الجين الجبان

مجيب العمري

الحوار المتمدن-العدد: 4871 - 2015 / 7 / 19 - 01:38
المحور: سيرة ذاتية
    

نحن ربما نكتب لنخلد الذاكرة أو لنجعل جزءا من الزمن متوقفا نراه حيث ما غادرت آلة القدر بنا.. ان اكثر ما قد لا تغفره الذاكرة هو الألم و جرعات الأنين..
عندما بدأت مشواري كطبيب بإحدى مشافي تونس الجامعية، أيقنت منذ ايامي الأولى أنني كاذب كبير، وقد تعلمت الكذب بمهارة فائقة في سرعة قياسية، كذب صريع مرير لا خير فيه ولا نفع لنا منه.
لم تكن المعرفة دوما نعمة، ولم تكن دوما فخرا.. ان المعرفة صنو الكارثة و ام المحرقة و ربيبة الشقاء.. أنا اشتم الكارثة، أراها تسير على القدمين اكتبها على الورق، اعيد كتابتها دون طعم، الشعور غريب عند لمسه وانا اعلم ان ما المسه هو فعلا سرطان.
انا فعلا اتسائل لماذا لم يجد ابوقراط طبيب الإغريق غير اسم السرطان لتسمية السرطان سرطانا، هو سماه سرطانا لأنه ينشر خيوطه في كل مكان و لانه يمسك دون يتركك، منذ عشرات القرون و حيوان السرطان المسكين يحمل لعنة اسمه، أنا احييه على شجاعته وبقائه على كوكب الأرض طيلة مئات الآلاف من السنوات رغم أنه رمز السوء و الخبث و الموت، لو كنت مكانه لانتظرت ميلاد شارل داروين ثم ذهبت إليه : أيها الأحمق انا سانقرض لوحدي دون الرجوع إلى نظرية تطورك عسى أن تنقرضوا انتم البشر بعد ذلك. انا افكر في ذلك الحيوان المظلوم كلما لمست ورما و كلما شاهدت صور الأشعة سكانير. لانبري بعد ذلك في كذبي المعهود.
-ثمة امور جديدة؟ طمني يا دكتور
- أوه يا حاج لاباس مازلنا في التحاليل، لا نستطيع إجابتك الآن..
في إجابة واحدة سردت كذبتين : هو ليس بخير ، قمنا بجميع التحاليل. والثالثة انا اعرف الإجابة،
و أما الكذبة الرابعة انه ليس حاجا من اصله وأنه لن يكون كذلك ابدا لأن ما في جسده لن يمنحه أكثر من بضع شهور بائسات أقصى الحلم أن يقضي حاجته وحيدا من دون ألم..
وانا في كذبي الوقتي أعلم أن صدقي سيكون مدمرا أكثر من كل ذنوبي، الأمر شبيه بالأمير الاسود في مسرحية تيمور، الأمير الذي كان عازف ناي فقير باع روحه لساحر هندي مقابل الجاه ليفوز بقلب اميرته أو هكذا خيل له، ثم عجز عن الاعتراف لها بحقيقته.

الأمر الاسخف في كل هذا أن ابن جارنا ذلك النزق السكير الذي لم ينجح يوما في أمر قد ورث عن أبيه فيلات وعمارات و أراض شاسعة، أما جارتنا الطيبة التي تسكن قبالته قد ورثت جينات BRCA1/2 المسؤولة عن سرطان الثدي.

يا للسخرية، أيها الكون ما ضميرك توجد البشر ثم تورثهم القذارة؟؟

#مجيب_العمري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات