|
الديمقراطية والإصلاح السياسي
مها حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1348 - 2005 / 10 / 15 - 11:10
المحور:
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي
السؤال الاول:
هل ان الضغوط الخارجية قادرة على اقامة انظمة ديمقراطية في العالم العربي، وهل يمكن ان يعد المشروع الامريكي في العراق من دعائم اقامة الانظمة الديمقراطية خصوصا وان احدى نتائجه كانت كتابة دستور يؤسس لاقامة دولة دينية وحكم رجال الدين؟
إن الضغوط الخارجية مهمة بالتأكيد، ولكن يجب تحديد شكل تلك الضغوطات ، التدخلات العسكرية مرفوضة والتجربة العراقية كانت فاشلة بالتأكيد ، على الحد الذي صرنا نواجه فيه سؤالا " أيهما أسوأ بالنسبة للعراقيين ، صدام حسين أم أميركا، هل كان العراق أفضل حالا أيام صدام ، أم أنه أفضل الآن ... " ،إن مجرد طرح هذه الأسئلة ، أو التحسر على أيام صدام من قبل البعض هو شكل من أشكال الفشل بالتأكيد ، ولكن الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة في المنطقة لن تجري أية تعديلات في برامجها الذهنية القائمة على العنف والاقصاء بكل أشكاله ما لم تشعر بالخطر الخارجي . ثم إن المشروع الأميركي في العراق ليس الطريقة الوحيدة لإقامة الديمقراطية في المنطقة ، لماذا يكون الأميركان هم المرجعية الوحيدة للديمقراطية ، وكأنهم مخترعوا الديمقراطية . إذا فرضنا أن المشروع الأميركي في العراق فاشلا ، فليس ذلك فشلا لفكرة الديمقراطية ، لأن الديمقراطية ليست صنيعة أميركية فحسب ، يجب التفريق بين المشروع الأميركي وفكرة الديمقراطية ، حتى لا تستفيد الأنظمة الحاكمة من طرح المعادلة خطأ بحيث تروج لـ اللاديمقراطية . إن الضغط الأمثل يتبلور في الضغوطات القانونية والحقوقية المتمثلة بالمؤسسات المدنية والأهلية الدولية ، بحيث تشكل ضمانة للمواطن وللدولة على السواء ، الدولة كبناء اعتباري ، لا كنظام حاكم .
السؤال الثاني:
كيف تنظر قوى اليسار والتحرر الى ادعاءات الديمقراطية والاصلاح السياسي وكيف يمكنها ان تديم برامجها السياسية والاجتماعية خصوصا تلك المتعلقة باقامة دولة العدالة الاجتماعية والمساواة والرفاه في ظل الواقع الذي يحدثه صراع الانظمة الحاكمة مع دعوات الاصلاح والتغيير الخارجية؟
إن الأنظمة الحاكمة لا تنوي بأي شكل من الأشكال تغيير آلية حكمها ، فهي مستندة في جوهر وجودها على الاستبداد وفرض الذات ، وأي إصلاح مهما كان طفيفا سيؤدي إلى سقوطها ، وإلا لمارست هذا التغيير منذ استيلائها على الحكم ، هي مدركة لعدم شرعيتها ، وعدم استنادها إلى قواعد شعبية ، لذلك تحكم بـ " البوط العسكري " وتلجأ إلى الحلول الأمنية والمخابراتية ، لذلك فإن كل دعوات الإصلاح باطلة وهدفها ذر الرماد في العيون لكسب الوقت ، وما أن تتغير " الأجندة " العالمية في أي لحظة ، حتى تعود الأنظمة ذاتها ، المدعية للإصلاح ، لممارسة أبشع أنواع الاستبداد والاستفراد المطلق بالحكم . لماذا يجب أن تكون دعوات التغيير خارجية ؟ المواطن يشعر بثقل النظام عليه منذ اللحظات الأولى لوصول النظام إلى الحكم ، بل وقبل ذلك ، منذ أن كان مجرد تيار سياسي محايد ، أي قبل استيلائه على الحكم ، كل الأحزاب السياسية المتواجدة في الحكم معروفة بتاريخها القمعي والإلغائي وعدم احترام الآخر ، إذن إن الحاجة إلى التغيير والإصلاح لم تنولد من الخارج ، فقط الظروف الخارجية منحت المواطن بعض الأمان لإمكانية التحرك ، حين بدأ يطمئن إلى أن تحول العالم إلى قرية صغيرة ، بات فيه من الصعب أن يقتل أحد أو يغتال أو يعتقل بعيدا عن أنظار العالم .
