أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - العدالة الإجرائية والمساواة الديمقراطية عند جون رولز















المزيد.....

العدالة الإجرائية والمساواة الديمقراطية عند جون رولز


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 4863 - 2015 / 7 / 11 - 16:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لقد ظهرت الفلسفة التحليلية في القرن العشرين لتهتم بمسائل دقيقة مثل نظرية اللغة وفلسفة المنطق والإبستيمولوجيا وفلسفة الفكر والعلوم العرفانية وتقوم بتوضويحات وتمييزات بالاعتماد على صياغات ومعالجات تستدعي الحس المشترك واللغة العادية وتركز على استعمال النص ونظرية الفعل ونظرية المجتمع وتحاول فهم الطبيعة في تنوع وتعقد ظواهرها وقدرات الفكر البشري في مجال القيمة والمعيار.
لكن إذا كانت البراغماتية الجديدة تضع صدق القضايا محل تطابقها مع الواقع بوصفها معيارا للاعتقاد بأهميتها والانتفاع بها في حل مشاكلنا ولذلك ترفض التصور الماهوي والنظرية التمثيلية للواقع والمشروع التأسيسي الذاتاني للحداثة وتنتصر إلى التعددية والتسامح والحوار مع الآخر والديمقراطية بوصفها ممارسة اجتماعية للتضامن، فإن الطريقة الإجرائية procédurale فهي طريقة مستخدمة في العلوم الصورية والإنسانية وتعني تعني تحديد المؤشرات العملية ووضع المقاييس التقنية التي تسمح بتعريف ظاهرة غامضة غير قابلة للقياس بشكل مباشر وذلك عبر محاولة فهمها بربطها بظاهرة أخرى قريبة منها وعبر جملة من الملاحظات التجريبية. في هذا ضرب من المناخ الليبرالي يأتي جان رولز ليقدم نظريته حول العدالة باعتبارها إنصافا ولكي يقدم تصورا توزيعا للمنافع والمساوئ تغطي كل الفئات بما في ذلك الأقل حظا وتؤلف بين نجاعة الرأسمالية وإنسانية الاشتراكية وتنطلق من فرضية الوضع الأصلي1 بوصفها شرط إمكان قيام مجتمع سياسي عادل. لكن ما المقصود بالوضع الأصلي ؟ هل وضع طبيعي أم وضع افتراضي؟ وهل يحتاج لتأسيس بدئي وفق تصور إجرائي أم لإعادة بناء وفق رؤية براغماتية؟ ماهي الشروط القانونية اللازمة لهذا التأسيس الاجرائي؟ هل تستوفي الحريات والحقوق التي يطالب بها الكائن البشري؟ وكيف يتم الانتقال إلى نظم سياسية منصفة وديمقراطية تحترم التعددية والمواطنة؟ بأي معنى تجد الفئات الأقل حظا فرصا حقيقية للانتفاع بالخير العام والمشاركة والإندماج؟
من هذا المنظور تقوم الفلسفة باعتبارها جزء من الثقافة السياسية العامة للمجتمع بالأدوار الكبرى التالية:
1ـ معرفة المسائل السياسية التي أدت إلى النزاع العميق والحاد وإيجاد أرضية مشتركة ومعقولة لاتفاق سياسي حولها مثل مسألة الضمير وحق المقاومة والمساواة والحريات. لذلك يتمثل الدور العملي للفلسفة في تحديد المسائل الخلافية والنظر في إمكانية بناء توافقات واتفاقات أخلاقية تضيق شقة الخلاف وتحتفظ بالتعاون على قاعدة الاحترام المتبادل والتعايش السلمي.
2ـ يمكن أن تسهم الفلسفة في معرفة نوعية تفكير الناس في شكل مؤسساتهم وفي أهدافهم من الحياة ومقاصد أفراد المجتمع وتقوم بالتالي بدور التوجيه وتعيين مبادىء وغايات عقلانية وأخلاقية للفرد والجماعة.
3ـ يمكن للفلسفة أن تلعب دور التسوية والمصالحة وأن تهدىء من غضب الأفراد ونزوعهم نحو العنف وتجعلهم يقبلون العالم الاجتماعي ويطبعون مع الواقع السائد ويؤكدون الحياة بصورة ايجابية مع الغير.
4ـ يمكن للفلسفة أن تتحول الى يوتوبيا واقعية وأن تحاول سبر حدود الإمكان السياسي العملي وتجعل الناس ياملون في نظام سياسي لائق وديمقراطية عادلة بصورة معقولة في ظل ظروف ملائمة وتعددية معقولة وأحوال تاريخية ممكنة وأن تساعد المجتمع على بناء نظام تعاوني منصف2 .
