|
الإصلاح السياسي لا يتأتى إلا بالوعي الديموقراطي
التجاني بولعوالي
مفكر وباحث
(Tijani Boulaouali)
الحوار المتمدن-العدد: 1348 - 2005 / 10 / 15 - 03:55
المحور:
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي
س- هل ان الضغوط الخارجية قادرة على اقامة انظمة ديمقراطية في العالم العربي، وهل يمكن ان يعد المشروع الامريكي في العراق من دعائم اقامة الانظمة الديمقراطية خصوصا وان احدى نتائجه كانت كتابة دستور يؤسس لاقامة دولة دينية وحكم رجال الدين؟ ج- أعتقد أن الديمقراطية باعتبارها نظاما عادلا، يسعى إلى إقرار المساواة التامة في الحقوق والواجبات بين سائر شرائح المجتمع، ليست قارورة عطر أو برميل نفط أو طائرة أو..! يمكن استيرادها من الخارج، لما يحتاجها الداخل، وإنما هي سلوك ينبع من الذات ومن الداخل، وثقافة تنمو في الفرد وفي المجتمع، مما يجعلنا نعتبرها مكونا ذاتيا ثابتا، لا تقل جدواها عن الهوية والعقيدة واللغة وغير ذلك، إلا أننا جبلنا على التسليم المطلق بأن الديمقراطية باعتبارها نظاما عادلا، صناعة غربية حديثة، غير أن الحقيقة ليست كذلك، فالديمقراطية من حيث توخيها المساواة والعدالة ومنح الجميع حقوقهم المختلفة، هي نتاج إنساني لم تخل منه أي حقبة تاريخية، أما الديموقراطية من حيث تركيبتها المؤسساتية والقانونية فهي كذلك ليست صنيعا غربيا مائة بالمائة، بقدرما هي عصارة تجارب إنسانية متنوعة. على هذا الأساس النظري، إن التأسيس لنظام ديمقراطي متين لن يتم إلا باكتساب سائر مكونات الشعب للوعي اللازم الذي يؤهلها إلى أن تفكر وتتصرف بمنطق يخضع لمقياس الديمقراطية، فكرا ومنهجا، حقوقا وواجبات، أما أن تظل الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية والإسلامية والثالثية تتخبط في مستنقع الجهل والشعوذة والاضطهاد والصراعات الأهلية، ثم نتحدث عن مشروع ديمقراطي يأتي من الخارج، عن طواعية أو تحت الضغط، وما مدى نجاح إنزاله إلى واقع الأمر، فهذا ضرب من الوهم واللاواقعية، لأن هذه الشعوب المغلوبة على أمرها لا تفكر إلا بما تملك من إمكانات مادية ومعرفية، ومادام أنها لا تملك أصلا أي إمكانات، أو أنها نادرا ما تستفيد من إمكانات هزيلة، فالنتيجة المنطقية لذلك، أنها لن تستجيب لأي ديمقراطية أو إصلاح أو نهضة مستوردة من الخارج، ففاقد الشئ لا يعطيه! ثم وإن سلمنا جدلا بأن هناك فئات اجتماعية مؤهلة لأن تتقبل أي مشروع ديمقراطي، فهل سينجح ذلك تحت نير الأنظمة المستبدة التي تمزق كيان العالم العربي والإسلامي؟ بالطبع، لا! لذلك نخلص إلى أن الضغوط الخارجية غير قادرة على اقامة انظمة ديمقراطية في العالم العربي أو الإسلامي، فالمشروع الأمريكي في العراق، في حقيقة الأمر، هو مسخ للديمقراطية الغربية الحديثة، فلن يأتي بأي نتيجة مرضية، مادام بعد كل يوم جديد يزداد حجم رفض أغلب مكونات الشعب له، من هنا فلن تقام أنظمة ديمقراطية بالعالم العربي والإسلامي إلا بتحقيق أحد أمرين؛ إما تنازل الأنظمة عن غطرستها، وإشراك باقي فعاليات الشعب في العملية السياسية، وإما توعية الشعوب الحقيقية التي تجعلها في مستوى يؤهلها إلى التفكير في أمور كالنهضة والتغيير ونيل الحقوق وغير ذلك.
