أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وليد المسعودي - أدلجة الحقيقة - عنف المعنى















المزيد.....

أدلجة الحقيقة - عنف المعنى


وليد المسعودي

الحوار المتمدن-العدد: 1350 - 2005 / 10 / 17 - 04:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كيف يتمظهر العنف ويحرك الكثير من الجماعات البشرية ، بحيث يغدو مفارقا للعقل والتسامح ، ومن ثم سيادة وتأبيد عناصر التشبث الاعمى بالهوية الواحدة التي يقودها في كثير من الاحيان رجال قادة او زعماء محليين يمتلكون الهيبة والتقديس الاجتماعي ؟ من خلال عناصر ودرجات امتلاك الحقيقة المطلقة التي يعمل هؤلاء القادة المحليون على شحذ الجماهير من خلالها اي الحقيقة المطلقة ، ولان هناك ظروفا واوضاعا لا انسانية متردية تعيشها اكثر الجماهير ، فأنه من الطبيعي ان يتم الانزواء تحت خيمة الايديولجيا المطلقة التي تبرر العنف وتعمل على ترويج الاقصاء والالغاء وجعل العالم متماثل وذو نسق واحد ونهائي ، كل ذلك تبرره هذه الايديولوجيا سواء كانت دينية او دنيوية ، حيث ان اكثر الايديولوجيات المتصارعة فيما بينها بشكل عنفي تعمل من خلال تنوع الحقيقة وتعدد اوجهها ، فمثلا يعد الدين الاسلامي حاويا لتعددية فكرية كبيرة ، يسودها الاختلاف والتأويل والصراع وهكذا منذ ان توزعت قيمه الاولى على فرق وشيع متعددة كل واحدة تدعي انها تملك الصواب والحقيقة ، ومن ثم تعاملها مع الاخر المختلف عنها ضمن نفس النسق الثقافي لا يأتي عن طريق الحوار والاحترام المتبادل بقدر ما يأتي عن طريق التصورات المسبقة عن الاخرين ، ومن ثم تجعل الاخر دائما موضع للريبة والازدراء والامتهان مادامت لاتتوفر هناك ارضية واسعة من التسامح والانفتاح والتقبل ، ومن ثم كل واحد من هؤلاء لديه اطاره وحقيقته ونموذجه من غير نزعة إقصاء معينة تمارسها اكثر الطبقات التي تملك السلطة والقوة على الاخرين .
فالحقيقة عندما تتحول الى جاهز ثقافي غير مدرك من قبل المجتمعات المنخرطة ضمن نسق هذه الحقيقة ذاتها ، فأنها سوف تكون عرضة لكثرة التأويلات التي يمارسها عادة المثقفين التقليديين الذين يستطيعون ان يحركوا الوعي الجمعي لاكثرية مجتمعية ، بحيث تتحول هذه الحقيقة الى جهاز لبث العنف والالغاء للاخرين ، مادامت الحقيقة مطلقة وليست مرنه او قادرة على ضم المختلف عنها عن طريق العرض والالقاء والحوار وليس عن طريق الفرض او جعل الاخر الانسان ضمن دائرة الخطيئة المستمرة والدائمة ، ومن ثم يحدث هناك ما اسميه جمود المعنى الوحيد والاحادي الذي يضمن للاقلية المثقفة التي تملك زمام التأويل السلطة " وهنا السلطة قد تكون مزدوجة مادية ومعنوية " اظافة الى اسباغ الكثير من الصفات الاجتماعية الكاريزمية لدى هذه الاقلية الاجتماعية ، ومن ثم تخرج عن تصور العالم المعاش وما يحمل من ذوات بشرية قابله للخطأ والصواب الى الذوات السرمدية التي لاتملك الخطأ ، ومن ثم هي ذوات مطلقة تمارس على المغيب الاجتماعي من الطبقات والجماعات البشرية قيمها واساطيرها ، وفي النهاية هناك ذلك التأبيد للمعنى الاحادي والمطلق من قبل المتلقي الاجتماعي البشري .
ان المعنى هو كل ماتملك المجتمعات من تراث ثقافي تتخلله العادات والتقاليد المكتسبة والحديثة ، هذا المعنى خاضع لمتغيرات وظروف وشروط تاريخية متغيرة ومتجددة ، وذلك حسب طبيعة المجتمعات القادرة على اجتراح الجديد والغريب عن تركيبة هذه المجتمعات وما تحوي من جاهز ثقافي ، فالمجتمعات التي يتوقف لديها الزمن من حيث اعادة انتاج نفس الادوات والاساليب في ما يخص طبيعة تعاملها مع ما يحيطها من متنغيرات بشرية مادية ومعنوية هي مجتمعات كسولة وعاطلة عن اجتراح المعنى المتجدد عن الواقع الاجتماعي المعاش ، هذه المجتمعات هي مجتمعاتنا العربية الاسلامية على وجه الخصوص من اتسمت بالكسل والتراجع والتقهقر عن اكتشاف الجديد والغريب ، ومن ثم هي مجتمعات غائب عن منظومتها الفكرية والثقافية جميع عناصر السؤال والشك والرغبة في خلق تصورات تتلائم مع التطورات التي تحدث في عالمنا والتي من شأنها ان تزحزح او تلغي ثقافة مجتمعاتنا بأكملها مادامت لاتوجد هناك آليات تحدد طبيعة التعامل مع الثقافات المختلفة سوى آلية الرفض الاعمى التي يبثها كثير هؤلاء المثقفيين التقليديين الذين لايهمهم مسألة التجديد والخروج من بوتقة الزمن المقهور والقديم ، حيث ان التجديد مرتبط بالاجتهاد والرغبة الدائمة في تنقية الذات البشرية من جميع عوامل الاكراه الفكري والايديولوجي ، حيث استطاعت الفلسفة العربية الاسلامية في ازمنتها الذهبية ان تخلق مجالا رحبا من الحوار والتسامح والتبادل الثقافي حيث كان المعنى مرتبط بذات الانسان وتطلعاته من اجل النظر في مشاكله المتعلقة بمسألة المعنى والوجود والحياة والخلق ، وكل ما يشكل لدى الانسان من هواجس وشكوك وفراغات معرفية تتطلع الى الامتلاء والتمثل الحقيقي لها عن طريق التوصل الى اليقين والاكتشاف وسبر غور المعرفة المستمرة والدائبة ، هذه الازمنة العربية الاسلامية اوجدت الكثير من الفلاسفة والعلماء الذين شكلوا انطلاقة التجديد والتفلسف وبناء اطر مختلفة ومتغيرة ، وما وجود الكثير من المدارس والفرق الكلامية والفلسفية إلا دليل على وجود ذلك التعدد الثقافي الذي انتج الكثير من الفلاسفة الذين اجترحوا او وضعوا اسئلة تتعلق بالمعنى والتراث والجاهز الثقافي الكثير من الاسئلة ، وهنا لدينا فلاسفة كالفارابي وابن سينا وابن رشد وابو حيان التوحيدي وابن مسكويه والجاحظ وابي العلاء المعري ..الخ حيث ساوى الفارابي بين ارسطو المعلم الاول وبين ما تملك الذات العربية الاسلامية من ثقافة ونموذج معرفي من خلال اعطاء التصور المتماثل لكليهما من حيث امتلاك المعرفة والحقيقة ، رغم ارتباط فلاسفتنا بزمنية نتاجاتهم وما يحيطها من شروط مادية ومعنوية .
ان الايديولوجية يحركها المعنى الوحيد إظافة الى توافر مجموعة شروط تاريخية مادية وثقافية ، وهنا الايديولوجيا بمعناها العنفي الذي يبيح الغاء الاخرين اما الايديولوجية التي تعمل من خلال توافر وعي الحرية والتسامح وقبول الاخر ، فمن المؤكد انها ايديولوجية مرنة يبررها الزمن المعاش وقدرة المجتمعات على التعايش السلمي ضمن الاختلافات المتعددة ، السائدة فيها ، فاذا كانت الايديولوجية تنادي بالتغيير عن طريق المعرفة والحوار وتبني جميع الاطر الاجتماعية التي تؤدي الهدف ذاته ، فإنها من المؤكد ايديولوجية متسامحة ومدركة لطبيعة الذات البشرية ، ومن ثم هي غير مصابة بداء الامتلاك المطلق والتمسك الاعمى الوحيد هذه الايديولوجية لديها هوية واحدة وحياة واحدة من اجل هويات وثقافات اخرى بديلة عنها وهكذا يحصل لدينا نفي النفي وفقا لتطور المجتمعات ، وهنا قد يحصل ذلك الاخير اي نفي النفي ليس من خلال التغيير السلمي بل من خلال منطق الثورة والعنف والصراع حسب الشروط التاريخية الممكنة والسائدة بين المجتمعات وقد يحصل العكس اي تأبيد الايديولوجية ذاتها ، ومن ثم يحدث هناك الجمود للمعنى والايديولوجيا .
كيف نعمل على تجاوز اطر الايدولوجيا المطلقة والمعنى الذي يروج العنف من خلال
1- العمل على جلاء وإظهار الجوانب المشرقة من ثقافتنا العربية الاسلامية ، بحيث يتطلب ذلك دراسة شاملة لتاريخ الحضارة العربية الاسلامية اظافة الى دراسة تاريخ الاديان القديمة وخصوصا في ما يتعلق ضمن حضارتنا العراقية التي تمتد جذورها الى ازمنة طويلة غير مسبر غورها ، إذ ماتزال تشكل ملحمة كلكامش لدى باحثي علم الاساطير البدايات الاولى للتفكير الميتافيزيقي وبداية عهد الاسئلة البشرية المتعلقة بالحياة والموت والخلود .. الخ
2- العمل على دراسة المجتمعات المتقدمة وما حققته من منجزات على مختلف الاصعدة والمستويات ، ومن ثم تكوين تقييم واقعي لهذه المعطيات والتطورات التي انجزت ، بحيث يزول عن ذواتنا ذلك الانشداد بالاخر بشكل اعمى وتغريبي كبير ، وذلك من اجل قلب المعادلة بين اخر يدرس الذات الى ذات تدرس الاخر وتتبنى الاطر الصحيحة التي انجزت ، ومن ثم تبدأ عملية النقد لكل عوامل الفشل والتعثر والشروط التي ادت في النهاية الى ولادة غرب لاهث وراء الجديد والغريب بشكل مستمر ، الامر الذي ادى الى انهيار اليقينيات بأكملها ، ومن ثم انهيار منظومة الاخلاق المتعلقة بالتعامل مع الجسد الانساني وفق منطق السلعية والاستهلاك الدائمين وخصوصا في ما يتعلق بسيادة ثقافة تروج الجنس بشكل مبتذل ومترد الى حد كبير ، رغم ان ذلك يتخلله الكثير من المعوقات والصعوبات بسبب عدم توفر الجهود والمؤسسات التي ينبغي ان تقوم بهذا العمل من اجل ولادة مجتمعات غير مستهلكة لثقافة الاخر بشكل عبثي وتغريبي
3- تبني شروط المعرفة المتحررة من كافة الكليشيهات الجاهزة ، هذه المعرفة تعمل على تصدع الاطر التقليدية داخل وعي المجتمعات ، ومن ثم تغدو كل الثقافات ماهي إلا نتاج او اثر يتبع الحقيقة بشكل مستمر ، هذه المعرفة لاتعني ان مجتمعاتنا ليس لديها جاهز ثقافي معين بل هي لاتنطلق في ذلك من خلال لغة التبجيل واعطاء الذات صفة الاطلاق القيمي والاخلاقي ، ومن ثم تغدو ذواتنا مكرسة للوهم ليس إلا وهنا وهم الابداع والاصالة والانجاز التاريخي وتفسير كل ما ينجزه الاخرين من خلال معطياتنا الثقافية وما نملك من جاهز ثقافي معين .



#وليد_المسعودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية والحركات السياسية الاسلامية
- شريعة الافكار
- الدولة الناشئة في العراق -السيادة والديمقراطية
- جسر الأئمة واساطير السياسة
- الذات العراقية من تأصيل العذاب الى تأبيد الاغتراب-نحو إعادة ...
- ميشيل فوكو والنزعة الانسانية
- نحو تأصيل جديد لثقافة الحرية
- الانسان العراقي بين الدكتاتورية والارهاب
- دولة الاستبداد - دولة الحرية
- قبول الاخر
- الدولة الديمقراطية


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين ...
- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وليد المسعودي - أدلجة الحقيقة - عنف المعنى