|
القيم النسبية والحلولية الجزئية
عماد صلاح الدين
الحوار المتمدن-العدد: 4879 - 2015 / 7 / 27 - 13:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
القيم النسبية والحلولية الجزئية عماد صلاح الدين ما علاقة القيم النسبية بالحلولية الجزئية، وما علاقة الأخيرة بالمفهوم الأول، وما هي نقط الالتقاء بينهما، وما هي نقط الافتراق بينهما، إن كانت بالفعل حقيقية وموجودة؟
في مقالاتي ودراساتي السابقة، سبق لي إيضاح مفهوم القيم النسبية، وكذلك مفهوم الحلولية الجزئية، وعلاقتهما مع مفاهيم ومكونات اصطلاحية أخرى، لكنني لم أتناول مفهومي القيم النسبية والحلولية الجزئية وجدل العلاقة بينهما. وفي هذا المقال، سأقوم بتوضيح المفهومين أعلاه، والجدل العلائقي بينهما.
إن القيم النسبية (بالمعنى الحقيقي للمفهوم وتطبيقاته العملية) تنصرف إلى تلك المجهودات والممارسات النشاطية الذهنية والتصورية، ومجالات تطبيقاتها العملية في الحياة، في غير مجال إنساني، سواء كان مفتوحا أو محددا، متكونا عنها مستقبلا، ومن خلال التجريب والفحص وتشييد الممارسة واقعا معاشا جملة معتبرة من الأعراف والعادات والتقاليد، منها ما يكون جيليا وزمنيا؛ تنتهي صلاحيته ونفوذه سواء منه الايجابي أو السلبي، بانتهاء ظروف امة أو مجتمع أو واقع معين، ومنه ما يبقى كذلك خالدا، نتيجة جهد استثنائي مميز، وضمن فترة أو مرحلة إنسانية مهمة وحساسة، تتعلق بمجال أساسي، في عمر النقلات النوعية والتاريخية للإنسان، سواء كان ذلك في دورات نبوية ورسولية دينية، أو بحكم الامتزاج الديني والدنيوي، وما بينهما من علاقة، وكذلك ضمن الهامش المتاح إنسانيا بحكم الفطرة والسجية والوجدانية وعموم المشاعرية المولدة للأفكار والمعتقدات والتصورات والمبادئ والممارسات، وما لها من نسخ أو طبع الأصغر الممثل في الصورة الكلية لمنظومة القيم المطلقة والكلية الشاملة؛ في الانضباط والالتزام والتضحية والمثابرة، والسعي المتأمل نحو كل خير وكشف في غير حقل جديد. والقيم النسبية، كما أوضحت في غير مكان ومناسبة فيما اكتب وأحاول، تدور في فلك القيم المطلقة بالتبعية وهيمنة الأخيرة في الانارية والإرشادية العلوية، كحال شمس الدنيا وقمرها.
وان ما عداها من قيم متصورة ومنفذه خارجة عن الإطار أعلاه، إنما هي تسرعات وتخرصات لا ثبات فيها ولا استمرارية على وجه العموم، و لاخالدية فيها بمحاولات تمثل الأدنى للأعلى قيما على وجه الخصوص.
والحلولية الجزئية سبق لي إيضاح ماهيتها وطبيعتها ومقوم مكونها؛ فأشرت في دراساتي بخصوصها بأنها ذلك المتاح إنسانيا على صعيد الرحيمية الإلهية، وعلى صعيد المكون الفطري المهيأ في الإنسان للتخيل والتدبر والحلم والتأمل، وفي عموم القدرة التوليدية لديه خصوصا في أنساقه النفسية والروحية التهويمية؛ لشحن الحافزية الإرادية لديه على العمل والإبداع والتعمير، وبناء مناهض الحياة الحضارية على طول القرون وعديد الأجيال المتتالية، أو هي هذا التهويم الجزئي في دائرة الأوسع والأبعد والاشمل من الوجدانية والعاطفية والعقلية المتمازجة في كليتها الشاملة في النظر إلى الله والإنسان والطبيعة؛ حيث أن الوحدانية أو التوحيد الديني الصافي والخالص مسالة صعبة المنال على الإنسان، وان كان يقترب منها تدريجيا، وعلى درجات بحكم تقدم سعيه أو تراجعه.
