|
مؤشرات لبداية مرحلة من الصراع هل بدأ اليسار يستردّ أنفاسه وينشط لبلورة انطلاقة جديدة؟
احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1344 - 2005 / 10 / 11 - 13:00
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يلاحظ في الآونة الاخيرة، في السنوات الاخيرة، ان مختلف قوى اليسار، وخاصة اليسار الحقيقي الذي في مركزه الاحزاب الشيوعية والعمالية التي تناضل من اجل تغيرات ثورية جذرية في طابع تطور المجتمع وبهدف التقدم لبناء قواعد العدالة الاجتماعية والتقدم الاجتماعي، تقف امام المرآة في مراجعة مع الذات لاستخلاص العبر من الازمة والردة والتراجع التي رافقت نشاطها خلال فترة العقدين الماضيين وعكست اثرها على انخفاض منسوب عطائها المؤثر بين الجماهير على صياغة القرارات السياسية والاجتماعية المتعلقة بمسار تطور المجتمع في بلدانها. ان هذا الموضوع يحتاج الى اكثر من دراسة علمية موثقة بالمعطيات الواقعية، والى مجهود جماعي بمشاركة مفكرين وقادة سياسيين من مختلف الوان طيف وقيادات خانة ما يطلق عليه "قوى اليسار". وفي معالجة اليوم سأحاول طرق ابواب هذا الموضوع الهام، وعلى امل اثراء هذا الموضوع حقه من خلال اسهامات العديدين من اصحاب الفكر والقلم، من بلادنا، ومن محيط منطقتنا وعالمنا. كما سأختزل مساحة الاهتمام في هذه العجالة بالتركيز على حقيقة وضع اليسار في المشرق العربي. فاليسار بالمفهوم المتعارف عليه والمتداول على الساحة السياسية يطمس عمليا ويشوه المحتوى والمضمون الطبقي – الاجتماعي لليسار ومدلوله السياسي والاستراتيجي. ويجري طمس المضمون الحقيقي والهوية الحقيقية لليسار من خلال المعايير التي توضع لتعريفه. فاحيانا يكون المقياس معتمدا على الموقف المحدد من اليمين المحافظ والليبرالي والتقليدي وان من يدخل في خانة اليسار كل من يتخذ موقفا مغايرا لموقف اليمين من احدى قضايا تطور المجتمع، من القضايا السياسية او من القضايا الاجتماعية، او من القضايا البيئية. وقد يكون هذا الانسان او هذا التيار يساريا في الموقف السياسي، من اجل اجراء تحولات وتغيرات في الموقف السياسي المنتهج ولكنه يميني في الموقف الطبقي – الاجتماعي. وقد يكون هذا الانسان او هذا التيار يساريا في الموقف الطبقي – الاجتماعي ومن اجل العدالة الاجتماعية وضد الفقر والبطالة والاستغلال الرأسمالي الوحشي ولكنه يميني في الموقف السياسي ومتماثل مع موقف السلطة السياسي. لنا وجهة نظرنا ورؤيتنا بالنسبة لمفهوم اليسار الحقيقي، وننطلق في تعريفنا من المنظور الطبقي الثوري، فاليساري الحقيقي له رؤى ووجهة نظر شاملة تربط عضويا وجدليا بين مختلف اوجه تطور المجتمع، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، حركة تطور المجتمع في شتى المجالات وما يفرزه من ظواهر ومستجدات في ظل الواقع المتغير. اليساري الحقيقي لا تقتصر مهمته ودوره كراصد للتطورات ومتغيراتها بل العمل نضاليا لتغيير هذا الواقع جذريا خدمة لمصالح الشرائح الاجتماعية المظلومة، الطبقة الكادحة وجميع المسحوقين في المجتمع الطبقي الاستغلالي الرأسمالي. ولهذا يكتسب الموقف من السلطة وسياستها الممارسة اهمية استراتيجية وتكتيكية على ساحة نضال اليسار الحقيقي من اجل التغيير الثوري الجذري للمجتمع. ولهذا فان الرسالة التاريخية لليسار الحقيقي، للاحزاب الشيوعية والعمالية الثورية، وللتخلص من نير النظام الاستغلالي التمييزي الرأسمالي وبناء نظام العدالة الاجتماعية – الاشتراكية، تستدعي دراسة معمقة لمراحل تطور مجتمعها، حالة وطابع توازن القوى السياسية، الظروف العالمية المحيطة، درجة جاهزية العامل الذاتي، شبكة التناقضات القائمة وفرز المفصلية والهامشية من بينها لبلورة اشكال واطر وآليات التحالفات. لقد اكدنا في بداية هذه المعالجة انه خلال العقدين الماضيين واكثر، حدثت ردة وتراجع في موقع ودور الحركة اليسارية الثورية