احمد العطار
الحوار المتمدن-العدد: 1350 - 2005 / 10 / 17 - 11:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
.اهداءالى / أستاذي الفاضل محمد هاشمي الذي أخد بناصيتي الى بحر العلم و المعرفة و الذي لولاه لما عرفت فرج فودة و فكره
توطئة
وأنا اقرأ كتاب "حتى لا يكون كلاما في الهواء" لشهيد الفكر و الكلمة الحرة الدكتور"فرج فودة".وأنا أغوص بين ثنايا الكتاب, متنقلا من مقال الى أخر,وجدتني أتأسف
لمقتل مفكركان من الممكن أن يقدم-أكثر مما قدم - وأن يكتب و يجادل ويفيد-أكثر مما فعل-ا
شعرت وأنا أقرأ كتابه أن حافزا يدفعني الى الكتابة عنه أو حوله أو من انطلاقا منه, و أعترف أنني استمتعت دوما بقراءته.جذبني اليه قوة حجاجه, و تماسك منطقه, وواسع علمه, و رشاقة قلمه .حلاوة الحديث و أدب الحوار. انه حقا كاتب يمتع ويغري ويفتح الذهن-ومند السطور الأولى-على عقلانية كان يفتقدها الجو العام أنذاك في مصر و باقي الأقطار العربية الاخرى. ففرج فودة يتقن اللعبةجيدا انه يعرف حقا من أين تأكل الكتف. يجذب القارئ-و للوهلة الاولى- .بلطافة معانية ,و ومضات فكره , و جرأة موقفه. كما يتبلور ذلك جليا في نقده للتيار الأصولي المتطرف, ولدعاة الانغلاق و الارهاب و الردة الحضارية. وهو النقد الذي حاول ف فودة تأصيله داخل البيئة الثقافية و السياسية العربية
و أعترف للقارئ أني قرأته مرات و مرات عدة. و أعاوداليوم -بعد مضي ازيد من 13عاما على فراقه لنا-قراءة كتبه و الاستطراد في متابعة معركته ضد التطرف و الانغلاق ,و الفتنة الطائفية, و تسييس الدين ,و تديين السياسة.
.لقد اغتالت يد الارهاب و الجبن ف فودة ,و تصورت أنها بانهاء حياته قد أغلقت ملف واحد من أشجع الكتاب اللذين تصدوا للارهاب و التسلط باسم الدين
وحتى لايغلق ملف هذا المفكر، و حتى لايلف النسيان أفكاره المستنيرة, وحتى نستفيد من تجربته في مواجهة من يركبون شعارات الاسلام السمحة,ليقتلوا و يدمروا ويرهبوا , و يعثون في الارض فسادا . سنعمل من خلال هده المقالات المتعاقبةالتي تتناول ف فودة فكرا ونقدا على
1 التعريف بفرج فودة -
2 لماذا الدعوة للعودة الى فرج فودة و كتاباته -
العلمانية عند فرج فودة 3-
نمادج من افكار و مواقف ف ف 4 -
5 النقد المزدوج/ او نقد لنقد فرج فودة-
فرج فودة الرجل / الموقف 1 (&)
ولد ف فودة بمصرالعام1945 بمحافظة الزقا دمياط , و هو حاصل على ماجستير العلوم الزراعية و دكتوراه الفلسفة في الاقتصاد الزراعي, من جامعة عين
شمس 1981, عمل معيدا بكلية الزراعة عين شمس, ثم مدرسا بكلية الزراعة ببغداد .ثم أخيرا خبيرا اقتصاديا في بعض بيوتات الخبرة العالمية .من كتبه
الحقيقة الغائبة-قبل السقوط-حوار حول العلمانية -الارهاب-نكون أو لانكون-حتى لايكون كلاما في الهواء -الندير-الملعوب...اضافة الىكتب و مقالات أخرى ومناظرات
.اغتيل بالقاهرة على يد متطرفين اسلاميين في 08/06/1992
وعلى العكس تماما مما خمنه قاتلوه, فقد هزت جريمة اغتيال فرج فودة كل أركان المجتمع المصري/العربي . وخرجت الألاف لتشييع جنازته و التنديد بمقتله.فقد عهدت مصر الاغتيالات السياسية كما حدث مع رفعت المحجوب, و أنور السادات, و غيرهم كثير. و كان هؤلاء محسوبين على السياسة . أما ف فودة فقد كان رجل فكر و قلم ولم يسبق لمصر ان شهدت اغتيالات فكرية كما حدث مع ف فودة
