|
تأويلات ميتة لانتحار راهن.
نور الدين بدران
الحوار المتمدن-العدد: 1349 - 2005 / 10 / 16 - 10:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من علائم انحطاط العقل واحتقاره،مجانية الكلام،ورميه جزافاً وعلى عواهنه،وهذا موجود في كل الأزمنة والأمكنة،ولكن سوريا اليوم تتفرد بشمولية هذه العلامة الخطيرة،التي تحاكي شمولية سلطتها ومعارضتها على حد سواء. على سبيل المثال لا الحصر، في الجانب السلطوي، يحاول السيد فاروق الشرع وزير الخارجية(ناهيك بالكورس الذي وراءه كفايز صايغ و عماد الشعيبي....إلخ) أن يحتقر عقل الجميع ويقنعهم بأن اللواء غازي كنعان انتحر بسبب الإعلام اللبناني الذي "اتهم" اللواء المنتحر بالفساد وغير ذلك،وكأن الإعلام اللبناني أو سواه،لم يتعرض إلى اللواء أو سواه في هذه النقطة أو سواها،إلا البارحة،مع أن الأقل اضطلاعاً بما كتب في هذا الشأن، يعلم أن اللواء المنتحر تعرض لاتهامات أشنع بكثير مما تعرض له البارحة،وعلى مدى سنوات طوال، ليس أقل تلك الاتهامات،حماية ومحاصصة تجار وأمراء المخدرات والإرهاب،وفي التسعينات تحدثت بعض الصحف عن قوائم سوداء في هذا الخصوص، وسواء كان اللواء بريئاً أو مداناً ،سمع يومئذ وقرأ ولكنه لم ينتحر إلا قبل ظهر الأربعاء الماضي.. لكن لو ناقشنا السيد الشرع وأفهمناه أن لنا عقولاً، فإن رد الاعتبار والثأر للكرامة وإثبات براءة الذات، لا تكون بالانتحار، وإلا كان الشرع انتحر منذ زمن بعيد، حيث اعتبره عديد من الكتاب أنه حوّل وزارة الخارجية السورية إلى مزرعة تديرها زوجته وعمتها وأنه وهذا هو الأهم،جنى على السياسة الخارجية السورية بتوريطها في العراق والتمديد لأميل لحود والتحدي الأبله للعالم بوصفه القرار 1559، بأنه تافه،وغير ذلك، ولا أظن أن الإهانات التي يعتبرها الشرع سبباً لانتحار اللواء أكبر مما وجه لمعاليه،والفارق بنظري بين الحالتين كالفارق بين الجنحة والجريمة، أو بين الجريمة والمجزرة. وهل نكمل؟ إن اللواء لم يترك أية إشارة مسجلة صوتياً أو كتابياً يبين فيها سبب انتحاره،فكيف جزم الشرع بما جزم، بل على العكس أظهر اللواء المنتحر في آخر تصريح له احتراماً لمعظم الإعلام اللبناني، حيث خص إذاعة صوت لبنان "بوصيته" وطلب منها توزيع تسجيلها وتوزيعها على قنوات فضائية لبنانية أخرى :lbc والمستقبل وغيرهما،ولم يظهر اللواء استياءه ويعلن تكذيبه إلا لقناة nutv هذه القناة التي مازالت وبعد الانتحار مصرة على موقفها. هذه الذهنية الاستبدادية القاطعة والجازمة والعالمة بخفايا الأمور،حتى الغيبي منها،هي سمة سورية راهنة بامتياز،ومن الطبيعي أن تكون متضخمة لدى السلطة أكثر منها لدى المعارضة،وهذا مثال من الطبيعة نفسها، وحول الحدث عينه،لدى أحد رموز المعارضة السورية،وهو الأستاذ أكثم نعيسة، حيث سأنحي جانباً المودة الشخصية،لأن الموضوع ليس شخصياً أبداً. بينما يعلن جميع السياسيين الحذرين،وآخرهم كان البارحة رئيس الوزراء اللبناني السياسي المخضرم فؤاد السنيورة:"إننا لا نعلم شيئاً عما سيحمله التقرير"،بينما يعلن الأستاذ أكثم :"أنا مقتنع بأن آخرين سيثبت تورطهم في تقرير ميليس وينبغي أيضاً أن يعاقبوا على جرائمهم في حق الشعب السوري" أعتقد أن اللغة العربية ليست فقيرة بكلمات مثل: ربما /من المحتمل/ الراجح/أظن أو أعتقد.......إلخ أما القناعة والتأكيد وسين الاستقبال الجازمة في الإثبات، فهذه سمة خاصة بتنحية العقل جانباً،إلا إذا كان للسيد أكثم مصادره المباشرة الوثيقة الصلة بالسيد ميليس ولجنته. ولا أدري كيف جزم المدافع عن حقوق الإنسان في سوريا أن : "وفاة كنعان أمر إيجابي،إنه بداية التغيير في سوريا"، ولم يترك أي هامش للاستئناف وهو المحامي،أو أية مساحة للاحتمال بأن تكون هذه الحادثة محطة أخرى من محطات المسيرة الجهنمية التي تقودنا فيها قوى غير مبالية بنا كشعب وكوطن. لكن لأتجاوز عن تلك اليقينية الصارمة المعطاة كثوابت وأعتبرها آراء من حق السيد أكثم أن يطرحها بالشكل الذي يريد، وتالياً من حقي أن أناقشها: لقد أبرز الانتحار أن المنتحر أضعف بكثير مما كنا نظن جميعاً،حيث لم يقبض اللواء المنتحر كتعويض عن نهاية خدماته الكبيرة والكثيرة سوى رصاصة واحدة في الفم،وما أغنى عنه ماله وما كسب. أما إذا السيد أكثم محقاً بأن هذه بداية التغيير،فما أتفه وأضيق أفق دعاة التغيير في السلطة والمعارضة على حد سواء،لأنهم لم يكتشفوا ذلك إلا بعد حدوثه. كنت ومازلت أعتقد أن بداية التغيير تحتاج إلى سلطة ومعارضة جديدتين تماماً، طلائعهما من الشبيبة المتنورة والواعية،المشبعة بالروح الوطنية والثقافة الإنسانية، غير الملوثة بفساد السلطة المهترئة والمعارضة النافقة، تخوضان كفاحاً فكرياً وسياسياً أساسه الحوار والاعتراف المتبادل،موضوعه وهدفه الوطن وتنميته ونهضته،عبر بوابة الحداثة والديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان،في سبيل بناء دولة حديثة علمانية ومتحضرة،متخلصة من رواسب الاستبداد وإرثه الثقيل،وليس فقط من هذه الشخصية أو تلك أو من هذا الرمز أو ذاك،كان من كان.
#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يشكل الانتحار حلاً؟
-
بين دهشة الغربة ومألوف الوطن 3
-
.بين دهشة الغربة ومألوف الوطن 4
-
وردة القلب
-
بين دهشة الغربة ومألوف الوطن 2
-
بين دهشة الغربة ومألوف الوطن(1)
-
أيها الطائر...
-
الظل والمسرح
-
أيتها الغابة
-
الفاسقة
-
الرسالة
-
الأقوى من الحبّ
-
وجدتها....وجدتها.
-
غبار نجمي
-
يا لها
-
أغمض عينيك ..قل لا واتبعني.
-
حين انتظرتكِ
-
أعاصير صامتة
-
أجمل باقة من لبنان
-
حول مقالة متى يكون الغرب آمناً؟
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|