أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - التهامي صفاح - الجزائر: للروائي بوجدرة : الرب ليس هو الله فعلا















المزيد.....


الجزائر: للروائي بوجدرة : الرب ليس هو الله فعلا


التهامي صفاح

الحوار المتمدن-العدد: 4873 - 2015 / 7 / 21 - 21:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إليك الأدلة
على قناة الشروق نيوز الجزائرية و في أحد برامجها الحوارية إستضافت الإعلامية المتميزة مديحة علالو الروائي والشاعر الشمال إفريقي (من الجزائر) رشيد بوجدرة .
أقتطف بداية الحوار الذي يهمنا في هذا المقال :
"- الإعلامية مديحة علالو : يتهمونك أنك شخص ملحد ما ردك؟ كيف تدافع عن نفسك ؟ "
–رشيد بوجدرة : الدفاع عن إلحادي مثلا ...بالنسبة لي الإلحاد قضية شخصية .بين ظفرين (بيني وبين ربي) و (لكم دينكم ولي ديني ) إذن ما معنى الإلحاد ؟ .....
قاطعته الأعلامية بسؤال .
- الإعلامية : كيف (بينك وبين ربي) و هذا الرب لا تؤمن به ؟
- رشيد بوجدرة : الرب باللغة العربية ليس فقط الإله ..أشياء كثيرة في كلمة "رب" ..نقول (رب العائلة) (رب كذا) إلخ ...هو الرئيس ..يعني فقط .... كيف أدافع عن إلحادي ؟
..يعني ممكن دراستي . ممكن تعمقي في الأمور . و أنا ملحد متصل كثيرا بالتصوف ....و التصوفية و إبن عربي و الأمير عبد القادر الذي كان متصوفا كبيرا كذلك ..."
انتهى المقتطف من الحوار.

قبل الدخول في تفاصيل موضوع المقال الأساسي لابد من الإشارة بخصوص إعلان الإلحاد من طرف السيد رشيد بوجدرة على قناة مفتوحة للجمهور كما رأينا و سمعنا في الفيديو رغم تراجعه التكتيكي في الأيام الموالية للحوار الذي إتهم فيه القناة بتشويه تصريحاته و نشرها دون إذن منه أنه يشدد على أن مسألة الإعتقاد هي مسألة شخصية (قال عبارة من المصحف العثماني هي (لكم دينكم و لي دين) بمعنى أنه لا يسمح لأحد بالتدخل في إعتقاداته أو يفرض عليه أي أفكار دينية أو يأمره بالخضوع أي أنه إنسان حر. و معنى هذا أن الإلحاد هنا يعني التحرر من التبعية و الخضوع للآخر.و بما أن الدين يُستعمل لأغراض سياسية ، نستنتج أن الإلحاد عنده موقف سياسي تجاه من يفرضون التخلف و يمنعون النهضة و التقدم ويريدون فرض الوصاية على الناس و السيادة على عقولهم بمعلومات لا دليل علمي عصري عليها كتبها أناس جاهلين منذ القرون الغابرة لكن للأسف لا يزال اليوم من يصر على أن المعزة تطير ولو أنها ليست من الطيور... .
أما من الناحية المعرفية فيمكن الإعتقاد كما بيننا سابقا في مقالات عديدة بوجود شخصية غير مادية غيرمجنسة أبدية ذات علم مطلق موجدة للكون سميناها "القدرة الإلهية العظمى" Divine Great Power (DGP) في إشارة لعظمة الكون و ما فيه من ظواهرمذهلة .
والحوار العقلاني الذي يجب ان يتصف به أي خطاب موجه للجمهوريجب أن يخاطب العقل ولا يحتاج لسيف كي يفرض نفسه .لأنه لو أحتاج السيف فالنتيجة المنطقية هي أن السيف أقوى دليل على ضعف الحجة و بالتالي على البطلان .
