|
الوطنية وعلاقتها بالإرهاب
سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي
الحوار المتمدن-العدد: 4889 - 2015 / 8 / 7 - 18:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سؤال هام يخص موضوع الإرهاب
هل الوطنية هي من عناصر الدين؟
ولو كانت من عناصره فهل تعني المكانية أم العالمية؟
الإجابة ستُحدد مفهومك حول الإرهاب وإمكانية قبولك للسلوك العدواني أم لا..
بمعنى لو آمنت أن الوطنية عنصر ديني، وهي تعني (العالمية) فهذا إقرارً منك بظلم وتمييز الآخرين، بل وتقبلك أي سلوك عدواني ضدهم...لأن الوطنية في الأخير هي الرابط والمصلحة، وبها ستنظر لأي شخص مخالف -من أي مكان- على أنه عدو ومتآمر..
بمعنى آخر هو إفراز لما قلناه من قبل (لمشكلة الهوية)
لكن لو آمنت أن الوطنية هي عنصر ديني ولكنها تعني (المكانية) فهذا إقرار بحقوق الآخرين في العيش-من هم خارج المكان- وعدم تقبلك لأي عدوان ضدهم..
أما لو آمنت بأن الوطنية لا علاقة لها بالدين وأنها مجرد عنصر (دنيوي) فهو إيمان بأن المصلحة هي التي تحكم علاقتك سواء بالآخرين أو ممن يُشاركونك هذا الرابط والمصلحة..وهذا المعنى هو الذي يسود العالَم الآن.
بتوضيح أكثر
الرابط والمصلحة في الوطنية هي ..( الأمن - العقيدة الدينية -مقومات الحياة من طعام وشراب ومسكن وملبس - العادات والتقاليد)..فلو آمنت أن هذه الروابط هي حكر عليك وحدك..وأنها عنصر ديني وأنها تعني العالمية..فهو عدم اعتراف بعقائد وعادات وتقاليد الآخرين فضلاً عن عدم اعترافك بأمنهم..وهذه المشكلة غالباً هي السبب وراء الحروب، وهي الشريان الدائم المغذي للكراهية..
كافة الجماعات الدينية والفاشية والعنصرية هي تفهم الوطنية من هذا الإطار، وتُصيغه بمفاهيم وصيغ أخرى تخصهم وتميزهم عن الجماعات الأخرى، بمعنى أن الإخوان فهمت الوطنية من الدين ومن العالمية فخرج لديهم ما يُعرف (بأستاذية العالَم) أما القاعدة وداعش فهم يفهمون الوطنية كما يفهمها الإخوان ، لكن استبدلوا الأستاذية (بالخلافة والإمارة) رغم أن المعنى في الأخير واحد، أي أن الإخوان وداعش يؤمنون بمفهوم واحد للوطنية ونتيجة حتمية لها.
أما الصنف الثاني الذي يؤمن بأن الوطنية عنصر ديني لكن بمعنى (المكانية) فهم غالبية الشعوب العربية الآن، وساد هذا المفهوم منذ عشرات السنين بإعلاء النزعة القومية العربية، وحصر مفهوم الوطنية في كلمة (العرب) بعدما كانت في زمن الأتراك تعني (الإسلام).
توجد محاولات الآن لإحياء القومية العربية خصوصاً بعد شيوع الإنترنت وتواصل العرب بمعدلات أكبر من ذي قبل، لكن مع ذلك هي مجرد محاولات يائسة أصحابها مرضى باليوتوبيا والنوستالجيا المزمنة، فلا نجاح مؤكد لها ولا حتى شبه مؤكد، بيد أن العالم الآن تسوده القيم المادية الاستهلاكية، ويتجه بسرعة كبيرة لما أسميه (بالنزعة الذاتية) التي تحصر مفهوم الوطنية داخل الفرد، وما الإنترنت والمحمول وأدوات التواصل إلا أدوات تؤدي هذا الغرض بنجاح، والمؤكد أن هذا الاتجاه لا يدعم أي تجمعات أيدلوجية كالقومية العربية أو حتى الأسبانية والحبشية..!
