|
أثر التصوف فى المعتقدات الاجتماعية : فى التداوى والاعتقاد فى الجان والسحر
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 4892 - 2015 / 8 / 10 - 09:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتاب : أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية الفصل الرابع : أثرالتصوف فى الحياة الاجتماعية فى مصر المملوكية أثر التصوف فى المعتقدات الاجتماعية : فى التداوى والاعتقاد فى الجان والسحر مـدخــل:ــ صدرت المعتقدات الاجتماعية في مصر المملوكية عن المعتقدات الصوفية المؤثرة فى المجتمع . وفي العصر المملوكي نشأ عن ( التوسل بالأولياء ) الاستغاثة بهم عند المرض والاعتقاد في جدوى التداوي بتراب القبور المقدسة . ومن الايمان بكرامات ألأولياء إعتقد العصر بجدوى (السحر) الذى أصبح قرينا بالكرامة . وازدهر (التنجيم) في مجتمع يؤمن بمعرفة البشر أو (الأولياء) للغيب . وهو نفس ما ساد فى العصر الجاهلى تحت إسم ( الأزلام ) والذى إعتبره رب العزة مع الخمر والميسر والأنصاب أو ( الأضرحة ) رجسا من عمل الشيطان ، وأمر بإجتناب كل ذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) المائدة ) . وآمنوا بالتعامل مع (الجان) على المستوى الحسى ، بل ان الشعراني وصف نوعا من الأولياء الأحياء يعتبرون وسطا بين الولى والجان، وهم ( أصحاب النوبة) ، وكتب السيوطي رسالة (القول الجلى في تطور الولي) عرض فيها لإمكانية تشكل الولي في أكثر من صورة ، وآمن العصر المملوكى ب (التطير) ، او : التفاؤل والتشاؤم ، و يشيع هذا في المجتمعات التي تؤمن بالأساطير والارواح والجان وتفسر المظاهر الطبيعية العادية وفقا لتلك المعتقدات فيكون التفاؤل والتشاؤم . لذا اعتقد العصر المملوكي في جدوى(التفاؤل والتشاؤم) نوعا من التنبؤ بالغيب . 2 ـ ومع انها صدرت عن التصوف كأثر مباشر فان هناك عاملا غير مباشر اسهم بدوره في التمكين لها بين المجتمع وطوائف المجتمع ، وهو جهد التصوف في نشر الجهل والجمود كما سبق بيانه في فصل العلم والعلوم . والعلم الحقيقى ينمى الوعى والتعقل ولا يدع مجالا لنشر الخرافات الدينية . 3 ــ ولا يزال سائدا حتى الآن الاعتقاد في إمكانية الاتصال بالجان وعلاقتهم بالأولياء خاصة ، حيث توصف ربيبات الزار بأن (عليها شيخ) أي ان صورة الجان إختلطت في اعتقادهم بصورة الولى الشيخ . والقانون يجرّم الدجالين منتحلى الطب الروحاني وأصحاب (الأعمال) السحرية ، ومع ذلك فإن لقبهم في عرف العامة هو (المشايخ)، وغالبا ما يرتدون زي الشيوخ وتروج تجارتهم في الموالد الصوفية وحول الأضرحة ، فلا يمكن ان يطلق لقب الشيخ على أولئك المحتالين المجرمين إلا بأثر التصوف الديني ، الذى لا يزال سائدا حتى بين بعض المثقفين وفى الطبقات العليا والمتوسطة فى الشعب المصرى . وكل ما سبق ناشىء عن ( الإيحاء ) ، أو الاعتقاد والتصديق . ونعطى بعض التفاصيل : فى التداوى الأولياء الأطــــبــاء :ـــ 1 ــ اعتقد الناس في مقدرتهم على شفاء الناس المرضى بما لهم من تصريف وكرامات . وبهذا اشتهر بعضهم بالطب ، فكان إبراهيم الجعبري (يشارك في علم الطب ) ، وكان اذا اشتهر واحد بالولاية كان الناس يذهبون له بمرضاهم ، فقد ( ظهر عبد أسود قيل انه ولي ، فهرع إليه الخلق ، وفيهم الكثير من الزمني وذوي العاهات والمرضى ) ، ووصل الأمر الى أنه اشتهرت طفلة بالولاية ، وبأنها تشفى المعاقين فقصدها الناس لأنها ( تقيم المُقعد وترد بصر الأعمى ) .