و الاعتقاد بوجود شخصية موجدة للكون هي مجال فكري مفتوح لجميع الناس لا يعطي الشرعية لاي كان لإدعاء تمثيلها على الارض .لان هذا الادعاء سيحتاج من الناحية المنطقية القانونية لتفويض . فهل هناك من يستطيع من الغابرين او الحاليين المدعين أن يدلي بهذا التفويض ؟
عودة للموضوع الأساسي ، فقد وجدت مقالا لأحد الإخوة يتعرض لهذه المسألة على الأنترنيت .وإليكم الرابط أسفله للإطلاع عليه .
يقول الأخ الذي فضل عدم ذكر إسمه الحقيقي ووقع مقاله بإسم مستعار هو "الإسلام حق":
"تأكدت من أن كُتَّاب و مؤلفي العهد الجديد (أي الإنجيل .القوسين من عندي) لم يكونوا يعنون بكلمة الرب عند إطلاقها على المسيح معنى الله الخالق الرازق أبدا، بل يعنون بها معنى المعلم و السيد المطاع أمره، فكلمة الرب كانت وصفا لمنزلة المسيح الرسالية النبوية التعليمية و مقامه ومنصبه الذي أقامه الله فيه، لا وصفا لطبيعته أو تحديدا لجوهر ذاته"
إنتهى المقتطف الأول.
و معنى ذلك أن الأخ فعلا تفطن للبس لم يعرف كيف يصل لتوضيحه و بقيت النتائج التي كان يجب أن يصل لها من بحثه بعيدة المنال .و كيف يمكنه الوصول وهو يسمي مقاله رد على شبهة . شبهة ؟ يعني ليس لك الحق في الاعتراض و اللا ايه؟
يقول :
" الشبهة السابعة
تعبير بولس عن المسيح بِ " الربّ "
الرد على هذه الشبهة :
كلمة " الرب " هي عبارة بولس المفضلة عندما يشير إلى المسيح عليه السلام".
إنتهى المقتطف الثاني .
فكلمة "رب" هنا ليست عبارة بولس كما قال الاخ "الإسلام حق" بل هي أبعد من ذلك كلمة أصلها الحقيقي في الثراث الديني المندائي كما سنرى بعد قليل .
لقد كانت لي شخصيا مع كلمتي الرب و الله قصة أسردها بإقتضاب لأنها كانت من بين أشياء أخرى سببا للبحث في الأديان .
فقد تعرفت في الكنيسة المغربية (الكنيسة هنا بمعنى جماعة المؤمنين كما يسميها الثراث المسيحي ) على أول ترنيمة تجعل من يسوع رباً عنوانها "أحبك رابي يسوع" تقول كلماتها:
" أحبك رابي يسوع وليس لي سواك ....أتبعك رابي دوما و ليس لي سواك ....الخ )
هنا يسوع هو رب أي إله.
بين قوسين أنا لا أتبع أي يسوع..ولا أي شخص محكوم بالفساد (بالمعنى البيولوجي أي التحلل و الاندثار) إنما أتبع العقل و مكتسباته عبر التاريخ ..الصنع الإلهي الاكيد والرسول الذي يهدي لسبل الحياة الافضل والعلم و المعرفة كاشفة القوانين الالهية ..(يعني القوانين الطبيعية) .
و ثاني ترنيمة هي"الرب هو الله" (مكتوبة هكذا)..تقول أولى كلماتها:
"الرب هو الله ، هو صنعنا، ونحن شعبه ، وغنم مرعاه..."
