|
حتى لا يدعي العالم بالقول أنه لم يكن يعلم الحقيقة عن داعش
جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي
(Bashara Jawad)
الحوار المتمدن-العدد: 4862 - 2015 / 7 / 10 - 22:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وسط ذهول العالم وحيرة زعمائه والرأي العام فيه، أعلن أبو بكر البغدادي قبل أشهر قليلة من الموصل نشوء دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام المعروفة باسم داعش، وسط ضجيج إعلامي كبير مقرون بمشاهد من العنف والدم والرعب والترهيب في غاية الوحشية. لا أحد يعرف ما هو مصير هذا الكيان الإرهابي الجديد، هل سيبقى أم سيزول؟ وكيف سيتطور وأين ستتوقف حدوده ؟ بعد فترة وجيزة من الترقب واللامبالاة العالمية، بدأ الغرب فجأة استنفاره بعد أن صدم بمشهد ذبح أحد صحفييه مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي وشكلت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تحالفاً عسكرياً راح يشن غارات جوية على معاقل ومقاتلي داعش ولكن بلا جدوى فلا يبدو أن ذلك يخيفها أو يردعها عن القتل والتنكيل ونشر الرعب والإرهاب في كل مكان، إذ لا بد من التدخل البري الشامل لاستئصال هذا الوباء الذي جثم على أنفاس شعوب الشرق الأوسط وخاصة العراقيين والسوريين إذ هم أول ضحاياه المباشرين . يبدو أن مقاتلي داعش ينتظرون ذلك ويتوقعونه ويستعدون له بكل ما لديهم من وسائل، لأن من شأن ذلك تجذير وجودهم الدائم وتصويرهم بمثابة الممثلين للإسلام الذين يتصدون بشجاعة وعزم وروح انتحارية لهجمات الغرب الكافر الصليبية الجديدة على دار الإسلام، ومن ثم فرضهم لقراءتهم وتفسيرهم المتشدد، بل والمنحرف للقرآن والسنة النبوية ومقاربتهم للشريعة الإسلامية وحدودها. تقول الرؤية الداعشية المنشورة عبر وسائل الإعلام أن الحدود القائمة بين الدول العربية والإسلامية هي حدود زائفة فرضها المستعمرون الغربيون في اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 والمعدلة بمعاهدة لوزان سنة 1923، ولم تتقبلها شعوب المنطقة الشرق أوسطية وكانت القوة العظمى آنذاك قد خدعت الزعماء العرب وخانت تعهداتها لهم وعلى رأسهم الشريف حسين شريف مكة وملك الحجاز في ذلك الوقت الذي وعدوه بمملكة عربية مستقلة مقابل دعمه لهم ضد الأتراك العثمانيين وما تزال وقائع تلك الفترة راسخة في ذاكرة الأجيال. ففي الوقت الذي لوح فيه البريطانيون من خلال مخابرتهم وعميلهم المدعو لورنس العرب بأوهام المملكة الهاشمية كان العملاء الخاصين في حكومة الهند البريطانية من أمثال سان جون فيلبي يدعمون عسكريا وماليا عبد العزيز بن سعود ملك نجد ومجموعة الإخوان السلفيين. قام الزعيم العلماني التركي كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة وتأسيس جمهورية حديثة في حين أرسل شريف مكة للمنفى وتم الاعتراف بعد العزيز بن سعود كملك لما يعرف اليوم بالمملكة العربية السعودية وحارس للحرمين الشريفين المقدسين في الإسلام. لذلك لا غرابة أن يعلن زعيم داعش في الرابع من تموز 2014 من على منبر جامع النور في الموصل في العراق إعادة إقامة دولة الخلافة مما يعني ضمناً إنهاء التقسيم الاستعماري القسري للمنطقة وإنهاء الحدود القائمة التي خطت في أعقاب الحرب العالمية الأولى. واليوم يتحرك أتباع هذا التنظيم الدموي وفق تعليمات