|
الصحف الخاصة تلعن الحكومة وتغازل كفاية والإخوان
غادة عبد المنعم
مفكرة
الحوار المتمدن-العدد: 1350 - 2005 / 10 / 17 - 11:47
المحور:
الصحافة والاعلام
هل صحفنا الخاصة ليبرالية وداعية للحرية بالفعل؟ أم أنها مجرد صحف صفراء تخصصت في الفضائح والغمز واللمز ؟ يدعي القائمون عليها أن الله قد أوجدهم في هذا الظرف التاريخي لدفع رياح التغيير.. لكن قراءة دقيقة لمحتوياتها تؤكد أنها ليست سوى حجر عثرة على طريق الديمقراطية والحرية.
قبل حوالي عقد من الزمن ، كنت تقف عند بائع الجرائد فلا تقع عيناك إلا على عدد محدود جداً من الصحف. أما الآن ، فإن عينيك لا يمكنهما أن تحيطا بذلك العدد الهائل من الصحف التي ترهق البائع حتى يستطيع أن يعرضها جميعاً بصورة تتيح للمشترين أن يروها ويقرءوا مانشتاتها التي تتبارى هذه الصحف في جعلها جاذبة للقارئ وتدفعه لشرائها، بصرف النظر عن المحتوى. ورغم أن هذه الكمية الهائلة من الصحف الخاصة التي ظهرت في العقد الأخير كلها ملونة بألوان شتى، إلا أنها تستحق عن جدارة تسمية "الصحف الصفراء"، وهو الاسم المتداول في عالم الصحافة لتلك الصحف التي يكون العنوان فيها هو بطل الموضوع، إذ تلعب هذه الصحف على وتر الفضول عند القارئ، وتوهمه بأن العلبة فيها فيل، في حين أن العلبة ليس فيها سوى فأر مذعور يقرض بأسنانه الوقائع ويلوي الحقائق ويشوهها حتى تتفق مع ميول الصحيفة وعناوينها المثيرة – أحياناً – للغثيان. لا يمكنك بسهولة أن تحدد عدد الصحف الخاصة، لأن الرقم يتغير كل يوم بصدور صحيفة أو عدة صحف جديدة، منها ما هو صادر عن شركات مصرية مساهمة، أي بتراخيص مصرية، ومنها ما هو صادر بتراخيص أجنبية أغلبها من قبرص ولندن. وفي معظم الأحوال لا تكون هذه الشركات المصرية المساهمة معبرة فعلاً عن مسماها ، فليس فيها مساهمون ولا يحزنون وإنما مجرد شخص واحد يصدر صحيفة واحدة أو ربما عدة صحف. ويساعدنا المستوى الفني لهذه الصحف في ترتيبها بصورة هرمية ، بدءاً من قاعدة الهرم حيث نجد الصحف ذات الإثارة الرخيصة والمادة الصحفية الهزيلة والمستوى الفني الهابط إلى الهاوية ، وصعوداً نحو القمة لتبدأ هذه العناصر في التحسن شيئاً فشيئاً حتى نصل إلى قمة الهرم حيث يتضاءل الابتذال والهراء كثيراً ويرتفع المستوى الفني والأداء المهني إلى درجة عالية جداً، لكننا نصطدم بمشاكل أخرى أعقد بكثير من المشاكل التي تركناها عند قاعدة الهرم. عند قاعدة الهرم صحف لا حصر لها يمنعنا الحياء (والقضاء) من ذكر أسمائها. وهي صحف تعرف من النظرة الأولى أنها لا توجه لقرائها الواعين أي رسالة، ولا تبعث في نفوسهم سوى القرف، وتنحصر مادتها في ذكر فضيحة فلانة وجرسة فلان، بالغمز واللمز أحياناً وبصريح العبارة أحياناً أخرى. وهناك صحيفة بالذات أصبحت مضرب المثل لهذا النوع، وكادت تتسبب ذات مرة تثير فتنة طائفية بسبب فقدانها التام للإحساس بالمسئولية وانعدام وعيها بالرسالة المفروضة عليها تجاه المجتمع. خذوا أنفاسكم.. ثم هيا نصعد معاً إلى قمة الهرم لنرى ما ينتظرنا هناك.. على القمة تتربع أربع صحف خاصة هي : الدستور ، الأسبوع ، صوت الأمة ، الفجر. يتشابك بعضها في الأحداث وفي الأسماء التي تملكها أو تترأس تحريرها. فأولاً، تشكل الدستور وصوت