نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 4876 - 2015 / 7 / 24 - 14:06
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
دموع ليلة الجمعة
نعيم عبد مهلهل
تصنع العين دمعتها بالاتفاق مع المشاعر . هذا ما تعلمته من حزن أبي لحظة يَسمعنا نطلبُ المزيد من الخبز في العشاء ، وكانت أمي ترد : لا شيء لدينا سوى ماعون التمن هذا ، أهجموا عليه جميعكم .
دمعة أخرى كنت أراها في عيون أبي في صلاته ليلة الجمعة ، وقتها كنت قد غادرت طفولتي الى الصبا الذي بدأت اقرأ فيه القصص المدرسية وبعض من حكايات ألف ليلة وليلة إلا أن قصص الحزن لم تصل الى مسامعي بعد إلا عند قراءة رواية ( ماجدولين أو تحت ظلال الزيزفون ) للمنفلوطي وعندما رافقتُ اخي المرحوم ( عبد الأئمة ) الى أول فيلم هندي اراه في حياتي وكان عنوانه ( أم الهند ) وقتها عرفت لماذا كان يبكي أبي حين يكون غموسنا الرز فقط والغريب أني شاهدت هذا الفيلم ليلة الجمعة لأجيء الى أبي وأقول له : لقد شاهدت دمعة مثل تلك التي اشاهدها في عينيك أثناء صلاتك.
وقتها نهرني ابي وقال : أنا لا أبكي انما تلك أمطار الله في أجفاني ، تأتي لتسقي عطشكم حين تعطشون.
قلت : وحين نجوع ؟
قال : الله يرسل رحمته وأكثرها رحمة وخبزاً تلك التي تهبط في يوم الجمعة.
كبرت ، وتخرجت وصدر أمر تعيني معلما في احدى مدارس قرى الاهوار ، وكان عليَ أن التحق بأول يوم دوام في السبت ويجب أن اسافر فجر الجمعة الى قضاء الجبايش حيث تقع المدرسة في واحدة من قرى القضاء لأكون متهيئا لدوام اليوم الأول ، ولآن أبي يذهب مبكرا الى عمله في خان الحبوب دخلت عليه في غرفته وكانت معه أمي يتحدثان بفرح عن أول ابناء العائلة من اصبح لديه راتبا حكومياً.
ولأول مرة أجمع دمعة أبي ودمعة أمي في جفن واحد هو جفني .
عانقت أمي ، وذهبت الى احضان ابي وانا اعانقه وقلت : جئت لأنال بركتكَ يا أبي ولكن من دون دموع بالرغم من ان الليلة هو الجمعة وأنا تعودت على دمعة الجمعة في أجفانك منذ طفولتي .
قال : سأحولها الى دمعة فرح كي تأخذها معك الى أول يوم وظيفي لكَ.
قلت : وهذا ما أتمناه .
عانقني وانتحب باكيا ثم ضحك. وكنت اشم فيه كل اسئلة الدموع التي كانت تسكن طفولتي وصباي .
أمي كانت تنتحب وتضحك أيضا....!
صعدت المشحوف من قضاء الجبايش الى القرية التي تقع فيها مدرستي وقد اختلطت في مشاعر الرهبة والفرح وتذكر وجه أمي الذي أرتدى وجه أبي وصنعا لي دموعا من البركات اذرفها الآن مع أصوات الطيور المخبأة بين القصب وهي تطير فزعة مع اقتراب مقدمة المشحوف منها ، وأجعل تلك الدموع تلويحةً أسلم بها على رجال يدفعون بشخاتير أخرى وهم يطالعون بحذر وتمعن الأفندي الذي يشاهدوه لأول مرة في هذه الديار وربما ظني البعض الموظف الذي يأتي للجباية .
وهكذا أعبر بوابة أجفان أبي وكفاحه العسير في الحياة . أدلف الى عالمي الجديد معلما لدرس الجغرافية في مدرسة ربما سأعشقها مكاناً وبشراً وتضاريس...........!
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