يجمع رولز بين اللغة التحليلية والتوجه البراغماتي الجديد ومدرسة العقد الاجتماعي في صورتها الكانطية والبحوث القانونية الوضعية ليصوغ نظرية متكاملة في الفكر السياسي والحقوقي والاقتصادي المعاصر تضم كل من جملة من البنى الأساسية3 هي الوضع الأصلي4 وما يفترضه من حجاب الجهل والعدالة باعتبارها إنصاف والتوافق بالتقاطع وتنظر للعصيان المدني والتسامح في ظل اللاّتسامح وحقوق الأقليات وحرية الضمير وخلقنة السياسي. يقول في هذا السياق: إذا لم نتمكن من تشكيل الوضع الأصلي بحيث تستطيع الأطراف أن تتفق على مبادئ للعدالة على أسس ملائمة فإن العدالة كإنصاف لا يمكن انجازها5 .
في هذا الصدد تصلح فكرة الوضع الأصلي من أجل بلورة إجراء منصف تبقي بمقتضاه المبادئ المتفق عليها عادلة وبالتالي تمثل حجر الزاوية في نظرية العدالة الإجرائية procédurale وتفترض حالة جهل لا يعرف أحد مكانته في المجتمع ولا موقعه في طبقته ولا موضعه الاجتماعي ولا حصته من تقسيم المواهب والقدرات في الذكاء والقوة ولا أحد يعلم تصوره الخاص للخير ولا يدري عن خصوصيات مشروعه العقلاني للحياة وليست له فكرة عن التشاؤم والتفاؤل وعن نوعية الجيل الذي ينتمي إليه وطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه.6
والحق أن فكرة الوضع الأصلي وما تفترضه من جهل بالمصالح العقلانية الخاصة بالمشاركين وما تؤديه من توافق في صورة تسويغ تشبه من بعيد فكرة العقد الاجتماعي عند لوك وروسو وكانط في خاصية المساواة وl’impartialité على الرغم من النقد الأخلاقي الرولزي للنفعية والديمقراطية الليبرالية. 7
لقد نقد رولز الماركسية ومغالاتها في المساواة ودافع على النظام الديمقراطي الليبرالي بتأليفه بين مكاسب الليبرالية ومكاسب الاشتراكية ولكنه ميز بين الليبرالية السياسية التي تمنح مجموعة من الحقوق الحريات ضد الطابع العرضي للسلطة التي لا تلتزم بأي حق وبين الليبرالية الاقتصادية التي تضع القيود على تدخل الدولة في التبادلات الاقتصادية والتخطيط المركزية وملكية وسائل الإنتاج. كما ميز بين الحقوق الحريات التي تعطى للأفراد من قبل مؤسسات الدولة مثل حرية التفكير والاجتماع والتنظم والملكية والعبادة والتجارة والحقوق الاجتماعية مثل الشغل والتعليم والصحة والسكن والتنقل والترفيه والحماية والأمن التي توفرهم دولة العناية للأفراد والجماعات في إطار احترام حق الأغلبية دون المساس بحق الأقليات8 .
من هذا المنطلق " لقد حدد رولز تصورا سياسيا باستعمال ثلاثة معايير: أ ينبغي أن يتم صياغته وفق موضوع مخصوص أي بنية أساسية للمجتمع، ب يتم عرضه بشكل مستقل عن كل عقيدة مذهبية، ث يتم بلورته بحدود أفكار سياسية أساسية تعتبر متضمنة في الثقافة الجمهورية للمجتمع الديمقراطي"9
وبطبيعة الحال لا يعني التوافق السياسي إلغاء الاختلافات والتعددية بل يحترم أشكال التباين والتنوع ويبقيها ويعمل على تنمية التعارضات المقبولة والخلافات المعقولة وذلك عن طريق القبول بالتعددية الأخلاقية في مستوى تصورات الخير والسعادة والواجب. وبالتالي فإن أصالة الديمقراطية الليبرالية لا تكمن في النظام التمثيلي الذي يتم عن طريق الاقتراع العام واختيار الممثلين أثناء الانتخابات الحرة والشفافة وإنما في العدالة التوزيعية التي تحاول التقليل من الفوارق الاجتماعية وتقوم بتقسيم الخيرات والحريات وفق الجدارة والكفاءة والدور والوظيفة. إن إحلال المصداقية والحق والسلام والعيش السوي والمواطنة مكان الكذب والعنف واللاّتسامح والتصادم المهلك ليست مهمة مستحيلة وإنما تتوقف على اتخاذ تدابير قانونية وإجراءات عقلانية وفق تعقل سديد ونجاعة موزونة في القرارات السيادية .
ربما الهدف المشترك للجماعة التاريخية من السياسة الليبرالية المشروعة ليس المحافظة على الهوية وصيانة التراث وضمان استمرارية التقاليد وإنما العناية بالقيم الكونية وتوفير وضع سياسي يسمح بولادة دائمة للكائن البشري ومبادأة على صعيد المعرفة والوجود والقيم. ولا يكون الإنصاف بوصفه العدالة التوزيعية بنية أساسية للمجتمع السياسي بالنظر إلى احترامه المنزلة الخصوصية للفرد وتحقيقه لحرياته الشخصية ودفاعه على استقلاليته التامة عن كل السلطات والإكراهات بل لدوره الإجرائي والوظيفي في تماسك المجتمع وتلاحم الحياة المشتركة.
والحق أن الديمقراطية هي نظام سياسي لا تكون فيه السلطة تحت تصرف أي شخص أو مجموعة وإنما عند كل مواطني المدينة والمجتمع الديمقراطي هو الذي تغطى عملية الدمقرطة جميع مساراته وشبكة علاقاته. كما ينبغي التمييز بين الحرية الشخصية باعتبارها حرية داخلية تطرح دوما كواقعة من وقائع الحياة اليومية الخاصة وضمن علاقة ضدية مع الآخرين في تأكيد للذات وبين الحرية السياسية التي يتم تأكيدها من طرف القانون في الحياة العامة وصيانتها من قبل مؤسسات دولة العناية وتجعل الناس يعيشون بشكل جماعي دون أن يتنازعوا بشكل دائم. لكن ما العمل عندما تؤسس العدالة الاجرائية وضعا سياسيا نهائيا ودائما؟ ألا ينشب النزاع الديمقراطي بين مطلب العدالة الاجتماعية وحق المساواة أمام القانون؟
الإحالات والهوامش:
[1] Rawls Jean, théorie de la justice, traduit par Catherine Audard, éditions du Seuil, Paris, 1987. partie1, chap3. la position originelle. pp. 151. 228.
[2] جون رولز، نظرية العدالة كإنصاف ، ترجمة حيدر إسماعيل، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة أولى، 2009، ص.
[3] Rawls Jean, justice et démocratie, édition du Seuil, Paris, 1993. La structure de base comme objet. pp.37.70.
[4] Rawls Jean, théorie de la justice, op.cit, p.168.
[5] جون رولز، نظرية العدالة كإنصاف ، مرجع مذكور،ص219.
[6] Rawls Jean, théorie de la justice, op.cit, p.169.
[7] Rawls Jean, théorie de la justice, op.cit, p.38.
[8] Rawls Jean, théorie de la justice, op.cit, p.140.
[9] Guillarme Bertrand, Rawls et l’égalité démocratique, édition PUF, Paris, 1999, p.2o5.
المصادر والمراجع:
جون رولز، نظرية العدالة كإنصاف ، ترجمة حيدر اسماعيل، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة أولى، 2009.
Rawls Jean, théorie de la justice, traduit par Catherine Audard, éditions du Seuil, Paris, 1987.
Rawls Jean, justice et démocratie, traduit par Catherine Audard et autres, édition du Seuil, Paris, 1993.
Guillarme Bertrand, Rawls et l’égalité démocratique, édition PUF, Paris, 1999.
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنعرج التداولي للفلسفة المعاصرة مع يورغن هابرماس
- أولانية دراسة الوضع البشري
- ميلاد الفنون الجميلة ودلالاتها
- المقاربة الفنومينولوجية للسياسي عند حنة أرندت
- تأرجح الكائن بين اللاوعي والوعي عند سغموند فرويد
- الإنسان المنتج عند كارل ماركس
- ماهو الفعل الإبداعي في الذوق الفني؟
- كيف يتحقق العيش المشترك في ظل التصادم بين الحضارات؟
- الفنان بين اتساع نطاق التسمية وتقلص رقعة المعنى
- ميديولوجيا الصورة وعرض جمالية الوجود
- الثورة والحشود والامبراطورية المضادة عند أنطونيو نيغري
- الفلسفة بين مواجهة الحدث وصنعه واعادة بنائه
- أنطولوجيا اللغة وإيتيقا التفاهم عند هانز جورج غادامير
- النشاط الاجتماعي بين العقلنة والشرعنة عند ماكس فيبر
- معالجة ايريك فروم للنزعة التدميرية عند البشر
- تقنية الحياة وإيتيقا المعرفة عند جاك مونو
- دور الفلسفة في الحراك العربي الراهن
- الأنثربولوجيا الثقافية بين البنية والاختلاف عند كلود ليفي شت ...
- أحوال الديمقراطية العربية
- مارتن هيدجر والطريق القصير نحو الوجود


المزيد.....




- روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة. ...
- مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
- مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ ...
- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - العدالة الإجرائية والمساواة الديمقراطية عند جون رولز