وحركة التحرر الوطني العالمية والعربية. وهنالك العديد من العوامل الموضوعية والذاتية، المحلية والعالمية، نرى من الاهمية بمكان التركيز على بعضها، ونورد ما يلي: أولا: ان ارتفاع موجة حركة التحرر الوطني المعادية للاستعمار ومن اجل التحرر السياسي واقامة الدولة المستقلة سياسيا في الخمسينيات والستينيات، والتي قادتها البرجوازية الصغيرة والمتوسطة في هذه البلدان، قد رافقها انتعاش قوى التقدم واليسار وبضمنها الاحزاب الشيوعية في عدد من البلدان العربية في سوريا ولبنان ومصر والاردن وغيرها. ولكن عندما بدأت القضية المطروحة على جدول اعمال هذه البلدان حول الهوية الاجتماعية لتطور المجتمع، وبدأت تتبلور معالم الطبقات وشرائحها الاجتماعية وما يرافق ذلك من صراع طبقي ومصالح طبقية فقد رافق ذلك في السبعينيات والثمانينيات عملية تضييق الخناق على القوى الثورية والتقدمية من شيوعيين وغيرهم وملاحقتهم. * ثانيا: ضعف الاحزاب الشيوعية في بلدان الطبقة العاملة فيها في طور الجنين وضعف العلاقة مع الفلاحين الذين يؤلفون غالبية الجماهير الشعبية في البلدان العربية. ففي كثير من البلدان العربية انتعش الفكر الشيوعي بين نخبة المثقفين وبعض الاوساط العمالية. وضعف العلاقة مع اوسع الجماهير العربية الكادحة لم يمكّن الاحزاب الشيوعية من التأثير على تصليب عود الحركة الثورية التقدمية لتقوم بدورها الضاغط والمؤثر على رسم طابع هوية تطور المجتمع * ثالثا: غياب الدمقراطية في معظم البلدان العربية وهيمنة انظمة دكتاتورية ورجعية تمنع حرية الاحزاب والكلمة وتلاحق الشيوعيين وتقذفهم اما الى المنافي او الى غياهب السجون وتحرمهم من حق ممارسة النشاط السياسي والجماهيري العلني. فعسف هذه الانظمة من جهة وفشلها في تحسين الاوضاع المعيشية حيث ينتشر الفقر والبطالة والأمية قد ادى الى انتعاش الحركات السلفية والاصولية الاسلامية. وتشرذم وتفتيت وحدة القوى الوطنية التقدمية والعداء للشيوعية وملاحقة الشيوعيين وحرمانهم من ممارسة نشاطهم العلني، او تحجيم هذا النشاط كما في سوريا والاردن مثلا، اوصل الاوضاع الى درجة ان البديل اليوم للانظمة العربية الرجعية المتعفنة ليس ابدا البديل الافضل، قوى التغيير الجذري التقدمية، بل التيارات الاسلامية السياسية، القوى السلفية والاصولية الاسلامية. * رابعا: الردة الخيانية الساداتية بعد رحيل الرئيس خالد الذكر جمال عبد الناصر، قد اثرت سلبا على جميع قوى اليسار والتقدم في مصر والبلدان العربية. * خامسا: انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي والانظمة في اوروبا الشرقية قد وجه ضربة قاسية لقوى اليسار والاحزاب الشيوعية ومختلف التيارات التقدمية في حركة التحرر الوطني العربية. ومقابل ذلك ادى الخلل في توازن القوى عالميا بعد هذا الانهيار الى محاولة القطب الامبريالي الامريكي الى الهيمنة عالميا بواسطة البلطجة العسكرية وعولمة ارهاب الدولة الامريكية المنظم عالميا وعلى المنطقة العربية بهدف تدجينها امريكيا ونهب ثروات وخيرات بلدانها. لقد نشأت اوضاع في ظل هيمنة القطب الامريكي وتحالفاته الاستراتيجية العدوانية مع اسرائيل الرسمية، المخفر الاستراتيجي والمخلب الاساسي للعدوانية الاستعمارية الامريكية الجديدة، وتواطؤ وخنوع انظمة التخاذل العربية مع استراتيجية العدوان الامريكي – الاسرائيلي، نشأت اوضاع حبلى بالمخاطر الجدية تهدد مصير ومستقبل الشعوب العربية وحتى سيادة واستقلال ووحدة اراضي بعض البلدان العربية السياسية – الاقليمية. فالاحتلال الانجلو امريكي للعراق والمخاطر الجدية لتمزيق وحدته الاقليمية، والمخاطر الجدية التي يتعرض لها كل من لبنان وسوريا من جراء التدخل الامريكي الفظ والمؤامرات التي ينسجها مع الحليف الاسرائيلي ومع بعض الرجعيين العرب في لبنان وسوريا وتواطؤ بعض الانظمة العربية مع المتآمرين، كل ذلك اصبح يشعل اكثر