|
العدل الركيزة الأساسية لوحدة الجنس البشري2-2
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 4890 - 2015 / 8 / 8 - 19:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا يتكون المجتمع الإنسانى من مجرد مجموعات من الخلايا المختلفة بل من أفراد رفقاء متزاملين أوتى كل منهم العقل والإرادة. إن طريقة عمل الطبيعة البيولوجية للإنسان توضح مبادئ الوجود الأساسية وأهمها الوحدة فى التنوع فرغم المفارقة الظاهرية إلا أن كمال وتعقيد مكونات الجسم البشرى وتناسق أداء وتكامل خلاياه هو الذى يؤدى إلى تحقيق التمييز بين القدرات الخاصة بكل من تلك العناصر المؤتلفة. لا تعيش الخلية بمعزل عن الجسم فهى تشارك فى فعالياته وتستمد بقاءها من بقائه. والسعادة الجسمانية التى تحدث بهذه الكيفية تحقق الهدف المنشود من ورائها بالتمكين من التعبير عن الشعور والإدراك الإنسانى. أى بمعنى آخر إن الهدف والغرض من التنمية البيولوجية اسمى من مجرد وجود وبقاء الجسم وأجزائه. ما ينطبق على حياة الفرد له ما يوازيه فى المجتمع الإنسانى. الجنس البشرى عضو متكامل يأتى على رأس عملية النشوء والترقى. إن حقيقة أن المشاعر الإنسانية تعمل عن طريق تنوع غير محدود لعقول الأفراد ودوافعهم لا تتناقض بأى حال من الأحوال مع اتحادها الحتمى. بل وفى واقع الأمر التنوع من الصفات والخصائص اللازمة التى تجعل التمييز بين الوحدة والتجانس والتماثل ممكناً. وبما أن جسم الإنسان وحدة واحدة لا تتجزأ فإن كل فرد أمانة فى عنق المجتمع. وهذه الوصاية أى وصاية المجتمع على الفرد - هى الأساس الأخلاقى لمعظم حقوق الإنسان الأخرى ذات الطابع الاقتصادى والاجتماعى والتى تحاول آلية الأمم المتحدة تحديدها وتعريفها. مفردات هذه الوصاية تضمن الأمان وتأمين المأوى للأسرة، الملكية الفردية واحترام الخصوصيات بل إن الواجبات الملقاة على عاتق المجتمع تمتد لتشمل توفير العمل، الرعاية الصحية، النفسية منها و الجسمانية، الضمان الاجتماعى، الأجور العادلة، توفير سبل الراحة والاستجمام وغيرها الكثير من التطلعات المعقولة والمعتدلة التى يصبو إليها أفراد المجتمع. إن مبدأ الوصاية الجماعية يعطى الحق لكل شخص فى أن يتطلع إلى الحماية بالقانون القومى والدولى وتهيأ له الظروف الثقافية والتثقيفية اللازمة لبلورة ذاتيته. إن الثروة الضخمة من التنوع الثقافى التى تراكمت عبر آلاف السنين مهمة وحيوية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للجنس البشرى خاصةً وهو مقدم على مشارف عصر وحدته ومثلها كمثل ما تلعبه مجموعة الجينات (الأجزاء الضئيلة من الكروموزوم التى تحدد الصفات الوراثية والنوعية ) من دور فى الحياة البيولوجية للإنسان والبيئة المحيطة به، فهى بمثابة التراث والإرث الذى يجب أن تتاح له الفرصة ليؤتى أكله فى كنف مدنية عالمية. يحتاج التنوع الثقافى إلى الحماية من أن يختنق بالمؤثرات المادية المهيمنة فى الوقت الحاضر، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يجب تمكين الثقافات المختلفة من التفاعل والتداخل والترابط مع بعضها البعض فى أنماط متجددة دوماً من المدنية وخالية من التلاعب والغش لتحقيق أغراض سياسية. ويجب أن يكون العدل هو محور الدساتير.