السؤال الثالث:
هل ان وجود نظام ديمقراطي يمكنه ان يحدث تغيرات عميقة في بنية التخلف الاجتماعي والثقافي والسياسي التي تعاني منها الدول العربية وهل يفسح المجال امام الارتقاء بحقوق الانسان وان يشيع مظاهرالرفاهية والتمدن ويحقق العدالة الاجتماعية؟
يطرح دوما السؤال الجدلي التالي " كما تكونون يولى عليكم ، أم كما يولى عليكم تكونون " لتحديد أسبقية التغيير ، هل نحن مجتمعات متخلفة لأننا ابتلينا بأنظمة ديكتاتورية فرضت ثقافتها الهمجية الضامنة لاستمراها ، أم أن وجود واستمرار تلك الأنظمة المتخلفة عمقا من الناحية الفكرية والثقافية هي تحصيل حاصل للمنظومة الذهنية والأخلاقية العامة . إن الحاكم ، والرجل القيادي المتواجد في صالونات الحكم هو أحد أبناء هذا الشعب ، وثقافته هي أحد أوجه ثقافة هذا الشعب ، ويمارس جميع السلوكيات المنسجمة مع السلوك الشعبي العام . ومن ناحية أخرى ، فإن المواطن العادي ، يتمتع بحالة أخلاقية عامة وكذلك معرفية ليست بعيدة عن تلك التي يحملها حاكمه ، وإلا ، وفي حال التعرض ، لحصل التمرد . السؤال المطروح هنا هل يجب البدء بالتغيير من الأعلى " الإطاحة بشكل الحكم " لخلق إمكانيات تفكير وآليات سلوكية مختلفة ؟ أم البدء بعملية الإصلاح من الأسفل ، عبر طرح مفاهيم ثقافية وآليات معرفية جديدة .
أنا شخصيا أؤمن بأولوية التغيير من الأعلى ، لأن أنظمة الحكم الاستبدادية المالكة للقوة العسكرية ، تهدد أي عملية تطويرية ، بينما لا يملك المواطن ، مهما بلغ حجمه العدواني والاستبدادي تلك القوة العسكريو والحربية التي تتصدى لعملية التغيير. إن أي طرح جديد للمفاهيم ، وإعادة النظر في المجمل الأخلاقي والثقافي يجب أن يستند إلى حالة ديمقراطية تضمن الأمان للمفكر أو المثقف أو حتى الفنان . نحن نرى ما يحصل لأي طرح تجديدي ، رأينا ما حصل لـ العفيف الأخضر أو نصر حامد أبو زيد ، وغيرهما الكثير ، لو كنا نتمتع بحالات ديمقراطية ، لتم احتواء الدعوات التكفيرية ، لأن الباب يكون مفتوحا أمام الجميع ، أما في ظل أنظمة توتاليتارية ، يطرح أحد الأطراف وجهة نظره ، التي غالبا تخدم الوجهة السائدة في المنظومة الحاكمة ، دون أن يمتلك الطرف الآخر القدرة على تقديم وجهات نظره .
أي تغيير ديمقراطي في المنطقة ، سيتبعه دون شك تغيير أخلاقي ومعرفي ، وهذا ما برهنته لنا التجارب الأوربية السابقة ، إذ أن الثورة الفرنسية كشكل سياسي ، ولدت لدى الفرنسيين الحالة الثورية الدائمة ، مما خلق حركة أوثورة أيار 1968 والتي خلقت بدورها تغييرات كبيرة وانعطافات في ذهنية الفرد الفرنسي .