وتردد ذوو العاهات والامراض المزمنة على الشيخ على الخواص ، وقيل عنه أنه ( كان له طلب غريب ) ، وفى طب الأسنان عرف بعضهم بأنه يرقى الضرس المصاب : (رقائين الضروس) ، اى إشتهروا برقى الضروس التالفة ، أو كما قيل : (لأن الإنسان كان اذا وجعه ضرسه يرقونه فيسكن الوجع ) . وشاع أنه شفيت امرأة مقعدة على يد أبي بكر السبتي وشفي أحدهم من مرض جلدي عن طريق الشيخ عمر المغربي . ووصلت كرامة بعضهم الى الشفاء بالدعوة المستجابة ، فقد دعا الشيخ المنوفي للأمير بكتم ، وكان مريضا فشفى . وزعموا أن ( رقية ) الحنفي كانت البلسم الشافى لكل من أصابها ( الطلق أوالصداع ) . 2 ــ على ان البلسم الشافي فى إعتقادهم كان الماء الباقي من غُسل الولى الميت ، فيأخذه الناس قبل أن يصل إلى الأرض ليقتسموه في المكاحل في شفاء الرمد ، الى جانب التكحل بتراب القبور المقدسة للأولياء .!!.. التراب كدواء :ــ 1 ــ أشيع بالقاهرة سنة 796 أن امرأة أصابها الرمد ، وأيس منها الأطباء فأمرت في المنام ان تتكحل برماد من سفح جبل المقطم ــ حيث مقابر الأولياء ــ وقيل أنها شفيت بذلك .. يقول المقريزي فلم يبق من الناس إلا من أخذ من الحصى الذي بالجبل واكتحل به ، وعُمل منه في الاثمد وغيره ، حتى أفنوا من ذلك ما لا يقدر ) . وهذه الاستجابة السريعة من العصر لا ترجع فقط للاعتقاد في صدق المنام وإنما أيضا لاعتقادهم الثابت في جدوى الاستشفاء بتراب الأضرحة وقبور الأولياء .... 2 ــ والواقع ان التداوي بالتراب المأخوذ من تلك القبور كان معروفا في العصر المملوكي ، حتى أن بعض قبور الأولياء أشيع عنها في العصر المملوكي الشهرة في شفاء المرض مثل قبر ذو النون ، وقبر المنوفي ، والعقيلي وقبر الكحال ويبدو أن القبر الأخير اكتسب هذا اللقب لصلته بشفاء امراض العيون . بل ان بعض الأماكن حازت شهرة في هذا المجال برعاية التصوف طبعا فقد اشتهرت بئر في مسجد الرعينى بشفاء الحمى لمن يغتسل منها) ونصح صوفي مريضا بالبطن بأن يستف من تراب القبلة (ففعل فبريء لوقته) كما يقولون ... التمائم :ـــ 1 ـ راج استعمالها في العصر المملوكي لشفاء الأمراض واتقاء اذى الحشرات كالجراد وقرص الثعابين وطرد البراغيث . 2 ـ وكانت التمائم تحوى آيات قرآنية مع كلمات وحروف وأعداد غير مفهوم العلاقة بينها ، على نسق أصحاب علم الحرف الصوفي. يقول السخاوي الصوفى صاحب ( تحفة الأحباب ) : (بمشهد زيد بن على زين العابدين عمود رخام على يمين الداخل من الأبواب، به أسطر تكتب في ورقة وتوضع على عرق النسا ، يزول بإذن الله تعالى . وهي مجربة. وهذه صورة الأسطر : 1 ح 5 ب 51 ع 155 مرابية ) ويفهم من كلام السخاوي ان تلك التميمة كانت مستعملة ــ او على حد قوله ( مجربة )لمن يقاسي من مرض عرق النسا . 2 ـ على ان هناك تمائم أخرى بنفس الأسلوب تقريبا ، أوردها الدميري فى كتابه ( حياة الحيوان ) ، تفيد ــ في إعتقادهم ـ فى شفاء الأمراض المختلفة ، كالطحال والصداع والأسنان بل وضعت تمائم لطرد البراغيث . وأورد السيوطي تميمة منسوية للخضر للرقية من سُم الثعبان . إلا ان قصيدة البردة للبوصيري كانت أشهر التمائم المكتوبة باعتراف أبي المحاسن ولا تدانيها في الشهرة إلا التميمة التي تحوى أسماء الفقهاء السبعة بالمدينة ، وكانت شهرتها في منع تسوس الحبوب 3 ــ ومن أظرف التمائم تلك التي عرفت ب (حفيظة رمضان) وكانت تكتب فى آخر جمعة من رمضان والخطيب على المنبر يخطب ، وصيغتها (لا . إلاء، إلا . إلا . ولا . ؤل . يا الله. انك سميع عليم محيط به علمك . كسيعلمون . وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ). ومن الطريف ما يحكيه المؤرخ السخاوى عن شيخه المؤرخ ابن حجر ( العسقلانى ) أنه كان يخطب اخر جمعة من رمضان، في جامع عمرو ، فرأى شخصا بدكة المؤذنين يكتبها فانزعج . .! 