حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 4897 - 2015 / 8 / 15 - 11:01
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
كتاب السر_ إنشاء ذهني وهلوسي, يقوم على فكرة(عبارة) تتكرر مئات المرات وبصيغة آلية: قانون الجذب يدير الكون وحركته حتى أدق التفاصيل, ويكفي الانسان (امرأة أو رجل) أن يرغب بأمر ويركز تفكيره واهتمامه عليه ليتحقق بالتأكيد.
بهذه الحركة البسيطة يتم إلغاء الواقع الموضوعي (بشكل سحري وهلوسي), وبمختلف مستوياته وطبقاته وقوانينه_ التي يصعب إدراكها وتخيلها لأكثر العقول المنفتحة على العلم والمعرفة.
أما العقول الجنينية_ السحرية التي لا تعرف ولا تريد ولا تتقبل غير المطلق: كل شيئ أو لا شيئ. والنتيجة النهائية عدم ودوران في المربع الأول_ الصراع الغريزي وقانون الغاب.
قبل التطرق لأهم الأفكار الضمنية الواردة في الكتاب أرغب بالتشديد على فكرة "وحدة الوجود" أو الترابط البنيوي والعضوي بين الأسباب والنتائج( بين الأدوات والغايات والترابط بين الأجزاء والكل_ العلاقة غير المعروفة حتى الآن بشكل علمي ودقيق).
الفكرة (الخبرة) الأصيلة والمتوارثة مع فجر الوعي الانساني, منذ ما يزيد على خمسة آلاف عام_ هي محور الكتابين وحامل خطابهما الرئيس. وجود الفكرة لا يكفي لنجاح كتاب ما, غير أنه في العصر الحالي لم يعد من الوارد إنكار فكرة بهذا الحضور والقوة.
* * *
_الفكرة المركزية (التوأم) في كتاب السر التركيز" عندما يركز المرء تفكيره واهتمامه على موضوع محدد, سوف ينجح بتحقيقه". هذا صحيح من حيث المبدأ , ولكن؟
التركيز_ أرقى المهارات الانسانية وأكثرها صعوبة, ولا يمكن الوصول إليها, وحيازتها إلى درجة " المهارة في اللاوعي" إلا بعدما يتجاوز الفرد معيقات النضج المختلفة. ثم يجتاز مرحلة التكرار في اكتساب المهارات الجديدة والمجهدة دوما, وهذا ما يتناقض مع عملية إنكار الواقع التي يقوم عليها الكتاب بمجمله.
_ نوايا المرء هي حقيقته الكاملة.
على نقيض الخبرة التي يعبر عنها القول المأثور: الطريق إلى الجحيم مفروشة بالنوايا الطيبة.
مع برنامج تدريب ملائم, يستطيع شخص متوسط الذكاء والحساسية, ان يتغلب على جهاز كشف الكذب.
وهذه الحقيقة العالمية التي تعرفها وتدربها أجهزة الأمن المختلفة_ تدحض فكرة المطابقة بين النوايا والسلوك والواقع الموضوعي. الفكرة التي أبرزها التحليل النفسي وأثبت خطأها بالتجربة_ وبذلك يتابع تقليد فلسفي ومعرفي يمتد من الماركسية إلى بوذية الزن خصوصاو مع إضافته إلى مناهج العلم وأخلاقه.
_ الحياة العادلة والكون العادل بدوره.
عدالة الحياة, وإسقاط فكرة العدالة على قوانين الطبيعة أيضا. هذه الفكرة السائدة والموروثة منذ القدم, هي فكرة خاطئة....إلى درجة تصدم, عدد مرات حدوث ما يناقضها في اليوم الواحد, عقل طفل دون العاشرة!
البراكين والزلازل والأمراض وبقية الكوارث الطبيعية والبيولوجية تتسبب بها ربغات وتفكير شخص من ضحايا تلك الكوارث! هذه فكرة الكتاب المركزية.
وبشكل بديهي وتكملة طبيعية للفكرة: أن الفقراء والمرضى وجميع من يصيبهم الحظ السيئ أو المرض أو الضعف, هم المسؤولون بشكل حقيقي وكامل عن معاناتهم:والسبب سوء نواياهم! (الأشرار يستحقون ما يصيبهم).
يزايد نمط آخر من البشر: في حيوات وأزمنة أخرى سابقة كانوا مذنبين.