لقد أثارت إنتباهي عبارة الرب هو الله هذه .و تساءلت لماذا يتم تأكيد هذه المطابقة هنا و كأن هناك من يقول العكس أي أن الرب ليس هو الله كما تعلمنا ذلك في الكتاتيب القرآنية و نحن صغار حيث كنا نردد مرات عديدة
"إقرأ باسم ربك الذي خلق ..خلق الإنسان من علق"...الخ ؟؟
هذا دفعني للبحث في ديانات الشرق الأوسط الذي جاءتنا منه كل هذه الأوجاع من الإرهاب. وجدت فيما بعد عند بحثي في ديانة الصابئة المندائيين الذين كانوا في شبه الجزيرة العربية والمذكورين في 4 مواقع بالمصحف العثماني هكذا :
(إن الذين آمنوا والذين هادوا و النصارى والصابئين الخ سورة البقرة) ،
أن كلمة "رابي" المكتوبة هكذا مكسورة في اللغة المندائية لها معنيين :
الأول هو "العظيم" مثل ما في العبارة المندائية "هايي رابي" (أي الحي العظيم).
"هايي رابي" عند المندائيين هو المقابل لاسم "الله" عند المسلمين .
و بالمناسبة فإسم "الله" نفسه هوتغيير لإسم "ألوهو" المسيحي السرياني الشرقي القديم قبل الاسلام والذي يدل على نفس المعنى .
والمعنى الثاني لكلمة "رابي" في اللغة المندائية هو "الكاهن" عند المندائيين أو رجل الدين أو العالم .لأن كلمة "مندا" المندائية تعني "العلم" أو المعرفة.و يمكن ترجمة عبارة "الصابئة المندائيون" للعربية بِ"المتطهرون (بالماء) العلماء" .
ومعلوم أن نصو ص الدين المندائي سابقة تاريخيا على نصوص الإنجيل وبالتالي على المصحف العثماني .لذلك فيوحنا المعمدان الذي يقال في الإنجيل أنه قام بتعميد المسيح (أي غطس هذا الأخير في الماء من أجل التطهير من الخطايا لبداية خدمته كمبشر بالإنجيل ) ، يُعتبر نبيا رابعا و أخيرا مقدسا عند المندائيين .و هو الشخصية الوحيدة التاريخية المقدسة لديهم. يوحنا هذا أو "يهنا" باللغة المندائية مذكور بالإسم في المصحف العثماني تحت إسم "يحيى" في سورة مريم .
و بما أن المندائيين سبقوا في تسمية الكاهن أو رجل الدين لديهم ب"الرابي" فقد وُجدت هذه التسمية في الإنجيل أو الأناجيل التي كُتبت فيما بعد .
نجد في (إنجيل متى 7 : 22-23 ) نص يقول أن يسوع قال: "كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!"
في نص آخر وإنجيل آخر (إنجيل يوحنا 38:1 بترجمة الحياة الصحيحة من حيث النقل ) يقول: وَالْتَفَتَ يَسُوعُ فَرَآهُمَا يَتْبَعَانِهِ، فَسَأَلَهُمَا: «مَاذَا تُرِيدَانِ؟» فَقَالاَ: «رَابِّي، أَيْ يَامُعَلِّمُ، أَيْنَ تُقِيمُ؟»
إن كتابة كلمة "رابي" مكسورة هي لغة مندائية و لها المعنى المترجم كما في إنجيل يوحنا أي المعلم أو العالم أو الكاهن الذي يسأله الناس أسئلة حول الوجود و السلوك و ما يدور في خلدهم من أسئلة و ليست معناها "الله" .
جاء في رسالة العبرانيين التي ينسبون كتابتها لبولس الرسول ما يلي الاصحاح 4 : 14 : فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد إجتاز السماوات، يسوع ابن الله، فلنتمسك بالإقرار.
و يقولون عن يسوع في الإنجيل أنه كان يداوم على زيارة الهيكل و التعلم فيه بسرعة في مدينة أور شليم jerusalem (القدس الحالية بالعربية) و عرف الناموس أي الشريعة في سن مبكر كدليل على نباهته و معرفته بثقافة الدين اليهودي و تفوقه و بالتالي شيء طبيعي أن يسأله الناس و يبدي نبوغا في تعليم الآخرين لدرجة تسميته برئيس الكهنة في رسالة العبرانيين الآنفة الذكر .لذلك كانت تسمية "الرابي" تعني الكاهن والمعلم و سموا أتباعه القريبين منه "تلاميذ".