4 ــ ولا يزال أصحاب التمائم يعيشون بيننا في الريف خاصة ، يتمتعون بألقاب المشيخة. وفي الامثال الشعبية قولهم : (خد من عبدالله واتكل على الله ) ... الاعتقاد في الجان 1 ــ الاعتقاد في الجان ظاهرة إنسانية عامة . وقد تردد ذكرهم في القرآن الكريم وخصصت باسمهم سورة الجن) ، ورب العزة جل وعلا يذكر إيمان بعضهم بالإسلام ( الأحقاف:29 )، وهم مخلوقات برزخية فى مستوى آخر من الوجود لا نُحسُّ به فى عالمنا المادى . وحين عصى ابليس طرده الله جل وعلا من الملأ الأعلى فصار وأصبح مع ذريته فى المستوى البرزخى للجن :( الكهف :50) . 2 ــ أما ما ينكره الإسلام فهو الاعتقاد في التعامل المادى الحسّى مع الجان على المستوى الحسي وإمكانية الاتصال بهم على نحو ما يشيع بين الناس ، مثلما أشاع الصوفية في العصر المملوكي ، لأن الله جل وعلا حكم علينا بعدم رؤيتهم مع انهم يروننا ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (الأعراف: 27). 3 ــ وينكر الإسلام تلك الخرافة الصوفية التى تزعم تشكل الولى بهيئة الجن ـ أو تطور الولى وتجسده ليكون من الجن ، أو ذلك الاختلاط والتماهى بين الجن وبين الأولياء الصوفية ممن يُطلق عليهم ( أصحاب النوبة ) الذين يحرسون الأرض فى زعمهم ، على نحو ما تحدث الشعراني ، . فالشعراني يحتج على منكري وجود أصحاب النوبة ، وهو يخشى منهم ، ويعد من المنن عليه حفظه من تصريفهم فيه (بمرض او سلب حال ) ، وأنه يحرص استئذانهم كلما خرج من بيته ليكون في رعايتهم ) ، ويتذكر وصية الخواص بالاستعانة عليهم بالله ورسوله . وهذا الاعتقاد فيهم مع الخوف منهم وعدم تحديد تام لشخصياتهم يجعلهم أقرب إلى الكائنات المجهولة أوالجان . واقرأ قول الشعراني يصف حالته حينما مر في أماكن مهجورة (.... وغفلت مرة فأحسست بنفسي أن ورائي تمساح كبير يريد ان يبتلعني ، فالتفت فاذا شخص منهم أشعث الرأس كأن عينيه جمرتان .!) ويقول: ( فلقيني واحد منهم فما كانت روحي إلا زهقت) . 4 ــ ومن ناحية أخرى فالصوفية (أساتذة العصر) افتخر بعضهم باعتقاد الجان فيه وفى الأولياء ) ، وخضوع بعضهم للولى كخضوعهم لسليمان . ، وافتخر الشعراني بكثرة اعتقاد الجن فيه ، وألف كتاب : ( كشف الحجاب والران عن وجه أسئلة الجان ) للرد على أسئلة الجن له في التوحيد ، أى جعل الجن تلاميذ له ينهلون من علمه اللدنى . ويتردد في مصادر العصر المملوكي ان بعض الأولياء كان يعلم الجان ويفتيهم ، وفي هذا المجال اشتهر الحنفي حتى ان إحدى مريداته من الجنيات ــ على زعم كتب المناقب ــ طلبت أن تتزوج من صهر الحنفي فأفتى الحنفي بعدم الزواج شرعا إلا أن العريس نزل معها (تحت الأرض) حيث قابل ملك الجان فقال الأخير : لا اعتراض على سيدي محمد (يقصد الشيخ الحنفى ) فيما قال : ثم أمر الجنية بأن تعيد حبيبها على مكانه ) . وتابع الشعراني الحنفي فنسب لنفسه مغامرات مع الجان ، واحترف بعض الصوفية استحضار الجان للمصاب بالصرع ، مثل ابن الرداد المعروف بشيخ الجن ( فكان من يعزم عليه ينصرع عمدا ليضحك الحاضرين ، وتكرر ذلك فصار يُعتقد ،وسُمّى شيخ الجن ) ... 