كتابهم المقدس ، ليس القرآن، بل "إدارة التوحش" في كل مكان في العالم، من مذبحة صحافيي مجلة شارل إيبدو الفرنسية الساخرة ومذبحة شاطيء سوسة السياحي في تونس، مروراً بأخذ الرهائن واقتحام متجر يهودي في باريس وذبح الرهينة هيرفيه كورنارا ، فكل تفاصيل وطرق وأساليب ومناهج العمليات الإرهابية موجودة في كتاب " إدارة التوحش" أو المراحل التي يجب أن يمر فيها الإسلام لإعادة تأسيس الخلافة، والمنشور سنة 2004 والذي يسميه بعض الجهاديين بمثابة " كفاحي" الذي ألفه هتلر وهو الدليل الكامل لأي إرهابي موجود في العالم سواء كان منتمياً لتنظيم أم لا ، فحتى الذئاب المنفردة تلجأ إليه لتستلهم منه جرائمها، ويضعه زعيم المنظمة الإرهابية بوكو حرام قرب مخدته ليقرأ منه قبل أن ينام، بينما يعممه تنظيم داعش على أتباعه كمرجع ـتكنيكي وآيديولوجي. أما مؤلفه فيعتقد أنه إسم مستعار وهو أبو بكر ناجي والغرض من تأليفه هو تركيع وإخضاع الغرب الكافر للإسلام وتأسيس دولة الخلافة التي ستحكم مليار ونصف المليار من المسلمين شاءوا أم أبوا ومعهم سيتم غزو العالم برمته. ورد فيه بالحرف الواحد:" يجب محاربة الصليبيين وحلفائهم المرتدين . فلا شيء يمنعنا من سفك دمائهم، بل على العكس فذلك هو واجبنا الأول، فلا مجال للطرق السلمية للتعاطي معهم. فالذي ينخرط في الجهاد يعرف أن لا وسيلة غير العنف والقسوة والبطش والوحشية والإرهاب والترهيب والإرعاب والمذابح فهذه هي اللغة التي يفهمها هؤلاء وليس غيرها". وعلى عكس تنظيم القاعدة الإرهابي الذي يهاجم أهداف مهمة رمزية لخلق ردة فعل إعلامية ، يقوم تنظيم داعش الإرهابي بمضاعفة ضرباته وهجماته الإرهابية لجعل العالم في حالة خوف ورعب وخضوع دائم وهي الاستراتيجية التي تتبعها داعش كما وردت في كتاب إدارة التوحش. وينص الكتاب على ضرورة تصفية الرهائن جسدياً بأبشع الطرق وأقساها لترهيب الأعداء وحلفائهم. ويوجه الكتاب الإرهابيين ، لا سيما الذئاب المنفردة، قائلاً: لا يجب الاستسلام ولا ينبغي أن يقع الجهادي في الأسر فعليه أن يقاتل حتى يقتل فالموت ليس سوى الشهادة ، كما ورد نصاً في الكتاب. كانت هناك جماعات مسلحة متفرقة في العراق وبالذات في مناطق نفوذ النظام الصدامي السابق في الموصل والأنبار وصلاح الدين إلا أن داعش كانت متواجدة أيضاً في تلك المنطقة وتمارس نفوذاً كبيراً هناك بل لقد نجحت في احتلال الفلوجة بالكامل والهيمنة على ساحات الاعتصام في المنطقة الغربية ذات الأغلبية السنية وفرض الأتاوات والتلويح بالتهديدات ضد رؤوساء العشائر الذي لايرغبون في الإنضواء تحت سلطة هذا التنظيم الإرهابي الشرس. وفي ليلة التاسع والعاشر من حزيران 2014 زحف مقاتلو داعش بالتنسيق مع بعض العشائر وبقايا النظام الصدامي البائد واحتلوا الموصل وسط دهشة الجميع إذ أن خطوتهم هذه لم تلق أية مقاومة تذكر من قبل القوات النظامية العراقية المتمركزة في المدينة وأطرافها ولم تتوقع القوى المسلحة المتعاونة مع داعش والمنسقة معها لتنفيذ الخطة، أن يتجاوز هذا التنظيم على كل الخطوط ويعلن دولة الخلافة بهذه السرعة ويقوم بطرد وتهجير وسبي الأقليات الدينية والمذهبية والإثنية الأخرى ويسمح ببيع النساء الإيزيديات كغنائم وسبايا مشروعة في المزاد العلني ونشر أشرطة فيديو في غاية الوحشية عن قتل الجنود والأسرى والشيعة والرهائن الأجانب وارتكاب المذابح الجماعية مثل مذبحة سبايكر وحرق الطيار الأردني الأسير وهو حي وتدمير المدن الأثرية والآثار العراقية في نمرود والحضر ونسف الكنائس المسيحية والمساجد الشيعية والأضرحة والمقابر والمآثر الصوفية ونهب محتويات متحف الموصول، فكيف تمكنت هذه الثلة المجرمة في تحقيق كل ذلك في وقت قياسي في قصره؟ في آذار 2003 قبل السقوط ببضعة أسابيع أباح أحد كبار المسؤولين في المخابرات العراقية لأحد الصحافيين الأجانب بأن النظام بصدد تنظيم مقاومة مسلحة طويلة الأمد وستكون إسلامية الطابع لكسب التعاطف والشرعية في العالم العربي والإسلامي وسوف يقومون برفع الغطاء عن قدر الضغط الشرق أوسطي الذي يهيمن عليه الغربيون منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية. ومن ثم بات معروفاً لكافة مراكز الاستخبارات العالمية أن صدام حسين نظم خطط المواجهة المسلحة السرية واستقدم الكثير من المتطوعين العرب والمسلمين وعدد من مقاتلي تنظيم القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي ووزعهم على عدة مناطق ووفر لهم الأموال والأسلحة والذخيرة المتطورة التي دفنت في أماكن متفرقة ومعلومة للكثير منهم وكانوا مقسمين إلى ثلاث مجموعات رئيسية وهم المجاهدين وأغلبهم من العراقيين من أنصار النظام السابق وجيش القدس والمخابرات وفدائيي صدام، والأنصار وأغلبهم من البعثيين غير العراقيين والمتطوعين العرب وكانوا منظمين قبل السقوط بفترة طويلة ويعيشون في بيوت وأوكار سرية والمهاجرين وعلى رأسهم قادة عسكريون من عتاة البعثيين المخضرمين وذوي الخبرة وكذلك مسؤولين بعثيين معروفين بكفاءتهم وخبرتهم في المجالات العسكرية والتخريبية ومن أصحاب المهارات التقنية والعسكرية الذين من مهامهم قيادة وتوجيه الانتحاريين. وقد أكدت بعض التقارير الاستخباراتية وجود تنسيق ولقاءات سرية بين مسؤولين كبار في النظام الصدامي المقبور وقيادات إرهابية عالمية من القاعدة وغيرها بمعرفة ومباركة بن لادن وأيمن الظواهري وكانت تلك اللقاءات تحدث بين عامي 1992 و 1998 وتكثفت بين 2000 و 2003 ويقال أن أحد منفذي عمليات الحادي عشر من أيلول في نيويورك سنة 2001 وهو محمد عطا التقى سرا في براغ مع ضابط عراقي رفيع المستوى في المخابرات العراقية يدعى أحمد العاني، وتحويل مبالغ طائلة بطرق خفية غير شرعية وغير رسمية لعدد من التنظيمات الإرهابية وبعض التنظيمات الفلسطينية المسلحة الموالية لنظام صدام حسين ولتنظيمات تتمركز في الباكستان لحثها للانضمام الى تنظيم القاعدة وتقوية شوكته وكان من بين هؤلاء معسكر أبو مصعب الزرقاوي الذي كان مستقلا عن بن لادن في ذلك الوقت وانضم إليه فيما بعد في العراق بعد السقوط بأشهر قليلة. ويقال أن صدام حسين أقام معسكرات تدريب سرية للمقاتلين العرب والأجانب المتطوعين لمحاربة الأمريكيين قبل السقوط في مناطق عدة من العراق وحتى بالقرب من بغداد. ولقد استفاد من حجة وجود جيش القدس والميليشيات البعثية وفدائيي صدام لاختيار آلاف المقاتلين المدربين تحت إدارة وتوجيه عسكريين محترفين وضباط كبار في المخابرات العراقية خاصة المخابرات العسكرية الذين تخرجوا من أرقى المدارس السوفيتية والأوروبية الشرقية والفيتنامية وأنشأ شبكة لتوزيع المال النقدي بعيدا عن الرقابة وبدأت تلك العناصر والقوى المسلحة عملها مباشرة بعد السقوط واحتلال الأمريكيين للعراق وكانت مجموعات إرهابية منظمة صارت تعمل باستقلالية نسبية لكسب المزيد من الشهرة مثل التوحيد والجهاد بزعامة الزرقاوي، الذي تحالف مع جماعة النقشبندية وفلول حزب البعث المنحل بقيادة عزت الدوري، وجماعة كتائب ثورة العشرين بزعامة حارث الضاري للقيام بعمليات تخريبية وإشاعة الفوضى وخلق حالة من الذعر بين المواطنين وتأجيج الخلافات والاستقطابات الطائفية والمذهبية بين السنة والشيعة كتفجير قبري الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء، واستهداف المدنيين لخلق حالة من الهلع وعدم الأمان للإشارة إلى ضعف السلطة المركزية، تحت ذريعة مقاومة الاحتلال الأمريكي. نشر أبو مصعب الزرقاوي عناصره في معسكرات أعدت له في شمال العراق في مناطق كانت تحت سيطرة النظام العراقي السابق بعلم ومباركة صدام حسين سنة 2001 لكنه هرب منها تحت وابل الغارات الأمريكية واختفى في الأنبار بعد أن وجد حاضنة شعبية محدودة مؤيدة له في المنطقة وأعلن انضمامه لتنظيم القاعدة الإرهابي الدولي لكنه كان يتصرف على هواه وبحرية ميدانية مستقلة عن أهداف وتخطيطات القاعدة. وفي 7 حزيران 2006 تمكنت القوات الأمريكية من قتله بعملية قصف جوي لمقره وسرعان ما حل مكانه المصري أبو حمزة المهاجر وبعده اختار تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أبو عمر البغدادي زعيماً للتنظيم وغير هذا الأخير إسم التنظيم إلى الدولة الإسلامية في العراق وعزم على تأسيس دولة إسلامية تطبق الشريعة في العراق لكنه قتل في نيسان 2010 في قصف جوي لمقره برفقة مرافقه ونائبه أبو حمزة. وهكذا انتقلت قيادة التنظيم الإرهابي إلى أبو عمر البغدادي المعروف بقسوته ووحشيته ونشاطه الإرهابي الذي أدى إلى اعتقاله من قبل الأمريكيين وزجه في سجن بوكا لمدة ثلاث سنوات ومن ثم أفرجت عنه القوات الأمريكية قبل انسحابها من العراق. كل العواصم فوجئت بهذا الانتصار الكاسح والمفاجيء لداعش عدا عمان وبغداد وواشنطن وتل أبيب. أحد زعماء حزب العمال الكردستاني السوري أفضى لأحد الصحافيين الغربيين بسر الاجتماع السري الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان للتحضير لعملية اجتياح واحتلال الموصل والأنبار وصلاح الدين ومن المعلوم أنه لايمكن لأي اجتماع من هذا النوع يعقد في عمان بدون علم ومتابعة ومشاركة ومباركة المخابرات المركزية الأمريكية سي آي أ، كان مشاركاً في ذلك الاجتماع أيضاً عزت الدوري وحارث الضاري وممثل عن تنظيم أنصار الإسلام وممثل عن تنظيم جيش المجاهدين وممثل عن داعش وبعض شيوخ العشائر السنية في المناطق الغربية من العراق وبعض رجال الأعمال الأغنياء أو ممثلين عنهم مثل الخشلوك والخنجر ثم تم التخطيط والتنسيق مع عناصر من الجيش العراقي السابق المقربين من صدام حسين وأعضاء في حزب البعث المنحل المتواجدين في الموصل وصلاح الدين والأنبار وقيادات عسكرية في داعش قدمت من سوريا واختيرت ساعة الصفر بتواطؤ من بعض القيادات العسكرية العراقية الخائنة التي تم شراؤها بالمال لإعطاء أوامر بالانسحاب وعدم المقاومة . لكن داعش تجاوزت الدور المحدد لها في العملية واستولت على كل شيء وهاجمت كردستان وقامت بعمليات التطهير العرقي والديني ضد الأقليات الدينية والعرقية واالإثنية بل وحتى عاقبت عناصر من البعث ممن رفض الانصياع لأوامر وإملاءات داعش.
