|
آه يا خوفي من آخر المشوار
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4892 - 2015 / 8 / 10 - 02:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
آه يا خوفي من آخر المشوار يقول المثل الأمازيغي السوسي: يان الدور أيستصى أيدي إخ يدر غواغو" أي أنه مرة واحدة يُضحك سقوط الجرو في صحن الحليب ، أما إذا تكرر سقوطه ، فيتحول ذالك إلى عبث ، يثير الاشمئزاز والقرف ، كما هو حال الإنسان تُضحكه النكتة عندما سماعها للمرة الأولى، وتقل ضحكته إذا سمعها ثانية ، ثم تتلاشى ضحكة، وتتحول إلى استهجان واستياء عندما يسمعها مرات عديدة من نفس الشخص ، وبنفس الأداء ونفس النغمة . يقودني هذا المثل الأمازيغي إلى الوقائع المؤسفة التي حدثت في الآونة الأخيرة ببلادنا ، والتي عجت بأخبارها وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية ، وتقبل الشارع المغربي حدوثها على مضض ، على أنها فلتة -رغم فظاعتها – معزولة لن تتكرر ثانية ، لكن نفس الشارع يرفضها ويثور ضد تكرارها لما يخلفه أحزان عميقة في القلب والنفس ، و سأكون مضطرا هنا للوقوف عند واقعتي "صاية" فتاتي إنزكان ، و"شورت" فتات آسفي ، المؤلمتين دون غيرهما ، ليس لأنهما القضيتين الوحيدتين الهامتين ، بل لأن المجال لا يتسع لسرد جميع القضايا ، التي تشترك معهما في أنها لا تمت كلها لدين الله وكتابه ولا لصحيح سنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، بأية صلة ، لأن دين الله الحق ليس له علاقة البتة بتلك الأفعال والأعمال والأقوال ، المنسوبة إليه زوراً وبهتان ، والمبنية في مجملها على ما يزخر به تراثنا الفقهي والفكري من المفاهيم الخاطئة عن الدين الإسلامي العظيم، والتي أثمرها الفهم البدائي للدين ، الذي تعمل على نشره الكائنات المعممة المضطربة اجتماعيا ، والتي لا هدف لها غير التحريض على الفوضى ، لفرض آرائها الضيقة الحقيرة على الناس ، كتعويض لآلامها وعن عقدها النفسية المكبوتة ، بدعوى مكافحة المنكر الذي اختزلته ، بشكل شمولي ، في جسد المرأة ، والذي اعتبرته- عاريا كان أو مُغطا- السبب الرئيسي فيما تعيشه الأمة الإسلامية من نكبات التخلف والتمزق والهوان والحروب المذهبية الطاحنة ، والذي يوجب -في شريعتهم- على صاحبته التهميش والتغيب عن المجتمع ككائن نجس ، وهو أمر عادي عند من تغيرت لديهم مقاييس الدين من المتطرفين والمغالين في تعسيره ، وانحسرت لدسهم موازينه الطبيعية ، وتقلصت بينهم خصال التسامح والألفة والمحبة والتراحم ، وتضخمت فيهم السلوكيات الخاطئة في التعامل مع الدين ، واعترتهم حالات اليأس والقنوط ، وسيطرت عليهم النزعة الذاتية وتجاوزت بينهم المنافسة الفكرية والثقافية والنقد الموضوعي البناء ، إلى العداوة والضغينة والقتل ، وانعدام أسباب الثقة ، التي تصاب معها مبادئ وأفكار الناس بدرجات عالية من الانفصام ، وتتحول بفعلها الساحة الدينية والثقافية والفكرية إلى ساحة مصارعة واقتتال ، بدل ساحة إخصاب وتثاقف.. وحتى لا نقع في خطيئة التعميم ، لابد لنا من لحظة استدراك نسارع فيها بالقول أنه ليست الأمة الإسلامية على إطلاقها تمارس تلك الخطيئات الكبرى بحق نفسها ومصالحها ومصيرها ومستقبلها وحاضرها وماضيها ، وإنما هي بؤر التيارات الإسلام السياسي وأحزابه وجمعياته الدعوية ، التي انتشرت وتغلغلت في البلاد في غفلة من