|
المفتي الذي سيغتال الجمهورية الجزائرية .
صالح حمّاية
الحوار المتمدن-العدد: 4892 - 2015 / 8 / 10 - 17:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رغم أن الوزير محمد عيسى يقول وهو يدافع عن فكرة مشروع مفتي الجمهورية " أن هذا سيساعد على تدعيم الوحدة الوطنية ، وعلى ضبط المجال الديني " لكن الحقيقة أن ما يجري هو عكس ذلك تماما ، فهذا المفتي وإذا تم تنصيبه لن يكون سوى معول آخر يضاف للمعاول المتأهبة لهدم شكل الدولة الحديثة في الجزائر ، و لهدم مفهوم الجمهورية التي تأسست عليه ، أما عن المجال الديني فهو لم ولن يضبط ، فمعلوم وبخصوص ضبط المجال الديني أن الجماعات السلفية و الاخوانية لا تحتاج لمفتي لكي تأخذ برأيه ، فهي ومنذ نشأة في الجزائر لديها مرجعياتها و شيوخها ، وهي دائما ما تصف علماء الدولة بعلماء السلطان الذين لا يؤخذ منهم رأي ، لهذا ففكره أن نوجد مفتي لكي يتبعوه ويجعلوه مرجعيتهم فهو أمر باطل وغير منطقي، الشيء الأخر أنه وإذا تخيل الوزير انه سيستخدم سلطة المفتي لردع الفتاوى الاخوانية و السلفية عن الإتباع فهذا تصور باطل لانه في اقل الأمور مخالف لصريح الدستور ، فالدستور الجزائري يكفل حرية الاعتقاد ، وعليه ليس من حق الوزير محمد عيسى أجبار السلفية أو الإخوان او أي احد على إتباع ما لا يريد ، و هنا المفروض أي اعتراض على فتاوى السلفية او غيرهم من قبل الوزير ، فقد كان يجب أن يكون بإسم القانون ، فالمواطن لديه الحق في اعتناق ما يريد بشرط أن لا يخالف القانون ، وليس ان يعتنق ما تريده الدولة ، وعلى هذا الأساس فما نراه في الحقيقة ، هو أن مسألة مفتي الجمهورية لن تكون سوى حجة سيستخدمها الأصوليون لضرب الحريات في الجزائر لا أكثر ، فهم ورغم أنهم لا يهتمون لأراء هذا المفتي فهم لديهم شيوخهم ، لكنهم مع هذا سيعمدون إلى استفتاءه في كل صغيرة وكبيرة بما تعلق بالحريات ، وطبعا وبما إن المفتي سيكون معادي بالضرورة للحريات بحكم عداء الإسلام لها ( لنأخذ في ابسط الأمور القروض ، الكحوليات ، الفن ، السياحية ، الملاهي الليلية الخ ) فسيصبح هنا رأي المفتي حجة على الدولة للحد من حريتها ، و هو بالتحديد المشكلة التي يخلقها وضع مفتي للجمهورية يكون موازيا بتشريعاته لقوانين الدولة ، فبالنسبة للدولة أي دولة ، فالمفروض أن الدستور هو منبع القوانين وليس رجل الدين ، القوانين التي يتم استخراجها منه عن طريق البرلمان ، لكن نحن لو وضعنا مفتي في هذه المنظومة كما يريد الوزير فنحن سنخل بها ، فهل المفتي سيكون سلطة تشريع موازية في الدولة ؟ وهو ما سيخلق صداما بين تشريعات المفتي ، وتشريعات الدولة ، أم ستخضع الدولة للمفتي ؟ وهنا ستفقد صفتها الجمهورية ، فالجمهورية تقوم على سلطة الشعب ، وإذا وضعنا سلطة فوق سلطة الشعب لتحكم ، فنحن ألغينا الجمهورية ، ام سيكون استشاريا ؟ وهو ما يجعلنا نقول انه قد كان من الأحرى عدم تنصيبه من الأصل ، و الاكتفاء بالقانون كمرجعية للمواطن ، فالقانون كافي في الواقع ليحدد ما الصواب و ما الخطأ ، أما على قضية الدين فكل إنسان حر طبعا ، لكن المهم هو أن يخالف القانون ، وهنا بالذات القضية التي أهملها الوزير وهو يدافع عن السيادة الوطنية ، فقد كان الأحرى به قمع إرهاب وعمالة الإخوان بالقانون ، وليس بالدخول معهم في حلبة الصراع الديني الذي لا يفيد .