5 ــ ومن الطبيعي أن ينعكس جهد الصوفية في معتقدات العصر في الجان ووجودهم الحسي حتى ان الشيخ الشبلي ــ وضع كتابا فقهيا بعنوان ( آكام المرجان في أحكام الجان) قص فيه حكايات عن زواج بين الإنس والجن وتسخير الإنس للجن وخوفهم منهم والحروز التي تعصم من كيدهم وتأثير الذكر والأوراد فيهم ودخولهم بدن المصروع وسحرهم للإنسان . الخ وكانت الناس تفسر الأشياء الغريبة والتي تبدو كذلك في ضوء اعتقادهم في الجان . وأشيع عن الجان انها تفر من الأترج . ..وصنعت تمائم للحفظ من الجان نسب بعضها للرسول عليه السلام . ويقول ابن الحاج (من أراد أن يحفظ من العين ومن مردة الجان فيعلق الحروز من تحت ثوبه بحيث لا يظهر ..) . 6 ــ وتأثرت بعض العادات الاجتماعية بالاعتقاد في الجان ، فالنساء كن يضربن على الأواني النحاسية عند خسوف القمر لإبعاد الجن عنه( 205 ) ، ولا يزال ذلك ساريا . 7 ــ وللجان والعفاريت ذكر في الأمثال الشعبية المصرية .. وحفلات الزار الحالية أثر للاعتقاد في الجان في العصر المملوكي .. والعفاريت فيها خليط من الجن والأولياء التي تركب الإنسان ، وتستعمل في أساليبهم الفاظ صوفية مثل ( دستور يا سيادي ، مدد يا اهل البيت) مع عبارات مختلفة فى التوسل بالأولياء وآل البيت . ثم ان رقص الزار هو إحدى حالات الذكر الصوفي. وتلك الأقاصيص الخرافية عن الجن لا تزال موضع التصديق في مجتمعاتنا الشرقية ، وقد إحتلت مكانها فى ( قصص ألف ليلة) التى تعبر عن المجتمع المصرى فى العصرين المملوكى والعثمانى . الـســــــحـــــر :ـــ 1ــ تضاءل الفارق بين السحر وانتحال بعضهم إتيان الكرامة كمؤهل لصلاحيته كصوفي معتقد . وقد سجل الجويري في كتابه ( المختار في كشف الأسرار) حيلهم ، فكان يذكر الكرامة ثم يتبعها بكشف التحايل فيها ، مثل عدم احتراق أحدهم في النار ونبع الماء من بين أصبعه وبقائه بلا طعام او شراب مدة طويلة وغير ذلك مما ذكره مفصلا .. واكتشف ابن تيمية حيل الأحمدية في دخولهم النار وفضحهم امام الحاكم . 2 ــ والقرآن الكريم ينفى عمل السحر ، ويؤكد أنه تخيُّل ممن يصدق الساحر ، وقد قال جل وعلا عن موسى وسحرة فرعون: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ) )طه :66) ، ( فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ )الأعراف 116 ) ، أى أن رصيد السحر والانتحال للكرامات في العصر المملوكي يكمن فقط في اعتقاد الناس فيهما. 3 ــ وبازدياد الاعتقاد في السحر فسرت الأشياء التي لا يفهمها الناس ــ او لا يستطيعون تعليلها ــ على انها سحر ( .. فكان يقع من ابن البرهان عجائب فيظن ان له رئيا من الجن يخبره ..) وفي إحدى الفتن اشتهر الامير ( يلبغا المجنون ) بأن السهام لا تصيبه ، (واختلف الناس في امره ، فمنهم من يقول كان معه هيكل منيع ، ومنهم من يقول كان يتحوط بأدعية عظيمة ، ومنهم من يقول كان ساحرا) .. 4ــ وما لبثت الأشياء العادية أن فسرت بالسحر أيضا فقيل أن محمد ابن جقمق مرض ومات بالسحر ) وقال نفس الشيء عن الاتابكي ازبك بن ططح ) . 5ــ وسار الاعتقاد في السحر باضطراد يواكب انتشار التصوف المضطرد، ونلحظ ذلك في اقوال ابن اياس عن مقتل الأمير المملوكى قرقماس ق 842 : (أن الضربات كانت تطيش ولا تصيب من قرقماس ، لأنه كان في فمه خاتم مرصود، أخرجوه من فمه ، وقتلوه ) . وهذا يخالف ما ذكره من عاصر مقتل قرقماس من المؤرخين ، وما سجلوه عن مقتله كالمقريزى فى (السلوك ) وابو المحاسن فى ( النجوم الزاهرة ) ، ومعنى ذلك ان ابن اياس المؤرخ في آخر العصر المموكي قد تأثر بما شاع في عصره من خرافات زادت حتى طغت على الحقيقة التي كتبها المؤرخون المعاصرون انفسهم . وابن اياس خير من يعبر عن عقلية هذه الفترة وتأثرها بالتصوف .. 