إن مفهوم "يا راب يا راب" الموجودة هنا و إن كتبت بدون ألف تعني الكاهن فحسب.و نصوص أخرى تقول أن البعض جاء عند يسوع وقالوا له "يا رب " ثم يشرحها النص الإنجيلي قائلا " قالوا له يا رب أي يا معلم" .نجد هنا نفس المفهوم الذي قلنا في المندائية أي "الرابي" الانفة الذكر التي تعني الكاهن.
لمفهوم "الرابي" هذا ، في الثقافة الإسلامية، يمكن مطابقة مفهوم العالم أو الشيخ أو الفقيه أي الذي يلجأ له الناس نظرا لما يُحتمل عنده من تبحر في هذه الثقافة .
هناك نص في المصحف العثماني يقول "إتخذوا أحبارهم (يقصد اليهود) و رهبانهم (يقصد المسيحيين) أربابا من دون الله والمسيح بن مريم " .
الحقيقة كما بيننا من خلال بعض نصوص الإنجيل أن كلمة أرباب لا تعني آلهة و إنما تعني كهنة أو رجال دين فحسب .إذن هناك خلط بين المفهومين في الإنجيل نفسه حتى فاض هذا الخلط فأنتج أن الرب هو الله والمسيح هو الله .و من هنا نفهم إعتراض بعض العرب القدامى على هذا الخلط ،و معهم الحق طبعا ، فتساءلوا كيف يكون المسيح و هو إنسان إلهًا ؟

بعض الاقباط يستدلون بهذا النص أي "إتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله و المسيح بن مريم " ليقولوا بأن القرآن يعترف بأن المسيح هو الله .وهم هنا يعطفون المسيح على الله في العبارة الآنفة الذكر و كأن " إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم" تعني "إتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله و من دون المسيح بن مريم " . وبما أن المصحف العثماني يشدد على أن "المسيح ليس هو الله" قائلا " كَفر الذين قالوا المسيح هو الله" فمعنى ذلك أنها تعني "إتخذوا أحبارهم و رهبانهم و المسيح بن مريم أربابا من دون الله" .
المسيحيون الأوائل خلطوا بين كلمة الراب و الله طبعا كما تقول الترنيمة "الراب هو الله" أو "الرب هو الله" فتبعهم اللاحقون .
وهناك شيوخ مسلمون كثيرون يشرحون الربوبية والألوهية كمعنيين مختلفين لكن يقصدان الله في كليهما أي أنهم يخلطون بين المفهومين غير مطلعين على أصل هذه الكلمات المختلفة المعنى فيقولون أن الاعتراف بالربوبيية تعني الاعتراف بوجود الله فقط .لكن الاعتراف بالالوهية تعني الاعتراف بالعبودية لله أي عبادته .هذا هو الفرق الذي يعطون .
و للمضي قدما في تثبيت هذا الخلط عند المسيحيين كانت الحاجة لمفهوم التجسد المسيحي الذي يقول أن الله تجسد في المسيح يسوع .و يستدلون على التجسد بنص من سفر إشعيا من الكتاب المقدس يقول "ها العذراء تحبل و تلد لنا إبنا يدعى إسمه عمانويل أي الله معنا .
و هنا يأتي الإعتراض القرآني أي أن الإنسان لا يمكن أن يكون إلها في محله كما إعترض على ذلك الكهنة اليهود في الإنجيل حين قالوا ليسوع كيف تجعل نفسك إبنا لله و أنت إنسان ؟ و سموا ذلك تجذيفا أي كفرا في المصطلح الاسلامي و طلبوا من الحاكم الروماني الحكم عليه بالموت..
الخلاصة كما الحقيقة هي أن كلمة "الرابي" في أصلها المندائي أو "الرب" كما تم تغييرها في الانجيل تعني الكاهن أو المعلم أو الراهب أي أحد ممثلي الدين فحسب و ليس الله نفسه.