حاليا وإذا تم تنصيب مفتي للجزائر، فما سيحدث هو اننا نهدم الدولة الجزائرية الحديثة بأيدينا و نسلمها للإسلاميين ، فأساسا رغبة الإسلاميين الأولى والأخيرة كانت بوضع سلطة دينية فوق سلطة الدستور بما يجعل الدين هو السيد لا الشعب ، وعليه فالوزير وبهذا المسعى الذي يزعم انه يحارب به السلفية ، فهو لا يفعل سوى منحهم ما تمنوه طوال دائما ، وحتى لو تصور الوزير أن المفتي سيكون تحت رقابة أجهزة الدولة ، فهذا وهم منه لان المفتي في النهاية خاضع للدين ، ولو كان الدين خاضعا للقانون ، لكان هذا حصل من البداية ولم نحتج لمفتي ليبرر قوانين ، لكن طبعا نحن رأينا كيف أن الدولة الجزائرية فرطت دائما في القانون لصالح الدين في كل مرة دخلا في صراع ، وقضية القروض البنكية ابرز مثال حيث تم التفريط في سيادة القانون لصالح سيادة الدين ، و تم استخدام شيوخ لتبرير التنازلات المخزية التي قامت بها الدولة ( والتي لم تجدي في النهاية وهو الأمر البائس ) وهو ما سيتكرر مستقبلا حتما وبطريقة أشنع اذا نصب المفتي ، حيث ستمنح تلك السيادة الدينية صفة قانونية لتعلوا على سيادة الشعب ، وهو ما ينهي عصر الجمهورية في الجزائر .
على هذا فما يجب أن يقال هو أن مسالة مفتي الجمهورية قضية باطلة ولا يجب ان تقر لانه في صدام حدي مع مفهوم الدولة التي قامت عليها الجزائر ، أما إذا أصرت الحكومة على المضي فيها ، فالأحرى إذن ولتكون قضية مفتي الجمهورية منطقية ، انه بعد تنصيبه أن يتم إلغاء الدستور و القوانين وكل ما سنه الشعب ، لأنه بعد المفتي لا توجد سلطة أخرى ، وان يتم إلغاء وصف الجمهورية على الجزائر كذلك ، فالجمهورية السلطة فيها للشعب ، وليس لمفتي يستخرج قوانينه من نصوص لم يخترها احد ، فهكذا ستكون الأمور واضحة وسليمة ، أما أن نخلط السمك باللبن بالتمر الهندي كما يقول المثل المصري ، فهذا عبث ، وهو مجرد تفكيك لما تبقى من شكل الدولة الحديثة في الجزائر كما نحن نفعل طوال خمسين سنة استقلال ، لنعود لنفس شكل الدولة التي كانت عليها الجزائر قبل قرابة المأتي سنة .
#صالح_حمّاية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أردوغان: الإرهاب كسياسة للنهضة الاقتصادية .
-
الجزائر بين خياري الدولة الحديثة، أو الإمارة الإسلامية .
-
شكوك حول جدية الحرب على الإرهاب .
-
ماذا لو ألغينا التعليم في الجزائر ؟ .
-
كلكم داعش .
-
قصة الدولة في -تنوره -.
-
سيقان عارية و إرهابيون .
-
بعد موجة العودة للدين لنجرب الابتعاد عنه .
-
وماذا عن القمع الديني يا صحافة .
-
لا جدوى من الإسلام إلا كديانة إرهابية .
-
مشكل الطلاق ليس قانوني يا سيادة الرئيس .
-
الهمجية كقيمة إسلامية رفيعة ؟ .
-
نحن المسلمون همج وسنبقى همج .
-
الإسلام ضد العالم .
-
الإسلام ساعيا لدمار الغرب بعد أن دمر الشرق .
-
الأدلة على عدم إسلام الحسن باتيلي .
-
إرهابكم يا مسلمين لن يجدي .
-
وماذا عن الكفر-فوبيا و الشرك-فوبيا ؟.
-
إذا شارلي ايبدو مؤامرة فماذا عن ولد مخيطر ؟ .
-
براءة الإسلام المتطرف من مجزرة -شارلي إيبدو- .
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|