إستراتيجية الإخطبوط: يسير تنظيم داعش وفق خطى مرسومة بدقة ومراحل تنفذ وفق جدول زمني محكم وبتدرج فطريقه أخذه وسيطرته على أراضي واسعة شكل ظاهرة ملفتة للنظر على الصعيد العسكري تكتيكياً واستراتيجياً. وفاق بكثير ما حققته المنظمات الإرهابية الدولية التي سبقته كتنظيم القاعدة فلم تحلم هذه الأخيرة إلا بمنطقة نفوذ محدودة جداً في أفغانستان تحت رعاية وحماية دولة طالبان التكفيرية المتشددة ، في حين يسعى داعش للهيمنة على كامل دولتي العراق وسوريا ولاحقاً ليبيا وتونس لخلق نقطة انطلاق لوجيستية استعداداً لأخذ مصر بكاملها بالتنسيق مع ولاية سيناء التي زرعها هناك لشن هجمات استنزافية ضد الدولة المصرية في الوقت الحاضر. واليوم باتت الدولة الإسلامية في العراق والشام أو داعش حقيقة يعرفها الجميع ويرهبها الرأي العام العالمي وتسيطر على أراضي واسعة أكبر من مساحة بريطانيا تمتد من غرب العراق إلى شمال وشرق سوريا وتمتلك موارد مالية ونفطية ولديها إدارة مدنية وجيش مقاتلين وحرس حدود وجمارك وتتحكم بثمانية ملايين نسمة وتقدم بعض الخدمات الاجتماعية وتتصرف كدولة حيث أصدرت جوازات سفر وعملة محلية وإجازات سوق ولكن هل سيتساهل المجتمع الدولي مع هذا الوباء ويتأقلم معه، أم سيعمل على إنهاء وجوده وإبادته، أم سيكتفي من طرده من العراق وتركه يتصرف بحرية في سوريا لاعتبارات سياسية وإستراتيجية غربية بحتة بالتواطؤ مع أنظمة الخليج التي تريد بأي ثمن الإطاحة بنظام بشار الأسد حتى لو كان البديل دولة داعش الإسلاموية؟. الدوائر الغربية، الاستخباراتية والعسكرية والسياسية ، تدرس وتحلل هذه الظاهرة لكنها لم تقدم ضدها استراتيجية فاعلة وناجعة لحد الآن. يقول جون بيير فيليو الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس :" دولنا الغربية لاتفهم أساليب عمل الإرهابيين ولا تستوعب سر نجاحهم. ففي قلب داعش نجد عسكريين محترفين ومخضرمين ومتمرسين بحروب نظامية سابقة لسنوات طويلة وبعشر سنوات من التمرد العسكري ضد قوات الاحتلال الأمريكي للعراق اغلبهم من قيادات نظام صدام حسين ومخابراته المدربين جيداً ومعهم بعض العرب من أمثال الفرنسي والتونسي الأصل بوبكر الحكيم وهو كلب حرب محترف ومخيف ولدى هؤلاء التجربة الميدانية التي يفتقد لها منتسبي القوات النظامية العراقية والسورية حالياً. ذكر تقرير سري فرنسي صادر من الجيش الفرنسي أن داعش انتقل من إستراتيجية الهجوم الخاطف وهو أحد أنماط حرب العصابات إلى شن هجمات كبيرة مبرمجة وذات قدرات قتالية عالية وتنظيم محكم تسمح لها بالسيطرة على أراضي واسعة والتحكم والاحتفاظ بها ". وهو تمارس النهجين حسب الظروف والمناخ وتوازنات القوى . ولقد أشار الكولونيل الفرنسي جون لوي دوفور البروفيسور في مدرسة سانت سير العسكرية الفرنسية إلى قدرة داعش في خوض عمليات عسكرية ضخمة منسقة على عدة جبهات في آن واحد مهما كانت المسافات متباعدة بينها كما هو الحال في سوريا في الحسكة وعين العرب كوباني اللتان تبعدان عن بعضهما بــ 300 كلم حيث تمت مهاجمتهما في نفس الوقت