و لذلك فحين يشتم أحدهم آخرين ويخاطبهم بالشتيمة التالية المتداولة كثيرا : "يلعن دين ربكم" أو "يلعن ربكم " ففي الحقيقة لا يقصد دين الله أو الله و إنما دين الكاهن أو الكاهن أي تفسيراته المعوجة أو تحريفه للتعاليم الدينية أو كل ذلك ...
و تحياتي للروائي رشيد بوجدرة و كذلك للاعلامية المتميزة مديحة علالو.
و لكل الأحرار عبر العالم .

الروابط :
رابط الحوار بين مديحة علالو و رشيد بوجدرة على قناة شروق نيوز الجزائرية :
https://www.youtube.com/watch?v=Q0DxzNCj93E
رابط مقال الاخ "الإسلام حق" على الفيسبوك :
https://www.facebook.com/permalink.php?id=129515390561930&story_fbid=148141678699301
مقال "الإسلام حق " على الفيسبوك:
الشبهة السابعة
تعبير بولس عن المسيح بِ " الربّ "
الرد على هذه الشبهة :
كلمة " الرب " هي عبارة بولس المفضلة عندما يشير إلى المسيح عليه السلام، و هو يكررها في رسائله كثيرا، خاصة في افتتاحيات رسائله حين يقول مثلا: "عليكم النعمة و السلام من لدن أبينا و الرب يسوع المسيح، تبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح... " (2 قورنتس: 1/2 ـ3)، أو قوله: " و يشهد كل لسان أن يسوع المسيح هو الرب " (فيليبي: 2/1)... الخ.
و الحقيقة أن وصف المسيح بالربّ أو بربِّنا، لا يقتصر على بولس بل يقول به جميع أصحاب رسائل العهد الجديد الآخرين أيضا، أي القديسون يوحنا و بطرس، و يهوذا و يعقوب أخوا المسيح عليه السلام لأمه.
و كان هذا مما صدمني جدا لما طالعت العهد الجديد لأول مرة، إذ كنت أتصور أن مرادهم من كلمة الرب ما نعهده نحن المسلمون منها: أي رب العالمين و بارئ الخلائق أجمعين الخالق الرازق سبحانه و تعالى... فكنت أستغرب وأستهجن وصف المسيح الذي هو عبدٌ لله تعالى و محتاج لمدده، بصفة الرب، أي جعله خالقنا و رازقنا مع أنه هو نفسه مخلوق و مرزوق من الله!!
إلا أني لما تبحرت بمطالعة العهد الجديد و درست مدلولات بعض ألفاظه، خاصة لفظة الرب و مشتقاتها، دراسة مقارنة دقيقة، تأكدت من أن كتَّاب و مؤلفي العهد الجديد لم يكونوا يعنون بكلمة الرب عند إطلاقها على المسيح معنى الله الخالق الرازق أبدا، بل يعنون بها معنى المعلم و السيد المطاع أمره، فكلمة الرب كانت وصفا لمنزلة المسيح الرسالية النبوية التعليمية و مقامه ومنصبه الذي أقامه الله فيه، لا وصفا لطبيعته أو تحديدا لجوهر ذاته.
و قد سبق و أشرت، في الفصلين الماضيين، لبعض الشواهد من الأناجيل التي تدل على ذلك، و فيما يلي إعادة سريعة لها :
(1) فقد جاء في إنجيل يوحنا أن اليهود كانوا يخاطبون النبي يحيى عليه السلام بعبارة :"رابِّي " (يوحنا: 3/26) ، و من الواضح أن أحدا لم يقصد ألوهية يحيى عليه السلام .
(2) كما جاء في نفس الإنجيل (يوحنا: 1/38) أيضا ما نصه:
" فقالا (للمسيح): ربِّي!، الذي تفسيره يا معلم، أين تمكث؟ "
[ ملاحظة: جملة: (الذي تفسيره يا معلم) المعترضة، هي ليوحنا نفسه مؤلف الإنجيل و ليست لأحد من الشراح، فهي من متن الإنجيل نفسه وليست مضافة] .
(3) و جاء في إنجيل يوحنا كذلك (20 / 16) :
" قال لها: يا مريم! فالتفتت إليه و قالت له ربوني الذي تفسيره: يا معلم ".
(4) و جاء أيضا في إنجيل يوحنا (13/ 13 ـ 14)أن المسيح قال لتلامذته:
" أنتم تدعوني " المعلِّم و الرب " و أصبتم فيما تقولون فهكذا أنا. فإذا كنت أنا الرب و المعلم قد غسلت أقدامكم فيجب عليكم أنتم أيضا أن يغسل بعضكم أقدام بعض ".
لكن النسخة التقليدية القديمة (البروتستانتية)للعهد الجديد ترجمت نفس تلك الآيات كالتالي:
" أنتم تدعوني معلماً و سيداً و حسنا تقولون لأني أنا كذلك، فإن كنت وأنا السيد و المعلم غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أقدام بعض"
إذاً ما ترجم بالسيِّد في الترجمة التقليدية القديمة، ترجم بالربّ في الترجمة الحديثة، أي اختيرت لفظة الرب بدلا من السيد لترجمة الأصل اليوناني، مما يؤكد أن المقصود بالأصل من كلمة الرب هو معنى السيد و أنهما مترادفان.
(5) و جاء في إنجيل لوقا (20 / 41 ـ 44) أن المسيح عليه السلام قال لليهود:
" كيف يقال للمسيح أنه ابن داود و داود نفسه يقول في كتاب المزامير: "قال الرب لربِّي: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك"؟ فداود نفسه يدعو المسيح ربا، فكيف يكون المسيح ابنه؟ ".
في هذا النص يستند المسيح عليه السلام لآية في مزامير داود (الزبور) يعتبرها بشارة عنه، فإذا رجعنا لمزامير داود في العهد القديم وجدنا أن البشارة هي الآية الأولى من المزمور رقم 110، و لفظها ـ كما في الترجمة الكاثوليكية الحديثة ـ:
" قال الرب لسيّدي اجلس عن يميني حتىأجعل أعداءك موطئا لقدميك" العهد القديم / ص 1269.
فما عبر عنه المسيح بلفظة ربي هو في الحقيقة بمعنى سيدي و لا حرج فالمقصود واحد.
لذلك نجد أن الترجمات العربية المختلفة للعهد الجديد، خاصة القديمة منها كانت تستخدم لفظة السيد في مكان لفظة الرب، و لفظة المعلم في مكان لفظة رابِّي. و فيما يلي أمثلة مقارنة تدل على ما نقول، أخذناها من ثلاث ترجمات مختلفة للعهد الجديد هي التالية (من الأقدم إلى الأحدث):
• الترجمة البروتستانتية القديمة التي قامت بها: جمعية التوراة البريطانية و الأجنبية، طبع كامبريدج، بريطانيا. و رمزتُ لها بالترجمة البريطانية البروتستانتية.
• الترجمة المسماة: كتاب الأناجيل المقدسة. طبع المطبعة المرقسية الكاثوليكية بمصر في عهد رئاسة الحبر الجليل الأنبا كيرلِس الثاني بطريرك المدينة العظمى الإسكندرية و سائر الكرازة المرقسية، سنة 1902 مسيحية. و رمزتُ لها بالترجمة المصرية الكاثوليكية.
• ترجمة الكتاب المقدس الحديثة التي قامت بها الرهبانية اليسوعية في بيروت عام 1989 و نشرتها دار المشرق. و رمزتُ لها بالترجمة البيروتية اليسوعية.
موضع الشاهد
الترجمة البريطانية البروتستانتية
الترجمة المصرية الكاثوليكية
الترجمة البيروتية اليسوعية
إنجيل يوحنا: 1/ 49
أجاب نثنائيل و قال له: يا معلم ! أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل.
أجاب ناثانائيل و قال له: رابي ! أنت هو ابن الله أنت ملك إسرائيل.
أجابه نتنائيل: رابي ! أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل.
