|
-ديمقراطية- بالعربي
عيسى ب. ربضي
الحوار المتمدن-العدد: 1348 - 2005 / 10 / 15 - 04:08
المحور:
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي
"ديمقراطية" بالعربي
لقد مضت عقود طويلة على تطوير الفلسفة الماركسية للفهم المادي الجدلي لدراسة التطور التاريخي، وتحليل النظم الاجتماعية – الاقتصادية الضابطة لهذا التطور. ومع مرور هذه العقود الطويلة وبالرغم من "انهيار" النموذج الاشتراكي مثل قطع الدومينو وما تركه من "ردّة" بين صفوف المتأشركين، إلا أن احد لا يستطيع أن ينكر أن التحليل العلمي لطبيعة أنماط الإنتاج وارتباطها بالتطور الاجتماعي – الاقتصادي ما زال حتى اليوم من أفضل التحليلات التي تحاكي العقل البشري. لقد تميز المجتمع المحكوم رأسماليا والذي تربطه علاقات ما يسمى بالسوق الحر – هو اقرب ما يكون في الغابة الحرة – تميز بأنماط محدودة من العلاقات الاجتماعية والتي حملت أسماء وألقابا وتصنيفات جميلة مثل الديمقراطية والحكم الصالح وفصل السلطات...الخ. على جمال هذه المصطلحات وعلى الرغم من تشدّق الكثيرين بإتباعها وتسّتر الكثيرين بها، إلا أنها لا تكاد تعدو أكثر من قشرة صدئة تغطي عورات أصحابها باستحياء. في هذه العجالة أجد نفسي ملزماً بوضع ملاحظات حول ديمقراطية الممارسة في العالم وممارسة الديمقراطية في العالم العربي. اولاً: مفهوم الديمقراطية يداعب مشاعر وأحلام البشر الطامحين لان يكون لهم دوراً في صناعة القرار ويعطيهم آملا كاذباً في إمكانية الثراء للجميع تحت شعار الفرص المتكافئة. والحقيقة أن هذه الفرص مقتصرة على نسبة قليلة جداً من المتصارعين على السلطة والنفوذ والموارد وبعض "المحظوظين" مما يشاركون بسحب اليانصيب!!! أن الديمقراطية بتعريفها هذا تشكل مثالاً رائعاً للتركيبة الاجتماعية – الاقتصادية الرأسمالية من حيث كونها تلعب دوراً مخدراً لملايين المضطهدين بفتحها صناديق الاقتراع للتنافس بين الأحزاب اليمينية والرأسمالية والأكثر يمينية ورأسمالية، بينما تقوم بقمع الأحزاب والتوجهات الفكرية اليسارية والتقدمية ولا تعطها الفرصة للنمو وتحاربها بكل قوتها مستغلة المنابر العامة من كنائس ومساجد ومؤسسات حكومية وخلافه. ثانياً: أن الديمقراطية التي تمارسها الدول الرأسمالية المعروفة باسم "الدول الديمقراطية" تنهار تماماً أمام أي ضغط خارجي و/أو داخلي حتى ولو كان "ديمقراطياً". فالديمقراطية الأمريكية الشهيرة (على طريقة الدجاج الأمريكي الشهير نفسها) والحريات الفردية سقطت حال سقوط أبراج التجارة العالمية في الحادي عشر من أيلول، وأظهرت الرأسمالية الديمقراطية – الأمريكية مخالبها لتنهش بأجساد الفقراء في العالم بما فيها أمريكا نفسها. ولا تختلف الحكاية عندما ينتخب الشعب الإيراني رئيسه الجديد بطريقة النظام الديمقراطي نفسه ولا تعترف أمريكا بهذا النظام الديمقراطي ولا تعترف بنتائج إرادة الشعب التي تحرص الولايات المتحدة على الدفاع عنها رغماً عن الشعب من منطلق أن الشعب الإيراني لم يصل لمرتبة الشعب الأمريكي ولا يدرك ما هي مصالحه!!! وكذا الأمر في فنزويلا وكوبا والصين وكوريا ... الخ، فالشعوب حسب التصنيف الديمقراطي يتم ايضاً تصنيفها الى نخٌب تتقدمها الشعوب الأمريكية والأوروبية، ويتقدم الجنس الأبيض على الأسود والقوقازي والرجل على المرأة والغني على الفقير. باختصار ديمقراطية حسب الرغبة والطلب. ثالثاً: "العالم العربي" لا احد يعترف بهذا العالم وجميع من لا يعترفون بوجود هذا العالم محقين. فعن أي عالم نتحدث ونحن نعيش في ظل أكثر من عشرين نظاماً متشرذماً تحارب بعضها البعض كما الجرذان حول جيفة. أكثر من عشرين مساحة جغرافية تسمى دولة يمتصها كما الوطواط بضع عشرات من المرتزقة وكلٌ يسعى لحماية كرسيه وتوطيد عرشه بشتى الوسائل. عن أي عالم عربي نتحدث ولا يجمع بين سكانها لا دين ولا رابط قومي ولا لغوي ولا اقتصادي ولا جغرافي ... ولا حتى تاريخي. فمن يتربعون على عرش الإفتاء في الدولة العربية ينطلقون من نفس العقيدة الدينية حين يحّلل بعضهم بعض ما يحرمّ الأخر كما حصل بحرب الخليج الأولى حين حللّ بعضهم قتل المسلم للمسلم باسم