الانتحار -بمشروع قانون حرية التعبير عن الراي والتظاهر السلمي-

ضياء السراي

الحوار المتمدن-العدد: 4904 - 2015 / 8 / 22 - 17:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

اختلطت جميع الاوراق وتصادمت مراكب الكتل السياسية في ظل فوضى اعقبت سنوات حكم لم تعرف التخطيط او النظام بُني خلالها كل شيء على اسس من الفساد والمحاصصة والاوهام، وجائت الحكومة الحالية 2014-2018 في غفلة من الزمان تتسابق اقطابها لنيل اكبر قدرا من المكاسب المادية من خزائن هذا البلد وخداع اكبر فئة ممكنة من الجمهور وكل يُسقط الكل في وقت اعاقت فيه مسارات الحكم عقبات "كداعش" و"تهاوي اسعار النفط" وقوة من تم اقصائهم من الحكم عنوة، ومالبثت هذه الحكومة ان تجد لها ارضية مستقرة حتى انتفض عليها الجمهور واجبرها على سلوك مسار اخر ملؤه العقبات الا وهو مسار الاصلاحات. ومن بين الحلول التي تقاسمها البرلمان والحكومة لمحو المسار الاخير وخداع الجمهور هو الاسراع بتشريع قانون "حرية التعبير عن الراي والتظاهر السلمي" هذا المشروع الذي انتجته لجنة الامن والدفاع ولجنة الثقافة النيابية عام 2007 وتم تطويره على استحياء بضغط من الجهات الدولية ومنظمات المجتمع المدني ولايزال يشكل مصدر قلق دولي بالغ ومحلي، واليوم تُنجز القراءة الثانية له على عجالة وقد يعرض على التصويت في مجلس النواب خلال اسبوع من الان او اكثر بقليل.
ان العقول التشريعية القاصرة التي كانت تشغل مجلس النواب خلال الحكومات السابقة ونسخ منها خلال الحكومة الحالية صورت للكتل النيابية التي تمثل الاحزاب السياسية الحاكمة ان تشريع هذا القانون والاسراع باقراره من خلال التصويت عليه سيكون افضل سلاح يسلط على رقبة حرية التعبير وحرية التظاهر وانهم لو كانوا اقروه خلال الحكومة السابقة لما حصل ما يحصل اليوم من حراك مدني في منصات التواصل الاجتماعي او في الميدان الواقعي، ولما تداول نشطاء ومجتمع شبكات التواصل وثائق الفساد وفضائح الاحزاب، ولما كان بمقدور المجتمع المدني الضغط على الحكومة والسعي لتخفيض الرواتب والغاء الامتيازات والتقاعد لنواب المجلس والقيادات والشخصيات البارزة سياسيا والمسؤولين. ولعل جهل المشرعين في مجلس النواب بمضامين حرية التعبير عن الراي وعالمها الجديد واميتهم بهذا العالم المترامي الاطراف وان حرية التعبير قد انفلتت من عقال الاعلام التقليدي وباتت بلا حدود ولا يمكن حصرها وقياسها، هو ما صور لهم بان مشروع قانونهم البائس هو الحل وانه حامي سلطاتهم وامتيازاتهم، والمضحك ايضا ان نواب اللجان المعنية في المجلس على قناعة تامة بان هذا المشروع الهزيل قد يطيل بقائهم وكما اقروا "قانون شبكة الاعلام العراقي" وفق مقاسات تملكهم اكبر واقوى الهيئات التي يفترض بان تكون مستقلة فانهم يرون ان اقرار "قانون حرية التعبير عن الراي" بمثابة حل شامل وجذري وان مجلس القضاء ووزارة الداخلية هي الجهات التي ستقع في قبالة الجمهور وستتحمل المسؤولية في قمعه واسكاته وان اقتناص رؤوس الفتنة كما يسمونهم من الناشطين في الميدان الواقعي وفي العالم الرقمي ورميهم في اتون المحاكم والمحاكمات من خلال هذا القانون اذا ما شرع قريبا سيؤمن لهم فسحة التوطن في الحكم لاطول فترة ممكنة وامتصاص اكبر قدر ممكن من ثروات البلد. نعم قد ينجحون في اقراره لكنهم لن يتمكنوا من استخدامه ولن يوقفوا اي من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي وسيحولون العراقيين الى المجتمع الاول في الاسماء المستعارة وستكون السيرفرات الخاصة العابرة للحدود هي اسهل الطرق لتجاوز الحضر والحجب لخدمات المواقع والاستهدافات الامنية للمواقع والشبكات لا بل الادهى من ذلك انهم لن يكونوا قادرين على استخدام الشبكات لدعاياتهم الانتخابية والحزبية والسياسية وسيعرضون انفسهم لحملات التقاضي من خلال الجمهور اذا ما اراد معاملتهم بالمثل حيث يمكن الاستعانة بفقرات القانون الفضفاضة التي قرنوا بها العقوبات كالاداب العامة والاخلاق والتقاليد والامن القومي والمعتقدات الخ، ليحاسبهم بها الجمهور في ظل حملات التسقيط المتبادلة فيما بينهم. اما عن حرية التظاهر فهذه التي يخشى عليها من هذا القانون رغم ان حلولها لن تكون صعبة والتكيف مع موادها في قانونهم ستكون سهلة ايضا. ان الرسالة الموجهة الى من يشغلون مجلس النواب هي ان مشروع القانون الذي تعدون له العدة سيكون سلاحا مزدوجا يطالكم ويطال احزابكم ولن تفلتوا منه وستلعنون اليوم الذي صوتم فيه على هذا القانون. ويتبادر الى ذهني الان ان اصغر قرصان الكتروني سيكون قادرا على اختراق اي موقع حكومي او سياسي او ديني لشخصية بارزة ونشر مواد يجرمها القانون وبالتالي يصبح هذا الرمز السياسي او الديني ضحية قانونه الذي شرعه ولن يفلت من قبضته.

#ضياء_السراي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات