|
الآثار السلبية للسكوت عن الفساد في العراق
عدنان فرحان الجوراني
الحوار المتمدن-العدد: 4885 - 2015 / 8 / 2 - 22:36
المحور:
الادارة و الاقتصاد
يتميز الوضع العراقي بخصوصية عجيبة تختلف عن أوضاع دول العالم الأخرى، اذ لا يوجد بلد شاع فيه الفساد بين المسؤولين والموظفين كالعراق، وما من بلد دمر على أيادي أبنائه قبل أن يدمره أعدائه كالعراق، في العراق كل شيء ممكن الحدوث لا يوجد شيء غريب في العراق، وما من شيء لا يمكن فعله في العراق ،العراق ساحة للنهب، ومسرحاً مفتوحاً لممارسة القتل من دونما حساب، في العراق يد تبني وألف يد تخرّب ، في العراق يقول الساسة عكس ما يفعلون، ويفعلون عكس ما يقولون. تشير البيانات الى أن النفقات التشغيلية تصل لحدود التسعين بالمائة من الموازنة العامة ، ولا تظن أيها القارئ أن العشرة بالمائة المتبقية هي للإعمار والبناء، إذ أن من ضمن العشرة بالمائة هذه الإنفاق على التسلح، أو إعادة تسليح الجيش. والنفقات التشغيلية هذه ليست هي الرواتب فقط، إذ من المعلوم أن الرواتب في الدول الريعية -والمقصود بالريعية هي الدول التي تعتمد بشكل كبير على مورد واحد في ايراداتها- تحتل حيزاً كبيراً من الموازنة العامة، الرواتب، والرواتب المجزية، حق لا نقاش فيه في أي دولة، فكيف إذا كانت الدولة ريعية ، إي أن مصدر دخلها هو للشعب كله. إن الجدل الذي يثار أحياناً بضرورة تقليص الرواتب ، وبالأخص الرواتب العالية ما هو بالعلاج الشافي، فالتقليص هذا مهما كان فإنه لا يشكل نسبة يُعتد بها، من نسبة الرواتب إلى النفقات التشغيلية، لكنه مهم ، ومهم جداً من ناحية أخرى، ألا وهي تقليص الفجوات( التمايز الطبقي) بين الناس، إذ لا يعقل أن يتقاضى موظف، مهما كان منصبه، ألف ضعف ما يتقاضاه موظف آخر، مهما تدنى مستواه، إن وجود حالة كهذه في أي دولة، يحولها من دولة إلى عصابة، مهمتها النهب . يتحدث الآن العديد من اعضاء البرلمان حول تقليص رواتب الموظفين والمتقاعدين وما أسموه الادخار الاجباري ولو تكلمنا بلغة الارقام اذا كان عدد موظفي الدولة في العراق يبلغ حوالي أربعة ملايين موظف وتم فرض ضريبة اضافية قدرها (5%) كما طلب بعض النواب واذا افترضنا ان متوسط الراتب الاسمي لهذ العدد هو (500) الف دينار فانه سيتم استقطاع (25) الف دينار من كل موظف واذا قمنا بحساب المجموع الكلي للضريبة فسيكون (200) مليار دينار أي ما يعادل (160) مليون دولار فهل الدولة بحاجة لمثل هذا المبلغ الزهيد جدا مع الأخذ بالاعتبار اثاره السلبية على الاقتصاد العراقي وعلى ميزانية الموظفين البسطاء الذين سينخفض طلبهم على العديد من السلع نتيجة لانخفاض الدخل، علما بأن اكثر من هذا المبلغ يمكن توفيره لو تم تخفيض المصاريف غير الضرورية وأهمها مصاريف الوقود لسيارات المسؤولين والحمايات والتي تبلغ بحسب تصريح النائبة حنان الفتلاوي حول مصاريف مجلس النواب لعام 2014 والتي بلغت (528) مليار دينار عراقي لو تم تخفيضها الى النصف فستجني الدولة العراقية (264) مليار دينار . هذا فضلا عن حذف جميع المصاريف والنفقات التي ترهق الموازنة كسيارات المسؤولين وكثرة اعدادها وحذف الضيافات والنثريات داخل الوزارات فضلا عن الملابس التي لا نعرف لمن هي ؟ والتي بلغت في موازنة عام 2014 مليارين و900 مليون مع تقليل الايفادات وتحديدها كون اغلبها غير مبررة وغير نافعة. واذا لم تتخذ هذه الخطوة فماذا لو حصل التخفيض في رواتب ومخصصات النواب والوزراء اذ يبلغ عدد النواب والوزراء حوالي (370) يستلم كل منهم ما يقارب (13) مليون دينار راتبا شهريا أي حوالي (11000) دولار فماذا لو تم تخفيض هذه الرواتب الى خمسة ملايين دينار أي أنها أكثر من راتب أستاذ جامعي يحمل الدكتوراه وخدم الدولة لمدة تزيد على عشرين سنة وفي الدرجة الأولى في سلم الرواتب فكم ستجني الدولة من هذا التخفيض؟؟ ستجني الدولة حوالي ثلاثة مليارات دينار شهريا تكفي لتشغيل (6000) موظف براتب (500) الف دينار شهريا، هذه الخطوة الأولى، ثم يتم تخفيض رواتب الدرجات الخاصة والمستشارين في الرئاسات الثلاث ومؤسسات الدولة ومن هم بدرجة وكيل وزير ومدير عام والذين يتجاوز عددهم (5000) شخص بنسبة (50%) فلو افترضنا ان رواتبهم تبلغ (10) ملايين دينار فان الراتب بعد التخفيض سيصبح خمسة ملايين وستجني الدولة (25) مليار دينار، اما حمايات مجلس النواب فتفيد التقارير بوجود تسعة آلاف وسبعمائة وخمسون عنصر حماية موزعين على أعضاء مجلس النواب الحالي وبمعدل (30) عنصرا لكل مسؤول، نصفهم أسماء وهمية أو في إجازة طويلة، يستلم هؤلاء ما مقداره (سبعة مليارات و312 مليون دينار)، فاذا ما تم تخفيض العدد الى خمسة اشخاص حماية لكل نائب وهو تقريبا العدد الفعلي لحمايات النواب ان لم يكن اقل، فسيتم توفير حوالي ستة مليارات دينار لخزينة الدولة العراقية، واذا ما أتينا الى مجالس المحافظات البالغ عددهم (447) عضوا ويبلغ راتب العضو الواحد ثلاثة ملايين وخمسمائة الف دينار فاذا ما تم تقليصها الى مليونين ونصف فان الدولة ستجني (447) مليون دينار، هنالك 18 عشر رئيس مجلس محافظة و18 محافظ وأمين بغداد ورئيس هيئة النزاهة ومحافظ البنك المركزي جميعهم بدرجة وزير ولهم نفس الرواتب والمخصصات الوزير ويكلفون الدولة العراقية مبلغً 4,290,000,000مليار دينار شهريا ًفاذا ما تم تخفيض رواتبهم الى النصف فستجني الدولة أكثر من مليارين دينار شهريا، واذا ما تم تخفيض رواتب أعضاء المجالس البلدية وهؤلاء اعدادهم بالالاف، فضلا عن تخفيض الرواتب التقاعدية لرؤساء الجمهورية السابقين ونوابهم ورؤساء الوزراء السابقين ونوابهم والوزراء السابقين. ولتفعل حكومتنا مثل ما فعلت الحكومة اليونانية بحسب تصريح وزير الاصلاحات الادارية اليوناني الذي اوضح أنه سيتم بيع السيارات الفارهة لكبار المسؤولين في الوزارات، لكونها "غير ضرورية ومكلفة". وأفاد الوزير أن الوزراء في مجلس الوزراء لا يحتاجون إلى سيارات الدولة، مشيرًا أن الحكومة تريد الحصول على الأموال