|
الجدل حول القوة الأمريكية
هند خماسي
الحوار المتمدن-العدد: 4869 - 2015 / 7 / 17 - 07:24
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
يعرض لنا هذا العدد من اوراق نموذج من الجدل الدائر في الولايات المتحدة ويشغل حيزًا كبيرًا من اهتمام مراكز الأبحاث ، وهو الجدل حول مستقبل الولايات المتحدة كقوة عظمى، وموقعها في البنية المستقبلية للنظام الدولي، في ظل تحولات القوة العالمية وأبرزها صعود القوى الآسيوية وعلى رأسها الصين. بتقديم نموذج للآراء التي تتقاسم هذا الجدل،. ويتقاسم هذا الجدل تياران؛ الأول هو التيار الذي يذهب إلى حتمية القوة الأمريكية، وتعبر عنها الواقعية السياسية، ويمثلها هنا مقال عالم السياسة ستيفن والت، فيما يذهب التيار الثاني إلى استمرار الولايات المتحدة في قيادتها للعالم في المستقبل، ويعبر عن هذا التيار الفكر المحافظ القومي ونموذجه هنا المؤرخ الأمريكي روبرت كاجان.
كتب ستيفن والت في جريدة اناشيونال مقالا. تحت عنوان “نهاية العصر الأمريكي” يؤكد فيه، من خلال الاستعراض التاريخي لدور الولايات المتحدة في النظام الدولي بعد عام 1945، أن الولايات المتحدة شهدت انحدارًا في هيمنتها على النظام الدولي، وأن هذا الانهيار مستمر حتى اليوم؛ وهو ما يعني أن العصر الذي قامت فيه الولايات المتحدة بترتيب العالم أمنيًا وسياسًا واقتصاديًا قد ولى، هذا العصر ما يسميه والت العصر الأمريكي بدأ هذا العصر فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفيه نجحت الولايات المتحدة أن تصبغ العالم بنظامها من مؤسسات اقتصادية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ورغم أن الولايات المتحدة قد لاقت منافسة من غريمها الاتحاد السوفييتي في إطار الحرب الباردة، غير أنها نجحت في فرض نموذجها على العالم وإنهاء الحرب الباردة لصالحها، ثم أنها نجحت في بناء منظومات أمنية ودفاعية في مناطق نفوذها التي تحدت بها النفوذ السوفييتي المناوئ لها، كما في شرق آسيا وجنوب شرقها وفي المنطقة العربية، ورغم أنها لم تمارس هيمنة مطلقة على العالم لوجود خصم سياسي قوي، ووجود مناؤين، غير أنها نجحت في تثبيت هذه النظم الأمنية في هذه المناطق، حتى قيام ثورات في إيران، وحرب فييتنام، ووفقًا للكاتب، جاء انهيار الاتحاد السوفييت كتتويج للعصر الأمريكي، ووقفت واشنطن وحدها على قمة النظام الدولي، وكان فرصة نادرة لها لتشكيل العالم بعد زوال خصمها، غير أن الحديث عن الانهيار كان قد بدأ يلوح في الأفق، وهو ما تنبأ به المؤرخ بول كينيدي في كتابه عن “صعود وسقوط القوى العظمى في العالم”. ثم شهد العقدان التاليان تحولات في القوى العالمية بصعود بعض القوى الذي جاء خصمًا من رصيد وهيمنة الولايات المتحدة على العالم، فكان الصعود الاقتصادي للصين أبرز هذه التحديات، ثم هناك تزايد في القوة الاقتصادية للهند والبرازيل وتركيا، وأخذت روسيا في التعافي من عثرتها الكبيرة وتحاول أن تبني هذه القوى وغيرها مناطق نفوذ في محيطها الإقليمي، أي أن تقوم بترجمة قوتها الاقتصادية الصاعدة إلى نفوذ استراتيجي بما يخصم من النفوذ الأمريكي ويؤكد والت