أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - تسييس الطبيعة















المزيد.....

تسييس الطبيعة


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1345 - 2005 / 10 / 12 - 10:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أمنا الطبيعة القاسية أحيانا ,والرقيقة والجميلة أحيانا أخرى والتي تغضب في لحظة ما, وتخرج عن الطور كسائر الناس , صارت طرفا حربيا يشهر سيف الاقتصاص من الكفار ,مزودا بأسلحة للدمار الشامل ويقوده مجموعة من "جنرالات الخرافات" ,في معركة بين طرفين يقفان على ضفتين مختلفتين متباينتين من الحضارة والمدنية والحياة.فقبل الاكتشافات العلمية كان التفسير السائد لمظاهر الطبيعة كلها على أسس غيبية وبسيطة ساذجة,فمثلا كان البعض يقول أن الزلازل هي بسبب تحريك الثور للأرض من أحد قرنيه إلى القرن الآخر بسبب تعبه ,حيث كان الاعتقاد أن ثورا عملاقا يحمل الأرض على قرنيه.ولكن ,وبعد الاكتشافات العلمية الهائلة, ظل البعض يفسر كل مظاهر الطبيعة وفقا لهواه السياسي ,وميوله العدوانية,وحسب قدرة عقله على الاستيعاب . ومازالت نظرته كنظرة ذاك صاحب نظرية قرني الثور,ويرفض أن يعترف بأي علم ومنطق.ومازال البعض يعتقد أن الثور الأمريكي يحمل الكرة الأرضية على قرنيه.

لاشك,لقد كانت مناظر مؤلمة ومحزنة بآن تلك التي نقلتها شاشات التلفزة عن الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب آسيا في هذا الشهر الفضيل ,والناس صيام قيام يناجون ربهم في عتم الظلام ,ويتوجهون له بالدعاء والصلوات,ولا يسعك والحزن على المنكوبين يعتصر قلبك,وفؤادك المثقل بالألام, إلا أن تتضامن,وبصدق خالص , مع هؤلاء الناس ,ومع ضحايا جميع أنواع الزلازل الطبيعية ,والسياسية,والانهيارات العقلية والحضارية الكبرى على حد سواء.ولقد أظهر جنون الطبيعة وساديتها أنهما لا يوفران لا الأطفال ,ولا النساء,ولا الشيب ,أو الشباب,وسيان عندها البروتستانتي ,والمورموني ,واللاديني ,والملحد ,واليهودي ,وحتى المسلم الطالباني في كشمير حيث يسود أكثر نمط متشدد من الإيمان.وفي هذه المرة, وبكل أسف على كل حال ,لم تنج حتى المساجد كما حصل في تسونامي,ولم يكن أي بناء معصوم من غضب الطبيعة الذي انفجر في لحظة عابرة من الزمان .ولو كان الزلزال في اليابان ,حيث يكثر البوذيون, ربما ما انهار أي بناء,بسبب تصميم الأبنية ,وتخطيطها مسبقا على أساس مقاومة الزلازل.ولكن هنا,وفي مدن البؤس والفقر والحرمان,مسحت مدن وقرى بأكملها من على وجه الأرض بثوان ,ولا شيء سوى صور الموت ومناظر الخراب,وآلاف الجثث ماتزال تحت الأنقاض وأعداد الموتى في ازدياد,ومن نجا أسف على حياة لا أحبة فيها ,ولا أبوة ,ولا أطفال .وبدا "كاترينا" الذي هلل له الجهلة والأوباش من "صناع" الكراهية والحقد والنفور بين الناس,نوعا من المداعبة والمزاح و"لعب العيال" أمام هول هذه الفاجعة وحجم المأساة.وسط صمت مطبق ,وانكفاء ملحوظ, من نفس أولئك الذين هللوا بفرح لسقوط ضحايا نيو اورليانز,حيث سترتد ,الآن,كل دعاويهم الباطلة إلى نحورهم.

لقد أظهر التعاطي الأمريكي مع إعصار ريتا التالي أن الإنسان يمكنه من التغلب,شيئا ما, على غضب الطبيعة وسخطها ,ويتحكم بها إذا ما امتلك ناصية العلم,والإمكانية , والقدرة على التنبؤ بها,ويقلل عندها ما أمكن من عدد الخسائر. وهذا ما حدث بالفعل مقارنة مع إعصار كاترينا الذي كان هناك تقليل من أهميته بالرغم من التنبؤ بحدوثه مسبقا,وهذا كان أحد أهم أسباب ارتفاع عدد ضحاياه.ولو علم فقراء الباكستان بموعد الزلازل ,وكان هناك أموال تصرف على مراكز رصد الزلازل ,واهتماما من حكومات العسكر والحرب بأحوال الناس, بدل إنفاق النقود على المدارس الدينية التي ساهمت ,وإلى حد ما في تربية وتسمين عجول الإرهاب , وحشو رؤوسهم بالطلاسم والألغاز, وتبذير الأموال على صناعة الأسلحة الذرية على غرار "المرحوم" صدام,فلربما كتبت الحياة لآلاف من أولئك البؤساء الذي كان جلهم من الفقراء ومستوري الحال.ويتبين لنا ,وبجلاء تام,أن الموضوع طبيعي وعلمي برمته وليست له أية أبعاد سياسية ,أو لاهوتية .