من خلال بيع تلك السيارات. وأوضح المتحدث، أن رئيس الوزراء "تسيبراس" يمتلك سيارة تحمل لوحة ولاية "سالونيك"، وأن بقية الوزراء سيستخدمون التاكسي والدراجات الهوائية للذهاب إلى العمل، في الوقت الذي يملك هو سيارة قديمة، مؤكدًا أنه فخور بها رغم أنها تتعطل بين الحين والآخر. وكذلك فعلت حكومة اوكرانيا في عام 2014 وقال وزير المالية الأوكراني اولكسندر شالباك: "اعتمدنا ما هو معتمد في العالم -أي سيارة لكل وزارة- وستباع باقي السيارات، وسيُستغنى عن السائقين"، آملا أن تتيح عملية البيع الحصول على ثلاثة ملايين يورو. علما انه توجد في العراق 2800 سيارة مصفحة لأعضاء الرئاسات الثلاث وأعضاء مجلس النواب والوزراء فضلا عن (400) سيارة تم شراؤها خلال القمة العربية التي عقدت في بغداد(المصدر: http://www.sotaliraq.com/iraq-news.php?id=45363#axzz3heMiqpmf) ان ما يطالب به بعض النواب من تخفيض لرواتب الموظفين يعني تحميل المواطن السياسات الخاطئة التي اتبعتها الدولة والحكومات المتعاقبة والتي حذرنا منها كثيرا ومن مغبة استمرار هذه السياسات وهذا النهج الخاطئ في ادارة الدولة وترك اموال الشعب بيد الفاسدين والسراق دون حسيب أو رقيب، وعدم الأخذ بنصائح الخبراء والاكاديميين حول اصلاح الاقتصاد العراقي والابتعاد عن الاعتماد على المورد النفطي كمورد وحيد للايرادات وكان من المفروض استغلال فترة الذروة لاسعار النفط العالمية والموازنات المالية التاريخية لبناء البلد واصلاح اقتصاده وتطوير بنيته التحتية الا أن عدم الجدية في الاصلاح وعدم وجود الارادة في محاربة الفساد والمحاصصة داخل مؤسسات الدولة ساهمت في الوصول الى هذا الحد وقد نصل الى أيام لن يجد فيها الموظف راتب يستلمه ليعيل اسرته.. وبدون مجاملة فان المسؤول الأول عن هذا الوضع هو المواطن العراقي الذي صمت كل هذه السنين وهو يرى أمواله تهدر امام عينه ولا يحرك ساكنا بل يذهب الى صناديق الاقتراع ليعيد انتخاب من يهدر هذه الاموال .... ان السيد رئيس الوزراء والوزراء وأعضاء مجلس النواب والكتل السياسية مطالبون الآن أكثر من أي وقت مضى بالاستماع لنصائح الخبراء والاكاديميين الاقتصاديين لانقاذ ما يمكن انقاذه من اقتصاد البلد ووضعه على سكة الاصلاح الصحيحة وانعاش القطاعات المهمة في البلد كالصناعة والزراعة والسياحة، ولن يتم ذلك كله اذا لم تتم محاربة الفساد لأن الفساد هو الآفة التي أكلت وتأكل الاخضر واليابس في الموازنة العراقية. ان ما يحدث في العراق الأن من مطالبات بتخفيض الرواتب وتقليص القروض والسلف للمواطنين ما هو الا عقوبة يستحقها المواطن العراقي لسكوته طوال هذه الفترة عن الفساد المستشري في دوائر الدولة وعدم توفير أبسط الخدمات والبنى التحتية وضياع مئات المليارات من الدولارات التي كانت تكفي لبناء العراق من أقصاه الى أقصاه وبأحدث الأساليب. قرأت مرة أن مراقب سجن سوري في العهد الأموي قبل 1400 سنه يراقب المعتقلين أثناء ممارستهم نوبتهم في الأشغال الشاقة وكانوا مكلفين بحمل أكياس.. وكل منهم يحمل كيسا في كل مرة إلا واحدا فقد كان يحمل كيسين في كل مرة الأمر الذي أثار استغراب السجان.. فاستدعاه وسأله : من أي بلد أنت ؟..