوياً قوياً ، كان للعلويين فيه موقع مرموق . وقد صح هذا بصورة خاصة في صفوف الجنود وضباط الصف ... ولكي يعبر صغار الضباط العلويين والدروز والسنة[من أصل ريفي] عن أهدافهم وتطلعاتهم ، فإنهم كانوا يحتاجون إلى أيديولوجيا . والبعث كأيديولوجيا وفر إطاراً من الأفكار كان مرناً بما يكفي غاياتهم . إذ شدد برنامجه على إصلاح [زراعي] وعلى إجراءات اقتصادية أخرى ترمي إلى المساواة [التأميمات]، وندد بالطائفية الدينية " [ سوريا تحت الانتداب سياسة القومية العربية 1920- 1945 ص 694 مؤسسة الأبحاث العربية 1997] نقرأ أيضاً عند بتريك سيل في كتابه "الصراع على سوريا " : "في أواخر صيف 1957 أصبحت سوريا على شفا الانحلال كمجتمع سياسي منظم .. لقد كانت هناك أسباب معقدة لانهيار التقاليد السياسية " [ص 401-402-403]
لم تفعل الدولة القطرية العربية "العلمانية" سوى التغطية على استبداد "الأغلبية" السياسية [الحزبية] بإعطاء الطوائف الدينية حرية المعتقد . لقد كانت الحرية الدينية قناعاً لممارسة الاستبداد السياسي وتكريس حزبية الدولة والتفرد بالسلطة السياسية . بالتالي دفع الأغلبية السياسية للتحول نحو أغلبية طائفية تحت وقع التكييف السياسي للموالين ، والتحطيم السياسي للخصوم . إن غياب المشروعية التاريخية للدولة القطرية وانحطاط مشروعها التحديثي جعل من "علمانيتها" مشروع إنكار وحذف متبادل بين الطوائف الدينية والقومية مما ولد خداعاً سياسياً وعدم ثقة بأي مشروع إيديولوجي للتحديث العربي ، وعدم ثقة بين الطوائف المختلفة. ودفع الطوائف المعاد إنتاجها نحو المطالبة بنصيبها من السلطة السياسية . يكتب د. برهان غليون : " تبدأ المشكلة الحقيقية عندما يصبح لهذا التمايز الثقافي [ للأقليات] وجود سياسي مميز ، أي تصبح الأقلية أو الطائفة حزباً سياسياً وقناة للسلطة " [ د. غليون المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات ، دار سينا للنشر 1988 ص 19 ] ويضيف " يترافق الانحطاط والانكماش الاجتماعيين بعودة التقسيمات العمودية التي تخلق أنماط حياة متميزة ومتفاوتة بشدة بين الجماعات . كل مجتمع يتحول في مرحلة انحطاط نظامه الاجتماعـي إلى مجتمع عصبوي " [ ص 17 مرجع مذكور ]



#نايف_سلوم (هاشتاغ)       Nayf_Saloom#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة في الجنون
- الكتاب اللامعقول أو -كتاب الرمل ل بورخيس-
- تصدير الديمقراطية الغربية
- حياة سَيّد محمود القمْني - إعلان براءة صريحة وتوبة
- أجوبة على أسئلة موقع الحوار المتمدن-الماركسية وأفق البديل ال ...
- في مخاطر المواجهة بين الديمقراطية والحريات السياسية
- الحركة الشيوعية في المشرق العربي-خصوصية النشأة
- الازدهار القطري للرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية
- الحادي عشر من أيلول/سبتمبر اللبناني
- شبح الليبرالي العائد، قراءة نقدية في مشروع البرنامج السياسي ...
- المطلق والنسبي-نهاية النضال النظري
- قراءة نقدية لـ مشروع ميثاق العمل الاسلامي لـ الدكتور محمد شح ...
- خطوة تالية أم إعلان نوايا
- من الشيوعية الستالينية إلى المنتدى الاجتماعي
- جاك ديريدا --المعارضة البرلمانية للبنيوية أو بغض الكتاب
- قراءة نقدية لـ -الميثاق الوطني في سورية- المنبثق عن المؤتمر ...
- قراءة نقدية في ميثاق شرف الشيوعيين السوريين
- قراءة نقدية في البرنامج السياسي والنظام الأساسي للتجمع الوطن ...
- ديالكتيك الانعكاس في الفن
- نداء إلى شعوب إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين


المزيد.....




- تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ ...
- بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق ...
- مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو ...
- ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم ...
- إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات ...
- هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية ...
- مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض ...
- ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار ...
- العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - نايف سلوم - إسهام في مُشكل الأقليات