|
سيدتي الحكومة
عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 4875 - 2015 / 7 / 23 - 12:27
المحور:
الادارة و الاقتصاد
سيدتي الحكومة
سيدتي الحكومة .. الفاضلة .. الرشيدة . انّ هذا الذي تفعلينه الآن ، في هذه المحنة ، و بنيّةٍ حَسِنَةٍ ، إنّما تفعلينهُ في وقتٍ لا تنفعُ معهُ النيّات الحَسِنَة. أنتِ تحاولين ترقيع ثوبٍ واسعٍ .. مُهلهلٍ ، و منخورٍ ، و مأكول .. برُقَعٍ صغيرة . رُقَعٍ صغيرةٍ جداً ، وباهتة اللون ، لا تتناسبُ مع شروخ الاحتياجات الضخمةِ المتنوّعة التي لا ينفعُ معها غيرُ تصميمنا لثوبٍ جديدٍ ، بلونٍ جديد ، ومقاسات اخرى ، وخيّاطين جُدُدْ ، و " مكائن " جديدة ، لعلنا بذلك نستطيعُ سِتْرً أهم عيوبنا " الحسّاسة " ، وليس كلّها ، ولو إلى حين . سيدتي الحكومة . اخرجي إلى العراقيين المساكين في هذا القيظ القاتل .. وأخبريهم بكلّ بساطةٍ ، ودون إشهار السيوف في وجوههم ، بما يأتي : - نحنُ أيّها العراقيّون الأعزاءُ ..على حافّة الإفلاس . - نحنُ كذلك .. لأنّ الأمر ليس بيدنا . لم يكن يوماً بيدنا . وأن هذا الذي يحدثُ ، إنّما يحدثُ لأسبابِ كثيرةٍ ، ليست كلّها من صُنْعِنا بطبيعة الحال . - يحدثُ ذلك .. لأنّنا كُنّا أصلاً خارج " اللعبة " . لعبة المصالح المعقدّة ، وتبادل المنافع ، وتقاسم الأعباء ، وانتهاز الفَرص . و في هذا العالم المُلتَبِس .. ها نحنُ وحدَنا . لا أحد يسألنا ، أو يأبهُ بنا ، أو يُراعي مصالحنا .. لأنّنا لم نفعل شيئاً لتغيير هذه القواعد يوماً ، ولا نستطيعُ أن نفعل ذلك الآن .. وقد لا نستطيعُ أن نفعل ذلك ابداً . - يحدثُ ذلك .. لأنّ علينا أن نصدّر سبعة ملايين برميل من نفطنا يومياً ، لكي نحصل ( بسعر اليوم ) على العائدات ذاتها التي حصلنا عليها في عام 2013 .. يوم كانت الموازنةُ العامة للدولة مترعة بالريع النفطي ، وباذخة ، وانفجاريّة ، وأكبرُ موازنةٍ في تاريخ العراق الحديث . ومع ذلك فقد خسرنا في منتصف العام 2014 ثُلث أراضينا ، والكثير من مواردنا الماديّة والبشرية ، والعديد من مصادر تكوين ناتجنا المحلي الإجمالي . - يحدثُ ذلك لأنّنا .. ( يا أيّها البسطاء المساكين ، وبدون الحاجة لخبراء ومستشارين ، وعلماء اقتصاد ، وباحثين .. و " بحساب العَرَب " الذي تعرفونهُ جيداً ) .. نُصَدّرُ الان ثلاثة ملايين برميل يومياً فقط . ونبيعها بسعر يتراوح ( في افضل الأحوال ) بين 45 إلى 48 دولار للبرميل . بينما كانت تقديراتُ موازنتنا العامة لعام 2015 ( مع كلّ تقشفّها ، وعجزها الهائل ، وهو العجز الأكبر في موازنات العراق الحديث ) تفترض أنّنا سنصدّر 3.3 مليون برميل يومياً ، بسعر قدره 56 دولار للبرميل . - يحدث ذلك ..لأنّنا كنّا نعتقدُ انّ سعر خام برنت سيبدأ في الارتفاع في النصف الأوّل من عام 2015 . وأنهُ سيواصل ارتفاعه إلى ان يصل إلى 70 دولار للبرميل في النصف الثاني منه . ولكن .. وبدلاً عن ذلك .. ها هو السعر الان يهوي إلى 56 دولار للبرميل ( وسعر خام تكساس إلى 50 دولار للبرميل ) . - واستناداً لذلك .. أخبِري العراقيين أنّ الأيّام القادمة قد تكونً أسوأ . فبعضُ الدول النفطيّة ( الكبرى ) غيرُ راضيةٍ عن الاتفاق النووي الايراني . وانّها قد تضخّ المزيد من النفط في السوق . وأنّ الأسعار قد تتدهور أكثر، ، واكثر ، وأكثر ، لحرمان أيران من جني ثمار اتفّاقها مع الدول الخمس الكبرى . - و أخبريهم أيضاً أنّ منافذ تصريف نفطنا في الصين والهند واليابان ، ودول جنوب شرق آسيا ( حتّى مع هذه الأسعار المنخفضة ) تضيقُ ، و تتضاءلً يوماً بعد آخر .. وانّنا لا نملكُ الحيلة والوسيلة لمنافسة الاخرين . - أخبريهم بأنّ ذلكَ يحدثُ .. لأنّ لا مصادر يُعتَدُّ بها لدخلنا غير النفط .