|
ليست حرية طالما ليست من اختيارنا
محمد عبد الخالق
الحوار المتمدن-العدد: 1348 - 2005 / 10 / 15 - 03:50
المحور:
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي
الحرية حلم راود الإنسان منذ وجوده على الأرض ولا نبالغ لو قلنا إنها أحد أسباب الهبوط إليها، وصدق من قال: "الحرية كلمة يتحدث عنها البشر وهم لا يعرفون أنها لا تأتى إلا من داخلهم".
وعبر التاريخ الطويل للإنسانية قامت نظم عديدة بتعدد مراحل التقدم والتطور التى مرت بها البشرية، وتغيرت هذه النظم وتطورت بقدر التغير والتطور الذى لحق بالمجتمعات وهذا ما يفسر اختلاف النظم بين مجتمع وآخر.
وعلى الرغم من هذا الاختلاف والتعددية فإن الديمقراطية (وهى اللفظ الذى اختزل معان عدة تتصل كلها بحرية الإنسان واحترامه وبقيم العدل والحق ... وغيرها) كانت وستظل المطلب الأساسى الذى بحثت عنه الشعوب على اختلاف درجات تقدمها وتطورها.
فمنذ المرحلة القبلية تمكن الإنسان من التوصل بفطرته إلى شكل من أشكال الحكم الديمقراطى وإن كان اللفظ ساعتها يشير إلى أبسط مما يشير إليه حالياً كثيراً فما يهمنا هنا الإشارة إلى شعور الإنسان بالحاجة إلى الحرية والعدل والحق والمساواة.
ومع اجتياز الإنسانية مسافات بعيدة من التطور والتقدم زادت الحاجة إلى الديمقراطية الحقيقية بمعناها المركب الذى وصلت إليه الآن، ولم تبخل الشعوب فى المطالبة بها بأغلى ما عندها فبذلت فى سبيلها الدم والروح والحياة مؤمنة أن الحرية والديمقراطية والحق هى الحياة وبدون هذه المعان لا جدوى من الحياة.
والآن أصبح موضوع الحريات والديمقراطية من أكثر الموضوعات تداولاً على الساحة العالمية كلها خاصة بعدما بدأت قوى سياسية وأحياناً عسكرية عالمية (أمريكا) تنادى بضرورة الإصلاحات السياسية وإنهاء نظم الحكم الشمولية فلم تعد الشعوب وحدها تناضل من أجل نيل حريتها وحقوقها من حكامها.
والسؤال الآن؛ هل تتمكن القوى الخارجية من إرساء قواعد الإصلاح والديمقراطية فى بلادنا العربية على حد السيف؟
وهل الشعارات البراقة التى رفعت قبل غزو العراق مثل (إسقاط النظام الفاشى)، و(تحرير العراق)، و(نشر الديمقراطية بالشرق الأوسط) لا تزال تحتفظ ببريقها أم كشف وجهها المظلم الحقيقى سريعاً؟
كل هذه الأسئلة تكاد الإجابة عنها تظهر جلية أمام أعيينا على شاشات التلفاز، فالحرب الأمريكية على العراق لم تزد الوضع سوى سوء ولم تتمكن حتى الآن -وأظنها تسعى بسرعة لنزع أيديها من العراق- سوى فى تسليم السلطة لمجموعة لا يرضى عنها الشعب وكل ما أخشاه ويخشاه المتابعون وصول الأمر إلى انقسام الشعب العراقى نفسه ودخوله فى حرب أهلية تلوح بشائرها كل يوم أوضح من اليوم السابق، لنرى العراق بلداً مقسما متناحراً بدلاً من لحرية والديمقراطية التى أرادت أمريكا نشرها مع قذائف المدافع التى أغرقت العراق.
ومهم جداً قبل البحث عن إمكانية الحصول على الحرية وتحقيق الإصلاح السياسى فى مجتمعاتنا عن طريق قوى خارجية أن نفكر فى السبب الذى يدفع هذه القوى لإجهاد نفسها وتحمل عبء هذه العملية المكلفة والصعبة وما يترتب عليها من مشاعر عداء من أبناء البلدان التى تتدخل فيها هذه القوى لحد قد يصل لتهديد أمنها الداخلى.
طبعاً لا يخفى على أحد أن تحقيق الإصلاح بشرط أن يأتى بالشكل الذى تراه القوى العالمية التى تأمر بتحقيقه لا يخلو من منفعة على المستويين المباشر وغير المباشر لهذه القوى، وليست هذه القوى الحالية (أمريكا) هى الوحيدة التى تتبنى هذا الفكر الإصلاحى فهناك قوى خارجية أخرى تتبنى هذا الفكر ولكنها تختلف مع أمريكا فى أسلوب تحقيقه.
ونحن هنا لا نعترض على الإصلاح أو على المطالبين به وإنما نقف نتأمل الطرق التى تستخدم فى تحقيقه.
