|
لماذا يارب؟
عبدالفتاح العمدة
الحوار المتمدن-العدد: 4883 - 2015 / 7 / 31 - 13:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(وَلَٰ-;-كِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ-;- مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ).. هنا أخذتني سنة من السرحان، ثم أطبقت المصحف، وركنت رأسي على حائط المسجد، وأغمضت عيناي، لأقع بعدها في دوامة من الأسئلة التي ألقت بعقلي شاردًا تائها في دهاليز شك مظلمة، حائرا وقد تزاحمت في رأسي "لماذيات" شتى، كأنما كانت سيلا، نسفت حواجزه تلك الآية، أو كأنما كان ينتظرها، ليندفع جارفًا كل ما وقع في طريقه من مسكنات القدر التي أدمنتها، هربًا من آلام الواقع المرير، وثوابت الرضا بالقضاء، المرتجفة فوق جسور جحيم الشك.
فتحت عيناي، كانت مكتبة إسلامية ضخمة أمامي، أخذت زخرفها واّزينت لي، ودعتني لها، فأطعتها وذهبت أنبش في أمهات الكتب بها، أبحث عن كل ما له صلة بالقضاء والقدر، هل أنا مسيّر أم مخيّر، هل دراستي قدر، هل زواجي قدر، هل وظيفتي قدر، وهل الدعاء يغير القدر؟ كان الإنترنت وسيلة أخرى للبحث عن ضالتي، وما بين حجج ودفوع الجبرية والقدرية والمعتزلة وردود أهل السنة والجماعة، اتسعت دائرة البحث، وزادت الأسئلة، وتشتت ذهني، الله يهب لمن يشاء، ويرزق من يشاء، ويمن على من يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويعذب من يشاء، ويرحم من يشاء، لماذا يارب اختصصت هؤلاء دون أولئك؟
هناك، حيث سكن الليل، وهجع الناس، فزعت إلى الصلاة، ولم أعلم حينها سببا لأدائها فوق سطح البيت، غير أن رغبة ملحة لدي في النظر إلى السماء خلال الصلاة كانت تحدوني، بالرغم من النهي عن ذلك، كأنما أردت أن استشعر بداخلي أني أنظر إليه في ذلك الثلث الأخير من الليل، وقد تجلى إلى السماء الدنيا، كعادته ليجيب السائلين الذين قاموا له سجدا وبُكيِّا.
لم تكن صلاتي حينها كالصلوات المعتادة، كبّرت تكبيرة الإحرام، ثم رفعت رأسي للسماء، وجعلت أقلب وجهي فيها في صمت تام دون تلاوة، كأنما أبحث عنه، أريد تحديد مكانه، رغم يقيني بأنه في كل مكان، وناديت يارب.. لم آتيك ملحدا ولا كافرا، فلا مثقال ذرة من شك في قلبي بأنك أنت الخالق الأعظم، ولكني جئتك ضالا فاهدني، وأرح قلبي وخاطري، ما القدر، وهل نعيش وفق سيناريو مكتوب لا تغيير فيه، ولماذا فضّلت هذا عن ذاك.
كلما وقع ما أكره، قالوا قدر الله وما شاء فعل، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، قلت أليس الله خالق كل شيء وقادر على كل شيء، وبيده ملكوت كل شيء، قالوا بلى، قلت فلماذا لم يجعل لي الخير في هذا الأمر، إن كان شرا لي وقد حجبه لحكمة هو يعلمها، فلماذا وهو الذي إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، قال له كن فيكون، لماذا لم يقل للخير كن في أشياء كثيرة وحققها لي، بدلا من أن يحجبها لشر ينتظرني فيها؟
أخال أني كنت معهم حين جاء فقراء المهاجرين للرسول يشكون التمييز ذاته، ولكن بطريقة أذكى، قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا.
ولكنهم رجعوا فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله. الحقيقة أنهم قصدوا نفس ما قصدت يارب، الغني فضلا عن أنه غني، يمكنه أيضا أن يسبح ويحمد، فضلا عن الصدقة والحج، وأعمال الخير شتى، ومن ثم بقي متفوقا عليهم بغناه وبإمكانه أن يحصل على ثواب وأجر أكبر بينما هم لا، لأنهم فقراء، فلماذا؟، لكن النبي الكريم أجابهم قائلا: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، عدنا لنفس المشكلة لماذا اختصصت هذا بفضلك ومنّك دون ذلك؟
على المنبر وقف الخطيب يقول: إن كل ما يقع في الكون لا يقع إلا بإرادة الله، لأنه ملكه ولا يليق بمالك كل شيءٍ أن يقع في ملكه مالم يرده.. يعني أن الكلية التي لم أخطط لها، بينما فشلت رغم اجتهادي في الالتحاق بالأخرى، والعمل والشقاء والاجتهاد دون الوصول وزواجها من غيري، كان بإرادة الله، فلماذا أراد هذا دون ذاك، هو خالق كل شيء.. والخير مخلوق والحكمة كذلك.. فلماذا جعل الحكمة هنا ولم يجعلها هنا، ولماذا وضع الخير هنا ولم يضعه هنا؟
خارج المسجد، قلت ما في نفسي للإمام، قلت يا شيخ يجتهد الفقير منا، ولا يصل لمعشار ما يبلغه الغني قال يا بني..يبقى لنا النية الصالحة التي تساوينا بهم في الأجر لا في العمل كما عند الترمذي وأحمد من حديث أبي كبشة الأنماري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم...قال إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيته فأجرهما سواء.
للتوّ أنهينا الحديث، ومضيت ممتعِضًا، تحت تأثير مسكّنٍ جديد، لا يكاد ينتهي حتى تقع رأسي فريسة لنفس التساؤلات، وبينما أنا في الطريق، سمعت صوت المنشاوي من بعيد يقول، "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا".. فأخرجت زفيرًا تفوح منه رائحة اليأس وقلت.. لماذا يارب؟
#عبدالفتاح_العمدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|