بانتظار موعد صدور قرار المحكمة العليا الإسرائيلية يوم غد الخميس في قضية ترشيح قائمة حزب التجمع الوطني الديمقراطي, وكل من النائبين عزمي بشارة واحمد الطيبي" مع الأخذ بعين الاعتبار الدوافع والأسباب", يقف المرء مندهشا من بعض ما يروج عن الديمقراطية الإسرائيلية, خاصة أنها سقطت عند أول اختبار واجهتته, حين رفض القاضي حيشين مسوغات المستشار القضائي للحكومة واعتبرها تفتقد لأي أساس قانوني, لكن بالرغم من قرار القاضي إلا أن السياسة العنصرية التي اجمع عليها ممثلي الأحزاب الإسرائيلية كافة هي التي حسمت الأمر وانتصرت على الديمقراطية,عبر شطبها قائمة التجمع وترشيح النائبين بشارة , وقبله النائب الطيبي.
عن أية ديمقراطية إسرائيلية يستطيع المرء أن يتحدث, ديمقراطية محاكم التفتيش الجديدة أم اللجان السياسية التي تحجب الضوء والنور عن الجهات القضائية. أم عن المؤسسة الأمنية التي لا صوت يعلو فوق صوتها. فإذا ما عدنا لتوصيات المستشار روبنشتاين, سنجدها تعتمد في معلوماتها اعتمادا أساسيا على المخابرات الإسرائيلية وجهازي الشاباك والموساد.
على مر الحرب العربية الإسرائيلية ومنذ نكبة فلسطين وما تلاها من مآس, كمذبحة كفر قاسم وغيرها, لم تكن الأمور بالنسبة للعرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر خطيرة ومصيرية مثلما هي اليوم. فالتصعيد العنصري ضدهم أخذ شكلا خطيرا, ينذر بحدوث انقلاب في التعامل معهم, ليس بالضرورة انقلابا ابيضا, خاصة إذا ما عدنا لسنة الانتفاضة الأولى, حيث وقعت هبة الأقصى, فكان الثمن 13 شهيدا ومئات الجرحى, سقطوا برصاص الديمقراطية الإسرائيلية!.
ولم تكلف إسرائيل نفسها عناء تشكيل لجنة محايدة للتحقيق في المذبحة التي ارتكبتها أجهزتها الأمنية وسلطاتها السياسية ضد مواطني دولة إسرائيل من العرب الفلسطينيين. هذا إذا كانوا فعلا مواطنين في دولة إسرائيل, لأن الدلائل تشير إلى إن إسرائيل لا تعترف بهم كمواطنين, بسبب أن الدولة اليهودية لليهود فقط, أما الزوائد في الدولة فهم عبئ عليها يجب التعامل معه بطرق تحفظ عزله وتخلفه عن ركب المجتمع المدني اليهودي المسيطر على ارض السكان الأصليين. أي بمعنى آخر أرض عزمي بشارة والتجمع وصوت الحق والحرية وأحمد الطيبي وعرب 48.
إذا كانت مقولة عزمي بشارة ومطالبته الدولة بأن تكون دولة لكل مواطنيها قد جعلت منه الضحية التي يراد نهشها, فكيف ستكون الأمور عندما تلتف كافة الجماهير العربية حول هذه المقولة التي تعيد ترتيب الأوضاع من جديد. لأنها المقولة التي يجب أن تصبح شعارا حقيقيا, فضمن هذا الشعار الذي يكشف عورات إسرائيل ويعريها من داخلها, نستطيع فضح زيف الديمقراطية الصهيونية وزيف دولة لكل مواطنيها,لأنها دولة لكل يهودها وليس لكل سكانها. وعندما تلتف كافة القوى والأحزاب العربية حول شعار المواطنة الكاملة وتهب بشكل جماعي موحد للدفاع عن أي جزء من الحركة الوطنية يتم الاعتداء عليه, ستكون مردودات العمل فاعلة ونافعة أكثر, وقد تأتي بثمارها بشكل أسرع. لذا على الجميع الدخول إلى ساحة المعركة والتصدي للحملة الشرسة التي تستهدف الجميع ولا تستثني أحدا. فالبداية مع عزمي بشارة والتجمع والنهاية ستكون مع الجميع. لأنه لا يوجد بينكم من هو معصوم عن الشطب سوى الذين يرتهنون ويعملون لحساب العنصرية الإسرائيلية.
من المؤكد والمحسوم في هذه الحملة على العرب أن الحملة بدأت ولن تتوقف بسرعة, لأنها تلتقي مع حملة إبادة وتدمير الشعب الفلسطيني وحقوقه الشرعية والعادلة, عبر إعادة احتلال الضفة والقطاع من اجل فرض حل إسرائيلي على الفلسطينيين. فالتصعيد الذي بدأ باعتقال عددا لا بأس به من المواطنين العرب بتهمة مساعدة "الإرهاب الفلسطيني" ومحاكمة البعض والزج بهم في السجون أو الإقامة الإجبارية في منازلهم, بالإضافة للاعتداءات اليومية التي يتعرض لها العرب في الداخل, كما حدث في جامعة القدس ومعهد صفد وبئر السبع, كذلك على خطوط و طائرات العال مع المسافرين العرب. ثم قرار إغلاق صحيفة صوت الحق والحرية, ومنع القيادات العربية من التحرك بحرية والسفر إلى الخارج, هذه كلها مؤشرات تدفعنا للاعتقاد بأن صدها وإفشالها لا يمكن أن يكون من جانب حزب واحد أو جهة واحدة, لذا مطلوب من الجميع مساعدة نفسه في هذه المواجهة بين الحق والباطل, وبين العدل والقوة, والاستعلاء والإرادة الحرة.
يوم غد ستوضع النقاط على الحروف, وستنكشف حقيقة هامة, تكمن في نزاهة القضاء الإسرائيلي وعصيانه على التدخل الأمني والسياسي والحكومي. فالقضاء الإسرائيلي على المحك وكذلك الجماهير العربية وقياداتها السياسية والروحية على المحك أيضا. لأنه بناء على قرارات المحكمة غدا سيتحدد المستقبل القريب وربما البعيد للأقلية العربية التي تمثل 20% من سكان البلاد. لأن هؤلاء يعتبروا العقدة التي يصعب حلها دونما أن تتخلى إسرائيل عن العنصرية التي تنتهجها وتنظمها وتنسقها منذ أكثر من خمسين عاما, وعلى أساسها تعمل ضد السكان الأصليين وتصادر أراضيهم وحقوقهم الطبيعية والبديهية.
إذا اتخذت المحكمة قرارا يؤكد منع قائمة حزب التجمع وبشارة والطيبي من الترشيح, فهذا سيعمق الخلاف الموجود أصلا بين العرب واليهود في دولة اليهود ووطن الفلسطينيين, كما انه سوف يفضح إسرائيل عالميا ودوليا, وهي ليست بحاجة لفضائح جديدة لأن سجلها حافل بالفضائح والنقاط السوداء والخروقات لكافة حقوق الإنسان والشعوب والمنظمات والسكان تحت الاحتلال. لكن العنصرية الإسرائيلية المنفلتة والتي لا تبالي بالعالمين العربي والغربي, لا تريد أن ترى العالم من حولها ولا تريد أن ترى الفلسطينيين بجوارها, لذا فهم يسجلون أعنف تعامل احتلالي دموي استعلائي استعماري مع الفلسطينيين في مناطقهم المحتلة عام 67 ومع الفلسطينيين من عرب الداخل في نطاق الكيان الإسرائيلي.
هناك في الضفة والقطاع قتل وحصار وتدمير وتجريف ومصادرة واستيطان ومجازر ومذابح واحتلال يمارس كل أنواع البشاعة عن قناعة. أما في الداخل فيوجد نظام عنصري يمارس التفرقة العنصرية على مواطني الدولة الذين لا يعترف بهويتهم ومواطنتهم لمجرد كونهم من غير اليهود. وكون اعترافه بهم يلغي يهودية الدولة, تلك التي قامت من أجل إيجاد دولة للاستعماريين الصهاينة الذين تلاقت مصالحهم مع مصالح الاستعمار الغربي. كما أنها لازالت تلتقي على أساس السيطرة والهيمنة على المنطقة العربية وتحويلها لسوق اقتصادي خاضع لإرادة الغرب ورأس حربته الدائم الموجود هنا, أي إسرائيل.
هذا النظام الإسرائيلي الذي يعتمد في حياته على أنابيب الضخ الأمريكي واليهودي العالمي المتمثل بالحركة الصهيونية العالمية, وعلى التخبط والتشتت والضعف العربي الرسمي والكسل العربي الشعبي,أنكشف وتعرى أمام العالم , فلم تعد تنطلي أكاذيبه على الرأي العام العالمي. وهذه القضية هي المناسبة الأفضل توقيتا ومعطيات من اجل تعريته بشكل نهائي. لأن القضية تخص النظام من داخله وهي في صلب الديمقراطية الإسرائيلية التي طالما تغنت بها دولة اليهود وحدهم. هذه القضية تنتصر فعلا بوحدة الهدف الأسمى بالنسبة لكل القوى العربية داخل إسرائيل, أي القوى القومية والوطنية والإسلامية, فالوحدة شرط من شروط النجاح والانتصار, إذا فلتكن وحدتكم الحقيقية الآن في هذا الامتحان العسير ولتتفقوا على أن لا تختلفوا في مواجهة من يريد شطبكم.