هاني شحادة الخوري
الحوار المتمدن-العدد: 1345 - 2005 / 10 / 12 - 10:03
المحور:
الادارة و الاقتصاد
لكل شعب وثقافة طريقة خاصة في معالجة مشكلاتها وفتح آفاق العمل والتغيير والتفاعل، وهذا الأمر يتعلق بطرقة معالجة المشكلة ككل من الناحية الاجتماعية والاقتصادية وحقيقة تناول القرارات والية تنفيذها وكيف تصل لأهدافها وفي المجتمعات التي تمتلك فكر وثقافة ذكورية والية وصائية في العمل نجد أن طريقة النظر للمشكلة تنظر من طرف واحد هو الآثار الناتجة والتحديات التي تطرحها هذه المشكلة وبنفس آلية تولد من البعد التنفيذي في الردع والمنع والعقوبة وكان المنع هو داء سحري لكل مشكلة وبنفس الوقت لا تدرس كيف ولدت هذه المشكلة وما ارتباطها بالثقافة وما هي المصالح الكامنة ضمنها وهي هذه المشكلة تحمل في طياتها بعد من عدم الثقة بين المواطن والدولة أم أن هذا الداء منفصل وولد عرضا
ما زالت طريقة معالجة المشكلات الوطنية والحكومية في سورية هي طريقة تقليدية تنطلق من العرض وليس من جوهر المشكلة وتشكل حالة من طرح آلية للفساد بشكل مباشر أو غير مباشر ولا تنطلق من الفعالية في حل المشكلات الحكومية بدلا من الانطلاق من الشعار ففكر الشعار ينطلق من إعجاب بالفكرة وضرورة دخولها وتطبيقها في المجتمع بغض النظر عن الواقع الحالي واختلافه الجوهري مع الشعار ويتم بسهولة استهلاك هذا الشعار وتشويهه بالتطبيق العملي، والأمثلة على ذلك كثيرة فحين طرح منذ الوزارة السابقة شعار تنمية الموارد البشرية ودعم التدريب والتأهيل وفرض نسبة معينة من إيراد كل مؤسسة للتدريب والتأهيل تم التأكيد عليه بشكل كبير في الإعلام مع إننا من الدول التي تعتبر سياساتها معاكسة لجوهر فكر إدارة وتنمية الموارد البشرية والقضية ليست قضية تدريب وتأهيل ولكن قضية فلسفة جهد بشري ورواتب وأجور وأسلوب تحفيز ونظرة لقيمة المورد البشري ومع ذلك نجد أن هذا الشعار تم تجاوزه كليا بفكرة التقشف الحكومي الذي جعل هذا الشعار أكثر من فارغ، وكذلك فكرة مدن ومناطق المخالفات لم يتم النظر للمشكلة من زاوية الضرورة والحاجة للبشر للسكن والخدمات وان الخدمات الجيدة والتنظيم الجيد هو الذي يفرض نفسه في حال انتشار على السكن العشوائي إذا كان بتكلفة معقولة والحل استثماري بامتياز ويتطلب شركات متخصصة ولكن الذي نفذ هو إجراءات قسرية قهرية لقمع المخالفات ضاعفت تكلفة المخالفات على المواطن ولم تلغها وبالتالي كانت ارتفاعا بتكلفة الفساد، وكذلك مشكلة التوسع بالكليات ما زال القرار يتعلق بالتوسع الأفقي وليس التوسع النوعي ولا يعطي فرصة للتعليم الخاص للنمو والتنافس وإيجاد الجديد في عالم التعليم، والمعلوماتية في سورية دخلت شعارا للمؤسسات والشركات ولم تدخل فكرا وثقافة وتأهيل ونظرة معرفية وتطور تنظيمي فتحولت لحالة استهلاكية ولكن دخلت عن طريق المنع والزجر والتوكيد على هذا المنع وهذا يدل على أن العقلية الحكومية تنظر لفشل القرارات السابقة من زاوية التساهل وليس من زاوية نضج القانون وتفهمه للاحتياجات وإيجاد الحل الجذري والعميق وعدم الاعتماد على القرارات الإدارية الزجرية لا بل توليد حلول تولد مصالح ايجابية في المجتمع للحل ولا تمنع عن الناس احتياجاتها ولكن تبني الاستثمارات على متطلبات المجتمع ونموه، والواقع إننا لم ننجح في بلورة أي فكر جديد في العمل الحكومي رغم إن الكثير من القرارات ايجابية وتحديثية في التوجه العام وانفتاحية ولكنها لم تعطي لآليات اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وبالمصداقية المناسبة وبالتأهيل والموارد المناسبين مع رؤية معرفية متكاملة للمتغيرات في المجتمع، ولو عدنا للقرارات التي تخص الاسمنت أو المازوت أو طريقة في ارتفاع الأسعار أو تعطل المعاملات وغيرها، ولو حللنا هذه الظواهر وجرت دراسة معمقة عن كل قرار حكومي وماله لوجدنا أن القرارات تقفر عند حاجز التمويل أو عدم توفر البنية والخبرات أو عدم الرؤية المتكاملة وعدم طرح سيناريو واقعي وتوقعي مناسب عن القرار الحكومي وهذا يعني أن الفكر الاجتماعي والثقافي