|
سياستان للتعايش السلمي متعارضتان تعارضا تاما - صحيفة - جينمينجيباو - و مجلّة - العلم الأحمر- ، الصين 12 ديسمبر ( كانون الأوّل) 1963
شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 4899 - 2015 / 8 / 17 - 22:55
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
سياستان للتعايش السلمي متعارضتان تعارضا تاما تعليق سادس على الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي بقلم هيئتي تحرير صحيفة " جينمينجيباو " و مجلّة " العلم الأحمر" ، 12 ديسمبر ( كانون الأوّل) 1963 دار النشر باللغات الأجنبية ، بيكين 1964 نسخ هذه الوثيقة و أعدّها للنشر على الأنترنت شادي الشماوي ( الفصل الخامس من كتاب " نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتية 1956 - 1963 : تحليل و وثائق تاريخية " - " الماوية : نظرية و ممارسة " عدد 20 – ماي / جوان 2015 )
ظلّ خروتشوف و الرفاق الآخرون يتحدّثون منذ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي عن مسألة التعايش السلمي أكثر من أيّ شيء آخر . و يدّعى قادة الحزب الشيوعي السوفياتي المرّة تلو الأخرى أنّهم مخلصون لسياسة لينين فى التعايش السلمي ، و أنّهم قد طوّروها بشكل خلاّق . و ينسبون كلّ الفضل فى الإنتصارات التى كسبتها شعوب العالم فى نضالاتها الثوريّة الطويلة إلى سياساتهم فى " التعايش السلمي " . إنّهم يروّجون الفكرة القائلة بأنّ الإستعمار ، و الإستعمار الأميركي بشكل خاص ، يؤيّد التعايش السلمي ، و يفترون بشكل مسعور على الحزب الشيوعي الصيني و جميع الأحزاب الماركسية اللينينية بأنّها تعارض التعايش السلمي . حتى انّ الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي تفتري على الصين بأنّها تحبذ " التنافس لشنّ حرب " مع المستعمِرين . إنّهم يصفون الأقوال و الأعمال التى خانوا بها الماركسية اللينينية ، و الثورة البروليتارية العالميّة ، و القضيّة الثوريّة للشعوب و الأمم المضطهَدَة ، بأنّها تتّفق مع سياسة لينين فى التعايش السلمي . و لكن هل تستطيع كلمة " التعايش السلمي" أن تكون حقّا تميمة الوقاية لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي فى خيانتهم للماركسية اللينينية ؟ كلاّ ، كلاّ مطلقا . إنّنا نواجه الآن بسياستين للتعايش السلمي متعارضتين تعارضا تاما . إحداهما سياسة لينين و ستالين للتعايش السلمي التى يدعو إليها الماركسيون اللينينيون بما فيهم الشيوعيّون الصينيّون . و الأخرى هي سياسة التعايش السلمي المعادية للينينيّة ، وهي ما يدعى بالخطّ العام للتعايش السلمي الذى يدعو إليه خروشوف والآخرون . و لنتفحّص الآن سياسة لينين و ستالين للتعايش السلمي و سقط المتاع الذى يسمّيه خروشوف وآخرون بالخطّ العام للتعايش السلمي . سياسة لينين و ستالين للتعايش السلمي كان لينين هو الذى إبتكر فكرة أنّه على الدولة الإشتراكية أن تتّبع سياسة تعايش سلمي تجاه البلدان ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة . و قد سار الحزب الشيوعي السوفياتي و حكومة الإتحاد السوفياتي تحت قيادة لينين و ستالين على هذه السياسة الصحيحة لمدّة طويلة . إن مسألة التعايش السلمي بين الأقطار الإشتراكية و الرأسماليّة ما كان من الممكن لها أن تظهر قبل ثورة أكتوبر ، لأنّه لم تكن هناك دولة إشتراكيّة . و مع ذلك فقد تنبّأ لينين فى عامي 1915 – 1916 ، على أساس تحليله العلمي للإستعمار ، بأنّ " الإشتراكية لا يمكنها أن تحقّق النصر فى جميع الأقطار فى نفس الوقت . إنّها ستحقّق النصر أوّلا فى قطر أو بعض الأقطار ، بينما تبقى الأقطار الأخرى بورجوازية أو فى مرحلة ما قبل البورجوازية لبعض الوقت ." ( " البرنامج العسكري للثورة البروليتارية " ، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين ، المجلّد 23 ) و بمعنى آخر ، فإنّ الأقطار الإشتراكية ستعيش فترة معيّنة من الزمن ، جنبا إلى جنب مع الأقطار الرأسمالية أو الأقطار فى مرحلة ما قبل الرأسمالية . إنّ طبيعة النظام الإشتراكي بالذات تقرّر أنّه يجب على الأقطار الإشتراكية أن تنهج سياسة خارجية سلميّة . و قال لينين : " إنّ الطبقة العاملة يمكنها وحدها ، عندما تنتزع السلطة ، أن تنتهج سياسة سلام لا بالأقوال ... بل بالأفعال ." ( " مشروع قرار حول الوضع السياسي الراهن " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ن المجلد 25 ) و يمكن القول بأنّ آراء لينين هذه تشكّل الأساس النظري لسياسة التعايش السلمي . و بعد إنتصار ثورة أكتوبر أعلن لينين للعالم فى مناسبات عديدة أنّ السياسة الخارجيّة للدولة السوفياتيّة هي سياسة سلميّة . و لكن المستعمِرين كانوا مصمِّمين على خنق الجمهورية الإشتراكية الحديثة العهد فى مهدها . فشنّوا تدخّلا مسلّحا ضد الدولة السوفياتية . و قد أشار لينين بصورة صحيحة إلى أنّه أمام هذا الوضع الذى يواجهنا " لن نستطيع أن نبقى فى الوجود ، إلاّ إذا دافعنا عن الجمهورية الإشتراكية بقوّة السلاح ". ( " تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي - البلشفيك - فى مؤتمر الحزب الثامن " ، المجموعة الكاملة للمؤلفاتن المجلّد 29 ). و فى عام 1920 هزم الشعب السوفياتي العظيم التدخّل الإستعماري المسلّح . و ظهر إلى حيّز الوجود توازن نسبيّ للقوى بين الدولة السوفياتية و الأقطار الإستعمارية . و قد ثبتت الدولة السوفياتية على أقدامها بعد إختبار القوّة خلال بضع سنوات . و بدأت تتحوّل من الحرب إلى البناء السلمي . و فى هذه الظروف بالذات تقدّم لينين بفكرة سياسة التعايش السلمي . والواقع أنّه منذ ذلك الوقت فصاعدا لم يكن أمام المستعمِرين من خيار غير أنّ " يتعايشوا " مع الدولة السوفياتية. و خلال عهد لينين كان هذا التوازن على الدوام غير مستقرّ أبدا ، و كانت الجمهورية الإشتراكية السوفياتية عُرضة لحصار رأسمالي شديد. و قد أشار لينين حينا بعد آخر إلى أنّه بسبب الطبيعة العدوانيّة للإستعمار ، ليس هناك من ضمان لأن تعيش الإشتراكية و الرأسمالية فى سلام لمدّة طويلة . وفى الظروف القائمة آنذاك ، لم يكن من الممكن للينين أن يحدّد بالتفصيل محتوى سياسة التعايش السلمي بين الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة . و لكن لينين العظيم قد وضع لأوّل دولة لدكتاتورية البروليتاريا السياسة الخارجية الصحيحة ، و تقدّم بالأفكار الأساسيّة لسياسة التعايش السلمي . فماذا كانت أفكار لينين الأساسيّة حول هذه السياسة ؟ أوّلا : أشار لينين إلى أنّ وجود الدولة الإشتراكية هو على النقيض من إرادة المستعمِرين . و بالرغم من أنّها تمسّكت بسياسة خارجية سلميّة ، إلاّ أنّ المستعمِرين كانوا لا يرغبون فى العيش بسلام معها ، و سيبذلون كلّ ما يمكنهم و سينتهزون كلّ فرصة لمقاومة و حتى تدمير الدولة الإشتراكيّة . و قال لينين : " إنّ الإستعمار العالمي ... لم يستطع ...أن يعيش جنبا إلى جنب مع الجمهورية السوفياتية بسبب كلّ من موقفه الموضوعي و المصالح الإقتصادية للطبقة الرأسمالية الكامنة فيه ... " . ( " تقرير عن الحرب و السلم " ، ألقي فى المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الروسي – البلشفيك - المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 27 ). ثمّ قال بعد ذلك : "... إنّ وجود الجمهورية السوفياتية جنبا إلى جنب مع الدول الإستعمارية لوقت طويل هو أمر لا يتصوّر . إنّ أحد الجانبين يجب أن ينتصر فى النهاية . و قبل أن تحلّ تلك النهاية سيكون من المحتّم وقوع سلسلة من الإصطدامات المخيفة بين الجمهورية السوفياتية و الدول البورجوازية ". ( " تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي – البلشفيك - فى مؤتمر الحزب الثامن " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 29 ) . و لذلك أكّد مرّة تلو الأخرى بأن على الدولة الإشتراكية أن تحافظ على يقظة تامة تجاه الإستعمار . "... إنّ الدرس الذى يجب على العمّال و الفلاّحين أن يتقنوه هو أنّه يجب أن نكون على حذر و يقظة و أن نتذكّر أنّنا محاطون برجال و طبقات و حكومات تعبّر علنا عن كراهيّتها المتناهية لنا . و يجب علينا أن نذكر أنّنا دوما على قيد شعرة من جميع أنواع الغزو ." ( " حول السياسات الداخلية و الخارجية للجمهورية ، تقرير فى مؤتمر السوفيات التاسع لعموم روسيا " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 33) . ثانيا، أشار لينين إلى أنّه ، عن طريق النضال فقط ، أصبح بمقدور الدولة السوفياتية أن تعيش فى سلام مع الأقطار الإستعماريّة . و كان هذا نتيجة المحاولات المتعدّدة لإختبار القوّة بين الأقطار الإستعمارية و الدولة السوفياتيّة التى تبنّت سياسة صحيحة ، و إعتمدت على تأييد البروليتاريا و الأمم المضطهَدة فى العالم ، و أفادت من التناقضات بين المستعمِرين . لقد قال لينين فى نوفمبر ( تشرين الثاني ) 1919 : " هذا هو الطريق دوما - عندما يغلب العدوّ يبدأ فى الحديث عن السلام . لقد قلنا لهؤلاء السادة ، المستعمِرين الأوروبيّين ، المرّة تلو الأخرى إنّنا نوافق على السلام ، و لكنّهم ظلّوا يحلمون بإستعباد روسيا . و لقد أدركوا الآن أن أحلامهم لن تتحقّق " . ( " خطاب فى المؤتمر الأوّل لعموم روسيا حول عمل الحزب فى الريف " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 30 ) . و أشار فى عام 1921 : "... إنّ الدول الإستعمارية مع كلّ كراهيّتها لروسيا السوفياتية و رغبتها فى الإنقضاض عليها ، كان عليها أن تتخلّى عن هذه الفكرة ، لأنّ إنحلال العالم الرأسمالي يتقدّم بإطّراد ، و وحدته آخذة فى التقلّص أكثر فأكثر ، و ضغط قوى الشعوب المضطهَدَة المستعمرة التى يبلغ تعدادها أكثر من ألف مليون نسمة يصبح أقوى فى كلّ سنة ، و فى كلّ شهر ، بل فى كلّ أسبوع..." . ( " خطاب فى إختتام المؤمر الوطني العاشر للحزب الشيوعي الروسي – البولشفيك " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 32 ) . ثالثا فى تنفيذه لسياسة التعايش السلمي ، طبّق لينين مبادئ مختلفة بالنسبة لمختلف أنواع الأقطار فى العالم الرأسمالي . فقد أولى إهتماما خاصا لإقامة علاقات ودّية مع الأقطار التى كان يتهدّدها المستعمِرون و يضطهدونها . و أشار إلى أنّ " المصالح الأساسيّة لجميع الأمم التى تعاني من نير الإستعمار منسجمة " و أنّ " السياسة العالميّة للإستعمار تؤدّى إلى إقامة علاقات أوثق و تحالف و صداقة بين جميع الأمم المضطهَدَة ". و قال إنّ السياسة السلميّة للدولة السوفياتيّة " ستفرض بشكل متزايد إقامة روابط أوثق بين جمهورية إتّحاد روسيا الإشتراكية السوفياتية و عدد متنام من الدول المجاورة ". ( " عمل مجلس مفوضى الشعب ، تقرير فى مؤتمر السوفيات الثامن لعموم روسيا " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 31 ) . و قال لينين أيضا : " إنّنا نضع لأنفسنا الواجب الأساسي التالي : قهر المستغلّين و كسب المتردّدين إلى جانبنا و هذا الواجب واجب على نطاق عالمي . و من بين المتردّدين سلسلة كاملة من الدول البورجوازية ، التى تكرهنا كدول بورجوازية ، لكنّها من الجهة الأخرى ، كدول مضطَهَدة ، تفضّل السلام معنا . " ( " تقرير عن عمل اللجنة التنفيذية المركزية لعموم روسيا و مجلس مفوضي الشعب"، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 30 ) . أمّا بالنسبة لأسس السلام مع الأقطار الإستعمارية ، مثل الولايات المتّحدة ، فقد قال : " ليمتنع الرأسماليّون الأميركيّون عن لمسنا " " ما هي العقبة لمثل هذا السلام ؟ " من جانبنا ، ليس هناك من عقبة ، بل من جانب الرأسماليّين الأميركيّين ( وجميع الرأسماليين الآخرين ) فالعقبة هي الإستعمار ." ( " جواب على أسئلة لمراسل الصحيفة الأميركية نيويورك إيفنج جورنال " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلد 30 ). رابعا ، لقد إبتكر لينين سياسة التعايش السلمي كسياسة تنتهجها البروليتاريا الحاكمة تجاه الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة . و لم يجعلها أبدا مجمل السياسة الخارجيّة لدول إشتراكية . فقد أوضح المرّة تلو الأخرى أن المبدأ الأساسي للسياسة الخارجيّة هذه هو الأمميّة البروليتاريّة . و قال لينين : " إنّ روسيا السوفياتيّة تعتبر أعظم فخر لها أن تساعد عمّال العالم قاطبة فى نضالهم الشاق للإطاحة بالرأسمالية ". ( " إلى المؤتمر العالمي الرابع للكومنترن و سوفيات بتروغراد لنواب العمّال و الجيش الأحمر" ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 33 ). و فى مرسوم السلام الذى صدر بعد ثورة أكتوبر ، دعا لينين ، عندما إقترح على جميع الدول المتحاربة سلاما فوريّا بدون إستقطاع جزء من أراضيها أو عقوبات ماليّة ، العمّال الواعين طبقيّا فى الأقطار الرأسمالية إلى المساعدة عن طريق أشدّ الأعمال شمولا و تصميما ، و " للسير بقضية السلم و فى الوقت نفسه للسير بقضيّة تحرير جماهير الشغّيلة المستغَلين من جميع أشكال العبوديّة و الإستغلال ، إلى نهاية ناجحة " . ( " خطاب حول السلم " ، ألقي فى المؤتمر الثاني لسوفيات نواب العمّال و الجيش لعموم روسيا ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلد 26 ) . إنّ مشروع برنامج الحزب الذى خطّه لينين للمؤتمر السابع للحزب الشيوعي الروسي قد نصّ بوضوح على أن " تأييد الحركة الثورية للبروليتاريا الإشتراكية فى الأقطار المتقدّمة " و " تأييد الحركة الديمقراطية و الثورية فى جميع الأقطار بشكل عام و فى المستعمرات و البلدان التابعة بشكل خاص يشكّلان النواحي الهامّة لسياسة الحزب الدولية ". ( المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلد 27 ). خامسا ، إعتقد لينين دائما أنّه من المستحيل للطبقات و الأمم المضطهَدة أن تتعايش سلميّا مع الطبقات و الأمم المضطهَدَة . إذ أشار فى " الإستنتاج حول المهمّات الأساسيّة للمؤتمر الثاني للأممية الشيوعية " إلى أنّه : " ... حتى اكثر أقسام البرجوازية علما و ديمقراطية لا تتردّد الآن أبدا فى اللجوء إلى أي خدعة أو جريمة ، أو فى ذبح ملايين العمّال و الفلاّحين من أجل إنقاذ ملكيّتها الخاصة لوسائل الإنتاج " . ( المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلد 31 ) . هذا و كانت إستنتاجات لينين كما يلي : " ... إنّ مجرد التفكير فى إخضاع الرأسماليين سلميّا لإرادة أغلبية المستغَلين ، و فى الإنتقال السلمي الإصلاحي إلى الإشتراكية ، ليس فى أقصى درجات الغباء و حسب ، بل و أيضا خداع صريح للعمّال ، و تزيين لعبودية الأجر الرأسمالية و إخفاء للحقيقة ." ( نفس المصدر السابق ). و قد أشار مرارا إلى نفاق ما أسماه المستعمِرون بالمساواة بين الأمم فقال : " إنّ عصبة الأمم و كلّ سياسة الدول المتحالفة بعد الحرب تكشف هذه الحقيقة بوضوح و تمييز أكثر ممّا مضى ، إذ أنّها فى كلّ مكان تشدّد النضال الثوري لكلّ البروليتاريا فى الأقطار المتقدّمة و جماهير الشغيلة فى المستعمرات و البلدان التابعة ، و تعجّل إنهيار الوهم الوطني للبرجوازية الصغيرة بأنّ الأمم يمكن أن تعيش بعضها مع البعض فى سلام و مساواة فى ظلّ الرأسمالية ." ( " مشروع أولى للإستنتاج حول المسألة الوطنية و مسألة المستعمرات" ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلد 31 ). إنّ ما سبق يشكّل أفكار لينين الأساسيّة حول سياسة التعايش السلمي . لقد تمسّك ستالين بسياسة لينين للتعايش السلمي . و خلال الثلاثين عاما التى قاد ستالين خلالها الإتّحاد السوفياتي إنتهج بإستمرار سياسة التعايش السلمي هذه . و لم يحدث قط إلاّ عندما قام المستعمِرون و الرجعيّون بإستفزازات مسلحة و شنّوا حروبا عدوانية ضد الإتّحاد السوفياتي ، أن إضطرّ الإتحاد السوفياتي لخوض الحرب الوطنية الكبرى و القتال دفاعا عن النفس . و قد أشار ستالين إلى أنّ " علاقاتنا مع الأقطار الرأسماليّة قائمة على الإفتراض بأنّ التعايش بين نظامين متعارضين هو أمر ممكن " و أنّ " الحفاظ على علاقات سلمية مع الأقطار الرأسمالية هو واجب مفروض علينا ". ( " تقرير اللجنة المركزية السياسي " الذى ألقي فى المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي السوفياتي – البلشفيك ، المجموعة الكاملة لمؤلفات ستالين ، المجلّد 10 ). و أشار أيضا إلى أنّ : " التعايش السلمي بين الرأسماليّة و الشيوعيّة ممكن تماما ، شريطة أن تكون هناك رغبة متبادلة فى التعاون ، و إستعداد لتنفيذ الإلتزامات التى يتعهّد بها ، و تقييد بمبدأ المساواة و عدم التدخّل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى ." ( ستالين : " أجوبة على أسئلة محرّرين أميركيّين " ، البرافدا ، 2 ابريل – نيسان – 1952 ). و بينما كان ستالين يتمسّك بسياسة لينين للتعايش السلمي ، كان يعرض بحزم الإمتناع عن تأييد ثورات الشعوب الأخرى من اجل التملّق للإستعمار . و قد أكّد بقوّة وجود خطّين متعارضين فى السياسة الخارجية و إلى أنّه لا مندوحة عن إتباع " هذا الخطّ أو ذاك ". و الخطّ الأوّل هو أنّ " نواصل إتباع سياسة ثورية ، حاشدين بروليتاريي و مضطهَدى جميع الأقطار حول الطبقة العاملة فى الإتحاد السوفياتي – و فى هذه الحالة فإن الرأسمال العالمي سيبذل كلّ ما يستطيعه ليعرقل تقدّمنا ". أمّا الخط الثاني فهو أنّ " ننبذ سياستنا الثورية ، و أن نوافق على القيام بعدد من التنازلات المبدئية تجاه الرأسمال العالمي – و فى هذه الحالة فإنّ الرأسمال العالمي بلا شكّ لن يرفض " مساعدتنا " على تحويل بلدنا الإشتراكي إلى جمهورية برجوازية " حسنة " ". وقدّم ستالين مثلا هو " أن أميركا تطلب أن نتخلّى بشكل مبدئي عن سياسة تأييد حركة تحرّر الطبقة العاملة فى الأقطار الأخرى ، و هي تقول إنّه إذا ما قدّمنا هذا التنازل فإن كل شيء سيكون سهلا ... أفلا نقدّم هذا التنازل ؟ ". و أجاب بالنفي قائلا : " ... إنّنا لا يمكن أن نوافق على هذه التنازلات أو ما يماثلها دون أن نكذب على أنفسنا ..." ( " عمل الإجتماع المشترك للجنة المركزية و لجنة الرقابة المركزية المنعقد فى أبريل – نيسان" ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 11 ) . إنّ ملاحظات ستالين هذه لا تزال على جانب كبير من الأهمية العمليّة . و فى الواقع ، هناك سياستان خارجيّتان متعارضتان تعارضا تاما ، و سياستان للتعايش السلمي متعارضتان تعارضا تاما . و الواجب الهام لجميع الماركسيّين اللينينيّين هو أن يعارضوا بحزم كلا من السياستين اللتين شجبهما ستالين ، سياسة الخيانة و الإستسلام و الإمتناع عن تأييد الثورة ، و السياسة التى تحوّل بلدا إشتراكيّا إلى جمهورية برجوازية " حسنة ". الحزب الشيوعي الصيني يتمسّك بسياسة لينين للتعايش السلمي تزعم الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي أن الحزب الشيوعي الصيني " ينقصه الإيمان بإمكانية التعايش السلمي " ، و تتّهمه إفتراء بأنّه يعارض سياسة لينين للتعايش السلمي . فهل هذا صحيح ؟ لا بالطبع . إنّ كلّ من يحترم الحقائق يستطيع أن يرى بوضوح أن الحزب الشيوعي الصيني و حكومة جمهورية الصين الشعبية قد إنتهجا بلا هوادة سياسة لينين للتعايش السلمي بنجاح كبير . فمنذ الحرب العالميّة الثانية ، حصل تغيّر أساسي فى الميزان العالمي للقوى الطبقيّة . و قد إنتصرت الإشتراكية فى عدد من الأقطار ، و ظهر المعسكر الإشتراكي إلى عالم الوجود . و تنمو حركة التحرّر الوطني بسرعة ، كما ظهر عدد من الدول الوطنيّة التى حصلت حديثا على إستقلالها السياسي . أمّا المعسكر الإستعماري فقد ضعف كثيرا ، و أخذت التناقضات بين الأقطار الإستعمارية تزداد حدّة بإستمرار . و هذا الوضع يوفّر للأقطار الإشتراكية ظروفا أكثر ملاءمة لتطبيق سياسة التعايش السلمي تجاه الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة . و فى هذه الظروف التاريخية الجديدة أغنى الحزب الشيوعي الصيني و الحكومة الصينية سياسة لينين للتعايش السلمي أثناء تطبيقها . لقد قال الرفيق ماو تسى تونغ عشيّة ميلاد جمهورية الصين الشعبية : " ... إننا نعلن للعالم أجمع أنّ ما نعارضه تمام المعارضة هو النظام الإستعماري و مؤامراته ضد الشعب الصيني . إنّنا على إستعداد للمفاوضة مع أيّة حكومة أجنبية حول مسألة إقامة علاقات دبلوماسية ، على أساس مبادئ المساواة و المنفعة المتبادلة و الإحترام المتبادل للوحدة و السيادة الإقليميّين ، شريطة أن تكون هذه الحكومة على إستعداد لفصم علاقتها مع الرجعيّين الصينيين ، وأن توقف التآمر معهم أو مساعدتهم و أن تتبنّى موقفا ودّيا حقيقيّا و ليس زائفا تجاه الصين الشعبية. إنّ الشعب الصيني يرغب فى أن يقيم تعاونا ودّيا مع شعوب جميع الأقطار و أن يستأنف و يوسّع التجارة الدوليّة من أجل تطوير الإنتاج و دفع الإزدهار الإقتصادي ". ( " خطاب فى اللجنة التحضيرية للمؤتمر الإستشاري السياسي الجديد " ، مجموعة المؤلفات المختارة ، المجلّد 4 ). و وفقا لهذه المبادئ التى قدّمها الرفيق ماو تسى تونغ ، وضعنا سياستنا الخارجية السلميّة فى تعابير واضحة فى البرنامج المشترك الذى تبنّاه المؤتمر الإستشاري السياسي للشعب الصيني فى سبتمبر ( ايلول ) 1949، و من ثمّ فى دستور جمهورية الصين الشعبية الذى أجازه المجلس الوطني لنواب الشعب فى سبتمبر ( ايلول) 1954. و قد إبتكرت الحكومة الصينية فى عام 1954 مبادئ التعايش السلمي الخمسة المشهورة ، وهي الإحترام المتبادل للوحدة و السيادة الإقليميين ، وعدم الإعتداء المتبادل ، و عدم التدخّل فى الشؤون الداخلية للآخرين ، و المساواة و المنفعة المتبادلة، و التعايش السلمي . و صغنا مع الأقطار الآسيوية و الأفريقية الأخرى المبادئ العشرة على أساس المبادئ الخمسة فى مؤتمر باندونغ عام 1955. و قد لخّص الرفيق ماو تسى تونغ فى عام 1956 تجربة بلادنا الواقعية فى الشؤون الدوليّة و وضّح بصورة أكثر المبادئ العامة لسياستنا الخارجيّة و قال : " من أجل تحقيق سلام عالمي أبدي ، يجب علينا أن نطوّر تطويرا أكثر صداقتنا و تعاوننا مع الأقطار الشقيقة فى المعسكر الإشتراكي و أن نعزّز تضامننا مع جميع الأقطار المحبّة للسلام . و يجب علينا أن نسعى لإقامة علاقات ديبلوماسية طبيعيّة على أساس الإحترام المتبادل للوحدة و السيادة الإقليميتين و المساواة و المنفعة المتبادلة مع جميع الأقطار التى ترغب فى أن تعيش معنا بسلام . و يجب علينا أن نقدّم تأييدا نشيطا لحركة الإستقلال الوطني و التحرّر فى آسيا و أفريقيا و أميركا اللاتينية و كذلك لحركة السلام و النضالات العادلة فى جميع الأقطار فى العالم ." ( " خطاب إفتتاحي فى المؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي الصيني" ). و قال فى عام 1957 : " إنّ سياستنا الأساسية ، حيث تكمن مصلحتنا الأساسية ، هي أن نعزّز وحدتنا مع الإتحاد السوفياتي ، وحدتنا مع جميع الأقطار الإشتراكية ." " ثمّ ، هناك الأقطار الآسيوية و الأفريقية ، و جميع الأقطار و الشعوب المحبّة للسلام ، يجب علينا أن نعزّز و نطوّر وحدتنا معها ". " أمّا بالنسبة للأقطار الإستعمارية ، فعلينا أيضا أن نتّحد مع شعوبها ، و نكافح لنتعايش فى سلام مع هذه الأقطار، و أن نتاجر معها ، و أن نمنع وقوع أي حرب ممكنة ، و لكن يجب ألاّ تساورنا أيّة أفكار غير واقعية حول هذه الأقطار فى أي ظرف من الظروف ." ( " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين الشعب " ). و قد تبنّينا فى شؤوننا الخارجيّة خلال الأربعة عشر عاما الماضية ، سياسات مختلفة تجاه الأنواع المختلفة من الأقطار ، و نوّعنا سياساتنا وفقا للظروف المختلفة فى الأقطار من نفس النوع . فأوّلا ، نميّز بين الأقطار الإشتراكيّة و الرأسماليّة . و نحن نثابر على المبدأ الأممي البروليتاري للمساعدة المتبادلة بالنسبة للأقطار الإشتراكية . و نحن نتّخذ صيانة وحدة جميع الأقطار فى المعسكر الإشتراكي و تعزيزها كسياسة فى علاقاتنا الخارجية . ثانيا : نميزّ بين الأقطار الوطنيّة التى حصلت حديثا على إستقلالها السياسي و بين الأقطار الإستعماريّة . و مع أنّ الأقطار الوطنيّة تختلف أساسا عن الأقطار الإشتراكيّة فى أنظمتها الإجتماعية و السياسية ، إلآّ أنّ هناك تناقضا عميقا بينها و بين الإستعمار ، كما لها مصالح مشتركة مع الأقطار الإشتراكية ، هي مقاومة الإستعمار و صيانة الإستقلال الوطني و الدفاع عن السلام العالمي . و لذلك فمن الممكن و العملي تماما للأقطار الإشتراكيّة ان تقيم علاقات للتعايش السلمي و التعاون الودّي مع هذه الأقطار . إنّ إقامة مثل هذه العلاقات ذات أهمية عظيمة لتعزيز وحدة القوى المناوئة للإستعمار، و لدفع نضال الشعوب المشترك ضد الإستعمار . لقد تمسّكنا دوما بسياسة توطيد و تطوير التعايش السلمي و التعاون الودّى مع أقطار آسيا و أفريقيا و أميركا اللاتينية . و فى الوقت نفسه ، خضنا نضالات مناسبة ضروريّة ضد أقطار ، مثل الهند ، نقضت أو حطّمت المبادئ الخمسة . ثالثا : نميّز بين الأقطار الرأسمالية العادية و الأقطار الإستعمارية ، و كذلك بين الأقطار الإستعمارية المختلفة . و لمّا أصبح ميزان القوى الطبقيّة على النطاق العالمي يرجّح بإطّراد لصالح الإشتراكية ، و أصبحت القوى الإستعمارية أضعف فى كلّ يوم ، و أصبحت التناقضات تتفاقم بينها ، فمن الممكن للأقطار الإشتراكية أن تجبر هذه الدولة الإستعمارية او تلك على إقامة نوع من التعايش السلمي معها ، و ذلك بالإعتماد على قوّتها المتنامية ، و توسّع قوى الشعوب الثورية و الوحدة مع الأقطار الوطنيّة ، و نضال جميع الشعوب المحبّة للسلام ، و بإستخدام التناقضات الداخلية للإستعمار . بينما نثابر على التعايش السلمي مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة ، نؤدّى بثبات واجبنا الأممي البروليتاري . و نحن نؤيّد بنشاط حركات التحرّر الوطني فى آسيا و أفريقيا و أميركا اللاتينيّة ، و حركات الطبقة العاملة فى أوروبا الغربيّة وأميركا الشمالية و أوقيانوسيا ، و نضالات الشعوب الثوريّة و كذلك نضالات الشعوب ضد السياسات الإستعمارية العدوانيّة و الحربيّة و فى سبيل السلام العالمي . إنّ لنا هدفا واحدا من كلّ ذلك ، ألا و هو أن نوحّد جميع القوى التى يمكن توحيدها ، بإعتبار المعسكر الإشتراكي و البروليتاريا العالميّة نواة لها ، و ذلك لتشكيل جبهة موحّدة عريضة ضد الإستعمار الأميركي و عملائه . وعلى أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي ، أقامت الحكومة الصينيّة خلال العشر سنوات الماضية و نيف ، علاقات ودّية مع العديد من الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة ، وطوّرت معها تبادلات إقتصاديّة و ثقافيّة . و عقدت الصين معاهدات صداقة ، و معاهدات سلام و صداقة أو معاهدات صداقة و تعاون متبادل و عدم إعتداء متبادل مع اليمن و بورما و نيبال و أفغانستان و غينيا و كمبوديا و أندونيسا و غانا . و قد سوّت بنجاح مسائل حدودها مع بورما و نيبال و باكستان و أفغانستان إلخ ... تلك المسائل التى خلّفها التاريخ . و ما من أحد يستطيع أن يطمس المنجزات الكبرى التى حصل عليها الحزب الشيوعي الصيني و الحكومة الصينيّة فى التمسّك بسياسة لينين للتعايش السلمي . إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بإختراعهم أكذوبة أن الصين تعارض التعايش السلمي ، إنّما تحدوهم دوافع خفيّة . و إذا تحدّثنا بصراحة فإنّ هدفهم هو ستر بشاعتهم فى خيانة الأممية البروليتارية والتواطؤ مع الإستعمار . خطّ " التعايش السلمي " العام لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي لسنا نحن ، بل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي هم الذين ينتهكون فى الواقع سياسة لينين للتعايش السلمي . إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي قد طبّلوا لمفهومهم للتعايش السلمي بأضخم العبارات . فما هي وجهات نظرهم الأساسية حول مسألة التعايش السلمي ؟ أوّلا : يزعم قادة الحزب الشيوعي السوفياتي أن التعايش السلمي هو المبدأ الأعلى الذى لا يعلوه شيء لحلّ القضايا الإجتماعية المعاصرة . و يزعمون أنّ التعايش السلمي هو " البديل الأساسي فى الأزمنة المعاصرة " و " المطلب الملحّ للعهد الحاضر " ( بونوماريوف : " الراية الظافرة للشيوعيّين فى العالم " ، " البرافدا " ، 18 نوفمبر ( تشرين الثاني ) 1962. و هم يقولون إنّ " التعايش السلمي هو الطريق المقبول الأفضل و الوحيد لحلّ القضايا ذات الأهمّية الحيويّة التى تواجه المجتمع " . ( روميناتسيف : " سلاحنا الإيديولوجي المشترك " ، مجلة " قضايا السلم و الإشتراكية " ، العدد الأول عام 1962) ، و إنّ مبدأ التعايش السلمي يجب أن يصبح " القانون الأساسي لحياة المجتمع المعاصر بأسره " ( خطاب خروشوف فى الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر ( أيلول) 1960.) ثانيا : يعتبرون أنّ الإستعمار قد أصبح مستعدّا لقبول التعايش السلمي ، و لم يعد عقبة له . و هم يقولون بأنّ هناك " عددا ليس قليلا من قادة الحكومات و الدول فى الأقطار الغربيّة يقفون الآن أيضا فى سبيل السلام و التعايش السلمي" ( خطاب خورشوف فى جامعة كادجياه مادا بجوغ جاركارتا ن أندونيسيا ، 21 فبراير ( شباط) 1960) و إنّهم " يدركون بجلاء أكثر و أكثر ضرورة التعايش السلمي " ( تقرير ألقاه خروشوف فى مجلس السوفيات الأعلى للإتحاد السوفياتي يوم 14 يناير ( كانون الثاني ) 1960 ) هذا و قد أعلنوا بصخب شديد على وجه الخصوص " إعتراف" رئيس للولايات المتّحدة ب"حكمة و واقعية التعايش السلمي بين الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة ".( مقال بقلم هيئة تحرير" الأزفستيا "، 4 ديسمبر ( كانون الأول) 1961 ). ثالثا : إنّهم يدعون إلى " التعاون الشامل" مع الأقطار الإستعمارية ، و على الأخصّ مع الولايات المتّحدة . و هم يقولون إنّ الإتحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة " سيكون فى وسعهما إيجاد أساس لأعمال و جهود متّفق عليها لخير البشريّة بأجمعها " ( برقية التحية على كندي من خروشوف و بريجنيف ، 30 ديسمبر ( كانون الأول ) 1961) وأنّهما تستطيعان " أن تسيرا قدما يدا بيد من أجل توطيد السلام و إقامة تعاون دولي حقيقي بين جميع الدول". ( أنظر صفحة 21 رقم 3 ). رابعا : و هم يقولون أيضا إنّ " مبدأ التعايش السلمي يقرّر الخطّ العام للسياسة الخارجية للإتحاد السوفياتي و أقطار المعسكر الإشتراكي " . ( خطاب خروتشوف فى حفلة الإستقبال التى أقامتها سفارة جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية فى الإتحاد السوفياتي يوم 5 يوليو ( تموز ) 1961 ). خامسا : و يقولون ايضا إن " مبدأ التعايش السلمي يقرّر الخط العام للسياسة الخارجية للحزب الشيوعي السوفياتي و الأحزاب الماركسية اللينينية الأخرى " ( بونوماريوف : " بعض مشاكل الحركة الثوريّة " ، مجلة " قضايا السلم و الإشتراكية " ، العدد 12 عام 1962 ) ، و إنّه " أساس إستراتيجيا الشيوعية " فى عالم اليوم ، و إنّ جميع الشيوعيّين قد جعلوا النضال فى سبيل التعايش السلمي المبدأ العام لسياستهم" ( " الشيوعي " ( موسكو) ، العدد 2 عام 1962، صفحة 89 ) . سادسا : إنّهم يعتبرون التعايش السلمي شرطا مسبّقا لإنتصار النضالات الثوريّة للشعوب . و يعتقدون أنّ الإنتصارات التى أحرزتها شعوب مختلف الأقطار قد أحرزت فى " ظروف التعايش السلمي بين الدول ذات الأنظمة الإجتماعيّة المختلفة " ( بونوماريوف : " مرحلة جديدة فى الأزمة العامة للرأسمالية " ، " البرافدا " ، 8 فبراير ( شباط) 1961 ). إنّهم يزعمون أنّه " على وجه التحديد فى ظروف التعايش