6ـ وساد الاعتقاد فيما أطلقوا عليه ( إسم الله الأعظم ) الذى كان عندهم تميمة سحرية تعادل ( كن فيكون ) ، وكان العثور على (اسم الله الأعظم) قمة امنيات الساحر ، فبه يحقق كل اغراضه . و(اسم الله الأعظم) اختراع صوفي عرف منذ بداية التصوف، وتردد في كتب الصوفية فى محاولة العثور عليه لتحقيق المطالب والحصول على الكنوز الأثرية المدفونة ... وادعى كثير من الصوفية معرفة الاسم الأعظم وكان اغلبهم من أدعياء علم الغيب او الكشف كابن زقاعة والنعمان والأشمركاني ، وافتخر الشعراني بانه اطلع على الاسم الأعظم عن طريق الكشف . وعن هذه الصلة بين التصوف المملوكي والسحر ترسخ الاعتقاد في السحر كحقيقة حتى ان فقيها قاضيا استغل قوة الاعتقاد في السحر ــ ليحكم بقتل شخص بحجة أنه ساحر حلال الدم .. والظريف ان الوزير عبد الباسط اتهم في محنته بأن معه الإسم الأعظم وأنه (يسحر السلطان لأنه كلما أراد عقوبته صرف السلطان عن ذلك ، ووجدت في عمامة عبد الباسط أوراق فيها ادعية ونحوها كما أشيع ) ..بهذا فسر العصر المملوكي محنة الوزير عبد الباسط مع أن تلك المحن كانت شيئا عاديا وقتها . 8ــ ومن الطبيعي أن يستهوي السحر عقول النساء في العصر المملوكي ، والحريم السلطاني على وجه الخصوص حيث مكائد النسوة لا تنتهي . فقيل ان والدة الناصر فرج زوجة السلطان برقوق قد سحرتها جارية من جواريها ، فقتلت الجارية وقتل نصراني اتهم بالتعاون معها .. ) وطلق السلطان جقمق زوجته لاتهامها بانها سحرت حظيته سرباي ) وفي هذا الجو مارست النساء السحر كصناعة للتكسب ) بل إن المقريزي ــ مع علو ثقافته بالنسبة لمعاصريه ــ ذكر كيفية معينة يمكن بها للمرأة ان تمنع المطر ) .. 9ــ واستمر الاعتقاد في السحر بعد العصر المملوكي فقال كلوت بك : ( ومسلمو مصر يعتقدون أن بإلامكان القيام بالإجراءات السحرية بحسب مبادئ الخير والشر ، وتسمى نظريتهم في الحالة الأولى بالعلم الروحاني وفي الحالة الثانية بالعلم الشيطاني ) . وهو هنا يفرق بين انتحال الكرامة وادعاء السحر . ونحن بهذا نصل آخر الموضوع بأوله.
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعليم الطفل حقوق الإنسان
-
أثر التصوف في القيم الاجتماعية فى مصر المملوكية : من التواكل
...
-
أثر التصوف في القيم الاجتماعية فى مصر المملوكية : عدم الاعتر
...
-
بعض آثار إيجابية لبعض المتصوفة في العصر المملوكي
-
القاموس القرآنى : (يمترون ) ( تمترون ) و( ممترين )
-
علاقة الصوفية بطوائف المجتمع المصرى المملوكى
-
الوباء السلفى فى الجزائر : ردا على رسالتين من المرضى بالسلفي
...
-
أثر التصوف في الفنون المعمارية والزخارف المملوكية
-
أثر التصوف فى المغنى والغناء لغير الصوفية
-
أثر التصوف في الموسيقى فى العصر المملوكى
-
أثر التصوف في الشعر في العصر المملوكي :
-
أثر التصوف فى الأدب المملوكي : فى النثر والقصّة
-
القاموس القرآنى : ( وَيْلٌ )
-
تربية الأطفال فى المؤسسات الصوفية فى مصر المملوكية
-
اثر التصوف فى المكتبات المملوكية
-
شيوخ الصوفية والتعليم المملوكى
-
أثر التصوف فى الحركة التعليمية : التعليم ومؤسسات الصوفية
-
طائفة من ( الأحاديث) الصوفية فى العصر المملوكي
-
وصيتى للأحبّة أهل القرآن
-
تقديس البخارى فى العصر المملوكى : نقد حديث ( من عادى لى وليا
...
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|