تحرير مسلم آخر بينما حرّم آخرون هذا القتال. ومن يتحدث العربية باللهجة المصرية لا يمكنه فهم العربية باللهجة الليبية بل أن العربية في نفس الدولة الواحدة أصبحت أجزاء مجزئة يكاد أهل الجنوب لا يفهمون لهجة أهل الشمال. أن الأنظمة الدكتاتورية في ما يسمى بالعالم العربي ما هي إلا وليدة مصالح رأسمالية غربية، وستبقى هذه الأنظمة على عروشها إلا إذا غضب منها الغول الأمريكي الرأسمالي وحينها ستكون عرضة للاحتلال والضرب والاستبدال بدمية جديدة مثلما نرى في العراق وأفغانستان. قد يستاء البعض لأني لم اذكر إمكانية استبدال الأنظمة المستبدة بأنظمة أخرى من قبل الشعب العربي نفسه. والحقيقة أني من اشد المؤمنين بحتمية تحرك هذا الشعب وسعيه نحو التغيير لكني مقتنع تماماً بان تحقيق التغيير يتطلب قيادة ثورية قادرة على قيادة الشعب العربي نحو التغيير الحقيقي، هذه القيادة هي حقيقة ما ينقص معادلة التغيير هذه وبغض النظر عن السبب لعدم نمو وتطور مثل هذه القيادة يبقى المهم الآثار السلبية التي يخلفها غيابها عن الفعل الثوري في "الإقطاعيات" العربية من جهة وانعدام التنسيق بين الأحزاب والحركات الثورية العربية المقسمة جغرافياً وعشائرياً وطائفياً وعقائدياً من جهة أخرى. أن الحديث عن "ديمقراطية" في العالم العربي أشبه بتعبئة الهواء في زجاجات فاخرة وبيعها بثمن باهظ في السوق العربي المعروف باستهلاكه للخبز والفكر، فالشعب الذي لا ينتج خبزاً ولا فكراً يضطر لان يستهلك خبز وفكر الآخرين وألا ماذا يفسر احتلال مطاعم الوجبات السريعة لوطننا ومفاهيم دمقرطة الاستبداد بدل نزعه لعقولنا والدعايات لأمريكا لفضائياتنا حتى أصبح الواحد فينا لا يحمل في الداخل ضده كما يقول شاعرنا الكبير مظفر النواب بل أصبح ضده هو كل المتبقي منه. أن التغيير الحقيقي لا يكمن إلا بالتغيير الجذري، على أهمية الإصلاحات السياسية والمالية والإدارية التي تضطر لها بعض الأنظمة بين الفينة والأخرى، إلا أن فهمنا لطبيعة التركيبة الاجتماعية – الاقتصادية لهذه الأنظمة – بالرغم من تشوهها الخلقي العميق – والدروس المستقاة من التاريخ المعاصر محلياً وعالمياً يساعدنا على تعلم الدرس الذي دفع ملايين البشر ثمنه دماً. أنه لا مجال للحديث عن تغيير جذري نحو حكم الشعب حقيقة إلا بتغيير الأنظمة الموجودة ولا أقصد فقط تغيير الأشخاص بل أيضاً تغيير أنماط وعلاقات الإنتاج السائدة واستبدالها بأنماط وعلاقات تلبي الاحتياج الحقيقي للشعب العربي وتساعده على استثمار ثرواته وإعادة توزيعها لتحقق الرخاء والازدهار للقطاع الأوسع من الشعب. بغض النظر عن الاسم الذي نطلقه عليها، فالديمقراطية التي تخدم الشعب وتعزز حقه بثرواته وتعيد بناء أنماطه وعلاقاته الاجتماعية هي الديمقراطية التي نبحث عنها ونسعى لها. عيسى ب. ربضي باحث ومدير مركز زينة لأطفال مرضى السرطان - القدس. فلسطين
#عيسى_ب._ربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من اجل التكامل بين الوطني والتنموي: المطلوب رؤية تنموية استر
...
-
تهافت التهافت
المزيد.....
-
-أرض العجائب الشتوية-.. قرية ساحرة مصنوعة من كعكة الزنجبيل س
...
-
فيديو يظهر ضباط شرطة يجثون فوق فتاة ويضربونها في الشارع بأمر
...
-
الخارجية اليمنية: نعتزم إعادة فتح سفارتنا في دمشق
-
تصفية سائق هارب اقتحم مركزا تجاريا في تكساس (فيديو)
-
مقتل 4 أشخاص بحادث تحطم مروحية تابعة لوزارة الصحة التركية جن
...
-
-فيلت أم زونتاغ-: الاتحاد الأوروبي يخطط لتبنّي حزمة العقوبات
...
-
مقتل عنصر أمن فلسطيني وإصابة اثنين آخرين بإطلاق للنار في جني
...
-
بعد وصفه ضرباتها بـ-الوحشية-... إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب
...
-
أكاديمي إسرائيلي: بلدنا متغطرس لا تضاهيه إلا أثينا القديمة
-
كيف احتمى نازحون بجبل مرة في دارفور؟
المزيد.....
-
الديمقراطية وألأصلاح ألسياسي في العالم العربي
/ علي عبد الواحد محمد
-
-الديمقراطية بين الادعاءات والوقائع
/ منصور حكمت
-
الديموقراطية و الإصلاح السياسي في العالم العربي
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|