|
الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي
عادل حبه
الحوار المتمدن-العدد: 1348 - 2005 / 10 / 15 - 08:16
المحور:
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي
وجه موقع " الحوار المتمدن"عدداً من الاسئلة تتعلق بقضية الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي. وسأحاول في هذا الحيز ابداء الرأي وتقديم قدر من الاجوبة على الاسئلة الخمس التي طرحها المسؤولون عن هذا الموقع. في البداية لا بد من الاشارة الى ان البشرية تعيش في كوكب محدود هو كوكب الارض الذي تحول بشكل سريع الى "قرية كبيرة" اثر التقدم العلمي والمعلوماتي الجارف الذي ساد هذاالكوكب خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة. ومن هذا المنطلق فان الانسان بل والمجتمعات القائمة على هذا الكوكب تؤثر وتتأثر بما يجري من تطورات اجتماعية واقتصادية وفكرية ومحن وكوارث وازمات تحدث هناوهناك. فلم يعد بالامكان على اي مجتمع التقوقع بدعوى الحفاظ على الخصوصية او الوقوف بوجه ما يسمونه بالغزو الثقافي. وهذه الظاهرة ليست بالجديدة على التاريخ الانساني، فالحضارة العربية الاسلامية انتشرت سواء بالسيف او بالاسلوب السلمي نتيجة لتطورها وتفوقها واستعداد الكثير من المجتمعات الاخرى الاخذ بمعالم الحضارة الجديدة وثقافتها لانطباقها مع مصالحها بالذات. وهكذا اسست الحضارة الاسلامية خلال قرون عديدة حضارة انضم اليها علماء وفلاسفة ومبدعون وشعراء من كل الاقوام. فابن سينا الخوارزمي والرازي من بلاد فارس وابو الحسن زرياب من بلاد فارس وابن الهيثم والمتنبي والفراهيدي من العراق وابن خلدون التونسي والقائمة تطول لتشمل شعراء فرس وآذريون وروم تغنوا بلغة الضد عند كتابة شعرهم. كما ان التأثير الخارجي ولو كان عدواناً يترك آثاراً ايجابية على وعي وتطور المجتمعات التي تتعرض للغزو. لنأخذ الغزو البونابرتي لروسيا القيصرية في بداية القرن التاسع عشر والذي تم بذريعة نشر افكار الثورة الفرنسية في روسيا الهمجية. فاياًً كان تقييمنا السلبي لهذا الغزو الا انه لعب دوراً في اخراج الروس من سبات عميق فرضته القيصرية. واثر الغزو بدأت عملية تحرير الفلاحين الاقنان الروس تدريجياً من حالة العبودية لارباب الارض. وكان من نتائج هذا الغزو مباشرة قيام حركة الديسمبريين التنويرية وانتعاش لا مثيل له في العلوم والفنون والموسيقى والرقص والادب في بلد كان يعيش حالة من التجهيل المفرط. ونفس الامر في مصر حيث اشاع الغزو البونارتي لمصر ثقافة القانون والدستور وفتحت الابواب على مصراعيها لفك رموز تاريخ مصر العريق واثر في انتعاش حركة التنوير والبناء الحضاري لمصر. بالطبع انني لست مع تبرير الغزو، ولكن للغزو بغض النظر عن ارادة الغزاة وجه آخر ايجابي ينبغي النظر اليه. ومن هذا المنطلق انظر الى الدعوات الامريكية في نشر الديمقراطية في العالم بغض النظر عن دوافعها امريكياً. فهذه الدعوات تزامنت مع ارداة الناس في بلدان اوربا الشرقية التي كانت تطالب بوضع حد لنظام الحزب الواحد وازالة فساد هذا النوع من الحكم وممارسة الشعب لحقوقة الديمقراطية ومشاركته في رسم سياسة حكومته على مختلف الصعد وبشكل يضع حد لاحتكار السلطة. إن هذه الدعوات شئنا ام ابينا تحد وتوقف عملينة مشينة تتمثل في اطلاق عبارات على الدولة بما يعني تغييب الشعب مثل "عراق صدام" و "سوريا الاسد" ومصر مبارك" و"ليبيا القذافي" وقبل ذاك مصر السادات ومصر عبد الناصر. ان هذه البلدان ليست ملكأ لشخص بل للشعوب. واياً كان رأينا في العامل الخارجي بكل اشكاله الا ان له تأثير ايجابي في تطوير معالم يطالب بها الشعب وخاصة عندما يأتي هذا الضغط من قوة خارجية لها باع الآن في تكوين الحضارة وتطورها وليست لها باع في التخلف والتراجع