السلمي بين الدول ذات الأنظمة الإجتماعيّة المختلفة ، إنتصرت الثورة الإشتراكية فى كوبا و أحرز الشعب الجزائري إستقلاله الوطني ، و أحرز أكثر من أربعين بلدا الإستقلال الوطني، كما تنامت الأحزاب الشقيقة عددا و قوّة ، و إزداد نفوذ الحركة الشيوعية العالمية " . ( رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي المؤرّخة فى 30 مارس ( آذار ) 1963 إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ) . سابعا : إنّهم يعتقدون أن التعايش السلمي هو " أفضل سبيل لمساعدة حركة العمّال الثوريّة العالميّة فى تحقيق أهدافها الطبقيّة الأساسيّة " ( الرسالة المفتوحة التى وجهتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي بتاريخ 14 يوليو ( تموز) 1963 إلى المنظمات الحزبيّة و جميع الشيوعيّين فى الإتحاد السوفياتي ) . و هم يصرّحون بأنّ إمكانية الإنتقال السلمي إلى الإشتراكيّة قد نمت فى الأقطار الرأسماليّة فى ظلّ التعايش السلمي . و بالإضافة لهذا يعتقدون أنّ إنتصار الإشتراكية فى المباراة الإقتصادية " سيعنى توجيه ضربة قاضية إلى نظام العلاقات الرأسمالية بأسره " ( أنظر بونوماريوف : " بعض مشاكل الحركة الثورية " ، مجلة " قضايا السلم و الإشتراكية " ، العدد 12 عام 1962 ). إنّهم يذكرون أنّه " عندما سيتمتّع الشعب السوفياتي ببركات الشيوعية ، سيقول مئات الملايين من الناس على الأرض " إننا نريد الشيوعية ! " " . ( " برنامج الحزب الشيوعي السوفياتي " ، الذى أجازه المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي ) ، و إنّ الرأسماليّين حينذاك قد " ينضمون إلى الحزب الشيوعي ". أنظروا ، أيّة نقطة مشتركة بين هذه الآراء و سياسة لينين للتعايش السلمي ؟ إنّ سياسة لينين للتعايش السلمي هي سياسة تتّبعها دولة إشتراكية فى علاقاتها مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة ، إلاّ أن خروشوف يصف التعايش السلمي بأنّه أعلى مبدأ يتحكّم فى حياة المجتمع الحديث . إنّ سياسة لينين للتعايش السلمي تشكّل مظهرا واحدا للسياسة الدولية للبروليتاريا الحاكمة ، إلاّ أن خروتشوف يمدّ نطاق التعايش السلمي و يحوّله إلى الخطّ العام للسياسة الخارجية للأقطار الإشتراكية ، و حتى أنّه يمدّ نطاقه أكثر و يحوّله إلى الخطّ العام لجميع الأحزاب الشيوعيّة . إنّ سياسة لينين للتعايش السلمي كانت موجّهة ضد سياسات الإستعمار العدوانيّة و الحربيّة ، إلاّ أنّ تعايش خروتشوف السلمي يمشى مع حاجيات الإستعمار و يساعد السياسات الإستعماريّة العدوانيّة و الحربيّة . إنّ سياسة لينين للتعايش السلمي تنطلق من المهمّة التاريخية للبروليتاريا العالميّة ، و لذلك فهي تتطلّب من الأقطار الإشتراكيّة أن تقدّم ، أثناء إتّباعها هذه السياسة ، تأييدا حازما للنضالات الثوريّة التى تشنّها جميع الشعوب و الأمم المضطهَدَة ، إلاّ أن تعايش خروشوف السلمي ينشد وضع المسالمة محلّ الثورة العالميّة البروليتاريّة ، و هكذا ينبذ الأمميّة البروليتاريّة . لقد حوّل خروشوف سياسة التعايش السلمي إلى سياسة إستسلام طبقي . فهو تحت ستار التعايش السلمي نبذ المبادئ الثوريّة لتصريح عام 1957 و بيان عام 1960، و جرّد الماركسية اللينينية من روحها الثوريّة ، و أفسدها و شوّهها أيّما تشويه . إنّ هذا لخيانة وقحة للماركسية اللينينية ! ثلاثة خلافات مبدئية إن الخلاف حول مسألة التعايش السلمي بين قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي من جهة و بيننا و جميع الأحزاب الماركسية اللينينية و جميع الماركسيين اللينينيين من الجهة الأخرى ، ليس خلافا يكمن فى ما إذا كان على الأقطار الإشتراكية أن تتّبع سياسة التعايش السلمي ، بل هو خلاف مبدئي يتعلّق بالموقف الصحيح من سياسة لينين للتعايش السلمي . و يتجلّى هذا الخلاف بشكل أساسي فى ثلاث مسائل . المسألة الأولى هي : هل من الضروري من أجل تحقيق التعايش السلمي خوض نضالات ضد الإستعمار و الرجعيّة البورجوازية أم لا ؟ و هل من الممكن عن طريق التعايش السلمي إلغاء التعارض و النضال بين الإشتراكية و الإستعمار أم لا ؟ إنّ الماركسيين اللينينيين يعتقدون دوما أنّه فيما يتعلّق بالأقطار الإشتراكية لا يوجد ثمّة عقبة لتطبيق التعايش السلمي بين الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة . إنّ العقبات تأتي دوما من جانب المستعمِرين و الرجعيّين البورجوازيّين . إنّ المبادئ الخمسة للتعايش السلمي قد وُضعت لمكافحة السياسات الإستعماريّة العدوانيّة و الحربيّة . و تبعا لهذه المبادئ لا يسمح فى العلاقات الدوليّة بالإعتداء على أراضي و سيادة الأقطار الأخرى ، و التدخّل فى شؤونها الداخليّة ، و الإضرار بمصالحها و مركزها المتساوي ، أو شنّ حرب عدوانيّة ضدّها . و لكن من صميم طبيعة الإستعمار ذاتها إرتكاب العدوان ضد الأقطار و الأمم الأخرى و الرغبة فى إستعبادها . و ما دام الإستعمار موجودا فطبيعته هذه لن تتغيّر أبدا. و هذا هو بالتحديد ما يجعل المستعمِرين غير راغبين فى قبول المبادئ الخمسة للتعايش السلمي . وهم يحاولون ، كلّما كان ذلك ممكنا ، تحطيم الأقطار الإشتراكية و القضاء عليها ، و يرتكبون العدوان ضد الأقطار و الأمم الأخرى و يحاولون إستعبادها . إنّ التاريخ يظهر أنّه نظرا لأسباب موضوعيّة غير مؤاتية فقط ، لا يجرؤ المستعمِرون على المخاطرة بحرب ضد الأقطار الإشتراكية أو أنّهم مجبَرون على الموافقة على هدنة و قبول نوع معيّن من التعايش السلمي . و كما يدلّ التاريخ ، كانت دوما هناك أيضا نضالات حادّة معقّدة بين الأقطار الإستعماريّة و الإشتراكيّة ، و قد بلغت فى بعض الأحيان درجة صدامات عسكريّة مباشرة أو حروب . و عندما لا تكون هناك حروب فعليّة ، يشنّ المستعمِرون حروبا باردة ظلّوا يباشرونها بدون توقّف منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية ، و الواقع أنّ الأقطار الإستعماريّة و الإشتراكيّة قد ظلّت فى حالة تعايش حرب باردة . و فى الوقت الذى توسّع فيه الأقطار الإستعماريّة بنشاط تسلّحها و تستعدّ للحرب ، تستخدم كلّ وسيلة لمقاومة الأقطار الإشتراكية سياسيّا و إقتصاديا و إيديولوجيّا و حتى أنّها تقوم بالإستفزازات العسكريّة و التهديدات الحربية ضدّها . إنّ حرب المستعمِرين الباردة ضد الأقطار الإشتراكيّة و مقاومة الأخيرة لها تشكّلان مظاهر للنضال الطبقي العالمي . إنّ المستعمِرين يدفعون بخططهم العدوانيّة و الحربيّة ليس ضد الأقطار الإشتراكية و حسب بل فى العالم بأسره ، و هم يحاولون قمع الحركات الثوريّة للشعوب و الأمم المضطهَدَة . و فى هذه الظروف ، يجب على الأقطار الإشتراكية أن تكافح بحزم مع شعوب جميع الأقطار الأخرى ضد السياسات الإستعماريّة العدوانيّة و الحربيّة ، و أن تخوض نضالا يكيل الصاع بالصاع ضد الإستعمار . و هذا النضال الطبقي يستمرّ حتما ، تارة بشكل حاد ، و تارة بشكل أخفّ . و لكن خروتشوف يصمّ أذنيه عن هذه الحقائق الدامغة. وهو يعلن فى كل مكان و على أوسع نطاق أنّ الإستعمار قد إعترف الآن بضرورة التعايش السلمي ، و يعتبر النضالات المناوئة للإستعمار التى تخوضها الأقطار الإشتراكية و شعوب العالم لا تتّفق مع سياسة التعايش السلمي . و فى رأي خروشوف، أنّه على الأقطار الإشتراكية أن تقدّم التنازل تلو الآخر أمام المستعمِرين والرجعيِّين البورجوازيين، و تواصل الإستسلام لهم حتّى عندما يعرضونها للتهديدات الحربيّة و الهجوم المسلّح أو يتقدّمون إليها بمطالب مذلّة من شأنها أن تنهك سيادتها و كرامتها . و وفقا لهذا المنطق يصف خروشوف تقهقره المستمرّ ، و إتّجاره بالمبادئ ، و إنقياده السهل لمطالب المستعمِرين الأميركيِّين المذلّة خلال أزمة الكاريبي بأنّه " إنتصار للتعايش السلمي " . و وفقا لهذا المنطق يصف خروشوف تمسّك الصين بالمبادئ الصحيحة حول مسألة الحدود الصينيّة الهنديّة ، و الهجوم المضاد ضد هجوم الرجعيّين الهنود العسكري ، دفاعا عن النفس ، الذى قامت به الصين عندما أصبح الوضع لا يحتمل ، يصفه بأنّه " إنتهاك للتعايش السلمي " . و فى بعض الأحيان يتحدّث خروشوف أيضا حول النضال بين النظامين الإجتماعيّين المختلفين ، و لكن كيف يرى هذا النضال ؟ لقد قال خروشوف : " إنّ النضال الحتمي بين النظامين يجب جعله قاصرا على إتّخاذ شكل تصارع للأفكار..." ( تقرير ألقاه خروشوف فى مجلس السوفيات الأعلى للإتحاد السوفياتي يوم 14 يناير ( كانون الثاني ) 1960 ). و هنا إختفى النضال السياسي ! و قد قال أيضا : " إنّ المبدأ اللينيني للتعايش السلمي بين الدول ذات الأنظمة الإجتماعية الإقتصادية و السياسية المختلفة لا يعنى مجرّد عدم وجود حرب ، و حالة مؤقتة لوقف غير مستقرّ لإطلاق النار . فهو يستلزم الحفاظ على علاقات إقتصاديّة و سياسيّة ودّية بين هذه الدول ، و يشتمل على إقامة و تطوير مختلف أشكال التعاون الدولي السلمي ".( خروشوف : " أجوبة على أسئلة البروفسور النمساوي هانس تيرين" ، " البرافدا " ، 3 يناير ( كانون الثاني ) 1962 ) . و هنا إختفى النضال تماما ! و كالساحر ، يطلق خروشوف حيلة بعد أخرى ، فهو أوّلا يقلّل من شأن القضايا الصغيرة إلى درجة الصفر . إنّه ينكر التعارض الأساسي بين النظامين الإشتراكي و الرأسمالي ، و ينكر التناقض الأساسي بين المعسكرين الإشتراكي و الإستعماري ، و ينكر وجود النضال الطبقي العالمي . و هكذا يحوّل التعايش السلمي بين النظامين و المعسكرين إلى " تعاون شامل ". أما المسألة الثانية فهي هل يمكن جعل التعايش السلمي الخطّ العام للسياسة الخارجية للأقطار الإشتراكية ؟ إنّنا نعتقد أنّ الخطّ العام للسياسة الخارجية للأقطار الإشتراكية يجب أن يتضمّن المبدأ الأساسي لسياستنا الخارجية و أن يتضمّن المحتوى الأساسي لهذه السياسة . و ما هو هذا المبدأ الأساسي ؟ إنّه الأممية البروليتارية . قال لينين : " إنّ التحالف مع ثوريي الأقطار المتقدّمة ومع جميع الأمم المضطهَدَة ضد أي من المستعمِرين و ضدّهم جميعا- هو السياسة الخارجية للبروليتاريا " ( " السياسة الخارجية للثورة الروسية " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلد 25 ). إنّ هذا المبدأ الأممي البروليتاري الذى وضعه لينين يجب أن يكون المرشد للسياسة الخارجية للأقطار الإشتراكية . كان على كلّ قطر إشتراكي ، منذ أن تشكّل المعسكر الإشتراكي، أن يعالج ثلاثة أنواع من العلاقات فى سياسته الخارجية، أي علاقاته مع الأقطار الإشتراكية الأخرى ، و مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة ، و مع الشعوب و الأمم المضطهَدَة . و لذلك ، نرى أنّه يجب أن يكون التالى هو محتوى الخطّ العام للسياسة الخارجية للأقطار الإشتراكية : تطوير علاقات الصداقة و المساعدة المتبادلة و التعاون بين أقطار المعسكر الإشتراكي وفقا لمبدأ الأمميّة البروليتارية ؛ و الكفاح فى سبيل التعايش السلمي على أساس المبادئ الخمسة مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة ، و مقاومة السياسات الإستعمارية العدوانية و الحربية ؛ و تأييد و مساعدة النضالات الثوريّة التى تشنّها جميع الشعوب و الأمم المضطهَدَة . و هذه الأوجه الثلاثة متداخلة و لا يمكن حذف واحد منها. إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي قد قصروا من جانب واحد الخطّ العام للسياسة الخارجية للأقطار الإشتراكية على التعايش السلمي . إنّنا نودّ أن نسأل : كيف يجب على دولة إشتراكيّة أن تعالج علاقاتها مع الأقطار الإشتراكية الأخرى ؟ و هل عليها أن تباشر مجرد علاقات تعايش سلمي معها ؟ بالطبع ، على الأقطار الإشتراكية ايضا أن تلتزم بالمبادئ الخمسة فى علاقاتها المتبادلة . و لا يسمح مطلقا لأيّ أحد منها أن يقوّض الوحدة الإقليمية لقطر شقيق آخر، و يضرّ بإستقلاله و سيادته ، و يتدخّل فى شئونه الداخليّة ، و يقوم بنشاطات تخريبيّة فى داخله ، أو أن ينتهك مبدأ المساواة و المنفعة المتبادلة فى علاقاته مع قطر شقيق آخر . و لكن مجرّد تطبيق هذه المبادئ بعيد عن أن يكون كافيا . فقد ورد فى تصريح عام 1957 : " ... بيد أنّ هذه المبادئ الهامّة ليست بالمبادئ الوحيدة التى تحدّد جوهر العلاقات بين البلدان الإشتراكية . فالمساعدة المتبادلة الأخوية جزء لا يتجزّأ من علاقاتها . و هذه المساعدة المتبادلة هي التعبير الفعليّ عن مبدأ الأمميّة الإشتراكيّة ." إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ، بجعلهم التعايش السلمي الخطّ العام للسياسة الخارجية ، قد صفّوا فى الواقع علاقات الأممية البروليتارية فى المساعدة المتبادلة و التعاون بين الأقطار الإشتراكية ، و وضعوا الأقطار الإشتراكية الشقيقة على نفس الصعيد مع الأقطار الرأسمالية . و هذا يعنى تصفية المعسكر الإشتراكي . إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي قد قصروا من جانب واحد الخطّ العام للسياسة الخارجية للدول الإشتراكية على التعايش السلمي . و بودّنا أن نسأل : كيف يجب على قطر إشتراكي أن يعالج علاقاته مع الشعوب و الأمم المضطهَدة ؟ هل يجب أن تكون العلاقة بين البروليتاريا فى الحكم و بين إخوانها الطبقيّين الذين لم يحرّروا أنفسهم بعدُ ، أو بينها و بين جميع الشعوب و الأمم المضطهَدة ، مجرّد علاقة تعايش سلمي و ليس علاقة مساعدة متبادلة ؟ لقد أكّد لينين مرارا بعد ثورة أكتوبر أنّ وطن الإشتراكية الذى أسّس ديكتاتورية البروليتاريا ، هو قاعدة لتطوير الثورة البروليتارية العالمية . و قال ستالين أيضا : " إنّ الثورة التى إنتصرت فى قطر واحد يجب ألاّ تعتبر نفسها وحدة تكتفى بذاتها ، بل عونا و وسيلة للتعجيل بإنتصار البروليتاريا فى جميع الأقطار ." ( " ثورة أكتوبر وتكتيكات الشيوعيين الروس" ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 6 ) و أضاف : " إنها تشكّل ... قاعدة مانعة لتطوّرها تطوّرا أكثر، ( يعنى تطوّر الثورة العالمية )" ( نفس المصدر ) . و لذلك فإنّ الأقطار الإشتراكية فى سياستها الخارجية لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تقصر نفسها على معالجة علاقاتها مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة ، بل يجب عليها ايضا أن تعالج بشكل صحيح العلاقات بين الأقطار الإشتراكية و علاقاتها مع الشعوب و الأمم المضطهَدَة . و يجب عليها أن تجعل من تأييد النضالات الثوريّة التى تخوضها الشعوب و الأمم المضطهَدة واجبها الأممي و جزءا هاما من سياستها الخارجيّة . و على نقيض لينين و ستالين ، يجعل خروشوف التعايش السلمي خطّا عاما للسياسة الخارجيّة للأقطار الإشتراكية ، و بعمله هذا ، يستثنى من هذه السياسة الواجب الأممي البروليتاري لتأييد و مساعدة النضالات الثوريّة التى تخوضها الشعوب و الأمم المضطهَدَة . إنّ هذا بعيد عن أن يكون " تطويرا خلاّقا " لسياسة التعايش السلمي ، بل هو خيانة للأمميّة البروليتارية بحجّة التعايش السلمي . أمّا المسألة الثالثة فهي هل يمكن أن تكون سياسة التعايش السلمي للأقطار الإشتراكيّة الخطّ العام لجميع الأحزاب الشيوعيّة و الحركة الشيوعيّة العالميّة ؟ و هل يمكن أن تحلّ محلّ ثورة الشعوب ؟ إنّنا نعتقد بأنّ التعايش السلمي يقصد به علاقة بين الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة أي علاقة بين الأقطار المستقلّة ذات السيادة . و بعد الإنتصار فى الثورة فقط يصبح من الممكن و من الضروري للبروليتاريا أن تنتهج سياسة التعايش السلمي . أمّا بالنسبة للشعوب و الأمم المضطهَدَة فإنّ مهمّتها أن تكافح من أجل تحرّرها و الإطاحة بحكم الإستعمار و عملائه ، و لا ينبغى لها أن تمارس التعايش السلمي مع المستعمِرين و عملائهم كما ليس من الممكن لها أن تفعل ذلك . و لذلك ، فمن الخطأ تطبيق التعايش السلمي على العلاقات بين الطبقات المضطهَدَة و المضطهِدة ، و بين الأمم المضطهَدة و المضطهِدة أو مدّ نطاق سياسة التعايش السلمي للبلدان الإشتراكية لتغدو سياسة للأحزاب الشيوعية و الشعوب الثوريّة فى العالم الرأسمالي أو لجعل النضالات الثوريّة للشعوب و الأمم المضطهَدة خاضعة لسياسة التعايش السلمي للبلدان الإشتراكيّة . إنّنا نعتقد دائما بأنّ التطبيق الصحيح لسياسة لينين للتعايش السلمي من جانب الأقطار الإشتراكيّة يساعد على تطوير قوّتها و فضح سياسات الإستعمار العدوانيّة و الحربيّة و توحيد جميع الشعوب و الأقطار المعادية للإستعمار، و لذلك فهو يساعد نضالات الشعوب ضد الإستعمار و عملائه . و فى الوقت نفسه تساعد النضالات الثوريّة التى تخوضها شعوب العالم ضد الإستعمار و عملائه ، بضربها و إضعافها بصورة مباشرة القوى العدوانيّة و الحربيّة و الرجعيّة ، تساعد قضيّة السلم العالمي و التقدّم الإنساني ، و لذلك فهي تساعد نضال قضيّة السلم العالمي و التقدّم الإنساني ، و لذلك فهي تساعد نضال الأقطار الإشتراكيّة فى سبيل التعايش السلمي مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعيّة المختلفة . و هكذا فإنّ تطبيق الأقطار الإشتراكيّة الصحيح لسياسة لينين حول التعايش السلمي ينسجم مع مصالح النضالات الثوريّة للشعوب فى جميع الأقطار . و مع ذلك فنضال الأقطار الإشتراكية من أجل التعايش السلمي مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة و ثورة الشعوب فى مختلف الأقطار ، هما شيئان مختلفان تماما . لقد جاء فى رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني المؤرّخة فى يوم 14 يونيو ( حزيران ) ردّا على رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي : " ... أنّ ممارسة التعايش السلمي بين البلدان ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة أمر . لا يسمح للبلدان التى تمارس التعايش السلمي ، و لا يمكنها أبدا ، أن تمسّ و لو شعرة من الأنظمة الإجتماعيّة للبلدان التى تتعايش معها سلميّا . أمّا الصراع الطبقي و النضال من أجل التحرّر الوطني و الإنتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية فى البلدان المختلفة فأمر آخر . و تلك كلّها نضالات ثوريّة حادة نضالات حياة و موت ، تهدف إلى تغيير النظام الإجتماعي . و لا يمكن أبدا أن يحلّ التعايش السلمي محلّ النضالات الثوريّة لدى الشعوب . و الإنتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية فى أي بلد يمكن تحقيقه فقط عبر الثورة البروليتارية و ديكتاتورية البروليتاريا فى ذلك البلد " . و فى المجتمع الطبقي ، من الخطأ تماما إعتبار التعايش السلمي " الطريق المقبول الأفضل و الوحيد لحلّ القضايا ذات الأهمّية الحيويّة التى تواجه المجتمع " و " القانون الأساسي لحياة المجتمع المعاصر بأسره ". إنّ هذا لمسالمة إجتماعية تنكر الصراع الطبقي ، و خيانة واضحة للماركسية اللينينية . لقد ميّز الرفيق ماو تسى تونغ فى عام 1946 بين هاتين القضيّتين و ذكر بوضوح أن المساومات بين الإتّحاد السوفياتي و بين الولايات المتّحدة و بريطانيا و فرنسا على بعض المشاكل " لا تتطلّب من شعوب مختلف بلدان العالم الرأسمالي أن تلجأ إلى مثلها فى داخل بلدانها ، ذلك أن شعوب هذه البلدان ستواصل خوض نضالات مختلفة طبقا للظروف المختلفة ". ( " بعض التقديرات حول الوضع الدولي الراهن " فى كراس " حديث مع المراسلة الأميركية أنّا لويس سترونغ " ، دار النشر باللغات الأجنبية ، بكين ، 1962، الطبعة العربية ، صفحة 2 ). و هذه هي سياسة ماركسية لينينية صحيحة . و إسترشادا بهذه السياسة الصحيحة للرفيق ماو تسى تونغ واصل الشعب الصيني الثورة بحزم و عزم حتى النهاية و أحرز إنتصارا عظيما لثورته . وعلى النقيض من هذه السياسة الماركسية اللينينية يساوى قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بين مظهر واحد للسياسة التى تنهجها البروليتاريا الحاكمة فى مجال علاقات دولتها مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعيّة المختلفة ، و بين الخطّ العام لجميع الأحزاب الشيوعيّة ، و يحاولون أن يحلّوا الأوّل محلّ الأخير طالبين من جميع الأحزاب الشيوعيّة و الشعوب الثوريّة وجوب إتّباع ما يسمّونه بالخطّ العام للتعايش السلمي . و بينما لا يرغبون هم أنفسهم فى الثورة ، يمنعون الآخرين من القيام بها . و بينما لا يقاومون هم أنفسهم الإستعمار ، يمنعون الآخرين من مقاومته . إنّ الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي و أقوال خروشوف مؤخّرا قد أنكرتا هذا بشدّة ، و قيل إنّ إتهام قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بتوسيع نطاق التعايش السلمي حتى يشمل العلاقات بين الطبقات المضطهَدة و المضطهِدة ، و بين الأمم المضطهَدة و المضطهِدة هو " إفتراء شنيع ". حتى أنّهم ذكروا زيفا و بهتانا أن التعايش السلمي " لا يمكن توسيعه حتى يشمل النضال الطبقي ضد رأس المال فى داخل الأقطار الرأسمالية و حتى يشمل حركة التحرّر الوطني " . و لكن هذه المراوغة عبث لا طائل منه . و بودّنا أن نسأل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي : ما دامت سياسة التعايش السلمي تشكّل فقط مظهرا واحدا للسياسة الخارجية للبلدان الإشتراكية فلماذا قلتم حتى الآن إنّها تمثّل " الخطّ الإستراتيجي لمرحلة الإنتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية بكاملها على نطاق العالم " ؟ ( " فى سبيل وحدة و تضامن الحركة الشيوعية العالمية " ، مقال بقلم هيئة تحرير " البرافدا " ، 6 ديسمبر ( كانون الأول ) 1963) . ألستم بمطالبتكم الأحزاب الشيوعية فى جميع الأقطار الرأسماليّة و الأمم المضطهَدة أن تجعل التعايش السلمي خطّها العام ، تهدفون إلى إحلال سياستكم " للتعايش السلمي" محلّ الخطّ الثوري للأحزاب الشيوعية ، و تهدفون إلى مدّ نطاق سياسة التعايش السلمي و تطبيقها عمدا على العلاقات بين الطبقات المضطهَدة و المضطهِدة ، و بين الأمم المضطهَدة و المضطهِدة ؟ كما نودّ أنّ نسأل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي : ما دامت الشعوب تحرز الإنتصار فى ثورتها بالإعتماد بشكل رئيسي على نضالاتها الخاصة ، فكيف يمكن لهذا الإنتصار أن يعزى للتعايش السلمي أو أن يوصف كثمرة له ؟ أولا تعنى مزاعمكم هذه إخضاع النضالات الثوريّة للشعوب لسياستكم حول التعايش السلمي ؟ و نودّ أيضا أن نسأل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي : إنّ المنجزات الإقتصادية للبلدان الإشتراكية و الإنتصارات التى أحرزتها فى المباراة الإقتصاديّة مع البلدان الرأسماليّة ستلعب بدون شكّ دورا و مثالا وهي حافز للشعوب و الأمم المضطهَدة . و لكن كيف يمكن أن يقال إنّ الإشتراكية ستنتصر على نطاق العالم عن طريق التعايش السلمي و المباراة السلميّة بدلا عن طريق النضالات الثوريّة للشعوب ؟ إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يروّجون القول بأنّ الإعتماد على التعايش السلمي و المباراة السلميّة وحدهما كاف " لتوجيه ضربة ساحقة إلى نظام العلاقات الرأسمالية بأسره " ، و تمهيد الطريق لتحقيق الإنتقال السلمي إلى الإشتراكية على نطاق العالم . و هذا يعادل القول بأن جميع الشعوب و الأمم المضطهَدة لا تحتاج أبدا إلى خوض النضال و القيام بالثورة و الإطاحة بالحكم الرجعي للإستعمار و الحكم الإستعماري و عملائهما ، بل عليها أن تنتظر بهدوء حتى تتفوّق مستويات الإنتاج و مستويات المعيشة فى الإتّحاد السوفياتي على مثيلاتها فى البلدان الرأسماليّة الأكثر تطوّرا ، حيث سيكون بمقدور جميع العبيد المضطهَدين و المستغَلين فى العالم بأسره الولوج إلى الشيوعية مع مضطهِديهم و مستغلّيهم . أوليست هذه محاولة من جانب قادة الحزب الشيوعي السوفياتي لإحلال ما يسمّونه بالتعايش السلمي محلّ النضالات الثورية للشعوب و لتصفية مثل هذه النضالات ؟ إنّ تحليلا لهذه المسائل الثلاث يجعل من الواضح أن خلافنا مع قادة الحزب الشيوعي السوفياتي هو خلاف أساسي مبدئي . وهو فى جوهره يتركّز فيما يلى : إنّ سياسنا للتعايش السلمي هي سياسة لينينيّة تستند إلى مبدأ الأمميّة البروليتاريّة و تفيد قضيّة مقاومة الإستعمار و الدفاع عن السلم العالمي و تتّفق مع مصالح النضالات الثوريّة للشعوب و الأمم المضطهَدة فى العالم قاطبة . إلاّ أنّ الخطّ العام المزعوم للتعايش السلمي الذى ينتهجه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي هو خطّ معاد للينينية يتخلّى عن مبدأ الأمميّة البروليتارية و يضرّ بقضيّة مقاومة الإستعمار و الدفاع عن السلام العالمي و يخالف مصالح النضالات الثوريّة للشعوب و الأمم المضطهَدة فى العالم قاطبة . الخطّ العام للتعايش السلمي لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي يفى بحاجيات الإستعمار الأميركي إنّ الخطّ العام للتعايش السلمي الذى ينتهجه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي قد رفضته بحزم جميع الأحزاب الماركسيّة اللينينيّة و الشعوب الثوريّة و لكنّه قُوبل بالثناء الحار من قبل المستعمِرين . إنّ الناطقين بلسان الرأسمال الإحتكاري الغربي لا يكتمون إعجابهم بالخطّ العام للتعايش السلمي لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي . ( " إلى أي حدّ يجب أن نتودّد إلى نيكيتا ؟ " ، مجلة " تايم "، 9 مارس ( آذار) 1962) . و يقولون إنّ " رئيس الوزراء السوفياتي نيكيتا خروتشوف يتصرّف كسياسي أميركي" ( خطاب هاريمان نائب وزير الخارجية الأميركية فى التلفزيون، 18 أغسطس ( آب) 1963) ويقولون إنّ " الرفيق خروشوف يعتبر بالنسبة للعالم الحرّ أفضل رئيس وزراء لدى الروس . إنّه يؤمن حقا بالتعايش السلمي ". ( " كندى يساعد خروشوف" ، مجلة " تايم أند تايد " ، الربيطانية ، 18- 24 ابريل ( نيسان) 1963 ) . و يصرّحون إنّ " إمكانيّة تحسين العلاقات السوفياتية الأميركيّة هذه قد جعلت دوائر وزارة الخارجيّة الأميركيّة تشعر بأنّه ينبغى للولايات المتّحدة أن تسهّل لخروتشوف مهمّته فى نطاق حدود معيّنة ." ( نبأ من وكالة أجانس فرانس من واشنطن فى 14 يوليو ( تموز) 1963 حول التعليق الرسمي للحكومة الأميركية على الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي ) . لقد ظلّ المستعمِرون دوما معادين لسياسة التعايش السلمي للبلدان الإشتراكية صارخين بأنّ " عبارة " التعايش" بالذات مستهجنة و مكروهة " و " دعنا نلقى بفكرة التعايش المؤقّت القلق إلى كومة المهملات ". ( خطاب تيرون نائب وزير الخارجية الأميركية السابق حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة يوم 20 ابريل ( نيسان) 1960). فلماذا يظهرون الآن إهتماما كبيرا كهذا بخطّ خروتشوف العام للتعايش السلمي ؟ ذلك أنّ المستعمِرين واثقون بفائدته لهم . لقد ظلّ المستعمِرون الأميركيّون يتبنّون بثبات التكتيك المزدوج للحرب و السلام من أجل تحقيق أهدافهم الإستراتيجية فى تصفية ثورات الشعوب و إزالة المعسكر الإشتراكي من الوجود و بسط سيطرتهم على العالم . و عندما يجدون أن الوضع الدولي يتطوّر فى غير صالحهم يضطرّون للجوء بشكل متزايد إلى حيل السلام بينما يواصلون توسيع تسلّحهم و إستعداداتهم الحربيّة . لقد إقترح جون فوستر دالاس فى عام 1958 بأنّ على الولايات المتّحدة أن تكرس نفسها " لإستراتيجية نبيلة " " لإنتصار سلمي " ( خطاب دالاس فى الغرفة التجاريّة بولاية كاليفورنيا يوم 4 ديسمبر ( كانون الأوّل ) 1958 ). و بعد أن تولى كندي زمام الحكم واصل و طوّر " إستراتيجية سلام " دالاس و تشدّق ب " التعايش السلمي" . و قال " ...إنّنا فى حاجة إلى سلاح أفضل كثيرا من القنبلة الهيدروجينيّة ... إنّ السلاح الأفضل هو التعاون السلمي ." ( خطاب كندي فى الجمعية العمومية لهيئة المم المتحدة يوم 20 سبتمبر ( أيلول) 1963 ). فهل يعنى هذا أنّ المستعمِرين الأميركيّين يقبلون حقّا التعايش السلمي ، أو كما يقول قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يعترفون ب " حكمة و واقعية التعايش السلمي" ؟ كلاّ بالطبع . إنّ قليلا من البحث الجدّي يسهلّ على المرء إكتشاف المعنى و الغرض الحقيقيّين " للتعايش السلمي" الذى يدعو له المستعمِرون . فما معناه و غرضه الحقيقيان ؟ أوّلا : يحاول المستعمِرون الأميركيّون جهدهم ، بإسم التعايش السلمي ، أن يغلّوا أيدى الإتّحاد السوفياتي و الأقطار الإشتراكية الأخرى و يمنعوها من مساندة النضالات الثوريّة لشعوب العالم الرأسمالي . لقد قال دالاس : " إنّ حكومة الإتّحاد السوفياتي يمكنها أن تضع حدّا " للحرب الباردة " إذا ما حرّرت نفسها من الإتّجاه الذى حدّدته الشيوعيّة العالميّة و سعت أوّلا إلى رفاهيّة الأمّة الروسيّة و الشعب الروسي . و كذلك يمكن أن تنهي " الحرب الباردة " إذا ما خلّت الشيوعيّة العالميّة عن أهدافها العالمية..." . ( حديث كندي مع آجوبي رئيس تحرير " الأزفستيا " ، 25 نوفمبر ( تشرين الثاني ) 1961) . و قال كندي : إذا أريد تحسين العلاقات الأميركيّة السوفياتيّة يجب على الإتّحاد السوفياتي أن يتخلّى عن برنامجه " لتعميم الشيوعيّة فى العالم بأسره " كما يجب عليه أن " يتطلّع فقط إلى مصلحته الوطنيّة و إلى توفير حياة أفضل لشعبه فى ظروف سلميّة ". ( حديث كندي مع آجوبي رئيس تحرير " الأزفيستيا " ، 25 نوفمبر ( تشرين الثاني ) 1961) . و قال راسك بوضوح أكثر : " لن يكون هناك سلم دائم أكيد حتى يتخلّى القادة الشيوعيّون عن هدفهم فى الثورة العالميّة ". و قال أيضا إنّ هناك " دلائل تبرم " لدى القادة السوفيت " حول أعباء و مخاطر إلتزاماتهم تجاه الحركة الشيوعيّة العالميّة ". و حتّى أنّه طلب من القادة السوفيت علنا بأن " يتقدّموا من هنا ملقين جانبا الوهم بإنتصار شيوعي عالمي " . ( خطاب راسك فى المؤتمر الوطني لفيلق المتقاعدين الأميركيين، 10 سبتمبر ( أيلول) 1963 ) . إنّ معنى هذه الكلمات واضح جدّا . فالمستعمِرون الأميركيّون يصفون النضالات الثوريّة التى تخوضها الشعوب و الأمم المضطهَدَة فى العالم الرأسمالي من أجل تحرّرها بأنّها حصيلة لمحاولات الأقطار الإشتراكية " تعميم الشيوعيّة فى العالم بأسره ". و هم يقولون للقادة السوفيت : هل تريدون أن تعيشوا بسلام مع الولايات المتّحدة ؟ حسنا جدّا ! لكن شريطة أن لا تؤيّدوا النضالات الثوريّة للشعوب و الأمم المضطهَدة فى العالم الرأسمالي ، و يجب أن تتعهّدوا بأنّها لن تهبّ بالثورة . و وفقا لأوهام المستعمِرين الأميركيّين ، فإنّ هذا سيطلق العنان لهم لإخماد الحركات الثوريّة فى العالم الرأسمالي و للسيطرة على سكّانه الذين يشكّلون ثلثي سكّان العالم و إستعبادهم . ثانيا ، يحاول المستعمِرون الأميركيّون ، بإسم التعايش السلمي ، أن يندفعوا قدما بسياستهم فى " التحوّل السلمي" تجاه الإتّحاد السوفياتي و الأقطار الإشتراكية الأخرى و يعيدوا الرأسماليّة هناك . لقد قال دالاس : " إنّ عدم إستخدام القوّة ... يعنى عدم الإحتفاظ بالوضع القائم ، بل يعنى تغييرا سلميّا ". ( خطاب دالاس فى مأدبة تقديم الجوائز لجمعيّة المحامين بولاية نيويورك ، 31 يناير ( كانون الثاني ) 1959) . " فلا يكفى أن تقف موقف الدفاع . إنّ الحرّية يجب أن تكون قوّة إيجابيّة تستطيع أن تتغلغل ". ( خطاب دالاس فى الغرفة التجارية بولاية كاليفورنيا يوم 4 ديسمبر ( كانون الأوّل ) 1958 ) . و " نحن نأمل فى تشجيع تحوّل داخل العالم السوفياتي". ( شهادة دالاس أمام لجنة الشئون الخارجية التابعة لمجلس النواب ، 8 فبراير ( شباط ) 1959 ) . و قال أيزنهاور : إنّ كلّ ما تستطيع الولايات المتّحدة القيام به بالوسائل السلميّة سيجرى القيام به " من أجل أن تحصل فى النهاية تلك الشعوب التى تقع تحت عبوديّة ديكتاتوريّة طاغية على الحقّ فى تقرير مصائرها عن طريق الإنتخاب الحرّ ". ( خطاب ايزنهاور فى المؤتمر البولندي – الأميركي فى شيغاغو ، 30 سبتمبر ( أيلول ) 1960) . و قال كندي : إنّ " الواجب هو أن نبذل كلّ ما بوسعنا لنرى أن التغيّرات التى تجرى ... فى الإمبراطوريّة السوفياتيّة و جميع القارات... تقود إلى حرّية أكثر لعدد أكبر من الناس و إلى السلام العالمي " .