والفلسفي لم يدخل بعمق إلى الماكينة الحكومية واليات التفكير والتحليل والتخطيط للعمل الحكومي ما زالت عادية جدا وتعتمد الشعارات وغير قادرة على وضع سياسات وطنية فاعلة لكل مشكلة قبل طرح القرار مثل أن تكون لدينا سياسات ورؤية واضحة لمشكلة السكن والسكن العشوائي وتنظيم المدن وخدماتها والاستثمار وفي البنية التحتية والتعامل مع الموارد البشرية وتعزيز البنى المؤسسية وحل مشكلة الأجور ومشكلة القيمة المضافة وتحديث المؤسسات وطريقة اختيار المدراء وتطوير أنظمة التحفيز وحل مشكلا التهريب والعمل غير المنظم والاقتصاد الأسود والرمادي وطرح أفق لنوعية الأعمال والخدمات والصناعات التي تتطلبها سورية ولا رؤية معرفية واقعية للقوى العاملة وكيفية التعامل معها نحن ننطلق من البنى القائمة في جمودها وبيروقراطيتها ونريدها أن ترتفع قسرا لمستوى التحديات الحداثوية ونوعية الخبرات المطلوبة ونعتمد دوما على مقولة ليس بالا مكان أحسن مما كان كنا نظنه مديرا ناجحا ولكنه كان ضعيفا فلنبدله لقد ركز السيد الرئيس على العقلية ولكن كيف تتغير العقلية ونحن نكرس الفكر التقليدي وكيف نغير العقلية ولا نندفع بفاعلية نحو التحليل والعمل التدريبي الدائم والاعتماد على أسس جديدة
تحدثنا عن البطالة ولم نجد العلاج أو البرنامج الشافي أو الإطار الواضح للتشغيل والتنمية تحدثنا عن البيئة ولم نصدق بتوجهاتنا ونزيد الندوات والمحاضرات في كل التقنيات والأطروحات الجديدة ويبدو الأمر تلميعيا ويوحي للشعب بان الحكومة تعمل وتفكر بأرقى الأفكار والحقيقة أن الندوات تعطي إطار لخلط الأفكار وطرح الشعارات بدون معالجة حقيقية ومنطقية للإيحاء بالحداثة والتطور والواقع أن الجمود والبيروقراطية اكبر من آلية لتحريك أو التلميع وان المصالح والفساد والبطء هو الذي يسود.
وحتى نتجاوز هذا الواقع علينا أن نؤمن بعمق أن الحل ليس بطرح المشكلة وليس بالقرارات ولكن بدراسة آليات اتخاذنا للقرارات خيارات وتوقيت وإمكانيات تنفيذ والتعامل برؤية وقيم وتنقيح كل حل وقرار عبر مؤسسات وأقسام متخصصة لا تتجاوز صعوبات التنفيذ ولا تمني الناس بالنتيجة لمجرد صدور قرار ولكن بطرح سيناريو التنفيذ الدقيق، ودعوة الجميع للتعاون في تنفيذه هذا مع التركيز على عدم خلط الأوراق والتعامل بعمومية مع القرارات الحكومية بحيث تمر الكثير من القرارات بدون تنفيذ وبدون محاسبة أو تقييم فوضع منهجية للتقييم والتوقع يستطيع أن يرتقي ويرفع من آليات التفكير والتوقع والدقة في تحليل وحل المشكلات الوطنية، لا بل وضع سياسات ومنهجيات وطنية لكل تحد وطني والتعامل بواقعية مع مستوى الحلول وان تكون المصداقية في وضع الإمكانيات للحل أو عدم طرح الحل أصلا فليس المهم إصدار القرارات للحلول المهم أن نعرف المشكلات والتحديات ولكن لا نصدر إلا القرارات التي يتوفر لها الإمكانيات والقدرة على التنفيذ، وحفظ هيبة الدولة من خلال مصداقية التنفيذ ودقة التوقع والتحليل.
وأريد أن أؤكد في النهاية أن عدم وجود ضوابط للعمل الحكومي والتعامل بهذه العمومية وضعف المسؤولية من قبل الحكومة سيظل هو مصدر نقاط الفشل في قوانين التحديث ويزاد إليها أن التوجهات والسياسات الوطنية تبنى على حراك وطني وسياسي لحماية وتطوير التوجهات الوطنية ليكون التوجه عميقا في المجتمع فنستثمر في الوعي والتفكير والتحليل الوطني والعمل السياسي الحر ليكون التحديث ليس فرحا بالتقنيات والمعطيات الحضارية ولكن خلاصة حوار وطني صادق يتبنى الوسائل العلمية والإدارية في اتخاذ القرار ومتابعته وتقييمه والمسؤولية الوطنية تجاهه، ومن هنا أدعو الحكومة قبل أن تقوم بأي عمل أن تضبط أدواتها العلمية في اتخاذ القرار واليات المتابعة والتنفيذ وتقوم بتجارب وأمثلة عملية واقعية ناقدة لضبط دقة هذا الأداء وان تتعامل بواقعية خطابية في واقع الخبرات والقدرات المؤسسية لا أن يكون الاعتراف بالضعف والنواقص حديثا جانبيا وأن نطلق المديح والتغطية والتلميع في الحديث الحكومي الرسمي.
#هاني_شحادة_الخوري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