أما الصنف الثالث فهو الذي لا يؤمن أن الوطنية عنصر ديني، بل هي شأن دنيوي متغير وليس ثابت من ثوابت الدين، ومن مظاهر شيوع هذا الصنف ما يُعرف (بالتجنيس) حيث يُصبح الباكستاني بحرانياً بمجرد بضعة آلاف من الريالات، والتجنيس كذلك هو قيمة مادية استهلاكية تشتري الولاءات بالأموال، أي أن التجنيس في الأخير أصبح وظيفة يقوم بها البعض لمجرد المنفعة، وهذا هو السهم الذي-بانتشاره-قضى على مفهوم الوطنية من جذوره.
غالباً الحضارة الغربية تفهم الوطنية من هذا الصنف، ويبدو أنها-أي الحضارة الغربية- لم تصل لهذا الفهم إلا بتجارب مؤلمة بدأت منذ عصر التنوير والثورة الفرنسية ثم تجددها مرة أخرى عام 1830 ثم الحربين العالميتين الأولى والثانية..كل هذا ساهم في إعادة صياغة معنى الوطنية في الثقافة الغربية.
ويبدو أن الغرب كان يفهم الوطنية في القرن التاسع عشر مثلما نفهمها الآن من (الدين والمكان) وهي الفكرة التي اقتبسها رفاعة الطهطاوي وترجمها في كتابه.."مقدمة وطنية مصرية"..وقال فيها شعراً..
لئن طلقت باريسا ثلاثة....فما هذا لغير وصال مصر
وشاع في مفهوم الطهطاوي أن.."حب الوطن من الإيمان"..وهو المعنى الذي يؤكد أن الوطنية في مفهوم الغرب حينها كانت .."عنصراً دينياً"..يفسر كثرة حروب الغرب في القرن التاسع عشر وما بعده..
أي أن ما يؤمن به العرب الآن من معنى الوطنية سبقهم فيها الغرب ولكن بتجارب علمية وعسكرية أدت لتطليقهم هذا المفهوم بالثلاثة، ولجأوا للاعتراف لأول مرة أن الوطنية شأن دنيوي عالمي ترجموه لاحقاً بتأسيس (عصبة الأمم) ثم وبعد فشلها أسسوا (مجلس الأمن والأمم المتحدة) والناظر لتكوين هذه المؤسسات يرى معايير اختيارها لا تقوم على أسس دينية أو عرقية أو لغوية، بل لا تقوم على أسس مكانية بحيث أن الاسترالي كالأفريقي كالأوربي كالأمريكي والأسيوي..الكل سواء أمام العالم وأمام القانون وأدواته الأمنية العالمية.
#سامح_عسكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صراع الضباع في عدن
-
الدعارة الطائفية وفساد رجال الدين..
-
بعد أربعة أشهر من العدوان السعودي على اليمن
-
وفاة عمر الشريف وهيولي أرسطو
-
تعالوا بنا نجرح مشاعر المسلمين..!
-
حرب اليمن وسوريا واغتيال النائب العام
-
لماذا الأزهر والسلفيون يتمسكون بالبخاري ؟
-
الوعظ الكاذب
-
القوى غير المرئية في عمليات التنوير
-
الموقف الذكوري من المرأة
-
خدعوك فقالوا الإسلام والعلمانية (3)
-
خدعوك فقالوا الإسلام والعلمانية (2)
-
خدعوك فقالوا الإسلام والعلمانية
-
الإسلام وضرورة التنوير
-
حقيقة نسب..(إذا صح الحديث فهو مذهبي)..للشافعي
-
ماذا بعد نهاية عاصفة الحزم ؟
-
الغزو المقدس..ورطة السعودية في اليمن
-
من مكاسب عاصفة الحزم
-
السيسي في تحالف المذاهب والجبناء
-
شعب مينستريم صحيح
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|