نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 4880 - 2015 / 7 / 28 - 10:41
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الدراعة الانجليزية
نعيم عبد مهلهل
ما تبقية الحرب على أرض المعركة القديمة ، خردة حديد ، ظروف طلقات فارغة ، اقراص هوية لجنود تم اخلاءهم وبطونهم ممزقة بالشظايا ، وربما بعضهم يترك في شواهد المكان رواية كان يقرأ فيها أو دفتر مذكرات . وربما في آخر الصبا أطل علينا تولستوي برائعته ( الحرب والسلام ) لأكتشف في نهايتها أن الحرب على الأرض وعلى كل شبر فيها.
الأهوار ليست بعيدة عن لمعان الرماح القديمة التي طوروها وقت هدوء الحرب وصنعوا منها ( الفالة ) لصيد السمك ، فيما حولوا هراوات الحرب قبل أن تصل السيوف الى ايديهم حولها الى عصي غليظة ( تواثي ) يروضوا فيها عناد جواميسهم اثناء أخذها والاتيان بها من امكنة الرعي.
مرة كنا في نزهة بزورق مبتعدين عن القرية بضعة أميال وقبل أن نقترب من واحد من التلول التي يخشى الجميع الاقتراب منها تفاجئت بقطعة كبيرة من الحديد هي بقايا لدفة وماكنة سفينة قديمة ، فأدركت أنها لمركب أما عثماني أو إنكليزي ، وربما مثل هذه الغوارق موجودة في امكنة كثيرة من الاهوار ومنها ان احد المعلمين قذ ذكر أن المعارك الضارية التي شهدتها العكيكة في سوق الشيوخ بين العشائر وقوات الاحتلال البريطاني عام 1915 فكانت العكيكة القلعة التي دمرت عندها أكبر المراكب العسكرية البريطانية والتي غرق الكثير منها قبالة الثكنة في معركة السفحة .
قلت لشغاتي : هذه ربما مدرعة انجليزية مصنوعة على شكل مركب ، وقد غرقت هنا في معركة او بدونها .
قال شغاتي : نعم مركب انجليزي ( رَكس ) وتعني بالعامية غرق هنا واكله الصدأ ( الزنجار ) ، وقربه كانت لنا مأساة قديمة حيث ذهب الى هذا المكان اربعة من اطفال قريتنا ، وسبحوا قرب كومة الحديد هذه ، ولكنهم الى المساء لم يعودوا الى بيوتهم ، والى اليوم لم نعثر عليهم ، منذ عشرين عام وهم في مكان ما في قعر هذا الزورق ، وطالما انتظرنا لسنوات أن تطفوا اجسادهم لكن أي واحد من هؤلاء الغرقى لم يطفوا ، وقتها امهاتهم درعت ثيابها من الصدر أي مزقتها ، وأظن بسبب هذه الحادثة وهذه الدراعية الانجليزية تحب نساءنا شراء ثياب من نوع به دِراعة في الصدر وهو تطريز ذهبي يقول عطار القرية أنه يجلبهُ من البصرة ، والبصرة تجلبه من الكويت.
تعجبت لتفسير شغاتي ، وقلت له : امهاتنا ايضا تلبس ثيابا لها دراعة ولكن ليس لها علاقة بالدراعة الانكليزية ، ولا اعرف مصدر هذه المفردة ولكن تفسيرك يبدو منطقيا.
تأملت المكان ، وتخيلت اللحظة التي غرق فيه هذا المركب الحديدي ، وقارنته مع غرق تايتانيك ، فهذا المركب سرق اربعة اطفال من ابناء قريتنا ، وتايتانيك سُرق منها اكثر من الف مسافر.
لكن في تايتانيك تم انقاذ الكثير ، فيما عجز القدر هنا انا ينقذ طفلا واحدا من الاطفال الغرقى......!
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