في 25 حزيران 2015. فلقد تمت السيطرة على الحسكة بقوات وأسلحة ثقيلة في حين تمكن داعش من إحكام سيطرته على كوباني بفضل غارات نفذها مجموعة من الكوماندوس الإرهابيين محدودة العدد وبأسلحة خفيفة ومتوسطة بتنظيم وقيادة كوادر عسكرية صدامية محترفة قام الأمريكيون بطردهم من الجيش بعد احتلال بغداد وتطبيق سياسة استئصال البعث. بينما لاحظ الجدنرال الفرنسي فينسنت ديسبورت ، المدير السابق للمدرسة الحربية الفرنسية، أن زعماء وقادة داعش الإرهابي يعرفون كيف ومتى يتراجعون لو اقتضى الأمر فلقد احتلوا مدينة الرمادي العراقية وتدمر السورية وانسحبوا من تكريت بدون قتال حقيقي أو مواجهات شرسة فخصوم داعش يعتقدون أنهم حققوا نصراً لكنهم يتعرضون للهجمات في مواقع وجبهات أخرى وبكثير من الحذاقة العسكرية . شدد المحلل العسكري في إحدى المؤسسات الأهلية الباريسية المتخصصة في الشؤون الاستخباراتية والاستراتيجية إيف تروتينيون على أن الغرب لم ير من قبل مثل هذا التنظيم منذ قرون ، منذ ممالك البرابرة . فهؤلاء يمتلكون إرادة مسبقة في كل ما يقومون به من أفعال في حربهم وإرهابهم وهم قادرون على خلق الحد الأقصى من العنف بغية استقطاب وتجنيد المتعطشين للمغامرة . الكل يعرف اليوم ومنذ كلوزوفيتش أن الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى، وداعش تمارس السياسة بتحطيمها للحدود القائمة والموروثة من الحقبة الاستعمارية التي حددتها اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 والتي أتاحت لباريس ولندن تقاسم الإرث العثماني . يواصل إيف تورتينيون وصفه قائلاً :" نحن بالمقابل في التحالف الدولي، ندافع عن خطوطنا فنحن لانتراجع ولكننا أيضاً لا نتقدم ونعتمد على ثبات الوضع على ماهو عليه أما هم ، أي أنصار داعش، فلا يهمهم شيء ويسخرون منا ومن حماقتنا" ويضيف فينسينت ديسبورت قائلاً :" استطيع القول أن استراتيجيتهم هي الرابحة وليس استراتيجية التحالف إذا جاز لنا القول أن هناك استراتيجية بالفعل". الملفت للانتباه في هذه الحرب ليس فقط جانبها العسكري بل هناك أيضاً الحرب النفسية والحرب الإعلامية التي تواكبها، فداعش يلجأ بذكاء لمواقع التواصل الاجتماعي ولوسائل الإعلام الحديثة السمعية البصرية. ففي تحليل مهم نشره المعهد الفرنسي للأبحاث الدولية " إيفري" تحت عنوان :" مواقع التواصل الاجتماعي والنزعة الجهادية" سجل الباحث مارك هيكر :" أن وظيفة نشر التوجهات الاستراتيجية الكبرى ينطوي على الاستخدام الحذق والفعال للويب أو الانترنيت والإعلان على الملأ عن الأهداف وإعطاء التوجيهات للأعضاء في التنظيم والمناصرين والمتعاطفين معه " فالتعبئة والتحشيد وكسب المجندين والجنود والمقالتين ضرورة أساسية لكل الجيوش بيد أن داعش فاق الجميع بقدرته على تطويع وسائل الدعاية المتاحة من قبل خصومه لاسيما تويتر حيث يمتلك أكثر من 40 ألف حساب ، وفيسبوك . فلو كان هناك شاب يهتم بداعش وبالحرب في العراق وسوريا يقوم برنامج خوارزمي آلغوريتم خاص بفيسبوك باقتراح روابط تتعلق بالموضوع وبمركز اهتمام الشاب " وبالتالي هناك دائما متطوعون كامنون احتياط يرفدون صفوف داعش بفضل هذه الوسيلة الإعلامية المجانية أي يتصرف داعش كأي جيش محترف بمواكبة الجهد العسكري بجهد إعلامي ودعائي. ولمواجهة هذا السيل غير المنقطع من المتطوعين الانتحاريين الجاهزين تحت تصرف داعش هناك رد عسكري يتمثل بحشد قوات برية كبيرة جداً على الأرض وعلى كافة جبهات المواجهة ومحاصرة داعش من كافة الجهات مع تفوق ساحق في سلاح الجو للقضاء على الخطر الداعشي وهذه هي الوسيلة الوحيدة الممكنة لدرء الخطر لكن المشكلة هي أن الجيشين النظاميين في العراق وسوريا غير مهيئين ومجهزين بما فيه الكفاية والتحالف الدولي لايرغب في زج قواته البرية في المعارك عدا بضعة أفراد من القوات الخاصة في هذا البلد الغربي أو ذاك، بل وحتى الدول العربية لاتريد إرسال قواتها العسكرية إلى هناك لمحاربة داعش . ومن هنا يمكن اعتبار هذا التدفق والاحتياطي البشري من المتطوعين إلى صفوف داعش يشكل خطراً وتحدي كبير للعالم، فحافزهم ديني عقائدي للدفاع عن دولة الخلافة خاصة إذا تلبس ذلك لباس الحرب الطائفية فالحرب على الشيعة التي يشنها تنظيم داعش الإرهابي تغري الكثير من الشباب في الدول والأنظمة السلفية المتشددة في العربية السعودية والبحرين واليمن وباقي دول الخليج، ودول المغرب العربي، وكذلك في تركيا والأردن، والشيشان والكوسوفو والباكستان وأفغانستان. فالاكتفاء بإرسال بضعة طائرات مقاتلة لايمكنه أن يوقف هذا المد الجارف حيث تقوم طائرة بتدمير سيارة بيك آب ثمنها عشرة آلاف دولار بصاروخ يكلف ثلاثين ضعفاً وهذا غباء مكشوف فبدون قوات برية وعدد ضخم من الطائرات لايوجد هناك حل ومن الغباء المراهنة على تفكك داخلي لداعش فهذا وهم كبير وخطير فنحن نسير في الوحل دون أن ننتبه، على حد تعبير جون لوي دوفور.
#جواد_بشارة (هاشتاغ)
Bashara_Jawad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السينما عندما كانت فن ورسالة
-
هنا حوارية اليوم مع الأستاذ د. جواد بشارة حول ( الانسان بين
...
-
الحقيقة الظاهرة والحقيقة الخفية لداعش 2-1
-
كون واحد أم عدد لامتناهي من الأكوان؟
-
فرنسا بين نارين
-
الله والكون جدل العلم والدين
-
كمبيوتر المستقبل : هل هو الحاسوب الكمومي أو الكوانتي ؟
-
الكون المرئي في سطور خلال قرن
-
هل سيتعرى الكون أمام أعين البشر يوما ما ويكشف عن نفسه؟
-
دورة الحروب الحديثة التي لا تنتهي في العراق
-
حرب التحالف الدولي على داعش تبدأ بالمخابرات
-
الواقع الظاهر والوقع الخفي في الكون المرئي 2
-
الواقع الظاهر والوقع الخفي في الكون المرئي 1
-
داعش بين صورتها الحقيقية وقصور الإعلام 1
-
الغرب ينظر إلينا بعين واحدة
-
نقاط القوة والضعف في كينونة القوة القائدة للعالم
-
داعش الآلة الجهنمية التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين
-
الولايات المتحدة الأمريكية منجم المشاكل الدولية؟
-
ومضات من وراء الحدود
-
رحلة في أعماق الكون المرئي من المنبع إلى المصب
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|