الأمة جزءاً من الإمبراطورية الصحفية التي يمتلكها رجل الأعمال عصام فهمي. وثانياً ، ترأس الكاتب الصحفي عادل حمودة تحرير صوت الأمة منذ تأسيسها حتى مغادرته لها منذ شهور ليترأس تحرير صحيفة الفجر. وثالثاً ، يترأس الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى حالياً تحرير صوت الأمة والدستور. هل نحن أمام رقعة شطرنج تتحرك فيها القطع الكبيرة وفق تصورات مسبقة وحسب خطط مرسومة سلفاً ؟.. أم هي مجرد نقلات عشوائية دون هدف أو دافع ؟.. وإذا كانت هناك تصورات وخطط ، فمن هو اللاعب الخفي الذي يضعها ؟.. وما هي الدوافع التي تحرك أصابعه والأهداف التي يسعى إليها ؟.. وهل لديه خطة جاهزة طويلة الأمد ينفذها على مراحل ؟ أم أنه يتصرف حسب مقتضيات اللحظة ؟ لا شك أن هذه الأسئلة وغيرها تدور في عقل من يتابع المادة الصحفية التي تطرحها هذه الصحف الأربع ، بصرف النظر عما تقوله مانشتاتها وعناوينها التي غالباً ما تكون أهدافها تجارية وليست ذات صلة وثيقة بالرسالة التي تهدف كل صحيفة منها إلى أدائها على النحو المطلوب منها. فالملاحظ لهذه الصحف يشعر أنها فرقة موسيقية واحدة، وأن هناك مايسترو يقف وراء ستار ، يراه أعضاء الفرقة ولا يراه الجمهور الذي ينصت إلى العزف. فمثلاً في قضية اتهام أيمن نور بتزوير توكيلات حزب الغد ، أفردت صحيفة الأسبوع صفحتين متقابلتين على مدار أسبوعين متتاليين للإشادة بأيمن نور وتقديمه في صورة البطل المدافع عن الحق في مواجهة الظالمين ، بينما خسفت صحيفة صوت الأمة (حين كان رئيس تحريرها عادل حمودة) بأيمن نور الأرض وألمحت إلى أنه جمع أمواله بالنصب والاحتيال.. قبل هذه القضية كانت الصحيفتان ، أو على وجه الدقة رئيسا تحريرهما ينظران من نفس الزاوية ويعزفان على نفس الوتر، وهو سب الحكومة وكشف سوءاتها.. فما سبب هذا الاختلاف ؟ هل أشار المايسترو إلى عادل حمودة بأن ينقل على وتر آخر ؟ ولماذا ؟ أم أن الأمر مجرد حسابات شخصية لا علاقة لها بسياسة الصحيفة ؟
وعلى ذكر سب الحكومة ، هناك مسألة في غاية الأهمية : لقد دأبت هذه الصحف على مدار سنوات على سب الحكومة، ولا يكاد يخلو عدد من صحيفة مثل صوت الأمة (أيام عادل حمودة) من الهجوم على رئيس الوزراء السابق الدكتور عاطف عبيد وعلى سياسات حكومته.. فهل قامت صحيفة واحدة بتقديم بديل يمكنه أن يحل محل عبيد ؟ أو طرح سياسات وحلول لمشاكلنا ؟.. أبداً.. لم يكن هناك سوى الهجوم تلو الهجوم، كأننا في حرب مع عدو وليس هناك إمكانية للحوار والأخذ والرد.. وعلى نفس المنوال سارت الصحف الأربع منذ حوالي ستة أشهر ، أي منذ صدور الدستور في نسختها الباهتة التي لا علاقة لها بالدستور القديمة. لكن في هذه المرة قادت الدستور زميلاتها في حملة شعواء ضد الرئيس مبارك ونجله جمال. وذلك فى سلسلة من الصياح والجعجعة لإثارة الناس.. من الاشارة للوقائع الأكثر أهمية وتحليلها والاشارة للعيوب الحقيقية للنظام وكأن المشكلة هى مجرد شخص وليس نظام حاكم ثم كأن مشكلة هذا الشخص هى فى سلوكه وطبيعته الشخصية وليس فى أدائه السياسى ، إنهم ملوك الإثارة الذين يعرفون كيف يجعلونك تدخل يدك في جيبك وتخرج منه آخر جنيه أو جنيهين لتتفرج على السيرك الذي تنصبه هذه الصحف دون أدنى قدر من المسئولية.
