|
علم الله - الجزء الخامس و الأخير : إثبات وجود الله !؟
مهاب مجدى يوسف
()
الحوار المتمدن-العدد: 4904 - 2015 / 8 / 22 - 21:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في مقالتين سابقتين في " علم الله " قمت بتحليل نموذجين مما يطلق عليه البعض " إثبات " وجود الله - البرهان الأخلاقي ، و وجود الكون . بالطبع هناك العديد و العديد من المواضيع لتحليلها تحت هذا العنوان ، لكنني رأيت أن أختار فقط مثالين لتوضيح الفكرة الرئيسية لهذه السلسلة ، و هو ما انتهى به كلتا المقالتين "أن هذا ليس إثباتاً ، لكنه إشارة قد تشير إلى وجود إله"، و كل إشارة يمكن نقدها و نقضها ، و يمكن نقد النقد .... وهكذا .
لا يوجد " إثبات " لوجود الله ، و هذا ليس بمثابة رأي لشخص درس كل ما " سُمي " بالإثباتات و قام بتحليلها ( لأنني فعلياً لم أفعل ) بل هو رأي مبني على ثلاث نقاط هم :
أولاً : مفهوم الإثبات : ---------------------- الإثبات هو تقديم ما يكفي للتأكد و لإقرار شئ بنسبة 100 % ، لن أتحدث عن 100 % مرة آخرى و لكن يمكن الرجوع لمقال " عندما أتحدث عن - الجزء الثاني : الحقيقة 2 " . فليس هناك ما هو مُؤكَد تماماً أنه يوافق الواقع و لكن هناك ما هو أقرب إلى الواقع ، و هذا الأخير نصل إليه بالتجربة ، و لكنه يظل " غير مؤكَد بنسبة 100 % " و يخرج عن نطاق الإثبات . [1] " ما يكفي للتأكد " ، أعتقد أنه من المنطقي أن كل شئ أريد إقراره ( و إن لم يكن بصورة مطلقة / 100 % ) لابد و أن أقدم حجةً تتوافق مع حجم ما أريد التأكد منه ، فلا يكمنني أني أتخيل ما هي الحجة التي تتوافق مع التأكد من شئ بحجم وجود " إله " ( أو الإله ) !!
ثانياً : طبيعة الله : ------------------ كل موجود في عالمنا لابد و أنه مادي زماني مكاني ، و عليه يمكننا القول بأن شئ موجود بناءاً على أنه مادي زماني مكاني ، و هذا هو مفهومنا عن الوجود . و لكن عندما ننطلق من مفهوم " إله خارج الزمان و المكان و غير مادي " ، لأنه خالق الزمان والمكان و المادة ( بحسب ما إنطلقنا ) ، هنا لا يمكننا فهم هذا الوجود . فإما أن نقول أن وجوده يختلف عن وجودنا ، أو أنه " غير موجود " بحسب مفهومنا عن الوجود . و إن أردنا أن نطبق مفهوم " ما هو أقرب إلى الواقع " - بإعتبار قضية وجود إله من عدمه هي في ذاتها مطلقة و لكن نريد قياسها و قياسنا نطلق عليه " حقيقة " – لن نستطيع ! لأن القول بأن هناك شئ أقرب إلى الواقع يكون كنتيجة " تجربة " ، و لكن طبيعة الله ( الغير زمنية الغير مكانية الغير مادية ) أعتقد أنها غير قابلة للتجربة للتأكد من وجوده أو من عدم وجوده .
ثالثاً : مفهوم الإيمان : --------------------- و هي أهم نقطة للحديث عن عدم وجود إثبات ، فتعريف الإيمان "هو الثقة بما يُرجى والايقان بأمور لا ترى" ( عب 11 : 1 ) . و هنا يمكنني أن أسميه " إختيار " ، لأنه مجرد إختيار أن تثق فيما تترجوه . فهذه الإشارات على وجود الله غير كافية للتأكد من وجوده ، لكنها كافية كي تختار أن تصدق . و هنا نأتي للمعضلة الإيمان/الإثبات ، فالإثبات لا يتماشى مع طبيعة الإيمان !! فالقول بأن للأرض جاذبية ليس فيه أي إختيار ، فأنت " مُجبر " أن تقبل أن للأرض جاذبية ، أما الإيمان بوجود إله فمن المُفترض أنه يكون عن " إختيار " . لذا فالإشارة " ليست برهاناً يخاطب العقل و يفرض نفسه عليه ، بل هي علامة تُعرَض على الشخص ليؤمن بالله .... فهي تُعرَض ولا تُفرَض عليه . و إن رفضها الشخص ، ظل سليم العقل لأن العلامة تخاطب حريته في أن يؤمن أو لا يؤمن . فالعلامة – على خلاف البرهان – تفتح مجالاً لحرية الإنسان " . [2] هنا نقطة في غاية الأهمية ، لأن مَن يؤمن بوجود الله ، فهو فقط اختار ذلك .. و مَن لم يؤمن ، فهو لم يختار أو - ربما - يريد المزيد ليختار . فنخرج عن دائرة قول بعض المؤمنين بأن الإلحاد هو مرض نفسي ، أو العكس .
نقطة أخيرة كختام لهذه السلسلة ... " الإيمان و نقطة الإنطلاق " :
ينطلق الأخ جورج من أن المسيحية الأورثوذكسية هي الحق ، و من ثَم يبحث عن أيهما أقرب إلى الحق ( على سبيل المثال ) : " مدرسة الأب متى المسكين أم مدرسة البابا شنودة " ... و لكن الأخ مينا ينطلق من أن المسيحية هي الحق ، و من ثّم يبحث عن أيهما أقرب إلى الحق : الكاثوليكية أم الأورثوذكسية أم البروتستانتية ... أما الأخ عادل ينطلق من أن الله موجود ، و من ثَم يبحث عنه في جميع الأديان ، ليختار ديانة يرى أنها أقرب إلى الله ... و الأخ فوزي ينطلق من أن هناك منطق عقلي ثابت كافي للقياس ، و منه يبحث هل هناك إله أم لا ... و يمكن للأخ حمادة أن يسأل هل فعلاً يجب أن ينطلق من المنطق ( كقواعد و علم وضعه آخرون ) ؟؟ أم عليه أن يضع لنفسه منطق خاص ليصل به إلى نتيجة خاصة من حيث وجود إله أو معتقد ما ؟ و هل اللغة التي يستخدمها للتعبير مصطلحاتها كافية لشرح ما يعتقده ؟ ام عليه ان يخترع لغة بمصطلحات ومفاهيم جديدة حسب ما يعتقده ؟؟ يبدو - سطحياً - أن هذا ساذج جداً ....!!
و هذا ما أفترضه ، أن نقطة الإنطلاق هي أيضاً إختيار ، و كلما كانت نقطة الإنطلاق بعيدة يظن الشخص نفسه أنه أكثر ذكاءاً ممن ينطلق من نقطة قريبة ، و يظن مَن ينطلق من نقطة قريبة أن مَن ينطلق نقطة أبعد أنه غبي أو مريض و ما إلى ذلك ... لا شك أن الإنطلاق من نقاط أبعد أفضل – إلى حد ما . لكن أعتقد أن الإعتراف بأنها جميعاً نقاط للإنطلاق - و ما أنت إلى شخص اختار نقطة من هذه النقاط – يجعل قبول الآخر أسهل و أوضح ... . . http://www.facebook.com/mohab.magdy.youssef ______________________________________________ [1] المزيد حول هل هناك شئ مُطلق في قياسنا له : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=473726 [2] بين وحي الله و إيمان الإنسان ، الأب فاضل سيداروس اليسوعي ، ط2 ، صـ102،103
#مهاب_مجدى_يوسف (هاشتاغ)
#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما أتحدث عن - الجزء الثالث : الأخلاق
-
عندما أتحدث عن - الجزء الثاني : الحقيقة 2
-
عندما أتحدث عن – الجزء الأول : الحقيقة 1
-
علم الله - الجزء الرابع : نظرة لاهوتية ل كيف خُلِقَ الكون ؟
-
علم الله - الجزء الرابع : نظرة لاهوتية ل -كيف خُلِقَ الكون ؟
...
-
علم الله - الجزء الثالث : مَن خلق الكون ؟
-
علم الله - الجزء الثاني : مغالطات منطقية 1
-
علم الله - الجزء الأول : حول ما سُمي بالبرهان الأخلاقي
-
ملخص كتاب : مدخل إلى النقد الكتابي
-
معرفة الساعة | بين المسيح و محمد
-
الملحد بيحترم الله ..!
-
كريشنا و ديفاكي | بين الوهم و المصادر
-
الجالس على كرة الأرض
-
و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد
-
الملحد ال هشك بشك !!!
-
#معتقدي_حريتي ؟؟ واحد لمون هنا يا خيري !!
-
الطلاق المسيحي !!؟؟
-
عمر الإنسان بين الإسلام و المسيحية
-
وجود الله في الرياضيات
-
زغلول النجار بتاع النصارى
المزيد.....
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|