كماتم على يد الغزاة المغول والعثمانيين المتخلفين ومن لف لفهم. كما ان العامل الخارجي، مهما تجبر، لا يستطيع الوقوف بوجه عملية موضوعية وهي المسيرة الديمقراطية ومطالب الشعوب في تأمين هذه الحريات. لننظر الى سياسة الولايات المتحدة في الخمسينيات حيث دعمت الانظمة الديكتاتورية في عهد الحرب الباردة في بلدان مثل كوريا الجنوبية وبلدان النمور الاسيوية وامريكا اللاتينية الا انها ايقنت ان لا مجال للاستقرار دون احترام صناديق الاقتراع. ان تصريحات كارتر حول حقوق الانسان عام 1978 -1979 لعبت دوراً في دفع الثورة الايرانية من اجل الاطاحة بالاستبداد الشاهنشاهي. اذن ان هذه العملية ليست منة من بوش ولا كلينتون ولا غيرهم بل هي تزامنت مع امال شعبية. كما يجب ان لا يخيفنا مجئ قوى اسلامية عبر العملية الديمقراطية الجارية تبعاً لذلك. فان القوى الدينية اذا ما استأثرت واستبدت بالسلطة فستجد نفسها في نفس مستنقع ومصير صدام وشاه ايران وهتلر وموسليني وتنعزل عن القوى التي انتخبتها وعن العالم تماماً كما يحدث الان للنظام الاستبدادي الديني في ايران. وسوف لا يفلح من يفكر من الحركات الدينية في العراق بفرض الاستبداد الديني لاسباب خارج نطاق بحثنا. ان البعض من "مثقفي" الحكام العرب يلوحون سلباً بالعامل الخارجي لدوافع نفعية وانتهازية وليس غيرة على السيادة المنتهكة اصلاً في ظل الانظمة المتفننة في الاستبداد في البلدان العربية وللاسف. بالطبع هناك تباين وانقسام واضح بين مختلف التيارات السياسية حول دعوات الديمقراطية الآن. وعلى الرغم من ان هذه الدعوات التي تشجع من الخارج وبالذات من الولايات المتحدة وحلفائها الا انها قد بدأت تعطي ثمار غير قليلة في نقل افغانستان من دولة "طالبان"الغارقة في الظلامية الى دولة تجري فيها انتخابات وينتخب اعضاء مختلف الهيئات التشريعية ورئيس الجمهورية. كما اننا نشير ايضاً الى التجربة العراقية حيث جرت اكثر من عملية انتخابية وتوفرت اكبر الفرص للتعبير وخاصة لازلام صدام وتم تدوين دستور للبلاد. وما حمامات الدم التي نشهدها ويذهب ضحيتها ابناؤنا وبناتنا واطفالنا الا وسيلة لوقف العملية السياسية وليس لها اية علاقة بوجود القوات المتعددة الجنسيات. كما ينبغي ان ننظر الى ذلك التغيير المحدود الذي طرأ على النظام السياسي المصري واللبناني وحتى ملامح من التغيير في السعودية ودول الخليج وبعض الدول العربية الذي ما كان له ان يحدث الا بفعل تأثير معين من الخارج، وهو الى جانب ذلك تعبير عن مطلب شعبي ولا يخلو من ضغوط خارجية وتداعيات لغزو الولايات المتحدة للعراق. فالحكام العرب لا يستجيبون لارادة شعوبهم بل يستجيبون "للهراوة" من الخارج. وهنا فإن من واجب قوى التقدم والتنوير او ما يطلق عليها باليسار في العالم العربي ان تطرح برامجها ايضاً ولا تكتفي بالنقد والتأوه. فالابواب تفتح امامها بعد ان كانت موصدة من اجل تنظيم حملة لتحرير سجناء الرأي في العالم العربي وما أكثرهم وازالة الاوضاع الاستثنائية واقامة دولة القانون. كما عليها ان تطرح برنامجاً واقعياً لتنمية البلاد تشارك فيها كل القطاعات الاقتصادية بحيث يجري توفير التطور الاقتصادي الى جانب خوض نضال سياسي اجتماعي نشيط لتوفير ظروف معيشية انسانية للشغيلة ولذوي الدخل المحدود دون سحقها تحت عجلة التنمية. نعم ان وجود نظام ديمقراطي يوفر للشعب انتخاب حكومته ويتيح له ابداء الرأي في عملية التنمية ويؤسس دولة القانون ويعطي للشعب الحق في محاسبة حكومته او المفسدين والمتلاعبين بقوقه ويوفر للعمال والفلاحين وذوي الدخل المحدود فرصة النضال من اجل مطاليبهم دون قمعها بهراوات رجال الامن والمخابرات، فمثل هذا النظام سيوفرالفرصة لازدهار البلاد ويشعر المواطن ان هذا البلد بلده وعليه