ولكن حين يعجز مثل أولئك الذين سخروا كل شيء في الحياة لخدمة تجارتهم البائرة في تحقيق أي انجاز يذكر,واندحروا في كل المعارك الحضارية والثقافية والاقتصادية والعسكرية ,لابد أنهم سيلجؤون للخرافات ,والتعلق بحبال الأوهام ,وقوى الجان لتخوض عنهم حروبهم الخاسرة بعد أن خرجوا بذل ومرارة وانكسار من كل النزالات.وتصبح مظاهر الطبيعة ,والدعاء على الكفار في الصلوات هي الأسلحة الوحيدة المتوفرة في مقارعة الأعداء.وتصير البراكين قنابل موقوتة,وعبوات ناسفة ربانية تغمر الكفرة بحمم الموت,والزلازل صواريخا نووية, والأعاصير سلاحا غيبيا من عند الله ,والصواعق حجارة من سجيل,وانفلونزا الطيور جيوشا لم تروها من قبل, تدك لهم, وبدلا عنهم, حصون الأعداء,وتخوض عنهم الحروب الضروس الشعواء.وروج كثير من فيلق البؤس هذا ,وبتشف ظاهر وبان,أن نهاية أمريكا باتت قريبة ووشيكة. كما تسلط الأنظمة ,وجنرالات الجيوش المهزومة في الميدان ,أبواقها البائسة لتبرير عجزها,وتسويغ فشلها,وتمرير ألاعيبها على الناس ,وتخدير العامة ,وتضليل البسطاء بأن الله معها ويحارب عنها والنصر حليفها في نهاية المطاف ,فهاهي قوى الطبيعة تقتص من الملاحدة والكفار.

وكثيرا ماترافقت مظاهر الطبيعة الفتاكة بمشاعر فرح ,وشماتة وتشف من قبل بعض المرضى والعجزة المهووسين الذين فشلوا في تحقيق أي إنجاز .ولكن ماذا لو طلع علينا قس بروتستنتي ,أو كاردينال كاثوليكي ,أو كاهن بوذي ليقول بأن هذا عقاب من الله لدولة مثل الباكستان؟ هل يعقل مثل هذا الكلام ,وماذا يمكن وصف بائس كهذا؟

وحين ترى تلك النوعية من نجوم الإعلام والفضائيات,والذين تسلط عليهم الكاميرات والأضواء , والذين يهرفون ويغرفون من كل علم وباب,ويفتون في شتى المسائل والأنواء,ويفتون في كل شيء في علوم الفضاء والفيزياء,كما في محاذير الحيض ,وفنون الجماع وخبايا النفاس ,وتفسير الأحلام,تدرك تماما أن لابراءة تامة في هذا النشاط ,وأن وراء الأكمة ماوراءها من تحالف شرير بين ماهو كل سلطوي وغيبي لإحكام السيطرة والطوق على العباد . وتصبح أية ظاهرة طبيعية مطية لتمرير الكثير من الخرافات ,وتسويق سياسات العجز ,فلا ضير أبدا أن يضرب إعصار مدمر فقراء أمريكا ويدمر ما أمكن ويكبد اقتصادها الخسائر الفادحة,ويقصف أعمار أطفالها ,ونساءها,وشيوخها طالما أننا فشلنا في إصدار بيان يدين سياساتها,ونعجز عن التعبير عن رأينا الصريح في شرور وآثام حكامها,وطالما لا يتجرأ أي جنرال "متفرعن" أن يرفع رأسه أمام حذاء أي عريف في البنتاغون .

الجهل والأمية والخواء هي أعتى الكوارث الطبيعية التي تعصف بأي مجتمع من المجتمعات,وأشد فنكا من إنفلونزا الطيور الذي يهدد دولا بالموت والهلاك,والأنكى من ذلك حين يتفلسف,ويتشدق مثل الجهلة والأدعياء.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبناء الشوارع وأبناء الذوات
- إلغاء جهاز أمن الدولة
- القضاء ..أم..المخابرات؟
- إباحية صولاغ السياسية
- كسوف الشمس وخسوف العقل
- صحوة أهل الكهف
- دعوة للتطبيع مع الشعوب
- ضياع الأندلس
- بوش...و...كاترينا...وسلاطين العربان
- ممنوع عليكِ الحب
- أسواق العرب السوداء
- أذكياء السوريين
- جرائم بلا عقاب
- الدم السوري الرخيص
- هل فقد العقل العربي صلاحيته ؟
- وزير الإمتاع ,والمؤانسة
- سوريا والرهان العربي
- قصة من هذا الزمان
- لعنة الشعوب المقهورة
- ميليس:مالئ الدنيا,وشاغل العربان


المزيد.....




- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...
- مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ ...
- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...
- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...
- من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال ...
- الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت ...
- تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - تسييس الطبيعة