إنجيل يوحنا: 3/ 1 ـ 2
هذا جاء إلى يسوع ليلا و قال له: يا معلم نعلم أنك قد أتيت من الله معلما لأنه ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه.
فجاء إلى يسوع ليلا و قال له: رابي ، نحن نعلم أنك أتيت من الله معلما لأنه ليس يقدر أحد أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل ما لم يكن الله معه.
فجاء إلى يسوع ليلا و قال له: رابي ، نعلم أنك جئت من لدن الله معلما فما من أحد يستطيع أن يأتي بتلك الآيات التي تأتي بها إن لم يكن الله معه.
إنجيل يوحنا: 4 / 11.
قالت له: يا سيد ! لا دلو لك و البئر عميقة فمن أين لك الماء الحي؟
قالت له الامرأة: يا سيدي ! إنه لا مستقى لك و البئر عميق فمن أين لك الماء الحي؟
قالت له المرأة: يا رب ! لا دلو عندك و البئر عميقة، فمن أين لك الماء الحي؟
إنجيل يوحنا: 4 / 15.
قالت له المرأة: يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش...
قالت له الامرأة: يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش...
قالت له المرأة: يا ربّ ، أعطني هذا الماء لكي لا أعطش..
إنجيل يوحنا:4 / 49.
فقال له خادم الملك: يا سيد! انزل قبل أن يموت ابني. فقال له يسوع: اذهب ابنك حي !
فقال له الرئيس: يا رب ! انزل قبل أن يموت فتاي. فقال له يسوع: امض فابنك حي!
فقال له عامل الملك: يا رب ! انزل قبل أن يموت ولدي. فقال له يسوع: اذهب إن ابنك حي!
إنجيل يوحنا: 5/7
أجابه المريض: " يا سيد ، ليس لي إنسان يلقيني في البِرْكة متى تحرك الماء
أجاب المريض وقال: " يا سيد ليس لي إنسان لكي إذا تحرك الماء يلقيني في البِرْكة
أجابه العليل: " يا رب ، ليس ليمن يغطني في البِرْكة عندما يفور الماء ..
إنجيل يوحنا: 6 / 34.
فقالوا له: " يا سيد ! أعطنا في كل حين هذا الخبز.
فقالوا له: " يا سيد ! أعطنا هذا الخبز في كل حين.
فقالوا له: " يا رب ! أعطنا هذا الخبز دائما أبداً.
إنجيل يوحنا: 13 / 36.
قال له سمعان بطرس: يا سيد إلى أين تذهب؟ قال يسوع: حيث أذهب لا تقدر أن تتبعني...
قال له سمعان بطرس: إلى أين تذهب يا رب؟ أجابه يسوع: حيث أذهب أنا لا تقدر أن تتبعني...
فقال له سمعان بطرس: يا رب إلى أين تذهب؟ أجاب يسوع: إلى حيث أنا ذاهب لا تستطيعُ الآن أن تتبعني...
إنجيل يوحنا: 14 / 5.
قال له توما: يا سيد ! لسنا نعلم أين تذهب فكيف نعرف الطريق؟
قال له توما: يا رب ! لسنا نعرف أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق؟
قال له توما: يا رب ! إننا لا نعرف إلى أين تذهب فكيف نعرف الطريق؟
إنجيل يوحنا: 14 / 8.
فقال له فيليبس: يا سيد ! أرنا الآب و كفانا!
قال له فيليبس: يا رب ! أرنا الآب و حسبنا!
قال له فيليبس: يا رب ! أرنا الآب و حسبنا!
وأكتفي بهذه الأمثلة، و الحقيقة أن هذا نجده في كل مواضع استخدام لفظة الرب في الترجمات المختلفة و القديمة بشكل خاص، و أعتقد أن ما ذكر يكفي لليقين بأن مراد كاتبي الأناجيل و رسائل العهد الجديد، و منهم بولس، من لفظة الرب، ليس إلا معنى السيد أو المعلم المُطاع أمره.