ولسنا بحاجة إلى التحدث كثيراً أو بذل مجهود كبير لإثبات أن الحرية لا تمنح للشعوب من الخارج، ولا يمكن أن يكون هناك وسيط للحصول عليها ولن تتحول فى يوم من الأيام إلى سلعة يتم توصيلها للمنازل (Delivery) أو تحلم الشعوب العربية أن (بابا نويل) الأمريكى سيأتى لنا ليلاً محملاً جرابه الأحمر المنفوش بقيم وحقوق ننتظرها من زمان ويتركها حولنا على مخداتنا لنفاجئ بها عند طلوع الصباح.
ومن هنا نَخلُص إلى أن الإصلاح أو الديمقراطية أو الحرية أياً كان المسمى الذى يطرح يجب أن يأتى من داخل الشعوب أنفسها ولا يفرض عليها من الخارج.
أما عن الشكل الذى يتحقق به هذا الإصلاح ونشر الديمقراطية فهذا موضوع آخر خاصة أنه ليس هناك نموذج اجتماعى يسود المجتمعات حتى لو كانت مثل المجتمعات العربية تشترك فى اللغة والدين، وهذا الاختلاف يفرض بدوره اختلاف فى شكل الإصلاح نفسه فمن الممكن أن تكون هناك فكرة واحدة أو نظرية واحدة ولكنها أبداً لا يمكن أن تطبق على كل الشعوب وفى كل الأزمنة بنفس الشكل وتحقق النجاح المرجو منها.
والإصلاح فى أبسط معانيه يعطى الشعوب الحق فى مراجعة ومسائلة حكامها، وهذا أقل ما يمكن أن يطالب به شعب حر لكنه لا يكفى أن يكون الشعب حر وإنما يتطلب أن يكون حكامه هم الآخرون أحرار.
وفى وجهة نظرى فإن الإصلاح (إذا تحقق) يجب أن يسبقه الكثير من التغييرات الإصلاحية أيضاً على مستوى الشعوب نفسها فعندما يصل الشعب لمرحلة يجد نفسه وقد أصبح يسير على درب مخالف للذى يسير عليه حكامه ساعتها وساعتها فقط يصبح التغيير أمر طبيعى وملح ولن تستطع ساعتها أى قوة أن توقف مطالبته بالتغيير.
بالتأكيد هناك من يؤمن أن الإصلاح هو الذى يحدث نهضة فى جميع مجالات الحياة الاقتصادية والثقافية؛ لكنى أرى أنه من الضرورى أولاً أن يتخلص المجتمع من التخلف الثقافى والاجتماعى والبيئى أولاً وستكون ساعتها النتيجة الطبيعية لهذا الوصول للحقوق الغائبة التى حجبها التخلف والاستسلام وباقى الأمراض الاجتماعية التى تضرب مجتمعاتنا حتى الأعماق. لا أن يأتى التغيير السياسى مفاجئ كمجرد تغيير القشرة الخارجية بأجمل الصور لشىء متصدع من داخله.
وأتصور أن القوى الخارجية لو حاولت الضغط على الأنظمة العربية لفرض إقامة ديمقراطية فسوف تنجح لما تتمتع به القوى الخارجية (أمريكا) من قوة عسكرية باطشة تلوح بها لكل من يعارضها، خاصة أن الإصلاح فى الدول العربية إذا لم ينعكس بالإيجاب على المجتمعات الغربية فعلى الأقل سيحميها من الأذى الذى قد يعبر الحدود ويصل إليها فى عقر دارها وتجربة الولايات المتحدة فى 11-سبتمبر لا تنسى.
ومن جانبها لن تقف الأنظمة العربية فى وجه الطوفان خاصة أن الدرس حديث ولم تندمل جراح أفغانستان والعراق بعد، فلن تقف بأى حال من الأحوال وتفتح صدرها للريح بل ستنحنى له وربما تركع إذ اقتضى الأمر الركوع.
السؤال الآن: هل ستتمسك القوى الخارجية (أمريكا) بإقامة إصلاح حقيقى فى الشرق الأوسط وتتابعه وترعاه، أم سينتهى الأمر كما أرى الآن بتحويل الإصلاح إلى لعبة سياسية بحته تهدف الضغط على الأنظمة لصالح الطرف الأقوى (بترول – علاقات خارجية كانت مرفوضة مسبقاً - .....)؟
هذا ما ستسفر عنه الأيام ولا أظن أن الأمر سيخرج عن كونه مجرد لعبة جديدة من ألعاب السيرك السياسى الذى لا يعترف بحدود ولا تقف أشكاله وفقراته وخدعه عند حد.
#محمد_عبد_الخالق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ناجى العلى: طلقات من ريشة فنان
-
شئون وشجون تاريخية
-
زيارة قصيرة للموت
-
أكروبوليس: هضبة اليونان المقدسة
-
مُخيّلة الأمكنة والرحيل فى الذات
-
مَنْ هو اليهودى: قراءة فى الشخصية اليهودية
-
فوكوياما ... وماذا بعد النهاية؟
-
مرسيل خليفة: اذهب عميقاً فى دمى
-
الشيخ إمام فى ذكرى رحيله العاشرة
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
الديمقراطية وألأصلاح ألسياسي في العالم العربي
/ علي عبد الواحد محمد
-
-الديمقراطية بين الادعاءات والوقائع
/ منصور حكمت
-
الديموقراطية و الإصلاح السياسي في العالم العربي
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|