فالعدل هو القوة الوحيدة القادرة على ترجمة الوعى والشعور المتنامى بوحدة العالم الإنسانى إلى إرادة جماعية تقيم بكل ثقة البيئة اللازمة لحياة مجتمع عالمى. فى هذا العصر الذى تزداد فيه وسائل الحصول على المعلومات والأفكار من كل نوع سيفرض العدل نفسه كمبدأ أساسى لنظام اجتماعى سليم . سيرتفع وبخطى متسارعة التصورات والمقترحات الهادفة إلى تنمية كوكب الأرض إلى المستويات السامية التى تتطلبها مثل هذه التنمية. فالعدل على مستوى الفرد هو تلك الملكة والقدرة للروح الإنسانية التى تمكن الفرد من التمييز بين الحق والباطل. وعلى المستوى الجماعى فإن تطبيق العدل والأخذ بمقتضياته يمثل ميزاناً لا غنى عنه عند اتخاذ القرارات الجماعية. والعدل هو الوسيلة الوحيدة التى تحقق وحدة الفكر و العقل . لتقدم البشرية بعيداً عن الروح التأديبية التى كثيراً ما تسترت تحت عباءة العدل فى العصور الماضية، فإنه - أى العدل - هو التعبير العملى عن الوعى بأن مصالح الفرد والمجتمع مرتبطة ارتباطاً وثيقاً لا يمكن الفصل بينهما. بالقدر الذى يُعيرُ فيه الناس اهتماماً للعدل وتطبيقه فى معاملاتهم، يتهيأ المناخ الملائم للتشاور الذى يفسح المجال لطرح الخيارات والنظر فيها بنزاهة ومن غير محاباة حتى يتوصلوا إلى اختيار القرارات والإجراءات السليمة. فى مناخ ملائم كهذا تقل فرصة الميول نحو الغش والتلاعب والتحيز والمحاباة ولا تؤثر فى عملية اتخاذ القرارات السليمة . بما أن مضمون التنمية الاجتماعية والاقتصادية عميق وبليغ فإن الاهتمام بتطبيق العدل يحمى مهمة تعيين وتحديد مسار التقدم من الأطماع وإهدار مصالح وخير عموم البشر بل والكرة الأرضية كلها لصالح قلة تنعم بما يوفره التقدم التكنولوجى من ميزات و إمكانات. بالعدل فى التخطيط والتصميم يمكن ضمان أن الموارد المحدودة لن توجه لخدمة مشاريع غريبة لا صلة لها بأولويات المجتمع الاجتماعية والاقتصادية الضرورية . فوق كل ذلك فإن جموع البشرية والتى على عاتقها يقع التنفيذ لن تلتزم إلا بتلك البرامج التنموية التى تشعر بأنها عادلة ومنصفة فى أهدافها ومراميها وتلبى احتياجاتها. وعندما تشعر وتثق كل مجموعة وكل فرد بأن هنالك قيم تحميه وتضمن للجميع عدالة الاستفادة من المنافع والموارد. ستنطلق وتتفجر الطاقات والقيم الإنسانية الكامنة فيه كالأمانة والرغبة فى العمل والإقبال عليه وروح التعاون بل وتُسَخَّرُ لتحقيق أهداف جماعية ضخمة وكبيرة.
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العدل الركيزة الأساسية لوحدة الجنس البشري1-2
-
مزج الماديات بالروحانيات لخلق المدنية الإلهية2-2
-
مزج الماديات بالروحانيات لخلق المدنية الإلهية1-2
-
الميزان الصحيح لإدراك حقائق الأشياء
-
لكل أمةٍ أجل ولكل أجلٍ كتاب (7-7) -عبدالبهاء -
-
لكل أمةٍ أجل ولكل أجلٍ كتاب (6-7) - - بهاءالله -
-
لكل أمةٍ أجل ولكل أجلٍ كتاب (5-7)- - الباب -
-
لكل أمةٍ أجل ولكل أجلٍ كتاب (4-7)- بين القرن التاسع عشر والع
...
-
لكل أمةٍ أجل ولكل أجلٍ كتاب (3-7)
-
لكل أمةٍ أجل ولكل أجلٍ كتاب (2-7) - بشارة يوم الله في كتب ال
...
-
لكل أمةٍ أجل ولكل أجلٍ كتاب (1-7)
-
المرأة والرجل: شراكة من أجل كوكب سليم
-
المعجزات ونظرة على بعض القصص القرآنية6-6
-
المعجزات ونظرة على بعض القصص القرآنية5-6
-
المعجزات ونظرة على بعض القصص القرآنية4-6
-
المعجزات ونظرة على بعض القصص القرآنية3-6
-
المعجزات ونظرة على بعض القصص القرآنية2-6
-
المعجزات ونظرة على بعض القصص القرآنية1-6
-
وقوع دارون في شَرَك أن الإنسان أصله قرد!2-2
-
وقوع دارون في شَرَك أن الإنسان أصله قرد!1-2
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|