|
النعم واللا .. كلاهما ، وثقافة دمقرطة الخيار الوطني للأستفتاء على الدستور
صباح محسن جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1349 - 2005 / 10 / 16 - 11:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صباح الخير أهلي وأحبابي... اليوم صباح السبت 15-10-2005 يوم الاستفتاء الجميل والرائع يتهيأ أكثر من إثني عشرة مليون مواطن عراقي بمختلف الانتماءات السياسية والعرقية – وأكره أن أقولها ، الطائفية – للإدلاء برأيهم حول مسوّدة كتابة الدستور. وهو يوم تاريخي بحق. وقبل أن ألقي من على ظهري كيس ألأمانات لأستريح في محطتي التي لا أعلم ما ستكون أحببت أن ألفت النظر لا غير من أن الـ ( نعم ) و الـ (لا ) اليوم هي الأفضل بكثير من ( نعم ) الأمس. وبعيدا عن عاطفة أخذت بهذا وجرفت بذاك رغبت أن أشير إلى تمزق عشته كما عاشه غيري في مدى ثقتي مع نفسي وراحة البال حين أقولها ( نعم) أو أقولها (لا) في خياري الديمقراطي وأنا ألم جراح كل حلم السنين العجاف التي قصمت لي ظهري فيما أنا متوجه إلى الاستفتاء أسوة بباقي أخوتي وصحبي وبقية الأصدقاء. من نظرة سريعة ومتفحصة للحدث السياسي بل المخاض العراقي يلمس المتأمل طبيعة الرؤية والنضوج السياسي بداية الذي يدور على الساحة العراقية بعيد إسقاط النظام ومرورا عبر كل ما حصل بعدها من متغيرات وارتباكات وانفلات في جملة مفاصل البنى الفوقية والتحتية لمجتمعنا العراقي ووصولا الى مرحلة بناء الدستور ومفصل الاستفتاء حول مسوّدته ، سيجد المراقب السياسي إن ما دار ويدور من الأصطفافات والتشظيات لنفسية المواطن العراقي وهو أمام خيارين لابد وأن يقرر أحدهما ، من أن كل ما جاء به الوضع السياسي من كيانات سياسية اثر عملية الاحتلال للعراق لم تكن بمستوى النضج وصولا إلى ممارسة عملية لمثل هذه التجربة التي نادى إليها العراقيون منذ أكثر من نصف قرن بحيث يكون المسعى الفهمي الإرشادي إنما هو المشاركة ومن ثم لتبيان الجوانب السلبية والأيجابية في حال الخيار بنعم ومثلها في حال الخيار بـ لا . ما لمسناه هو تثقيف متطرف لدفع المواطن العراقي في أقرار (نعَمه) أو (لائه) دون أن يمنح فرح الفهم لماذا عليه أن يشارك أولا وبالمثل أن يختار . لم نجد من يوضح حقيقة اللبس الذي اعترى عملية الولادة القيصرية للدستور. ولما كان ولا بد من الخيار بنعم تجنبا للوقوع في إشكالية العودة إلى الوراء على أمل قبول العمل بآلية ( فلترة) الدستور لنفسه بنفسه أفرز الحال إن خيار (لا) هو الأكثر ايجابية في مراجعة العملية السياسية وإنقاذ الوضع السياسي من الأنجرار وراء مزاجيات تفسير بنود حساسة تعمق الخلاف وتمده بما تحمله من تناقض في الدلالة. معظم الأحزاب لم تركز على الاستفادة من تفعيل الجانب الديمقراطي في عملية الاستفتاء على الدستور بغرض توعية المواطن كي يهضم مثل هذه الممارسة الأخلاقية والسلوكية الجديدة التي ترتكز ضمنيا على احترام الآخر والقبول به كطرف فاعل في العملية البنائية للإنسان العراقي الجديد وفي بلده المتقدم الجديد أيضا. كما إن معظم الأحزاب والكيانات السياسية لم تركز في فهمها لهذه السلوكية عدا الرجوع إلى الوراء مشددة في طروحاتها بما يفيدها مرحليا وليس بما يفيد المواطن العراقي حاضرا ومستقبلا سواء بمفردته الواحدة أو بمجموع مفرداته كشعب ومن ثم شعوب داخل البلد الواحد للتوجه صوب حريته وسعادته. صار الحال كمن يضع العربة أمام الحصان. وصار المواطن العراقي أسير حيرة .. حسمتها بعض الكيانات بـإختيار أي من الخيارين دون حتى أن تقرأ مسودة الدستور – على اعتبار كونها مرجعا وهو في رأيي ليس