أن هذه القوى رغم أن بعضها حليفًا وصديقًا للولايات المتحدة غير أنها سوف تتحدى نفوذها للدفاع عن مصالحها. وينتقل والت إلى أثر الأزمة التي أصابت الاقتصاد الأمريكي منذ 2008 وأثرها السلبي على القوة الأمريكية، ويربط هذا بتراجع النموذج الاقتصادي الذي تمثله الولايات المتحدة. ويقول والت “إن عصر الانحطاط الأمريكي قد حل قبل آوانه، لأن قادة الولايات المتحدة قد اقترفوا العديد من الأخطاء الفادحة، وليس بالضرورة أن تؤدي هذه الأخطاء إلى مزيد من التآكل، إذا أفلحنا في التعلم من دروسها ”. ومن هنا يبدأ في طرح سبل محافظة الولايات المتحدة على موقفها العالمي الحالي الذي لازال متصدرًا وقائدًا للعالم، فيقول أن عليها أن تحدد أولوياتها في العالم، وأن تستخدم أدوات النفوذ المثلى وأن توازن بين القوة السياسية والعسكرية في مواضعها المناسبة ويعرض الباحث المقالة الثانية وهي لروبرت كاجان المؤرخ المحسوب على تيار المحافظين الجدد، وتأتي المقالة بعنوان “لم تفقد قوتها بعد: خرافة الانحطاط الأمريكي”. يقوم كاجان في هذا المقال الاتجاه الذي يتحدث عن حتمية الانهيار الأمريكي. فيقول إنه أسير لرؤية زمنية مؤقتة متأثرة بظروف الأزمة الاقتصادية الأخيرة، كما أنها تركز في تحليلها لتحولات القوة على مشاهد زمنية قصيرة في الوقت الذي تنتج فيه هذه التحولات عن تراكمات تحدث عبر عقود من التغير في مجموع عوامل القوة للدولة. ويضرب المثال بتحول القوة النسبية للإمبراطورية البريطانية منذ نهاية القرن العقود الأخيرة للقرن التاسع عشر حتى بدايات القرن العشرين ومن خلال التحليل التاريخي أيضًا، يؤكد كاجان أن عناصر القوة الأمريكية لم تشهد تحولاً هائلاً في العقود الأخيرة، فلازال الاقتصاد الأمريكي هو الأول عالميًا ولم يؤثر صعود القوى الاقتصادية الأخرى على هذا المركز بل على مركز كل من اليابان وأوروبا، كما أنه لا توجد قوة عسكرية في العالم تضاهي القوة الأمريكية، ويضيف أن صعود القوى الأخرى على أي مستوى ليس بالضروة تهديدًا للهيمنة الأمريكية، فصعود اليابان وألمانيا في أول عقدين من الحرب الباردة، رغم أنه خصم من نصيب الولايات المتحدة في الناتج العالمي إلى النصف، غير أنه كان إضافة إلى الحلف الذي تقوده في مواجهة السوفييات، ومن الملاحظ أن القوى الصاعدة فيما عدا الصين كالهند وتركيا والبرازيل هي حليفة للولايات المتحدة، وربما يخدم صعود الهند الحد من القوة الصينية في جنوب آسيا. ثم يتجه كاجان إلى تفنيد القول السائد بأن الولايات المتحدة كانت تمارس هيمنة خالصة على شؤون العالم وأن ما تشهده حاليا هو تآكل هذه الهيمنة، فيقول إن هذه الصورة ليست إلا وهمًا، فطول عقود الحرب الباردة كان هناك تحذير من تدهور النفوذ الأمريكي، ولم تكن واشنطن قادرة دائمة على إقناع حلفائها بما تريد، حتى على مستوى القوة الناعمة، فقد كانت أمريكا دائمة سيئة السمعة بالنسبة إلى بقية العالم خاصة مع تفجر فضائحها السياسة داخليا ووصمة العنصرية ضد السود والأقليات التي التصقت بها طويلا، ثم تدخلها السافر والمرفوض من قبل شعوب العالم، وحربها الدموية والمدانة في فييتنام. كما أن