|
سوف أقاطع الدستور المعمم
شيرزاد شير
الحوار المتمدن-العدد: 1344 - 2005 / 10 / 11 - 12:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ولدت مسودة الدستور المعروضة للإستفتاء عليها بتأريخ 15/10/2005 بعد مخاض عسير ونتيجة لمناورات ومشاورات ومساومات لا تعد ولا تحصى بين المنتصرين، وضعت الأطراف المتنفذة في صياغتها خلالها كل الأمور في الحسبان ما عدا المصلحة العليا للوطن ووضع الأسس المتينة لنظام آمن ومستقر، يؤمن للمواطن ما حرمه عليه النظام البائد ولعقود من الزمن ويستند ويرتكزعلى أعمدة راسخة في عمق تربة العراق الجديد ... وقد جرى كل ذلك في ظل وضع امني متدهور للغاية، وبعد أن منيت " الحكومة المنتقاة بالمحاصصة " بفشل ذريع في أدائها وإدارتها للأمور وإنشغلت عوضا عن مهامها الأساسية بتثبيت مواقعها و" تنظيف وتطهير الوزارات وغالبية مؤسسات الدولة من الاخصائيين المرموقين وكل الموظفين الغيرموالين لها ولأحزابها وتنسيب أتباعها في مواقعهم وتحويل أقسامها الى حسينيات " وأثبتت للقاصي والداني بأنها ليست جديرة بالثقة ولم تحقق ولو الحد الأدنى من برنامجها وخيبت بذلك آمال الملايين من الناخبين، الذين منحوها ثقتهم. فحكومة لا سلطة لها الآ في بعض المناطق من البلاد – بغداد العاصمة أصبحت أخطر بؤرة للجريمة في كل العراق وفي وضع يرثى له، وحكومات كوردستان تدير شئونها بنفسها وليست بحاجة الى مشورة أو نصيحة من المركز، ومناطق غرب العراق في حالة من الفوضى وفقدان الأمن يعرفها حتى سكنة جزر الواق واق، والبصرة الفيحاء يعوزها فقط والي وحوزة علمية تكون ذراعا طويلة لحوزة القم الشهيرة في محافظات جنوب العراق وكل منطقة الخليج – حكومة كهذه ليست الآ جثة هامدة لا حياة فيها ولا تمثل الشعب العراقي بأي حال من الأحوال... وهكذا، خرجت المسودة الى الوجود لتلبي طموحات بعض الأطراف وأقصيت أطراف أخرى عن قصد ولم تسمع كلمتها، لا بل تم عزلها وتهميشها وانعكس ذلك بشكل واضح وصريح على الوثيقة وديباجتها ( الفريدة من نوعها ) والمعروضة للأستفتاء عليها. لقد كتب الكثير عن المسودة الجديدة والنقاط المثيرة للجدل فيها وتناولتها أحزاب ومنظمات و فعاليات وشرائح واسعة من المجتمع العراقي وجرى تحليلها فقرة فقرة ووضعت على الميزان لتبيان الكفة الراجحة بين إيجابياتها وسلبياتها وتم تشريحها جملة جملة وكلمة كلمة !؟ وكما هو معروف للجميع، نال في الختام كل من الشيعة والكورد قطعته الكبيرة من الكعكة وترك ما تبقى على المائدة لكل الأطياف الأخرى، أي للبقية- والقوميات الصغيرة - فأكتملت السبحة وتنفس أعضاء لجنة صياغة الدستور الصعداء !!! واليوم، حينما تم كشف الأوراق ويقف المرء ( بإستثناء أوساط من الشيعة - المنتفعين وحدهم - والأكثرية الساحقة من الكورد )، متفرجا على مشاهد مسرحية الدستور ويعرف خفايا الأمور وما دار ولازال يدور خلف الكواليس، لن يسعفه شيء أو يشفي غليله سوى التوجه الى صناديق الأقتراع والتصويت ب (لا) كبيرة بحجم المأساة التي فرضت عليه ، ليقول لا للدستورالمقترح ورفضه بجرأة ومقاطعته، مسجلآ بذلك موقفا شجاعا وواضحا من قضية تمس أساس البناء الحديث للدولة العراقية ومستقبل الأجيال القادمة، تاركا خلفه أثرا سيذكره التأريخ ! بكل تأكيد هناك أخرون أيضا يرفضون الدستور، لكن من جهة معاكسة تماما، ولهم أجندتهم وتتقاطع كليا حساباتهم مع مع الطرف الثاني ولا يجوز للمرء أن يخلط مطاليبهم بمأخذ الوسط العلماني والديمقراطي والمستقل والقوميات الصغيرة، التي ترى نفسها الخاسر الأكبر في كل هذه المعادلة. وأن كنا نلتقي معهم في رفض الدستور بصيغته الحالية لا يعني ذلك أبدا التقائنا معهم حول قضايا خلافية أخرى مطروحة على الساحة. فهم في قارب ونحن في أخر. وهنا لابد من توجيه تهنئة خاصة لجيراننا الكورد، على المكاسب و الانجازات التي حققوها بفضل وحدتهم وتوحيد كلمتهم وإني لأشاطرهم الرأي في تأييد الدستور والدعوة الى التصويت بنعم له. وهذا أمر مفهوم ويمكن للمرء إستيعابه. فهم، أي أخوتنا الكورد، قد حصلوا على حقوق وامتيازات في محادثاتهم الماراثونية مع الجانب الشيعي – وهذا حقهم ولا جدال فيه – كانوا يحلمون بها وحرموا منها مئات السنين، وجائت كثمرة لنضالهم وتضحياتهم ومعاناتهم لعقود خلت. وأنا أحسدهم على ذلك وأرى فيهم نموذجا يحتذى به في كيفية التفافهم حول الهدف الأسمى ( إعلاء شأن الكورد ) ورغم الخلافات والاختلافات وتضارب المصالح الذاتية فيما بينهم ... ولكن أن نصوت نحن، أحفاد حمورابي وحضارة الرافدين الذائعة الصيت، أبناء أعرق شعب على هذه التربة بنعم لدستور لم يعترف الا بأجزاء من شعبنا ويذكر أسمائنا بحياء وخجل - لتجميل الصورة فقط - أو ندعو الى قبوله ونعتبره أنجازا لشعبنا، أو نضع بصماتنا عليه، فهذا ما لا يمكن تصوره أو تصديقه. و بصريح العبارة سأبقى أرفض دستورا يعتبر الشريعة الاسلامية أساسا له وسوف لن أقبل دستورا لا يمنحني كل حقوقي ولن يلبي كل طموحاتي ولا يحفظ كرامتي، كإنسان ومواطن أصيل ووريث لأقدم حضارة مدنية على وجه المعمورة ومكافح عنيد ضد نظام القمع والجريمة والارهاب والفاشية البعثية، أفنى زهرة شبابه في النضال من أجل غد أفضل لكل الشعب العراقي وليس لبني جلدته وحدهم !!!؟ لذا أضم صوتي الى صوت الكثيرين من الكتاب والمثقفين والمفكرين ومنظمات حقوق الانسان وأوساط واسعة من الهيئات والجمعيات النسائية الوطنية والعالمية المدافعة عن حقوق المرأة وأصرخ بملئ فمي لا للدستور المعمم ولا للدستور الطائفي ولا لتحويل العراق الى دولة لميليشيات ظلامية مجرمة وغريبة عن التقاليد التأريخية لما بين النهرين وتحت واجهات دينية أو مذهبية أو طائفية، تنشر الرعب والهلع بين المواطنين الأمنين وتسعى الى دفنهم أحياء في ظلمات القرون الوسطى.
#شيرزاد_شير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتخابات العراقية و افرازاتها المستقبلية
-
الرفاق - والأشقاء في سوريا جنبا الى جنب مع الأرهابيين الظلام
...
المزيد.....
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|