السؤال الرابع:
كيف يمكن التعامل مع التيارات الاسلامية التي يمكنها ان تصل الى الحكم من خلال صناديق الاقتراع؟
يعتقد الشارع العربي أن فتح صناديق الاقتراع سيهيأ المكان بسهولة للتيارات الإسلامية ، ولكن ذلك ليس صحيحا ، لن تستند التيارات الإسلامية على قاعدة جماهيرية واسعة .خاصة تلك التيارات المتزمتة ، لأن المواطن العربي مل وسأم من الديكتاتوريات ، ولن يذهب ليقترع شخصا أو تيارا يمكث فوق صدره ويخنق أنفاسه ، البشرية تتوق إلى الحرية ، والمواطن العربي أحد أفراد هذه البشرية . ومن ناحية أخرى فإن ثمة شعبية ما لهذه التيارات ، ولكنها ليست المطلقة ، حتى تلك الشعبية ناجمة عن خلل معرفي وأخلاقي ، بسبب الاستبداد الحاكم ، إن نظام الحكم في سوريا مثلا ، يمنح المواطن ، لنقل العادي ، الحلم بتيار إسلامي ينقذه من الطغمة الحاكمة ، ولكن هذه العقلية سوف تتغير في ظل الديمقراطية ، لأن الحكم الإسلامي لن يحقق توق الشعوب في المرحلة المدنية وانتشار المد الهائل لصرخات الحرية وحقوق الإنسان ، يبقى هنا أنه يترتب على التيارات السياسية الإسلامية إعادة النظر في برامجها ، بحيث تنسجم مع التوق لحرية العيش والتفكير . وأنا لا أقترح للتيارات الإسلامية ما يساعدها على كسب الشارع العربي ، بقدر كوني مؤمنة بالتوق " الغريزي " للحرية والشك والحوار ، كل ذلك سيطيح بأي نظام ديكتاتوري سواء أكان علمانيا " كالتجربة الشيوعية الفاشلة في الكثير من البلدان " أم أصوليا .
إن خلق نظام أخلاقي جديد ، من خلال الحرية الفكرية ، سوف يدعم بالتالي قدرة المواطن في التحليل والتفكير ، بحيث يدرك هو ذاته ويحدد الأشكال السياسية التي تحقق أحلامه وأمنه , وأي نظام حكم قائم على الامتلاك الوحيد للحقيقة والقيادة سوف يسقط ، لأن الآخر لن يصمت أما تهميشه وتجهيله طويلا .
السؤال الخامس:
كلما تم الحديث عن احداث الاصلاح السياسي في العالم العربي، فأن الانظمة الحاكمة تسارع لطرح خصوصية كل مجتمع. أوانها تطرح الاصلاح السياسي التدريجي . هل ان الحديث عن الخصوصية والاصلاح السياسي التدريجي يمتلك ارضية واقعية؟
الإصلاح السياسي التدريجي هو تمثيلية يدركها المواطن العربي ، لأن نوايا الإصلاح سوف تظهر لو كانت جدية ، فماذا يعني مثلا أن يتم إجراء انتخابات ما في دولة عربية ، ويعود الحزب ذاته ، ممثلا بالشخص ذاته إلى الحكم . أو أن يتم تعديل وزاري في دولة ما ، فيؤتى بأشخاص أسوأ صيتا من أسلافهم . أي مواطن يدرك أن النظام الحاكم ليس جادا على الإطلاق في مسألة الإصلاح ، ولأنها وبكل بساطة " عملية الإصلاح " سوف ترميه في الشارع ، إذ أنه أساسا يستند في وجوده على الخلل ، لا على الحق ، والإصلاح هو أحد أشكال تصحيح الخلل ، منطقيا إلغاء الخلل ، أو إصلاحه ، سيطيح بالنظام ، فأي إصلاح يمكن الإتيان به . الإصلاح السياسي لا يمكن أن يتم إلا بهدم أشكال الحكم القائمة ، عبر فتح أبواب الاقتراع ، حتى لو أدى ذلك لظهور تيارات غير مرغوب بها في العملية الديمقراطية ، لأن صناديق الاقتراع المتجددة ، والمتلاحقة ، سوف تغربل العملية السياسية ، وبالتالي المعرفية ، ربما تدخل المنطقة في فترات انتقالية قبل الاستقرار النهائي للديمقرطية التي نراها في الغرب ، ولكنها عملية طبيعية حسب نظريات التاريخ و" ديالكتيكه " ، وبالتالي سوف تستقر المدنية وحقوق الإنسان .المهم أن تكون ثمة ضمانة مستمرة للعملية الاقتراعية ن بحيث لا تمنح صناديق الاقتراع " الأبدية " لأي تيار أو نظام .
#مها_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يصدق السيد الرئيس
-
جرائم الشرف إرهاب ضد المرأة
-
جلال الطالباني رئيسا للعراق، انتصار للأمة العربية
-
ثورة الطلاب في البصرة
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
الديمقراطية وألأصلاح ألسياسي في العالم العربي
/ علي عبد الواحد محمد
-
-الديمقراطية بين الادعاءات والوقائع
/ منصور حكمت
-
الديموقراطية و الإصلاح السياسي في العالم العربي
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|