بأكثر من استهانة بحق المواطنة فيما ظل الآخر مراوحا يراقب كفتي العملية السياسية ليصطف مع الكفة الأرجح دونما فهم حقيقي للخيار الذي سيميل إليه طالما هناك ما سيتحقق من فائض في مصلحة أو فائدة. وباعتراف الجميع أن دستور كهذا قد ولد قصريا بسبب من نفاد الصبر بعد كل ما دار وحصل من أحداث في تمزيق وتشريد في الجسد العراقي إضافة إلى أسلوب الفرجة الذي مارسته الغالبية من دول الجوار والذي لا يخفي ما ورائه من أسباب على رأسها مبدأ المحاصصة والطائفية التي لم يتوانى عن كشفها ممثلو المعارضة في الخارج. ولا عجب أن يحصل مثل هذا طالما نسي الجراح مقص الطائفية في الجسد العراقي ، وما باتت لتنفع في شفائه كل العلاجات والتضميد والمعقمات ، وما عاد بغريب أن نجد (صديد) الطائفية هذا يزداد إيلاما ليفض الجرح ثانية ومن جديد . كنت من بين الذين يتمنون أن تركز الأحزاب العريقة التجربة في العراق في أستثمار موضوع الديمقراطية لتطبيقها على ذات الدستور وعملية الاستفتاء وان تظهر للمواطن – دون استحياء – عن عيوب وفوائد كل من الـ (نعم) و الـ (لا) . ولا تستثني رأيا في إن مسوّدة الدستور كانت بحاجة إلى وقت إضافي لا يتجاوز ( الثلاثة أشهر) للتدارس والفهم طالما أساس الدستور هو خدمة الجماهير وليس خدمة (نخبة) من النخب. كما كشف الواقع تزايد الفرقاء افتراقا سيما ومن ثقـّف مستعجلا بنعَمه أو لائه وهو لم يوزع بعد كراسة الدستور على تجمعه ولم يفقه بعد ما أضيف من فقرات للمسوّدة وقبل ساعات من الاستفتاء. كما حز في نفسي أيضا أن أجد شيخ مرجعيات المسلمين يثقــّف (هو) الآخر أو (الهالة) التي تحيط به - يعلم الله- باختيار (نعم) لوحدها ضاربا الجانب الديمقراطي للدستور دونما الألتفات إلى تصريح أعلن له مؤخرا يؤكد فيه توجيهه بعدم زج المرجعيات في التدخل بالسياسة ليتكرر ذات الخطأ الذي روجت له بعض الأحزاب التي انتصرت ساحقة ًمن اتفقت معه في وثيقة عهد مشتركة أبان فترة المعارضة . كما توّج الأمر نفسه خطاب رئيس الجمهورية قبل ساعات من موعد الاستفتاء وهو ينصح بـ ( نعم) الدستور ، هو الذي عرفنا فيه راعيا للديمقراطية !. نعم سينتصر ثانية الـ ( نعم ) ومبروك لكل من تقدم وشارك، مشاركة مثل هذه سوف لن تتجمل برونقها المهيب. وسينذر الحال بهبوب عواصف لاحقة نكون قد ساهمنا في أكثر من جانب من جوانبها السلبية كما سنتحمل مع الآخرين جزء كبيرا من مسئولية تطيرنا وأنانيتنا وقصور استيعابنا لما نتشدق به دون أن نطبقه. كنت أتمنى ولا أزال أن يكون خطاب المرجعيات وخطاب رئيس البلاد وخطاب معظم الأحزاب والكيانات السياسية هو التثقيف بروح الدستور التي تحترم المواطن بـ ( نعمه) و بـ ( لائه) وأن أيا منهما في حال إشتراكه والاختيار لا يقل وطنية عن الآخر الذي شارك معه واختار وأن يركز الجميع على مشاركة المواطن قبل أي شيء للاستفتاء على الدستور تعزيزا لزرع الثقة في نفسه وبوضعه الجديد كي يلتفت إلى إعادة بناء بلده ذاتيا بعد إن بنى ذاته لا أن نتركه محْبطا كعادته ونكون كمن يكتوي بنار هيئها لرغيفه الذي شد ما تمنى أن يعود إليه كما تذوقه وتعود علية وفاخر به وما شبع منه هو الذي يعرف تماما وبالتجربة إن الاستعجال في عمل النار وخبز العجين قبل اختماره سيقدم له خبزا لا كما يهوى.
#صباح_محسن_جاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كفكفوا دموعكم ... فليس ذلكم بيت القصيد
-
زرر قميصك من أسفل إلى أعلى
-
آن للموسيقى أن تقول للفقر لاءها
-
!دي ودي مش ممكن تكون زي دي
-
يوم لم تعتمر جدتي عمامة الجهلاء !
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|