مسألة ثانية مهمة هي مسألة الملف الأمريكي العراقي والقضية الفلسطينية الذي قامت صحيفة مثل الدستور( في صدورها الجديد في مارس 2005 ) بتجاهلهما تماماً، تحت دعوى أن الصحيفة تخوض الآن صراعاً خاصاً بمصر وحدها ولا حاجة لها بخوض صراعات خارجية لا ناقة لها فيها ولا جمل...!!
وإذا كانت الدستور تنفرد بتجاهل ما يحدث في العراق وفلسطين ، علاوةً على انفرادها بالتقرب إلى الإخوان المسلمين ، فهناك شبه إجماع بين هذه الصحف الأربع على وضع حركة كفاية (التي لا نعرف من أين جاءت ولا إلى أين تريد أن تمضي) في مرتبة التقديس، رغم إعلان هذه الحركة لدعمها وتشجيعها لما تسميه بالمقاومة الشريفة في العراق، المقاومة التى تقتل كل يوم عشرات من العراقيين عمداً ومع سبق الإصرار والترصد.
هناك أيضاً شبه إجماع على تقديس القضاة دون الانتباه إلى أن أنهم كانوا من بين الأسباب الرئيسية لتأخير إعلان قائمة المرشحين لانتخابات الرئاسة، وهو ما جعل فرصة هؤلاء المرشحين في الدعاية لأنفسهم ضيقةً للغاية.. كما أن القضاة رفضوا الرقابة الخارجية على الانتخابات ، لا لأنهم يشكون في نزاهتها وحيادها ، ولكن ليتمتعوا وحدهم بالسلطة وفرض النفوذ.
وأخيراً ، لا نعرف سر الغزل الذي تتوجه به هذه الصحف إلى جهازحساس وقوي مثل المخابرات، وبالذات لرئيسها اللواء عمر سليمان.. ففي عددها الأول في مارس من هذا العام ، طالعتنا صحيفة الدستور بتقرير صغير عنوانه "عمر سليمان تبسَّم".. أما صحيفة الفجر فقد تضمن عددها الأول صفحة كاملة عن المخابرات المصرية، كلها غزل في غزل طبعاً، نصفها الأول عن تاريخ المخابرات وإنجازاتها ، والنصف الثاني في مديح رئيسها.
#غادة_عبد_المنعم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فى مصر..الصحف الخاصة تلعن الحكومة وتغازل كفاية والإخوان.
-
بريطانيا قتلت جده وبلير عينه مستشاراً.. طارق رمضان المثير لل
...
-
ما رأى فضيلته فى مأساة فلسطين ومحنة العراق..؟!
-
أمم تعشق السادية وتستمتع بالكهنوت..!
-
سيد قطب ورامسفيلد تخرجا من مدرسة -يهودية- واحدة..
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|