( كتاب كندي " إستراتيجية السلم "، صفحة 199) . و صرّح بأنّه " سينتهج سياسة تشجيع الحرّية بصبر و الضغط على الطغيان بحذر" تجاه الأقطار الإشتراكيّة فى أوروبا الشرقيّة من أجل توفير " إنتخاب حرّ " لشعوب هذه الأقطار . ( خطاب كندى فى المؤتمر البولندي – الأميركي فى شيغاغو ، اليوم الأوّل أكتوبر ( تشرين الأوّل) 1960 ) . إنّ معنى هذه الكلمات واضح جدّا أيضا . فالمستعمِرون الأميركيّون يفترون على النظام الإشتراكي بأنّه " ديكتاتوري " و " طاغ " ، و يصفون إعادة الرأسماليّة بأنّها " إنتخاب حرّ ". و هم يقولون للقادة السوفيت : هل ترغبون فى العيش بسلام مع الولايات المتحدة ؟ حسن جدّا ! و لكن هذا لا يعنى أنّنا نعترف بالوضع القائم فى الأقطار الإشتراكيّة . و على النقيض من ذلك ، يجب إعادة الرأسمالية هناك و بمعنى آخر ، فالمستعمِرون الأميركيّون لن يرضوا أبدا بحقيقة أنّ ثلث سكّان العالم قد إنطلق فى الطريق الإشتراكي ، و سيحاولون دوما القضاء على جميع الأقطار الإشتراكيّة . و بإختصار ، فإنّ ما يسمّيه المستعمِرون الأميركيّون بالتعايش السلمي يعنى ما يلى : لا يسمح لشعب يعيش تحت السيطرة و العبوديّة الإستعماريّتين بأن يجاهد فى سبيل تحرّره ، و ينبغى لجميع أولئك الذين حرّروا أنفسهم ، أن يعودوا مرّة ثانية تحت السيطرة و العبوديّة الإستعماريّتين ، و يجب على العالم أجمع أن ينضمّ إلى " المجموعة العالمية ( الأمريكيّة ) للأمم الحرّة ". و هكذا من السهل على المرء أن يرى لماذا يستسيغ المستعمِرون الأميركيون تماما خطّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي العام للتعايش السلمي . فبحجّة التعايش السلمي ، يبذل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي قصارى جهودهم ليتزلّفوا للإستعمار الأميركي ، و يخدموا سياسته السلميّة المخادعة عن طريق الزعم بإستمرار بأنّ ممثّلى الإستعمار الأميركي " يهتموّن بالسلام ". و بحجّة التعايش السلمي ، يمدّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي نطاق سياسة التعايش السلمي و يطبّقونها على العلاقات بين الطبقات المضطهَدة و المضطهِدة ، و بين الأمم المضطهَدة و المضطهِدة ، و هم يعارضون الثورة ، و يحاولون تصفيتها . و هذا يستجيب بالضبط لمتطلّبات المستعمِرين الأميركيّين بأنّ على الدول الإشتراكيّة أن لا تؤيّد ثورات الشعوب فى العالم الرأسمالي . و بحجّة التعايش السلمي ، يحاول قادة الحزب الشيوعي السوفياتي إحلال التعاون الطبقي الدولي محلّ النضال الطبقي الدولي ، و يدعون إلى " تعاون شامل " بين الإشتراكيّة و الإستعمار ، و هكذا يفتحون الباب للتغلغل الإستعماري فى الأقطار الإشتراكيّة . إنّ هذا يستجيب بالضبط لحاجات سياسة " التحوّل السلمي" الإستعماريّة الأميركيّة . إنّ المستعمِرين دوما أفضل أساتذة لنا بمثالهم السلبي . فدعنا نسرد هنا مقطعين من خطاب ألقاه دالاس بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي . " ... لقد قلت ... إن هناك دليلا على وجود قوى داخل الإتّحاد السوفياتي تتطلّع إلى مزيد من الليبرالية ... إذا ما إستمرّت هذه القوى فى النموّ و واصلت إستجماع قوّتها داخل الإتّحاد السوفياتي ، لأمكننا أن نعتقد ، و أن نأمل بحقّ ، كما قلت ، فى عقد من الزمن أو ربّما فى جيل واحد بتحقيق الهدف العظيم لسياستنا ، وهو ظهور روسيا حيث يحكم أناس يستجيبون لرغبات الشعب الروسي ، و قد تخلّوا عن مطامعهم الجشعة فى حكم العالم ، و يمتثلون لمبادئ الأمم المتحضّرة و تلك المبادئ التى تضّمنها ميثاق الأمم المتّحدة " . ( مؤتمر صحافي عقده دالاس فى يوم 15 مايو ( أيار ) 1956 ). ثمّ إستطرد يقول : " ... إنّ المطمح البعيد المدى ، و حقّا أستطيع أن أقول اليقين البعيد المدى ، هو أنّه سوف يكون هناك تحوّل فى السياسات الراهنة للحكّام السوفيت بحيث أنّهم سيغدون قوميّين أكثر ، و أمميّين أقلّ ." ( مؤتمر صحافي عقده دالاس فى يوم 28 أكتوبر ( تشرين الأول ) 1958). و الواضح أن شبح دالاس كان يلازم متلبّسا خونة الماركسية اللينينية و الأممية البروليتارية ، بحيث أنّهم أصبحوا مذهولين بالخطّ العام " للتعايش السلمي " حتى أنّهم لم يفكّروا ليروا كيف أنّ أعمالهم تستجيب لرغبات الإستعمار الأميركي .
التعاون السوفياتي الأميركي هو قلب و روح الخطّ العام للتعايش السلمي لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي إن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بينما ظلّوا يتغنّون بالتعايش السلمي فى السنوات الأخيرة لم ينتهكوا فى الواقع مبدأ الأمميّة البروليتاريّة فحسب ، بل إنّهم لم يمتثلوا أيضا لمبادئ التعايش السلمي الخمسة فى مسلكهم تجاه الصين و عدد من الأقطار الإشتراكيّة الأخرى . و إذا تحدّثنا بصراحة فإنّ دعوتهم المستمرّة للتعايش السلمي كخطّ عام لسياستهم الخارجيّة يعادل الطلب بأنّ على جميع الأقطار الإشتراكيّة و الأحزاب الشيوعيّة أن تخضع لأمنيتهم العزيزة فى التعاون السوفياتي الأميركي . إنّ قلب و روح الخطّ العام للتعايش السلمي الذى ينتهجه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي هو التعاون السوفياتي الأميركي للسيطرة على العالم . أنظروا إلى التصريحات العجيبة التى أطلقوها : " إنّ أكبر دولتين معاصرتين – الإتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة – قد خلّفتا بعيدا أي بلد آخر فى العالم " . ( ن.ن.ياكوفليف : بعد 30 عاما ..." ، الكرّاس الذى كتبه بمناسبة الذكرى السنوية الثلاثين لتأسيس العلاقات الديبلوماسية السوفياتية الأميركية ) . " كلّ من هاتين الدولتين يقود مجموعة كبيرة من الدول ، فالإتحاد السوفياتي يقود النظام الإشتراكي العالمي ، و الولايات المتّحدة تقود المعسكر الرأسمالي " ( نفس المصدر السابق ) . " إنّنا ( أي الإتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة ) أقوى بلدين فى العالم ، و إذا ما إتّحدنا فى سبيل السلام فلن تكون هناك حرب . و بالتالى إذا ما أراد أي مجنون فى ذلك الوقت الحرب ، فما علينا إلاّ أن نهزّ أصابعنا إنذارا له " ( مقابلة صحافية لخروشوف مع مراسل أميركي س. ل. سولسبيرقر، 5 سبتمبر ( أيلول) 1961 ) . " ... إذا ما كان هناك إتّفاق بين ن . س . خروشوف رئيس الحكومة السوفياتية ، و جون كندي رئيس الولايات المتّحدة ، فسيكون هناك حلّ للقضايا الدوليّة التى تعتمد عليها مصائر البشرية " ( خطاب غروميكو فى مجلس السوفيات الأعلى للإتحاد السوفياتي ، 13 ديسمبر ( كانون الأوّل) 1962 ). إنّنا نودّ أن نسأل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي : طالما كان تصريح عام 1957 و بيان عام 1960 يقولان بوضوح إن الإستعمار الأميركي هو ألدّ عدوّ لشعوب العالم و القوّة الرئيسيّة للعدوان و الحرب ، فكيف يمكنكم أن " تتّحدوا " مع العدوّ الرئيسي للسلام العالمي " لصيانة السلام " ؟ إنّنا نودّ أن نسألهم : هل من الممكن أن لا يكون هناك حقّ لأكثر من مائة بلد و أكثر من ثلاثة آلاف مليون من الناس فى تقرير مصيرهم ؟ و هل يجب عليهم أن يخضعوا ، سمعا و طاعة ، لسيطرة " العملاقين" و " أعظم دولتين" ، و الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة ؟ أو ليس هذيانكم المغرور هذا تعبيرا عن تعصّب الدولة الكبرى ظاهرا و باطنا و عن سياسات القوّة قلبا و قالبا ؟ إنّنا نودّ أن نسألهم كذلك : هل تتصوّرون حقّا أنّه إذا ما توصّل الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة وحدهما إلى إتّفاق ، و إذا ما توصّل " الرجلان العظيمان " إلى إتّفاق ، فإنّ مصير البشريّة سيتقرّر و جميع المشاكل الدوليّة ستسوّى ؟ إنّكم مخطئون ، و مخطئون أفدح الخطأ. ذلك أنّه منذ العهد المغرق فى القدم لم تكن الأمور تحدث بهذه الطريقة ، ناهيك عن إحتمال حدوثها على هذا النحو فى ستّينات القرن العشرين . إنّ العالم اليوم حافل بالتناقضات المعقّدة ، التناقض بين المعسكرين الإشتراكي و الإستعماري ، و التناقض بين البروليتاريا و البورجوازية فى الأقطار الرأسمالية ، و التناقض بين الأمم المضطهَدة و الإستعمار، و التناقضات فيما بين الأقطار الإستعماريّة . فهل سختفى هذه التناقضات إذا ما توصّل الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة إلى إتّفاق ؟ إنّ البلد الوحيد الذى يتطلّع إليه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي هو الولايات المتّحدة . ففى سبيل تحقيق التعاون السوفياتي الأميركي ، لا يتورّعون عن خيانة حلفاء الشعب السوفياتي الحقيقيّين، بما فى ذلك إخوانهم الطبقيّون و جميع الشعوب و الأمم المضطهَدة ، التى لا تزال تعيش تحت النظام الإستعماري – الرأسمالي . إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يسعون جاهدين لتحطيم المعسكر الإشتراكي . ويستخدمون كلّ نوع من الأكاذيب و الإفتراءات ضد الحزب الشيوعي الصيني ، و يقومون بالضغط السياسي و الإقتصادي على الصين . أمّا بالنسبة لألبانيا الإشتراكية فلن يرضيهم شيء أقلّ من القضاء عليها . و قد قاموا بالضغط ، يدا بيد مع الإستعمار الأميركي ، على كوبا الثوريّة ، طالبين منها التضحية بسيادتها و كرامتها . و يسعى قادة الحزب الشيوعي السوفياتي جاهدين لتخريب النضالات الثوريّة التى تخوضها الشعوب ضد الإستعمار و عملائه . هم يعملون كمبشّرين للإصلاح الإجتماعي ، و يشلّون الإرادة الكفاحيّة الثوريّة للبروليتاريا و حزبها السياسي فى مختلف الأقطار . و من أجل التمشّى مع حاجات الإستعمار ، يخرّبون حركة التحرّر الوطني ، و يصبحون أكثر فأكثر مدافعين وقحين عن الحكم الإستعماري الأميركي الجديد . فما الذى حصل عليه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي من الإستعمار الأميركي مقابل الجهود النشيطة التى بذلوها و الثمن المرتفع الذى دفعوه فى سبيل تحقيق التعاون السوفياتي الأميركي ؟ فمنذ عام 1959 ، أصبح خروشوف مشغول البال بإجتماعات الذروة بين الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة . فقد راودته أحلام عديدة محبّبة و نشر الكثير من الأوهام حولها . و إمتدح أيزنهاور بحرارة بأنّه " رجل عظيم " " يدرك السياسات الكبرى " ( خطاب خروشوف فى مأدبة أقامها عمدة نيويورك على شرفه ، 17 سبتمبر ( أيلول ) 1959) . و قد أثنى بحماس على كندي ك " رجل يتفهّم المسؤولية العظمى التى تقع على كاهل حكومتي دولتين قويّتين مثل هاتين الدولتين " ( خطاب خروشوف فى الراديو و التلفزيون يوم 15 يونيو ( حزيران) 1961) . هذا و قد أقام قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ضجّة كبرى حول " روح كامب دافيد " ، و زعموا أن إجتماع فيينا " حدث ذو أهمّية تاريخيّة ". و قد إدّعت الصحافة السوفياتيّة أنّه إذا ما جلس رئيسيا الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة على نفس المنضدة ، سيصل التاريخ إلى " نقطة تحوّل جديدة " ، و أنّه إذا ما تصافح " الرجلان العظيمان " فإنّ مصافحتهما ستدشّن " عصرا جديدا " فى العلاقات الدوليّة . و لكن كيف يعامل الإستعمار الأميركي قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ؟ لقد صرّح أيزنهاور بعد أكثر من شهر بقليل من محادثات كامب دافيد ، قائلا : " إنّنى لم أعرف أيّ روح لكامب دافيد " . و بعد سبعة أشهر من المحادثات أرسل طائرة التجسّس يوتو لتتوغّل فى الإتّحاد السوفياتي ، محطّما بذلك مؤتمر الذروة للدول الأربع . هذا و لم يمض وقت طويل على إجتماع فيينا ، حتى تقدّم كندي بالشروط المتعجرفة التالية لعشرين سنة من السلم بين الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة وهي إمتناع الإتّحاد لسوفياتي عن تأييد النضالات الثوريّة لأيّ شعب ، و إعادة الرأسماليّة إلى الأقطار الإشتراكيّة فى أوروبا الشرقيّة . و بعد عام أو أكثر من إجتماع فيينا ، أمر كندي بفرض حصار عسكري قرصني على كوبا و خلق أزمة الكاريبي . و بعد البحث و التنقيب بين الأسافل و الأعالي ، و التنبيش بين الأحياء و الأموات ، أين يمكن للمرء أن يجد " روح كامب دافيد " و " نقطة تحوّل فى تاريخ البشرية " و " عصرا جديدا فى العلاقات الدولية " ؟ و بعد توقيع المعاهدة الثلاثيّة للحظر الجزئي للتجارب النوويّة ، قام قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بدعاية كبيرة لما يسمّى بروح موسكو . فقد تحدّثوا عن الحاجة إلى " الضرب على الحديد الساخن " ، و قالوا " إنّ الشروط المؤاتية متوفّرة " لدى الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة للتوصّل إلى المزيد من الإتّفاقيات ، و أعلنوا أن إتّخاذ موقف " الإنتظار" و " ليس هناك من عجلة " أمر سيّء . ( مقال بقلم مراقب نشر فى " ألزفيستيا " ، 21 أغسطس ( آب) 1963) . و ما هي " روح موسكو " ؟ دعنا ننظر إلى الأحداث الأخيرة : لقد عقد قادة الحزب الشيوعي السوفياتي إجتماعا فى موسكو من أجل خلق جوّ أرحب " للتعاون السوفياتي الأميركي " و ذلك إحتفالا بالذكرى الثلاثين لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة . و فى الوقت ذاته ، أرسلوا وفدا ثقافيّا إلى الولايات المتّحدة لحضور الإحتفالات هناك . و لكن ماذا كانت حصيلة حماس قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ؟ لقد رفض كافة موظّفي السفارة الأميركيّة فى موسكو حضور إجتماع موسكو ، و أصدرت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة مذكّرة خاصة تطلب فيها من الرأي العام الأمركي مقاطعة الوفد الثقافي السوفياتي ، الذى شُجب أعضاؤه على أنّهم " أناس خطرون للغاية و مريبون ". و بينما كان قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يدعون إلى " التعاون السوفياتي الأميركي " أرسلت الولايات المتّحدة الجاسوس بارجورن ليقوم بالتجسّس فى الإتّحاد السوفياتي . و لكن بعد أن هدّد كندي بأن نجاح صفقة القمح بين الولايات المتّحدة و الإتّحاد السوفياتي " يعتمد على جوّ معقول فى كلا البلدين " ، هذا الجوّ الذى وصفه بأنّه قد " تضرّر كثيرا بإعتقال بارجورن " ، بادرت الحكومة السوفياتيّة إلى إطلاق سراح الجاسوس الأميركي بسرعة بدون أي محاكمة ، بسبب " قلق كبار المسؤولين الأميركيّين على مصير بارجورن " ، أي على مصير جاسوس " أكّدت التحقيقات ... أنّه قد قام بنشاطات تجسّسيّة ضد الإتّحاد السوفياتي " . هل كلّ هذه المظاهر ل " روح موسكو " ؟ إذا كان الأمر كذلك ، فإنّه لمحزن جدّا . موسكو العاصمة الباهرة لأوّل قطر إشتراكي ، و الإسم المجيد الذى تعزّه الملايين العديدة من البشر فى العالم قاطبة منذ ثورة أكتوبر العظمى ! إنّ هذا الإسم يستخدمه الآن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ليستروا ممارستهم القذرة للتواطؤ مع المستعمِرين الأميركيّين . يا له من عار لم يسبق له مثيل ! كم من مرّة تفوّه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بكلمات معسولة عن المستعمِرين الأميركيّين و إستجدوهم الحسنات ، و كم من مرّة صبّوا غضبهم على الأقطار و الأحزاب الشقيقة و قاموا بالضغط عليها ، و كم من الحيل و الأحابيل العديدة قاموا بها حيال الشعوب الثوريّة فى مختلف الأقطار ! لم يكن كلّ ذلك إلاّ من أجل إستجداء " الصداقة " و " الثقة " من الإستعمار الأميركي . و لكن بينما تذبل الزهور من عطش الحبّ ، يواصل الجدول القاسي القلب خريره غير عابئ . إنّ كلّ ما تلقاه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي من المستعمِرين الأميركيِّين هو الإهانة ثم الإهانة و الإهانة على الدوام ! بعض النصائح إلى قادة الحزب الشيوعي السوفياتي هل حدث فى أيّة مناسبة خلال أيّام المقاومة القاسية للتدخّل الإستعماري المسلّح و وسط اللهيب المتأجّج للحرب الوطنيّة الكبرى ، تحت قيادة لينين و ستالين أن إنحنى الشعب السوفياتي العظيم أمام المصاعب ؟ وهل ركع مرّة واحدة أمام العدوّ؟ و اليوم ، قد أصبح الوضع العالمي أكثر ما يكون مؤاتاة للثورة ، و الإشتراكية أكثر منعة من أي وقت مضى ، و لم يكن الإستعمار ليواجه أبدا مثل هذه المصاعب ، و مع ذلك يا لها من صورة مخزية يرهب بها الإستعمار الأميركي أوّل دولة إشتراكية أسّسها لينين ، و يا لها من صورة مخزية يمتهن بها قادة الحزب الشيوعي السوفياتي المعسكر الإشتراكي ! هل من المعقول إذن لنا ، و لأيّ ماركسي لينيني ، أو شعب ثوريّ ألاّ يأسوا و يحزنوا لهذا ؟ و هنا نودّ أن نقدّم بعض النصائح المخلصة لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي . إنّ لدي الولايات المتّحدة ، أشرس بلد إستعماري ، هدفا إستراتيجيّا جنونيّا هو السيطرة على العالم ، فهي تقمع النضالات الثوريّة التى تخوضها الشعوب و الأمم المضطهَدَة بشكل مسعور ، و قد أعلنت صراحة عن نيّتها بإعادة أوروبا الشرقيّة إلى ما يسمى ب " المجموعة العالميّة للأمم الحرّة " ، فكيف لكم أن تتصوّروا أن أقسى ضربات المستعِمرين الأميركيّين خلال متابعتهم خطّطهم العدوانية للسيطرة على العالم بأسره ستنزل على رؤوس الآخرين فقط ، و ليس على رأس الإتّحاد السوفياتي ؟ إنّ الولايات المتّحدة بلد إستعماري ، و الإتّحاد السوفياتي بلد إشتراكي . فكيف يمكنكم أن تتوقّعوا " تعاونا شاملا " بين بلدين لهما نظامان إجتماعيّان مختلفان تماما ؟ إنّ هناك خداعا و تنافسا حتى بين الولايات المتّحدة و الدول الإستعماريّة الأخرى ، و لن تقنع الولايات المتّحدة إلاّ بعد أن تدوس هذه الدول بالأقدام . فكيف يمكنكم إذن أن تتصوّروا أنّ الولايات المتّحدة الإستعماريّة ستعيش فى وئام مع الإتحاد السوفياتي الإشتراكي ؟ أيّها الرفاق قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ! فكّروا فى الأمر مليّا بحكمة و رويّة . هل يمكن الإعتماد على الإستعمار الأميركي عندما تهب العاصفة فى العالم ؟ لا ! إنّ المستعمِرين الأميركيّين لا يُعتمد عليهم ، شأنهم شأن كلّ المستعمِرين و الرجعيّين . إنّ الحلفاء الذين يعتمد الإتّحاد السوفياتي عليهم هم فقط بلدان المعسكر الإشتراكي الشقيقة ، و الأحزاب الماركسية اللينينية الشقيقة ، و جميع الشعوب و الأمم المضطهَدَة . إنّ قوانين التطوّر التاريخي تعمل مستقلّة عن إرادة أي شخص . و ليس من أحد يستطيع القضاء على المعسكر الإشتراكي و الحركة الثوريّة للشعوب و الأمم المضطهَدَة ، أو أن يمنعها من النموّ . إنّ الذى يخون شعوب المعسكر الإشتراكي و العالم ، و يحلم بالسيطرة على الكرة الأرضيّة ، بالتواطؤ مع الإستعمار الأميركي ، لا بدّ أن ينتهي إلى نهاية سيئة . و من الخطأ و الخطر جدّا لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي أن يفعلوا ذلك . إنّ الوقت لم يفت بعدُ على قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ليكبحوا جماح أنفسهم على شفير الهاوية . لقد حان لهم الوقت لينبذوا خطّهم العام للتعايش السلمي و يعودوا إلى سياسة لينين للتعايش السلمي ، إلى طريق الماركسية اللينينية و الأمميّة البروليتارية . -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليونان : - الخلاصة الجديدة ترتئى إمكانيّة : القطيعةُ مع الق
...
-
الإتفاق النووي بين الولايات المتحدة و إيران : - الولايات الم
...
-
الإتفاق النووي بين الولايات المتّحدة و إيران : حركة كبرى لقو
...
-
مدافعون عن الحكم الإستعماري الجديد - صحيفة - جينمينجباو - و
...
-
تقرير الأمم المتّحدة يكشف جرائم حرب الهجوم الإسرائيلي على غز
...
-
الحرب الأهليّة فى اليمن و مستقبل الخليج
-
إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعية العالمية - الحزب الشي
...
-
عاشت اللينينيّة ! – بيكين 1960
-
الفائز فى الإنتخابات البرلمانية التركيّة : الأوهام الديمقراط
...
-
لتغادر الولايات المتحدة العراق ! الإنسانيّة تحتاج إلى طريق آ
...
-
نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد خروتشوف : 1956 - 1963 - الفصل ا
...
-
مقدّمة كتاب - نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفي
...
-
الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي- اللينيني – الماوي ) : عن
...
-
دون عمل نظري ، لا طليعة شيوعية يمكن أن تظلّ طليعة - الحزب ال
...
-
قتل فركهوندا جريمة فظيعة ( أفغانستان )
-
مقالات تحليلية لأحداث مصر و ليبيا و سوريا من جريدة - الثورة
...
-
الإنتخابات الإسرائيليّة البشعة - نزاعات محتدّة و تحدّيات جدي
...
-
12 سنة من غزو الولايات المتحدة للعراق خلّفت القتل و التعذيب
...
-
الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) :حرب
...
-
الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) : لل
...
المزيد.....
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|