بنائه وحمايته لا ان يتركة فريسة للغزو. ان مثل هذا النظام سيمنع اي حزب او اي رئيس جمهورية او اي ملك من التجبر والاستبداد والعبث بثروات الشعب. ففي غالبية الانظمة العربية ان لم يكن جميها لا يعرف المواطن كيف تصرف اموال الشعب ولا يقدم للشعب فاتورة بالمصروفات ولا بالتلاعب بأمواله. اما السؤال عن الموقف من الحركات الاسلامية التي تصل الى السلطة عبر الانتخابات وصناديق فالامر يعتمد بالدرجة الاولى على مدى احترام هذه الحركات للدستور والعملية الديمقراطية وتداول السلطة. فهناك العديد من رجال الدين العراقيين وحتى من آيات الله، ومنهم المرحوم آية الله سيد ابو الحسن الاصفهاني، كانوا يطالبون في عهود سابقة والى الآن بضرورة فصل الدين عن السياسة وعدم تدخل رجال الدين في السياسة وضرورة عودتهم الى جوامعهم وحسينياتهم وتكاياهم وكنائسهم. وهو ما يرفضه البعض ويتبعون نهج اقرانهم في ايران لفرض استبداد ديني يتستر بولاية الفقيه. وهناك تيارات دينية اجرامية تنهج نهج "طالبان" وتوجيهات بالقتل من ابن لادن، فأمرهم لا يحتاج الى تعليق فهم يعتبرون الديمقراطية ضرباً من الكفر وعليهم قمع كل شعب يطالب بها كما يقومون به في العراق الآن. وهناك حركات دينية، كما هو الحال في حزب الفضيلو التركي، ممن يلتزم بمبادئ الديمقراطية ويحترم العملية السياسية. فالموقف اذن سيكون تبعاً لسلوك هذ الحركات الدينية التي آمل ان لا تمزج السياسة مع الدين ولا الطائفية مع العمل السياسي لكي نجنب شعوبنا المزالق والمخاطر والاحتراب. على هذه الحركات انن تتعض من مصير ربط الدين بالسياسة ومصير الاحزاب الدينية في بلدان ديمقراطية قطعت شوقاً في تجربتها واقصد الدول الاوربية. ان تعكز بعض الحكام العرب وحتى بعض "وعاض سلاطينهم" حول الخصوصية في بلداننا وتأكيدهم على ضرورة التريث في الاصلاح السياسي لا يعني الا امر واحد ووحيد وهو الاصرار على مسيرة الفساد السياسي والاداري ونهب اموال الشعب بدون اية رقيب او حسيب وتجاهل الشعب وحرياته الاساسية والتنكر لتواقيع حكوماتنا على المواثيق الدولية لحقوق البشر والمزيد من الصرف على اجهزة المخابرات والامن والسجون والمزيد من البطش وهو ما يدفع بلداننا الى مآزق يصعب تصورها. ان بلداننا موطن اول التشريعات البشرية وقوانين ادارة الدولة فهل ان ازالة الاستبداد والسير على سكة الاصلاحات هو تجاهل لخصوصياتنا؟ انه لتخريف بل واكثر من تخريف. [email protected]
#عادل_حبه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تمهد القائمة الشيعية لعودة ايتام صدام حسين
-
هل هي مسودة واحدة ام مسودتان للدستور؟
-
على هامش الاعداد للدستور أهي أزمة معرفية أم ازمة مسميات في ا
...
-
اقطاب التيار الديني السياسي الشيعي يقعون في مأزق اقرانهم الا
...
-
على هامش نتائج انتخابات الرئاسة الايرانية فن تزوير ارادة خلق
...
-
الاسئلة المطروحة تغطي فضاءً واسعاً من الموضوعات
-
هل هو تمهيد لفرض- ولاية الفقيه- على العراقيين؟
-
محاولات يائسة لاعادة عجلة التاريخ الى الوراء
-
قراءة في مأساة الأحد الدامي
-
فعلاً إنه لأمر يثير الإستغراب والعجب
-
هل يعتذر الجناة للشعب العراقي و عوا ئل الالاف المؤلفة من الض
...
-
لقد أخطأت الحساب ايها - الجنرال -
-
تباً ولعنة على أدعياء -المقاومة- الاشرار
-
انقذوا بغداد الحبيبة
-
هل هي عودة الى الصفحة الاولى من الجريمة؟
-
خرافة ما يسمى بالمقاومة العراقية
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
الديمقراطية وألأصلاح ألسياسي في العالم العربي
/ علي عبد الواحد محمد
-
-الديمقراطية بين الادعاءات والوقائع
/ منصور حكمت
-
الديموقراطية و الإصلاح السياسي في العالم العربي
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|