|
عصر غياب العقل
جواد الديوان
الحوار المتمدن-العدد: 4866 - 2015 / 7 / 14 - 16:18
المحور:
الطب , والعلوم
تبنت عوائل او طائفة محددة في القرون الوسطى علاج الامراض العقلية في منازلها، للحصول على مكانة اجتماعية واستجابة للعرف السائد والايثار، اضافة على ما تحصل عليه من مساعدات من الحكومات. ويشكل ذلك ثقلا اضافيا حيث احتمال الانتحار العالي، والهوس باشعال الحرائق. وظهرت ممارسات عنيفة في التعامل مع المرضى مثل ربطهم في السلاسل وتقييد حركتهم او اصواتهم. وفي بدايات القرن التاسع عشر ظهرت الملاجيء للمصابين بالامراض العقلية. في 1949 أنهت الصين معالجة الامراض العقلية باعتبار المجتمع منظم عقليا، وعند ظهور بوادر التمدن والنمو الاقتصادي مؤخرا شرعت الصين قانونها الاول للصحة العقلية في 2012. وفي امريكا ترافق نمو الطب النفسي مع الانتعاش الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية. وتشير مسوحات منظمة الصحة العالمية الى ازدياد كلفة معالجة الامراض العقلية بشكل حاد مع وصول حصة الفرد من الناتج القومي الى 20000 دولار. المجتمعات الغنية تخصص موارد مالية اكثر لتشخيص الامراض العقلية، وتضم مرضى اكثر مصابين بالخرف نتيجة امتداد العمر المتوقع للانسان. ويتضح ترابط انتشار الامراض العقلية مع التطور الاقتصادي، ليضيف دليلا جديدا لنظرية قديمة باعتبار الامراض العقلية ضريبة للتقدم الحضاري. اوضح فرويد انتشار الاضطراب العصبي neurosis مع التحضر، وقبله لاحظ الطبيب الامريكي جورج بيرد انتشار ضعف الاعصاب neurasthenia وترافق ظهوره مع الحياة العصرية وظهور اليات ارسال اليرقيات والقطارات والصحافة. اختفى ضعف الاعصاب neurasthenia من معجم اطباء النفس، وبقى منتشرا في الصين فقد قيل ان ماوتسيتونغ مصابا به. وفي الثمانينات من القرن الماضي اختفى من الصين. فقد اجرى عالم الانثروبولوجي ارثر كلينمان (من هارفرد) مسحا في الصين، واشار الى ان اعراض ضعف الاعصاب تشبه اعراض الكابة. وتستغل شركات الادوية ذلك لتبيع الادوية في مخازنها. وترتفع نسب انتشار الكابة في الصين لتتجاوز نسب انتشارها في العالم، وكانت قبل 20 سنة غير معروفة لديهم. انتشار الفصام schizophrenia (اضطراب الفكر) والاضطراب ثنائي القطب (bipolar disorder ) (تغيرات متطرفة للمزاج وغير مسيطر عليها) تقريبا ثابتا في العالم كما تشير المسوحات. ويختلف انتشار الامراض العقلية او الاضطرابات الاخرى ومن امثلتها الكابة الاعتيادية والقلق والكرب التالي للرضح وغيرها بين البلدان، وربما وفق تطورها الاقتصادي، ففي البلدان الغنية يصل انتشار الكابة والقلق معا الى اكثر من 20%. تصل كلفة الامراض العقلية في المجتمعات الغنية الى اكثر من 4% من الناتج القومي. وفي تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي وكذلك جامعة هارفرد حول كلفة الامراض العقلية للفترة 2011 الى 2030 تتجاوز 16 تريليون دولار. وهذه اكثر من كلفة الامراض الجسدية مثل السرطان بكل انواعه وامراض القلب وداء السكر. في امريكا تحدد جمعية اطباء النفس الامريكية APA تعريف المرض النفسي اي صفاته وتشخيصه، في دليل التشخيص والاحصاء للامراض العقلية DSM، ويحدد كذلك الانحراف عن الطبيعي في السلوك والعاطفة والفكر. اما منظمة الصحة العالمية فتعتمد التصنيف الدولي للامراض ICD (تصنيف الامراض العالمي). يتغير تعريف المرض المرض النفسي (العلامات والاعراض والتسميات) كما تتغير اشارات الاطباء حول الامر، وبالتالي يتغير التشخيص. ففي بدايات القرن العشرين كان التشخيص الشائع الاضطرابات العصبية وتغيرت بعدها الى الكابة والقلق. وعانى الجنود في الحرب العالمية الاولى من صدمة شظايا وارهاب الحرب (فقدان القدرة على على النطق وشلل جزئي بدون اساس فسيولوجي)، وفي نهايات القرن الماضي تحولت هذه الاعراض الى مسمى الكرب التالي للرضح (PTSD) ويزداد شيوعه بين الجنود العائدين من الحرب، ويظهر في اعراض مختلفة. وفي انطلاقة اخرى شيوع الاصابات بعد التعرض لحوادث عنف وهكذا. شاعت في امريكا مضادات الكابة لنجاح شركات الادوية في تقديم عقار بدون اعراض جانبية مزعجة او مؤذية. ومضادات الكابة التي تعمل على السيروتونين (ناقل عصبي يؤثر على المزاج) كانت موجودة من بدايات عصر الطيران، الا انه شاع بعد ظهور عقار بروزاك (Prozac) مناسب جدا وبدون اعراض جانبية وممكن لطبيب العائلة وصفه. استخدام الادوية لمعالجة الامراض النفسية اصبح بما يشبه الوباء (مرض ينتشر)، وممكن ان ينحسر او يزداد انتشارا مع الزمن. ومثال ذلك فرنسا في بداية القرن الماضي في مقدمة الدول التي التي شاعت بها الشكوى من النحول و 30% من شعبها يتناول ادوية للامراض النفسية في بدايات القرن الماضي. وتراجعت النسبة بظهور العلاج المعرفي السلوكي. ارتباط التطور الاقتصادي وطول العمر والمرض النفسي يجعل من العصر القادم عصر غياب العقل.
#جواد_الديوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هزيمة المعتزلة مرة اخرى
-
مؤتمر كامب ديفيد امراء الخليج
-
نشوء داعش
-
جبار سلطان
-
كرامة
-
الحرب على داعش
-
تحالف دولي لمحاربة داعش
-
الجلبي يكرم الاول على قسم الرياضيات- كلية العلوم – بغداد
-
سبايكر (ساروا بهدوء للقتل)
-
اضطراب الشخصية – النرجسية
-
غسيل الدماغ (الجماعات المتطرفة)
-
الى اولادي بعد التهجير
-
كيانات ثلاث
-
الخزرجي والحرب العراقية الايرانية
-
هذيان بعد اعلان نتائج الانتخابات
-
مهام اهملتها الحكومات المتعاقبة في العراق لتتبناها الحكومة ا
...
-
هذيان عشية الانتخابات في العراق
-
هذيان سياسي مرة اخرى
-
مرشحون!
-
التيار الديمقراطي في الحياة السياسية
المزيد.....
-
7 فوائد صحية لتناول الزبادى يوميًا
-
انتبه.. هذا ما يفعله السكر فى جسمك عندما يرتفع
-
الصحة العالمية: مقاومة المضادات الحيوية تسبب 39 مليون وفاة ب
...
-
كيف نحافظ على المستوى الطبيعي للكولسترول في الدم؟
-
ضحايا بإنهيار جسر الطبر في ميسان و(المدى) تتقصى الأسباب
-
احم ابنك من المخدرات.. تسبب البلاهة والنسيان وتدمر الذاكرة
-
في الطقس البارد وتساقط الأمطار.. لهذه الأسباب لا تشرب الشاى
...
-
مارس هذا النوع من التمارين الرياضية.. تحمى نفسك من الزهايمر.
...
-
هاتثبت وزنك.. نصائح سهلة التطبيق تحميك من السمنة
-
لقطات جوية ترصد جفاف البحيرة الطبيعية الوحيدة في صقلية
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|