س- كيف تنظر قوى اليسار والتحرر الى ادعاءات الديمقراطية والاصلاح السياسي وكيف يمكنها ان تديم برامجها السياسية والاجتماعية خصوصا تلك المتعلقة باقامة دولة العدالة الاجتماعية والمساواة والرفاه في ظل الواقع الذي يحدثه صراع الانظمة الحاكمة مع دعوات الاصلاح والتغيير الخارجية؟
ج- في الحقيقة، أنا لست يساريا من حيث التوجه الفكري أو الأيديولوجي، ولكن تفكيري يتجاوب كثيرا مع مجموعات من الطروح اليسارية، التي أرى أنها، مبدئيا، تعبر بحق عن طموح ورغبة الطبقة التحتية، فهي تناضل على جبهتين: ففي الأولى تواجه فيها الطغمة الحاكمة، فاضحة استبدادها المقيت، وفي الثانية تنزل إلى أرض الواقع، لتتحدث بلسان حال الشعب، غير أن هذه الطروح سرعان ما تفقد مصداقيتها النضالية، بمجرد ما تتمكن القوى اليسارية من زمام الأمور، وخير مثال حي على ذلك، تجربة بعض ممثلي اليسار المغربي الذين امتد نضالهم ضد السلطة أكثر من نصف قرن، وفي آخر المطاف سلموا ثمار كفاحهم الطويل على طبق من ذهب إلى القصر! من هذا المنطلق، فالخلل لا يكمن في الفكر اليساري، وإنما في الكيفية التي يتم بها تعميمه وتنفيذه، وهي كيفية غالبا ما تنطلق من مبدأ نفي الآخر، وهي لا تعي بأن ذلك الآخر، كيفما كان، أساسي في اكتمال المعادلة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وإلا فإننا بنفيه سوف نفتح الباب على مصراعيه أمام الفكر الأحادي، الذي يختزل الوجود والحياة في بعد واحد! إن سائر القوى السياسية اليسارية وغير اليسارية داخل العالم العربي والإسلامي، المحرومة من حقها القانوني في تمثيل الشعب وخدمته، تجد نفسها اليوم تستنفد كل إمكاناتها في المحاربة على واجهات مختلفة، ومن دون نتائج ملموسة ترضي المواطن العادي، لذلك فهي مدعوة إلى التكتل الذاتي الداخلي، الذي يتخذ منحيين؛ أولهما توحيدي لكل أصوات وتوجهات اليسار نفسه، حتى تجتث كل جذور التشاقق التي تطفو على السطح، من فينة لأخرى، بين مكونات وقوى اليسار، وثانيهما تشاركي بين شتى التنظيمات والأحزاب السياسية التي التي تختلف مع التيارات اليسارية فكرا وتنظيما، لكنها كثيرا ما تأتلف معها قصدا ونضالا، لأنها كلها تتجانس من حيث رؤيتها الرافضة للطاغوت والاستبداد والانفراد بالحكم وغير ذلك، فبمجرد ما ينال اليسار ولو حظا بسيطا من ذلك التكتل الذاتي، يتمهد له الطريق اللاحب نحو تثبيت جانبا من مقومات فكره السياسية والنضالية والتنظيمية، أما أن يظل جميعنا متقوقعا على الأيديولوجية التي يومن بها، فهذا يعني تمكين الأنظمة الفاسدة والمتعفنة من الصيرورة في مواقع حكمها.
س- هل ان وجود نظام ديمقراطي يمكنه ان يحدث تغيرات عميقة في بنية التخلف الاجتماعي والثقافي والسياسي التي تعاني منها الدول العربية وهل يفسح المجال امام الارتقاء بحقوق الانسان وان يشيع مظاهرالرفاهية والتمدن ويحقق العدالة الاجتماعية؟ ج- هذا ممكن، بشرط أن يكون النظام الديموقراطي نابعا من وعي الشعوب واستجابتها الجادة والواقعية إلى ذلك، لأنه عن طريق وعي الشعوب الكافي بحقوقها وواجباتها، تتولد إليها الرغبة في تحصين وضعيتها الاجتماعية قانونيا ومعرفيا، فيكون من نتائج ذلك التحصين، حدوث التغيرات التلقائية على سائر الأصعدة الاجتماعية والثقافية والسياسية، فيتقلص حجم الجهل الذي ينيخ بكلكله على جسد المجتمع، فيرجع عقرب التخلف القهقرى، آنئذ نتمكن من معاينة تهاليل وأمارات العدالة والمدنية والرفاهية وهي تعترى قسمات الإنسان العربي والمسلم والجنوبي، وتزحف على سائر أنحاء البيئة التي يوجد فيها.
س- كيف يمكن التعامل مع التيارات الاسلامية التي يمكنها ان تصل الى الحكم من خلال صناديق الاقتراع؟ ج- لقد أشرت سابقا إلى مسألة التكتل الذاتي، أولا بين التيارات اليسارية نفسها، وثانيا بين التيارات الأخرى التي تقتسم معها المجال السياسي الذي تنتمي إليه، علمانية كانت أو إسلامية أو محايدة، وهذا هو عين الواقعية السياسية، لأنه إذا بقي بعض التيار اليساري يفتح على نفسه شتى جبهات التناحر الأيديولوجي مع الآخرين، سلطة كانوا أو إسلاميين أو غيرهما، فهذا يعني أنه يعزل نفسه عن الواقع الذي ينخرط فيه، فإذا ما افترضنا أن الإسلاميين وصلوا عن طريق الانتخابات إلى سدة الحكم، والخصومة بينهم وبين اليساريين على أشدها، فإن اليسار سيتعرض لا محالة للإقصاء والتهميش، أما إذا كانت العلاقة فيما بينهما متوازنة، ومبنية على الشراكة الواعية في جملة من القضايا النضالية والسياسية، فهذا سوف يؤدي، مما لا شك فيه، إلى تقوية شوكة المعارضة ضد النظام، وكلما تقوت تلك الشوكة، كلما مس السلطة الهزال والارتجاج.