يقول صلاح منتصر رئيس تحرير جريدة أكتوبر التي نشر بها ف فودة أخر مقالاته "..عندما سألو المتهم باغتيال فودة عن أسباب جريمته قال لهم بسبب مقالاته في مجلة أكتوبر تحت عنوان كلام في الهواء. و لا أضن أن هذا المتهم قد قرأ مقالا واحدا له,لأن مستوى تعليمه يدل على أنه بالكاد يفك الخط ,و أنه اذا قرأ لا يفهم كثيرا كل معاني ما يقرأ و أن مترجما نقل اليه ما جعله يؤمن بأنه كافر ملحد زنديق. و أن اغتياله جاء في سبيل الله . وهو ما لا يكن بالقطع صحيحا و لا يملك بشر ان يقوله عن بشر.هكذا أقنعوا الذي أمسك بالمدفع و صوبه عليه(حتى لا يكون كلاما في الهواء ص6 و مابعدها) . أثارت كتابات ف فودة جدلا واسعا ونقاشاكبيرا بين المثقفين و المفكرين و رجال الدين . و اختلفت حولها الأراء وتضاربت وتصاعدت حتى بلغت حدا كبيرا من العنف أدى في النهاية الى توقف الحوار و اعلان القتل, فكانت الطلقات في مقابل الكلمات, و المدفع في مقابل القلم, و التكفير في مقابل التفكير .و كان من البديهي أن يختار أنصار التطرف و أصحاب القتل أقصر الطرق-الاغتيال-بعدا ان عجزوا عن المواجهة و فشلو في الرد ,و قصروا في التصدي. وبعد أن أعياهم المنطق السليم, و أرهقهم العقل المستنير. و الغريب في الأمر أن ف فودة كان على علم بما يخبئه له المتطرفون الاسلاميون, فقد وجد اسمه ضمن قائمة الاغتيالات لدى احدى الجماعات الارهابية . ولا غرابة كذلك ان هذا لم يثني شهيد الفكر و لم يجعله يتراجع أو ينحني و انما زاده- كما يقول-اصرارا و صلابة و عشقا لوطنه . ذلك ماصرح به و قاله في غير ما موضع من كتبه و مقالاته
دعونا نستمع اليه يتحدث عن ذلك في كتابه "الارهاب"يقول
ما زلت اتدكر احد ايام صيف عام1982عندما كنت أعرض مسودات كتابي ّفبل السقوط " ,على الأستاد الكبير ابراهيم طلعت في الاسكندرية تعليقه المختصر.بالتوفيق,ولكنك تضع نفسك أمام فوهة المدفع. وقد تدكرت قوله مرة ثانية, و أنا أتهيا لاصدار كتابي "الارهاب " و كان تقديري أني وضعت بكتابته أمام فوهة المدفع. و ها هي السنوات تمر ويتوالى ما أصدرته من كتب و لم ينطلق المدفع بعد و لا يعنيني أن ينطلق.." .ثم يضيف قائلا "...و اليوم الذي لا يصلني تهديد منهم و الصباح الذي لا تكتحل عيناي فيه بهجوم من تياراتهم, دليل قصور في سعي و تقديري .فكم كانت جوانحي ترقص طربا و أنا أقرأ هذا كله, فمعناه واضح لديهم مفهوم لدي , و دلالته أني قد أوجعتهم بما أكتب و أثيرهم بما أجتهد, و مادام رد فعلهم سباب و قذف و شتيمة فمعنى ذلك أن منطقهم أعجز عن الرد و أهون من الحوار ..واذا كان الشيئ بالشيئ يذكر فلعل القارئ يتدكر أن اسمي كان ترتيبه الثالث في قوائم الاغتيالات التي ضبطت لدى تنظيم "الناجون من النار " كما يسمون انفسهم " الساعون الى النار كما أسميهم". ولو لم يحدث ذلك لشعرت بأسى شديد. فالشجاعة تقاس بعداء الجبناء و السمو يقاس بعداء الوضعاء و الرصاص هو التعبير العنيف عن منتهى الضعف ....أي حوار هذا الذي ينطق أحد اطرافه بالكلمات فيرد الطرف الأخر بالطلقات.اذا كان المقصود أن نتراجع فقد طلبوا المستحيل ,واذا كان المستهدف أن نخاف فقد ظلوا السبيل ,و اذا كان المطلوب أن نغمد القلم فقد اخطأوا رقم الهاتف.فالموت أهنأمن العيش في ظل فكرهم العيي و حكمهم العتي و منطقهم الغبي, و أن يفقد المرء حياته و هو يدافع عن حياة الوطن أشرف كثيرا من أن يعيش في ظل وطن ممزق, و أن يضحي المرء بالسنوات الباقية من عمره أشرف كثيرا من أن يقضيها تحت حكم من يفضلون ركوب الناقة على ركوب السيارة-كما يذكر أحد أعضاء الجماعة في اسيوط- أو من يذهبون فرادى و جماعات لقضاء الحاجة في الخلاء-كما يفعل اعضاء الجماعة في المنيا-. المقبرة أهون, و الاستشهاد افضل, و الجهاد ضدهم حتى يقضي الله امرا كان مفعولا هو الاختيار الصحيح و المريح..(الارهاب ص 11 و ما بعدها)
هكذا اذن بجرأة و بسالة قل مثيلها يقف ف فودة ضد التيار, و يعرض حياته للطوفان الكاسح ,متمسكا بموقفه مؤمنا بمبادئه, مناضلا من أجل و طنه. حتى وان دفع حياته ثمنا لحقه في الدفاع عن رأيه و فكره-وقد فعل-وهو في نقده و دفاعه ,وفي كره و فره ,لا يعرف غير العقل و المنطق طريقا, و الحوار و النقاش سلاحا