نموذجها الاقتصادي والثقافي لم يكن يومًا هو الرائج. ثم إنها واجهت تحديات لهيمنتها في إيران وفي الخليج وعانت من أزمة النفط التي تسبب فيها حلفاؤها من العرب. ومن هذا يخلص كاجان إلى أنه ربما تفتقد واشنطن كثيرًا من قدرتها على فرض إرادتها على كثير من القضايا الدولية غير ان هذا كان دائمًا ما تتصف به هذه القوة ففي كل اللحظات كانت هناك نجاحات وإخفاقات. ومع هذا توجد تحديات على الولايات المتحدة أن تواجهها، أبرز هذه التحديات هو التحدي الصيني، ويرى كاجان ان الصعود الصيني رغم أهميتها غير أنه لا يقارن بالتحدي السوفييتي أيام الحرب الباردة، ومن ثم يمكن التعامل معه. ثم يتسائل عما إذا كان الأمريكيون قادرين على القيام بما تطلبه منافسة القوى في عالم القرن الحادي والعشرين، ويقول أن الإجابة غير محددة وغير متوقعة، ورغم كل الأزمات التي مرت بها الولايات المتحدة إلا أنها كانت قادرة على اجتيازها بنجاح، وهناك العديد من عوامل القوة التي تتمتع بها أمريكا من نظام سياسي قوي قائم على الحرية والانفتاح. ويجزم كاجان من تحليله أن لواء قيادة العالم لازال معقودًا لواشنطن ولازال قرار الانحطاط أو الاستمرار في القيادة بيد الأمريكيين. ويعلق الباحث على هذا الجدل، الذي يتسم بأنه مستمر ومتجذر في التاريخ الأمريكي. والنقطة الأولى فيه أن هذا الجدل هو جدل أيديولوجي بالأساس، فرغم اتفاقه على وقائع التاريخ غير أن يختلف في تفسيره ومن ثم يختلف على تفسير المركز الحالي للقوة الأمريكية، وبالتالي مستقبل هذه القوة. والأهم من هذا أنه يختلف على ترجمة هذه الآراء في شكل سياسات خارجية تتخذها الولايات المتحدة إزاء العالم الخارجي، فنجد أن والت الواقعي يدعو الولايات المتحدة إلى ترشيد استخدام القوة، بينما يدعو كاجان إلى عدم الكف عن التدخل في شؤون العالم وعدم تخفيض القوة العسكرية المنتشرة حول العالم. وفي الوقت الذي يتفق فيه الطرفان على احتدام التحدي الصيني، فإن طرفًا يدعو إلى تسوية معه، في حين يدعو آخر إلى مواجهته على غرار مواجهة الخطر السوفييتي. ويقول الباحث إن العالم العربي يحظى بجزء هام في هذا الجدل حول تاريخ القوة الأمريكية ومستقبلها، فقد كان مجالا هاما لفرض هيمنتها، ويتفق الطرفان على أن الولايات المتحدة قد فقدت قدرتها على توجيه الأمور سواء فيما يتعلق بعملية السلام التي تسعى لاستكمالها لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، ومؤخرًا فيما يتعلق بثورات الربيع العربي، غير أن هذا النفوذ الأمريكي على المنطقة لم يكن أيضًا مطلقًا، ولم تؤد الثورات إلى طرد النفوذ الأمريكي بالكامل خاصة أنها لازالت في بدايتها ولم تتضح وجهة تعاملها مع الولايات المتحدة وموقعها في المنطقة بعد لانطلاقها من أسباب داخلية متعلقة بالاستبداد السياسي وتدهور الأحوال المعيشية والكرامة الإنسانية التي تعيشها الشعوب العربية. ومع ذلك توفر تحولات القوة العالمية وصعود وانحسار قوى بعينها فرصة هامة للبلاد العربية لتبلور سياسات خارجية قائمة على تحقيق الاستقلال والسيادة الوطنية.
#هند_خماسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|