ومن ناحية أخرى إذا رجعنا إلى القاموس العبري ـ العربي [16] نرى أن لفظة الرب العبرية تعني: [[ حاخام، معلم، وزير، ضابط، سيد ]].
فإذا عرفنا أن اللغة العبرية كانت هي لغة الكتاب المقدس الأصلية ( للعهد القديم ) الذي كان مرجع مؤلفي العهد الجديد، و عرفنا أن السيد المسيح عليه السلام كان بالنسبة إليهم: المعلم الأكبر و الحاخام الأعظم، و السيد الذي تعلو سيادته و سلطانه الروحي كل سيادة في الأرض، عرفنا لماذا كانوا يطلقون عليه لفظ " الرب " و ماذا كانوا يعنون بها.
و من الجدير ذكره هنا، و هو ما قد يفاجئ القارئ، أنه حتى في اللغة العربية، قد تطلق لفظة الرب، المطلقة من غير أي إضافة، على الملِك و السيد، كما ذكر صاحب لسان العرب حيث قال أن أهل الجاهلية يسمون الملك: الرب، و أنه كثيرا ما وردت كلمة الرب مطلقةً، في أشعارهم، على معنى غير الله تعالى [17] .
كما جاء في لسان العرب: " الرب: يطلق في اللغة على المالك، و السيد، و المدبر، و المربي، و القيِّم، و المنعم... و (عن) ابن الأنباري: السيد المطاع، قال تعالى: فيسقي ربه خمرا، أي سيده، و يكون الرب المصلح، ربَّ الشيءَ إذا أصلحه " [18] .
و قد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى عدة مرات، من ذلك الآيات التالية :
1. { قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون } يوسف / 23.
2. { يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا... } يوسف / 41.
3. { و قال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين } يوسف / 42.
4. { فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } يوسف / 50.
5. و كذلك وردت بهذا المعنى في سورة التوبة في الآية:{ اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله و المسيح بن مريم و ما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه و تعالى عما يشركون } التوبة /



#التهامي_صفاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المغرب : يا بديل أنفو الإعلام أمانة و مصداقية
- الجزائر : جبرائيل كامب مؤلف (أصول البربرية bèrbèrie ) ليس مغ ...
- مصر: السكوت و العمل أفضل .
- لحكام الخليج المشكل في القنابل البشرية و ليس النووية
- الولايات المتحدة الامريكية : للسيد روبرت لوني (إلعب غيرها لن ...
- الجزائر : كفى من التهويل في أحداث غرداية
- إيران : رسالة صادقة لا تعرف المجاملة لحكام إيران
- شمال إفريقيا والشرق الأوسط : هل سيتعظ الضرفاء من الأحداث الج ...
- بيان لإتحاد المؤمنين الربوبيين العرب لشمال إفريقيا والشرق ال ...
- المغرب - فرنسا : مدينة (نصر) تبدد مخاوف بعض المغاربة
- الجزائر : المطلوب تغيير مواقف سياسية وتعاون أمني و عسكري رفي ...
- المغرب : ايران تريد الإنتقام ردا على الدرس المغربي لها في ال ...
- اليمن :لا تخطؤوا في العملاء الحوثيين مرتين
- مصر: درس شارلي إيبدو الفرنسي الذي فات الإخوان
- المغرب يتقدم : جدل حول الإرث والمساواة بين الجنسين
- المغرب: تقنين الإجهاض يفجر الجدل
- إرهابيا ليس في القنافذ أملس
- الأردن : نصيحة للإخوان هناك
- في الرد على الأحبة القراء
- المغرب : يعود للغة الفرنسية .هنيئا له


المزيد.....




- لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
- “هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ...
- “شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال ...
- قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
- بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
- السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
- مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول ...
- المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي ...
- المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
- بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - التهامي صفاح - الجزائر: للروائي بوجدرة : الرب ليس هو الله فعلا