النفطُ هو" راعينا " و" أبونا " و" أمّنا " .. منذ العام 1958 وإلى العام 2003 . ومنذ العام 2003 إلى هذه اللحظة . ومن هذه اللحظة إلى عقد كامل (على الأقل ) ، إذا نجحنا في " تنويع " اقتصادنا ، والخروج به من أزماته المركبّة المستدامة . ومن هذه اللحظة إلى الأبد .. إذا لم نتمكن من فعل ذلك . - أخبريهم بأنّ ذلكَ يحدثُ .. لآنّ أزمتنا هي أزمة " اقتصادية " . أزمة اقتصاديّة – هيكليّة – مزمنة – وخانقة – وطويلة الأمد . وليست أزمة " ماليّة " عابرة ، ولا أزمة " نقديّة " .. ولا أزمة سيولة قصيرة الأجل . - قولي لهم ذلك . قولي لهم أنّنا أصبحنا على حافة " إفلاسنا " هذا ، بعد ان " أفلسنا " على أكثر من صعيد ، ولأكثر من سبب . وكاشفيهم بالنتائج .. وأخبريهم بالأسباب . - قولي لهم . لهؤلاء الناس الذين تحكمونهم ، وتتحكّمون بمصائرهم ، وكرامتهم ، ولقمة عيشهم .. أنّ اليونان قد أفلستْ ( ليس مثلنا طبعاً ) ، وليس لذات الأسباب . ولكنها قد افلستْ مع ذلك . وتقشفّتْ ( ليس مثلنا طبعاً ) . وغيّرت حكومتها ، وتفاوضتْ . وقايضت الدائنين بالحكمة والأمل بأداءٍ اقتصاديّ أفضل . ووقفت في وجه قادة الاتحاد الأوروبي ( وهي المدينة المُفلسة ، التي لا تملكُ نفطاً ) وقفة الندّ للند . وهدّدتهُم بالخروج من منطقة اليورو . وأقفلت مصارفها . وقدّمت الكثير من التنازلات . ووافقتْ على " حزمة انقاذها " بعد مفاوضاتٍ شاقة . وأقالتْ الوزراء الذين عارضوا ذلك . وصارحتْ " مواطنيها " بتفاصيل ما حدث ، وبما سيحدثُ لهم جرّاء سياستها هذه .. ولو بعد حين . - قولي لهم ان اليونان قد فعلتْ ذلك . وغيرها قد يفعلُ ذلك . ولكنّنا لا نعرف كيف يفعلون ذلك .. ولا نستطيع أن نفعل مثلهم على أيّة حال . - قولي للناس كلّ شيء . أيّ شيء . واتركي اجراءات الترقيع " واللصق " ، ومهرجانات اللغو ، واستعراضات التهريج هذه .. فهي لم تعد تُخدّر أحداً ، ولا تستطيعُ أن تسْتُرَ عَوْرَة . قولي لهم أنّ عوراتنا كثيرة .. و أغطيتنا قليلة .. في هذا البلد " الحار" .. الغارق بـ " النفايات " .. و الغبار .. والسَبَخ .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمّي .. وأنجيلا ميركل .. وأنديرا غاندي
-
موجز تاريخ العيد
-
لا تخسري الرائحة . المرأةُ .. رائحة
-
5 + 1 إيرانيّة .. و 5 +1 عراقيّة
-
درهم جمهوري .. و 12 رغيف خُبز
-
درهم مَلَكي .. و 12 رغيف خُبز
-
القلوب الكسيرة .. التي تلبطُ على الرمل
-
بلادي التي تجور .. وأهلي الشحيحون .. و دولتي الفاشلة
-
محكمة لتاريخ النفط ، والعائدات النفطية ، في العراق الحديث (
...
-
محكمة لتاريخ النفط .. في العراق الحديث
-
عُصبة سبارتكوس .. في قيصريّة حنَش
-
يمعودين شنو السالفة .. إنتو وين ؟
-
كيف يكونُ العراقيُّ سعيداً .. في العراق
-
عندما تتلف المعاملات .. لا معنى للعبادات
-
النظام التعليمي في العراق ، وقرار - العبور - لطلبة المجموعة
...
-
خام برنت .. المُبارَك
-
عن الجنودُ الصائمين .. في تلك الحرب البعيدة
-
العراقُ الذي .. لا يشبهُ شيئاً
-
الأسكندر الذي يبكي .. على حافّة العالم
-
عندما يمرُّ وجهُكِ بي
المزيد.....
-
الجزائر وموريتانيا توقعان على مذكرة تفاهم لاستكشاف وإنتاج ال
...
-
أسهم أوروبا عند ذروة قياسية بعد خفض الفائدة
-
رابطة الكُتاب الأردنيين في -يوبيلها- الذهبي.. ذاكرة موشومة ب
...
-
الليرة السورية تسجل 9900 أمام الدولار في السوق الموازية للمر
...
-
20 مليار دولار صادرات تركيا إلى أفريقيا العام الماضي
-
سعر جرام الذهب عيار 21 سعر الذهب اليوم في محلات الصاغة
-
تقارير أمريكية: الولايات المتحدة تتقهقر اقتصاديا أمام -بريكس
...
-
رئيس البرازيل: سنرد بالمثل إذا فرض ترامب رسوما جمركية
-
المغرب يطلق 20 مشروعا استثماريا بقيمة 1.7 مليار دولار
-
شركات صينية تبني سكة حديدية بملياري دولار تربط تنزانيا ببورو
...
المزيد.....
-
دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|