س- كلما تم الحديث عن احداث الاصلاح السياسي في العالم العربي، فأن الانظمة الحاكمة تسارع لطرح خصوصية كل مجتمع. أوانها تطرح الاصلاح السياسي التدريجي . هل ان الحديث عن الخصوصية والاصلاح السياسي التدريجي يمتلك ارضية واقعية؟ ج- أصبحت هذه الظاهرة بمثابة (موضة!) الأنظمة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي، التي تقتات على سرقة الأفكار السياسية الجميلة والجذابة وتبنيها، لذلك نستجلي أنه كلما طرحت فكرة ما من قبل تيار معين، أو مثقف معروف، إلا وسارعت الأنظمة إلى سرقة تلك الفكرة، وتقديمها على مقاس فهمها (المخزني) والبوليسي إلى شعوبها، على أن قطار الإصلاح قد بدأ، وأن الديمقراطية سوف تعم بخيرها الجميع، وأن التعليم سوف يدخل كل بيت أمي، إلى آخر ذلك من الشعارات الرنانة، ثم إنها لا تنسى أبدا ربط تلك الأفكار بالسياق المكاني والزماني، عندما تضع في الحسبان طبيعة المجتمع الذي تجرى له عملية الإصلاح، فترى أن تلك العملية لن تنجح، إلا بالأداء التدريجي لمخططها الخماسي أو السداسي، وفي نيتها العميقة أن ذلك المخطط لن يستمر خمسة أو ستة أعوام، كما يتبادر إلى أذهان العوام والمثقفين، وإنما سوف يستغرق خمسة أو ستة عقود، وهذا ما حصل بالتأكيد، لدى أغلب تجارب الأنظمة العربية. ثم إن مسارعة الأنظمة الحاكمة، في الظرفية الراهنة، إلى تبني أفكار الإصلاح السياسي، لا يكون إلا تحت تأثيرات داخلية وخارجية، تنشأ من حين لآخر، وهي تأثيرات تخشى من أن تكون لها عواقب غير محمودة عليها، لذلك نراها، من جهة أولى، تجتهد في إطلاق مختلف مبادرات الإصلاح، ساعية بذلك إلى امتصاص تذمر شرائح المجتمع التي أضناها انتظار الإصلاح الذي يأتي ولا يأتي، ومن جهة أخرى ترمي بذلك إلى إقناع العالم الغربي بأنها على جادة الصواب، وأن الإصلاح مستمر في المجتمعات التي تحكمها، إلا أن ذلك لن يتأتى إلا بالتدرج ومراعاة خصوصية كل مجتمع مجتمع!
#التجاني_بولعوالي (هاشتاغ)
Tijani_Boulaouali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استغلال الأمازيغية من حيث هو اعتراف بها
-
حول المكسب العلمي الجديد/نموذج الجامعة الحرة بهولندا
-
(2) من السماء إلى الأرض
-
(1) من السماء إلى الأرض
-
مدينة الفراغ
-
الحماية الذاتية خير علاج للتهديدات الموجهة إلى المثقفين
-
المسلمون بالغرب في مواجهة العداء السياسي والإعلامي
-
معركة الحجاب أو حصان طروادة الأخير
-
! وطني الذي زارني في المنفى
-
اندماج المسلمين في الغرب بين الإمكان واللا إمكان
-
إنه الشعب الأهوازي المغوار
-
عن رسالة الشعر في زمن الماركوتينغ
-
تنمية الأمازيغية تبدأ من تنمية الإنسان الأمازيغي
-
المعهد الملكي للأمازيغية في مفترق الطرق
-
أمــــــــــــــــــــــــــاه
-
(*)البربر/الأمازيغ؛ ازدواجية التسمية ووحدة الأصل
-
أضغاث الوطن
-
هل المهاجرون المغاربة بإسبانيا ضحية الشراكة أم التبعية المغر
...
-
هل المهاجرون المغاربة بإسبانيا ضحية الشراكة أم التبعية المغر
...
-
هل المهاجرون المغاربة بإسبانيا ضحية الشراكة أم التبعية المغر
...
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
الديمقراطية وألأصلاح ألسياسي في العالم العربي
/ علي عبد الواحد محمد
-
-الديمقراطية بين الادعاءات والوقائع
/ منصور حكمت
-
الديموقراطية و الإصلاح السياسي في العالم العربي
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|