أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - لا تقتلوا الخيرَ... والتمرُ خيرٌ














المزيد.....

لا تقتلوا الخيرَ... والتمرُ خيرٌ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4873 - 2015 / 7 / 21 - 09:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


“من طعم ابني بلحة، صارت حلاوتها في فمي". كلمةٌ علّمتنا بها الجدّاتُ أن في "التمرة" سرًّا خاصًّا، جعلها تتسيّد مملكة الثمار. ليس لقيمتها الغذائية الهائلة كما حدّدتها علومُ الطب والتغذية، وليس لأنها أعرق ما عرف الإنسانُ من نبات وثمار تعود معرفته الأولى بها في أقدم الحضارات إلى آلاف السنين، بل لسبب آخر، أظن فيه يكمن سرُّ التمرة. التمرة هي نتاج النخلة، والنخلة إن بذرتَ بذرتَها اليومَ، تحصد بلحها بعد سنوات طوال. لهذا قد يزرعها زارعٌ، ويموت عنها قبل أن يرى ثمرها، ليطعم منها سواه. وفي المأثور القديم عرفنا عن عجوز شارف الموت شوهد يزرع فسيلة نخيل، فتعجّب راءوه وسألوه: “هل لديك أملٌ في أن تشهد ثمرة بذرتك؟” فابتسم قائلا: “زرعوا فأكلنا، ونزرعُ ليأكلَ سوانا.”
التمرة إذن هي "الرهان على الآخر". هي رمز الإيثار والمحبة. محبة الآخر وإيثار سوانا على أنفسنا، فنتعب ولا نجني من تعبنا سوى بهجة الآخرين. بهذا المعنى نفهم الحديث الشريف: “اتقوا النارَ ولو بشقِّ تمرة، فمَن لم يجد، فبكلمةٍ طيبة.” فالتمرةُ في ذاتِها "كلمة طيبة" يقولها المرءُ لسواه دون قول. لهذا يقدّم العربُ في محافلهم التمورَ كإشارة للمحبة والحفاوة العملية بالضيف، دون ثرثرة ولا لغو وفائض قول. وبهذا المعنى نفسه نشهد عبقرية المصريين الخالدة في أن يقف شبابٌ على نواصي الطرقات وقت غروب الشمس في رمضان ليمنحوا العابرين والسابلة، ممن فاجأهم آذانُ المغرب خارج بيوتهم، بضعة تمرات وكأس ماء ليكسروا صيامهم، فكأنما يقولون لهم، دون كلام: “نحبّكم.”
لكن الخاص جدًّا في مصر، هو أن الكثير من أولئك الشباب والصِبية الواقفين بأكياس التمر وكؤوس الماء ليُفطروا الصائمين، من شباب مصر المسيحيّ. تلك إحدى عبقريات مصر التي لن تجدها إلا في أرض طِيبة الخالدة التي أخفق الغزاةُ في فصم وحدة شعبها على مدار الزمان والغزوات. تلك نعمةُ النِعم التي يجب أن نحافظ عليها ونحميها من حقد الحاقدين وكيد الكائدين. وحدتنا.
قبل أيام، في أواخر شهر رمضان الذي لملم أوراقه ومضى بالأمس، وقف ثلاثة من شباب مصر المسيحي النبيل على ناصية من نواصي الإسكندرية ليقوموا بمهمتهم النبيلة في تقديم التمور لإخوانهم من صائمي المسلمين. وضعوا التمور في أكياس بلاستيكية صغيرة مكتوب عليها: “صومًا مقبولا، مع تحيات كنيسة كذا.” وفي تلك الكلمات القليلة تختبئ قصائدُ الوجود. أعلى مراتب الإنسانية والسمو فوق المذاهب العقدية، وصولا إلى مرتبة "الإنسان"، وهي الهدف الأول للأديان. أن نسمو ونغدو "إنسانًا"، لا مجرد كائن حيّ يعيش ويتناسل ويموت. فما كان من ضابط أحمق إلا أن ألقى القبض على أولئك الصبية الصغار وقدمهم للمحاكمة بتهمة "إزدراء الإسلام"!!!! فإن صحّتِ الواقعة، يجب أن أُنهي المقالَ بعدد ألف علامة تعجّب (!) قبل أن أفهم أيُّ ازدراء للإسلام في أن تقدم كنيسةٌ طيبة تمرةً لصائم مسلم؟! إنما هو قمة القمم في احترام تلك الكنيسة للإسلام وشعائره وطقوسه ومناسكه.
القضية أبعد من أولئك الصبية الذين غُرّموا ثلاثين ألف جنيه كفالة لإخلاء سبيلهم ليدفعوا ثمن نبلهم ورقيهم الشيء الكثير. المشكلة في أننا بالفعل قتلنا داخل أولئك الصبية شيئا ثمينًا لا تعوضه الأموال والثروات. قتلنا محبة الخير في قلوبهم، وفي قلب من يفكر في المستقبل وفي رمضانات قادمة أن يفعل الشيء نفسه.
أحكي لكم قصة من المأثور العربي تشرح لنا فداحة تلك الواقعة. كان هناك فارسٌ يسير في الصحراء فوق فرسه، فصادف رجلا تائهًا يتعثّر في أسماله وظمأه وجوعه. قرّر الفارسُ النبيل أن ينقذ التائه من الموت المحقق، فأركبه حصانَه ليوصله إلى المعمورة. فما كان من الرجل البائس إلا أن لكز الفرس بمهمازيه وجرى به بعيدًا عن صاحبه، وراح يضحك ويسخر من سلامة طوية الفارس النبيل وشهامته. فهتف به الفارسُ: “خذ الحصان، إن شئتَ، ولكن لا تحكي لأحد ما كان بيننا.” فأجاب اللصُّ مقهقهًا: “هل تخشى أن يُعيّرك العربُ لبلاهتك؟!” فأجاب الفارسُ: “لا! بل أخشى أن تختفي الشهامةُ من أرض العرب بعدما يعرفون ما جرى منك ومني.” فأعاد اللصُ الحصانَ للفارس، وندم واعتذر. خافَ اللصُّ، أن يختفي النبلُ من أرض العرب. فهل يتعلّم لصوصُنا.
أناشد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يردّ لأولئك الصِّبية المسيحيين النبلاء اعتبارهم وتقدم لهم مصرُ اعتذارًا رسميًّا، حتى لا يموتَ الخيرُ في أرضنا الطيبة.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 30 يونيو رغم أنفكم يا هالوك الأرض
- الله يسامحك!
- فارسٌ وجميلة وبعض خيال
- ليه كده يا أم أيمن؟!
- لماذا أكتب في -نصف الدنيا-؟
- القرضاوي يفخّخ المصريين بالريموت كونترول
- أصعبُ وظيفة في العالم
- شركات الاتصالات: اخبطْ راسك في الحيط
- السراب
- وسيم السيسي... سُرَّ من رآك
- في مهزلة التعليم.... المسيحيون يمتنعون
- فانوس رمضان
- درجة الإملاء: صفر
- -الحرف-... في المصري اليوم
- هدايا لم تُفتح منذ مولدك
- مصرُ ... وشخصية مصر
- شيخ الكافرين
- رحلتي للسماء
- رسالة من ذوي الإعاقة إلى الرئيس السيسي
- سلطان القاسمي... أحدُ أبناء مصر


المزيد.....




- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - لا تقتلوا الخيرَ... والتمرُ خيرٌ