من ضوء احمر ينذر بمآس ٍ مرتقبة. هذا اضافة الى التآمر المستمر المخضب بالدماء ضد الشعب الفلسطيني وحقه الوطني بالتحرر والاستقلال الوطني. ان هذه الاوضاع المأساوية وغيرها تستدعي من مختلف قوى اليسار والتقدم، من القوى الوطنية الصادقة التي يهمها مصلحة شعوبها وتطورها الحضاري في ظل الحرية الحقيقية والسيادة الحقيقية، ان تسترد انفاسها حتى تدب العافية في اجسامها وتحتل مكانتها المؤثرة وتقوم بدورها المطلوب على ساحة التطور والصراع. وما يسر القلب انه في الآونة الاخيرة تجري محاولات لرص وحدة قوى اليسار والتقدم، وحدة مختلف القوى الوطنية والاسلامية في عدد من البلدان العربية وانهاء حالة شرذمة الصفوف التي لا يستفيد من ورائها سوى اعداء مصالح وتقدم الشعوب العربية. ففي ارض الكنانة، في مصر اعلن اتفاق بين القوى اليسارية والمعارضة لسياسة نظام حسني مبارك وحزبه الوطني الحاكم التي اوقعت مصر وشعبها بين فكي انياب العولمة والخصخصة الرأسمالية الشرسة وفي احضان التواطؤ مع الاستراتيجية الامبريالية في المنطقة. فقد تم الاتفاق على خوض الانتخابات البرلمانية في قائمة واحدة من التجمع الوطني اليساري بقيادة د. رفعت السعيد وخالد محيي الدين والحزب الناصري وحزب الوفد وغيرهم من التنظيمات التقدمية لمواجهة حزب السلطة (الحزب الوطني) وليكون لهذا التكتل تأثيره الفاعل في رسم سياسة مصر الداخلية والخارجية. كما استبشرنا خيرا انه تجري مساع ٍ بين القوى اليسارية والتقدمية الفلسطينية، بين حزب الشعب الفلسطيني وحركة النضال الشعبي الفلسطيني والجبهة الدمقراطية لتحرير فلسطين وغيرهم لخوض الانتخابات للمجلس التشريعي بقائمة مشتركة يكون لها تأثيرها ووزنها النوعي والكيفي على ساحة صياغة القرار الفلسطيني، ان تكون قوة ثالثة موازية بقوتها لحركتي فتح وحماس. وفي الاردن تتأطر مختلف قوى المعارضة من الشيوعيين حتى الاخوان المسلمين في اطار تنسيقي تحالفي يناضل من اجل توسيع الدمقراطية والغاء ما تبقى من انظمة الطوارئ وضد الغبن الاقتصادي والاجتماعي ودفاعا عن القضايا الوطنية التي في مركزها التضامن مع الحق الفلسطيني المشروع بالدولة والقدس والعودة. ان هذه الامثلة وغيرها بمثابة مؤشرات لبداية مرحلة من الصراع، لبداية انطلاقة قوى اليسار والتقدم العربية لمواجهة التحديات المصيرية التي تواجهها الشعوب والبلدان العربية، تحديات تضع على اكتاف هذه القوى المسؤولية التاريخية التي تتطلب رصّ وحدتها الكفاحية.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حسابات السرايا ليست كحسابات القرايا ألمدلول السياسي للقاء عب
...
-
ألابر المشرّمة
-
لمواجهة استراتيجية المجرمين في العراق وفلسطين المحتلين
-
يلوح في الافق احتمال انقسام مرتقب في الليكود ألمدلولات السيا
...
-
ماذا وراء التصعيد العدواني الجديد على قطاع غزة؟
-
لمواجهة معسكري الرفض، المطلق والنسبي
-
ألاعلام الطبقية الحمراء ترتفع بقوة في المانيا
-
ألرسالة الحقيقية لشارون في معادلة الصراع الداخلي والاسرائيلي
...
-
في الذكرى السنوية ال 60 لقيامها: ألامم المتحدة في قمة احتفال
...
-
ألمدلول الحقيقي لخطة اولمرت في -مواجهة الفقر-
-
في الذكرى السنوية الرابعة للحادي عشر من ايلول 2001
-
شنْيورك بنْشر العجال
-
فصل الاقتصاد عن السياسة والقطاع عن الضفة على بساط المؤامرة
-
إخلاء المستوطنات مسمار -عشرة- يُدقّ في نعش -ارض اسرائيل الكب
...
-
لبلورة استراتيجية كفاحية: من أجل مواجهة ما بعد الفصل مع غزة
-
الخيط الرفيع الرابط بين مجزرة شفاعمرو واستقالة نتنياهو
-
نذالة -الكتكوت-
-
على ضوء معطيات تقارير المآسي لا مفر من تصعيد الكفاح ضد حكومة
...
-
حذارِ من الوقوع في مصيدة التهلكة التي يعد لها المحتل
-
على ضوء دعوة عمرو موسى لعقد قمة عربية عاجلة: ماذا تستطيع الم
...
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|