وكلمة حق نقولها في حق هذا الرجل وهو أنه حتى و ان اختلفنا معه جملة أو تفصيلا, وسواء تبنينا مواقفه أو عارضناها فانه يبقى علينا في كل الاحوال ان نقف احتراما لموقفه الجريئ و جرأته وشجاعته التي يندر اليوم التحلي بها.ا
وللاقتراب أكثر من شخصية ف فودة و لفهم أعمق دعونا ننصت لما قاله صلاح منتصر الذي عايشه و كان قريبا منه"...بالرغم أن فرج فودة كان ضخم الجثة يخيف منضره من لايعرفه فان كل من اقترب منه انضم بسرعة الى قائمةمحبيه.عندما كان يفاجأ برقة اسلوبه و أدبه ,و عفة لسانه,و رهافة مشاعره و براءة الطفل من داخله.مع قوة في الدفاع عن فكره و دلائل لا تنفد جمعهامن التاريخ و رتبها في أرشيف عقله. و كانت قدرته عظيمة في استخراجها بخفة و عرضها برشاقة و اقحام محاوره بسهولة...كان من الكتاب الذين يضيفون عددا من القراء كل أسبوع بسبب الطعم الخاص الذي كانت تتميز به كتاباته. و أ سلوبه المختلف الذي يصاحبه فكر محدد درس صاحبه طويلا امكان الوصول بسهولة و ثقة الى عقل القارئ, و في هدوء و قوة , وكان منطقه يبدوا مترابطا لدرجة أني تصورت أنه من خريجي كلية الحقوق, و أنه درس القانون بل لفترة اعتقدت انه محام, و كم كانت المفاجأة عندما اكتشفت أنه درس الزراعة و لكنه كان عاشقا مدمنا للقراءة و الكتابة"(نفس المرجع ص3)ا
و ها هي ذي شهادة رجل في حق صديقه و رفيق دربه انه الفنان "عادل امام" الذي جمعته بفرج فودة الدراسة بكلية الزراعة, و جمعتهما-كخاصية مشتركة-الرغبة في التعبير عن أفكارهما .و احد بقلمه و الأخر بفنه. يقول عادل امام في حوار مع مجلة "فن"العدد 129"..أنا لم أذهب الى أسيوط للتحاور معهم, فكيف أتحاور بالفكر مع من يمسك قنبلة...لقد قتلوا ف فودة لأنه قوي الحجة, و فكر حر و مستنير.فأرادوا أن يسكتوا منطقه ليس بفكر مضاد و لكن بطلقات الرصاص التي مزقت جلده."ا
ولنختم هذا المحور الأول-التعريفي - بما قاله ف فودة في كتابه"نكون او لا نكون ". " ان ما أسجله في هذا الكتاب شديد الأهمية في تقديري لأنه يعكس واقع المعارك الفكرية التي نعيشها ,وهو سجل هام للأجيال القادمة أكثر من أهميته لجيلنا .لأنه وثيقة شرف لجيل أبائهم, و لعلهم لن يصدقوا أننا كتبناه و نحن غارقون في اتهام التكفير, و محاطون بسيوف الارهاب و التهديد. و يقينا سوف يكتب البعض من الأجيال القادمة ما هو أجرأ و أكثر استنارة. لكنه سوف يصدر في مناخ آخر أكثر حرية و انطلاقا و تفتحا . و لعله من حقنا عليهم ان نذكرهم أنهم مدينون لنا بهدا المناخ. وسوف يكتشفون عندما يقلبون أوراقنا و نحن ذكرى أننا دفعنا الثمن....ويا أيها القارئ بعد زمان طويل اقرأ لنا و تعلم كيف يكون الانسان موقفا ,و كيف نحتنا عصر تنوير بأقلامنا. وكيف كانت الكلمات أقوى من الطلقات. و افهم معنا ما فهمناه من كلمة الله العلي القدير حين شاء أن تكون أولى كلماته في الانجيل "في البدء كانت الكلمة" وفي القرآن "اقرأ" يأيها القارئ بعد زمان طويل ...اقرأ"ا
نصوص و شهادات أدرجناها على طولها و بحرفيتها -عن عمد-ابرازا لحدة اللغة و الدلالة في الخطاب .و حتى يتعرف القارئ على هذا المفكر انطلاقا من هذه النصوص والشهادات-وهي موثقة لدينا-و قد تكون دعامة أساسيةو دافعا قويا للدعوى التي سبق أن رفعناهاتحت غطاء سؤال"لماذا العودة الى كتابات ف فودة و الجواب الأني الذي نقدمه ,هو للاستفادة -اليوم و اكثر من أي وقت مضى-من تجربته و من صولاته و جولاته في نقد التطرف الديني و الاسلام السياسي و التيار اللاعقلاني و الذي يعرف تفريخا و امتدادا معولما اليوم و الذي يعتاش بدينامية داخل مجتمعاتنا. أما تفصيل القول في هذا الشأن فهو ما سيكون موضوع المقال المقبل.....
"يتبع"
#احمد_العطار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