أجابه : من العراق ..رد عليه السجان : عجبا لكم أيها العراقيون .. تسعون لأن تتقدموا الصفوف في كل شئ ..حتى في العذاب ..؟ .. الحق يقال أن العراقيون رغم سعيهم في هذا الاتجاه عبر تاريخهم الطويل لكن ذات التاريخ يسجل أنهم ما فتئوا يتقلبون من استبداد إلى فساد..ومن عذاب إلى فقر مدقع ، ومن قتل وطمر إلى ذبح وإرهاب ، وهم دون غيرهم يتحملون وزر ذلك..فهم يصنعون الأصنام وينوءون بثقلها.. كيف ؟ لأنهم يسعون أن يتقدموا حتى على أنفسهم ولا يطيقون العمل الجماعي فيواجهون الحكام فرادى فيسهل إخضاعهم وان تطلب الأمر قطف رؤوسهم إن أينعت .. .
#عدنان_فرحان_الجوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الآثار الاقتصادية والاجتماعية للعمالة الأجنبية في العراق
-
الآثار الاقتصادية للتعرفة الكمركية الجديدة في العراق
-
الفوائد الاقتصادية لاستضافة معرض اكسبو 2020 في دبي
-
الطاقة المتجددة ودورها في تحقيق التنمية المستدامة في دولة ال
...
-
الأسباب الموجبة لاختيار البصرة العاصمة الاقتصادية للعراق
-
هبوط الدولار الأمريكي ..أسباب ونتائج
-
-الآثار الاقتصادية للربيع العربي-
-
تقرير التنافسية العالمية 2012-2013
-
تقرير التنافسية العربية 2012 عرض تحليلي
-
الآثار الاقتصادية لإغلاق مضيق هرمز على الاقتصادات الخليجية ع
...
-
الاصلاح الضريبي.. المفهوم والأسباب والأهداف
-
إعادة اعمار البنى التحتية في العراق ضرورة ملحة للتنمية الاقت
...
-
دراسة تحليلية لمرتكزات نجاح التجربة التنموية في كوريا الجنوب
...
-
منظمة التجارة العالمية وآثارها على الدول النامية
-
التنمية البشرية في محافظة البصرة الواقع والآفاق المستقبلية
-
مفهوم وأهداف إستراتجية التنمية الاقتصادية مع اشارة خاصة لاست
...
-
الاصلاح الاقتصادي في العراق المسببات والاثار
-
اقتصاد الظل الأسباب والآثار
-
هجرة الكفاءات وأثرها على التنمية الاقتصادية-
-
- الإنفاق العسكري وأثره على التنمية الاقتصادية-
المزيد.....
-
زيادة جديدة.. سعر الذهب منتصف تعاملات اليوم الخميس
-
-الدوما- يقر ميزانية روسيا للعام 2025 .. تعرف على حجمها وتوج
...
-
إسرائيل تعلن عن زيادة غير مسبوقة في تصدير الغاز إلى مصر
-
عقارات بعشرات ملايين الدولارات يمتلكها نيمار لاعب الهلال الس
...
-
الذهب يواصل الصعود على وقع الحرب الروسية الأوكرانية.. والدول
...
-
نيويورك تايمز: ثمة شخص واحد يحتاجه ترامب في إدارته
-
بعد فوز ترامب.. الاهتمام بـ-التأشيرات الذهبية- بين المواطنين
...
-
الأخضر اتجنن.. سعر الدولار اليوم الخميس 11-11-2024 في البنوك
...
-
عملة -البيتكوين- تبلغ ذروة جديدة
-
الذهب يواصل رحلة الصعود وسط التوترات الجيوسياسية
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|