أي مستوى من العقل والاحساس يقبل, بل ويدعم التفكير والسلوك السادي إلى هذا الحد؟
أليست نفس الأفكار النازية بالقضاء على المرضى والمختلفين والضعفاء جسديا او عقليا, بدون شفقة ولا رحمة!
* * *
الفكرة الصادمة والمروعة, التي يؤكدها العدد الهائل لقراء الكتاب والمعجبين به, أن اغلبنا ورثة بالفعل لنابليون وهتلر وستالين بالقيم الشخصية والسلوك ونمط التفكير وبدون وعي غالبا. وبالتالي نرفض ونهمل, ولو بشكل لا شعوري, القيم والأخلاق التي كرسها وعاش بها ومن خلالها مانديلا وغاندي وغيرهم من المصلحين والمعلمين, وبهذه الصورة تضيع وتهمل قيم وعادات العيش والتفكير المتسامح والمنفتح.
* * *
إشكالية كتاب السر المركزية_ الصدق (المقاتل) أو الصدق المطلق والكلي والمباشر. التضحية بالشفقة والرحمة وبقية ضروب التعاطف التي تحفل بها النظم الأخلاقية( في التفكير أو الممارسة) طوال التاريخ المعروف والمدون.
القطبان يتضمن كلاهما الآخر, بهذا الموقف يتركز سحر كتاب السر وجاذبيته الفعلية_ والمستحقة (ربما).
معياران للجودة الفنية أو الأدبية يتعذر الجمع بينهما, الأول والأهم غالبا: الشعبية والأكثيرة, او شباك التذاكر, وعدد القراء, او رغبة الجمهور... ولا أعتقد أن, كاتبا أو كتابا, يمكنه تجاوز الرغبة في تحقيق هذا المعيار_الشرط الاجتماعي.
والمعيار الثاني النخبوي والمعرفي_ أو النقدي والأكاديمي...ولا أعتقد أن , كتابا أو كاتبا , يمكنه أن يتجاوز الرغبة في تحقيق هذا المعيار_ الشرط الاجتماعي أيضا.
خلال تدوين هذا الرأي, مع عمليات التفكير النقدية المترافقة إلى درجة التناقض,.....تغير موقفي العقلي- العاطفي تجاه الكتاب (جزئيا).
لم اكن مدركا ومنتبها للجانب الايجابي البارز في الكتاب, عدد قراءه ومدى تأثيره...
أعتقد أن هذه الخبرة ( الجديدة بالنسبة لي) تشرح وتفسر قضية حيرتني لسنوات:
العقلاني البارز جورج طرابيشي, في سعيه المحموم وراء حسن حنفي ومحمد عابد الجابري_ على وجه الخصوص. وبالمقابل استعلاء الاثنان, غير المفهوم منطقيا( بعد تجاوز شتيمة الجابري بالطبع), الاستعلاء الذي يفسره واقع الانتماء للأغلبية المسلمة والتماثل اللاشعوري معها (ربما).
سعي جورج طرابيشي للحصول على إعترافهما, لكن بالوسيلة الخاطئة_ عبر الهجوم الانتقادي.
ردا التحية بأحسن منها!
وقابلاه بأكثر طرق الثقافة عنفا وقسوة: الاهمال واللامبالاة (تصنعهما ربما).
* * *
أمام مستهلك الثقافة المترجمة والسماعية خصوصا, بمواجهة المازق الوجودي, خياران_ اتجاهان:
_ إما النكوص والعودة إلى النمط الاجتماعي السائد, وتبني قيمه وقوانينه وعاداته الفكرية والأخلاقية. زذلك يوازي شباك التذاكر_ كسب التشابه بالتزامن مع خسارة الخصوصية والمبادرة الفردية.
_وإما مفارقة المجتمع, ومواجهة الخطر العصابي, مع الرعب والتوتر والقلق_ عبر كل خطوة.
وذلك الخيار يوازي المعيار النقدي_ المعرفي, بالتزامن مع خسارة الأمان الاجتماعي.
* * *
طريق الحب_ طريق الحكمة والنضج
خبرتي الشخصية مع كتب من نمط_ العادات السبع وفن الحب وفن الاصغاء والانسان يبحث عن المعنى وجبل الروح وصحراء التتار والبحيرة والنهاية والبداية....ومع كثير غيرها أيضا_ خبرتي...أن دهشة ومتعة قراءتها لا تستنفد عبر القراءات المتتالية, بل تتضعاف.
ليصح القول, وتكراره:
كل الكتب مقدسة
وكل النساء مريم
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