وان مسالة الوحدانية الخالصة مسألة تخص، كما هو معروف دينيا وتاريخيا ومعرفيا أنبياء الله ورسله؛ بحكم الطبيعة المؤلفة على المنارية والإرشادية العليا، المتناغمة اتحاديا، والتمثلات الدائرة في أفلاك المنارية والإرشادية العليا نفسها.
وهنا، فان القيم النسبية كاصطلاح وممارسة هي الدائرة الاشمل والأكبر كنسق الهي مودع في الإنسان تخليقا، وكحالة إنسانية قائمة أيضا وممتزجة في عمومها الإلهي والإنساني معا وباستمرار على كل حال؛ ذلك أن القيم النسبية هي مجال عموم الممارسة الإنسانية في الرؤيا والتصور والانطلاقية العملية في غير مجال إنساني حياتي متعدد ومتنوع، وان كانت تنطلق وتعمل من أساسها في الدائرة الكبرى لمنظومة القيم المطلقة المنيرة والمرشدة لعموم التصور والممارسة.
وأما الحلولية الجزئية العقلانية والمقبولة، فهي الجانب الداخل كجزء وان كان عنصرا فاعلا ومهما في نسق القيم النسبية أو الجزئية؛ ذلك أن الحلولية الجزئية هي الوقود الفطري وضمن الآلية الإنسانية المتكاملة لتسيير النسق في القيم الجزئية، والتي هي في الأخير أي القيم النسبية التعبير عن كاملية التصور والنشاط الإنساني المتكامل، في إطار من التوازنية الدينية والدنيوية(الهيومانية الإنسانية) بدون إفراط أو تفريط، وضمن نسق أو إطار شامل من الاعتدالية المعقولة والمقبولة المؤمنة والمتوكلة اسميها كما سماها المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري بالعلمانية الجزئية. وإذن، فان القيم النسبية والحلولية الجزئية، تلتقيان في علاقة جدل ايجابي ما بين كل وجزء داخل وعامل وفاعل فيه؛ بحيث لا يسير الكل إلا بواسطته، لأنه تعبير عن عملية روحية ونفسيه والية متكاملة في المزج والتداخل مع حضور كل مرجعية عليا مرشدة وهادية بحكم الرسولية والتنزيلية الإلهية في هذا السياق، ولا معنى كذلك ولا حضور مباشري أو غير مباشر لذلك الجزء بدون النسق الكلي للتصور والرؤية الذهنية والعملية الإنسانية.
والقيم النسبية والحلولية الجزئية لا تعارض لهما مع عموم النسق الديني والإنساني؛ فهما مؤمنتان عقلانيتان متوازنتان في انسجام المتحد مع كل مطلق ونسبي، ما بين الهي وإنساني متفاعل ومتداخل على صعيد المعاش الدنيوي.
#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القيم المطلقة والعلمانية الجزئية
-
القيم النسبية والعلمانية الجزئية
-
القيم النسبية والعلمانية الشاملة
-
القيم المطلقة والقيم النسبية
-
التعقيد في القيمومة الحضارية المعاصرة
-
الخلط ما بين منظومة القيم وبين التجريب الإنساني في النسق الق
...
-
متى يحضر الاستبداد؟
-
غياب ملكة العقلانية لدى الشعوب المتخلفة
-
في زمن مجتمعات التخلف مطلوب الإضافة لا المناكفة
-
الحلولية الجزئية والحلولية الشاملة
-
خزعبلات اثنيه وأفكار حلولية وديباجات
-
الإنسان وحقائق الحياة
-
هل توجد إمكانية لانسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة عام1967؟
-
العالم العربي: تفاقم المرض بين الظلم والخنوع
-
الإجرائية وغياب تقرير المصير (الحلقة الأولى)
-
الإجرائية وغياب تقرير المصير (الحلقة الثانية)
-
هل هي مشكلة الدين والبرنامج السياسي في فلسطين؟
-
الإيمان والتهويم والعدل
-
هل الثورات العربية بخير؟
-
أوجه الشبه والخلاف في المسألتين الفلسطينية والعربية
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|