مسؤوليها ، واحتلت المناصب الحساسة فيه مستغلة - بخباثة ودناءة وخيانة - طبيبة مواطنيه ، وتمسكهم بأهداب الدين الإسلامي الحنيف ، لتنفيذ أجندات تخدم المصالح الذاتية على حساب مستقبل الشعب المغلوب على أمره !! وعلى الرغم من كل ما جرى ويجري ، فإن ذلك لن يغير شيئا من أخلاق المغاربة وقناعاتهم الراسخة بأن المغرب أرض تعايش وتكافل وسلام ، وليس أرض صراع وتطاحن ، وعلى المواطنين أن يسعوا جميعا إلى تحقيق السلم والأمن ، وسد الطريق على دعاة الفتنة من أي طرف كانوا ، لأنه متى كان المواطن مواطنا ، يحترم نفسه ومؤسساته ، ويفهم دينه الإسلامي على حقيقته فإن "الصاية " أو "الشورت" تبقيان "صاية" و"شورت" أي لباسا عاديا كما هو الحال عند الأمم التي ارتقت بفهمها لدينها إلى درجات عاليا فوق خرافة أن "الصاية" تثير غرائز الخاشعين المتقين . وليكن الجميع على يقين أن المغاربة لن يقعوا أبدا ، في فخ تقسيم مجتمعهم المتماسك ، ولم يكونوا فريقين مؤيد ومعارض ، يتقاتلان بسبب "صاية" إنزكان ، وشورت آسفي ، والتي كاد أن ينجح فيه بعض المتطرفين من الإنزكانيين ، وبعض المتشددين من الأسفيوين ، الذين لا يستطيعوم التحكم في أحاسيسهم نحوه الصاية والشورت ، وليس كل الإنزكانيين ، والأسفيوين المعروفين- كما كل المغاربة- بتدينهم وتقواهم وورعهم ، من تلك الطينة الهجينة ..
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استراحة في الحي اللاتيني ، أقدم أحياء باريس
-
من المستحيل أن أنتخب كذاباً غشاشاَ خداعاً ؟
-
لاتظلموا قلمي !!
-
علة تأخر المجتمع العربي والإسلامي .
-
جلسة ممتعة بأحد مقاهي الحي اللاتيني بباريس
-
مجالس الحشيش الرمضانية. مقهى اسطنبولي بفاس الجديد نموذجا
-
ثقافة الانتماء السياسي !!
-
الكفتة أكثر الأكلات المستهلكة بشراهة
-
آيات القرآن الكريم نغمة للهواتف المحمولة !!
-
الاعتياد على الشيء يفقد الشعور بوجوده !!
-
ذكريات العيد التي لا تبلى ..
-
إنما هي قضية أخلاقية بالمقام الأول !!
-
تشابه الفكر الظلامي واختلاف طرق تصريف المواقف..
-
ليس محض صدفة انتشار المرجعية الفكرية الظلامية على امتداد الب
...
-
مقابرهم ومقابرنا ؟؟ -المقابر المَشَاهد-cimetières paysage نم
...
-
ظاهرة التطوع لنشر حب المطالعة وثقافتها..
-
شياطين الإنس أشد ضررا من مردة الجن ..
-
على هامش تكريم مولاي مسعود
-
رحيل نقابي متميز ..
-
الجنين إلى الطفولة !!
المزيد.....
-
غموض شديد يحيط بلقاء نادر جمع مبعوث ماكرون وفريق المترشح الر
...
-
الأردن.. جماعة الإخوان تتبنى -عملية البحر الميت-
-
أنا البندورة الحمرا ?? .. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القم
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية ينعى الشهيد السنوار ويؤكد أن المقا
...
-
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ينعى الشهيد يحيى السنوار ويؤكد
...
-
الاحتلال يقيد وصول المصلين إلى المسجد الأقصى
-
مفهوم الحرية الإسلامية تحت المجهر.. جدل متزايد وتحديات معاصر
...
-
نزلها “من هنا” تردد قناة طيور الجنة بعد التحديث على القمر ال
...
-
وزير خارجية كيان الاحتلال: غوتيريش يقود أجندة معادية لاسرائي
...
-
وزير خارجية كيان الاحتلال: غوتيريش يقود أجندة معادية لاسرائي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|