أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - إيرينى سمير حكيم - سادية جماهيريتنا لبرامج المقالب وتسمم معايير الحب















المزيد.....

سادية جماهيريتنا لبرامج المقالب وتسمم معايير الحب


إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة

(Ereiny Samir Hakim)


الحوار المتمدن-العدد: 4862 - 2015 / 7 / 10 - 21:23
المحور: الصحافة والاعلام
    


أصبح مجتمعنا يشهد ظاهرة تستحق التوقف عندها لرصدها وتحليلها، وهى الجماهيرية المتزايدة لبرامج المقالب الرمضانية والتى تتبع مبدأ الزيادة فى الرعب كل عام، ولنحاول هنا أن نشرح ونُشرِّح تلك الظاهرة قليلا.

جرائم بإسم الضحك

إن برامج المقالب المدعية الكوميدية مؤخرا هى برامج مهينة للكوميديا ببراعة، ومسيئة للإنسانية بكل جدارة، وتتفنن فى خلق مرضى من المشاهدين لديهم فصام فى التفكير حيث المطالبة بحقوقهم الإنسانية متغاضون عن حقوق غيرهم فى نفس الوقت، حيث مشاهدون يبكون ويولولن على الدم السائل فى شوارع مدينتهم ويقهقهون على دم محروق لآلام ورعب ضيوف فى برامج مقالب!.

تلك البرامج التى قد شوَهت فكر المشاهد بحرفية عالية، قادرة على أن تجعله كاذب حينما يطالب بأمانه وسلامه الشخصى حين يصرخ مستنجدا عند حدوث شئ يهدد أمنه، فى حين انه يتابع يوميا برامج تعرض صراخ ومخاوف أشخاص تموت من الخوف أمامه على الشاشات.

متى نواجه الفساد فى صوره المختلفة؟
متى نعترف أن التناقض يفسدنا وان الضحك أو حتى الابتسامة على معاناة إنسان هى جريمة فى حق أنفسنا وفى حق الإنسانية كلها؟!، فنجاحها يدين إنسانيتنا وتزايد جماهيريتها يهين طبيعيتنا، وذاك لان تأثيرها السلبي لا يتوقف على وقت عرض البرنامج، إنما متزايد بحسب قدرته على تغيير مفاهيم أسباب الضحك وما يحقق السعادة.

التحول فى برامج الكاميرا الخفية المصرية

بداية نمر على تاريخ الكاميرا الخفية فى مصر.
فى بدايات تقديم تلك النوعية من البرامج، كانت تتقصَّد المواطن العادى، وكانت تعتمد على تدبير مواقف ومقالب طريفة تستفز المختار لها بطريقة لطيفة وكوميدية، وكانت بداياتها مع برنامج الكاميرا الخفية للفنان القدير الراحل فؤاد المهندس في الثمانينيات من القرن الماضى، حيث يقوم بتقديم الحلقة التى يقوم بتنفيذ مواقفها الفنان إسماعيل يسرى، وقد قامت الفنانة والمطربة أنوشكا بغناء أغنية التتر للبرنامج

ثم جاء إبراهيم نصر بسلسلة من برامج "الكاميرا الخفية" على مدار 5 سنوات، تنوع فى تقديم شخصيات مختلفة فيها حتى قام بابتكار شخصية زكية زكريا، ومن بعده برنامج "إدينى عقلك" والذى قد لاقى نجاحًا كبيرًا واعتمد على وضع المواطنين البسطاء فى حالة من الاستفزاز وقياس ردود أفعالهم بطريقة مرحة وخفيفة.

ثم جاء النجم حسن الإمام ليقدم فكرة جديدة فى برامج الكاميرا الخفية، ليخرج بها خارج قالب تقصُّد المواطن العادى إلى تقصّد نجوم الفن فى عمل المقالب، ولكن جاءت بشكل ادمى بعض الشئ عما جاء بعد ذلك فى برامج رامز جلال، والتى تسلم فكرتها من حسن الإمام مع تطويرها وإضافة المزيد من المرضية فى التعامل مع الضيوف، والذى هو المثال الأشهر لبرامج المقالب السيئة إنسانيا، والذى أصبح مدرسة يُحتذى بها فى حرقة الدم، وإصدار العديد من برامج المقالب التى تحذو نفس حذوه، وذاك بتناوله لطرق متنوعة فى الخدع والمقالب، والتى دائما ما تأتى كمستوى أعلى من السادية عما قدمه فى عامه السابق.

لسنا أكثر من الرومان إنسانية

ومع تطور المجتمع إلى الأسوأ ثقافيا وأخلاقيا، كان من الطبيعى أن نرى انعكاس ازدياد منسوب السادية لديه فى جماهيريته لتلك البرامج، التى كانت سبب فى اعطائها دفعة للنجاح والاستمرارية والتطور فى عرض مقالبها بمزيد من التفنن فى السادية، والمشكلة الحقيقية انه سواء كانت تلك المقالب حقيقية أو مدبرة كما تقول بعض الآراء، بأنها تتم بالاتفاق مع النجوم المستضافين أو بعضهم وما هى إلا مجرد تمثلية، ففى كلا الحالتين يقع الجمهور فى موقع الواقعية والحقيقة بأنه المشاهد الذى يتلذذ بالآلام والصراخ للضيف، والعجيب أن هذا الجمهور الذى يدعى التحضر على حساب التاريخ مقارنا نفسه بوحشية الرومان الذين تلذذوا بحضور معارك دامية لبشر يتقاتلون بينما هم يصفقون ويهللون بالتشجيع للمحارب الأقوى، هو ما يتلذذ بالام الضيوف على الشاشات بدلا من الكولسيوم، وما يثير للضحك والاشمئزاز فى نفس الوقت هو أن تجد فتاة مثلا تدعى الرقة مدينة حلقات المصارعة الحرة وهى من اشد المعجبين بتلك النوعية من البرامج!، والحقيقة هى أن هؤلاء لا هم أكثر تحضر من الرومان ولا مثل تلك الفتاة هن أكثر رقة من مشجعى المصارعة الحرة، فتلك البرامج تقدم وحشية نفسية لا تقل عن وحشية الجسد!.

تسمم معايير الحب

وما يزيد الأمر سوءا هو أن برامج الكاميرا الخفية بعد أن كانت تتقصَّد المواطن العادى لإضحاكه، أصبحت تتقصَّد نجم يحبه هذا المواطن ليضحك عليه، ثم تطورت إلى أن المبالغة فى المواقف التى يوضع فيها الضيف النجم من موقف مضحك أو مُحرج إلى موقف مستفز، ثم إلى موقف خطير يهدد حياته فيشاهد هذا المواطن كيف يواجه نجمه الموت، وكيف ينفعل وكيف يتصاغر نجمه أمامه، فلقد تحول الأمر تدريجيا من ضحك طبيعى إلى ضحك سادى مشبوه النيات، وأصبح كلما كانت جماهيرية هذا النجم كبيرة وكلما كان محبوبا كلما رغب الجمهور فى أن يراه فى موقف أصعب ويراه منهارا أكثر، وينتظر الحلقة بشغف، ويضيف على الأمر غرابة هو أن الفنان الذى يستدرج أصدقاؤه إلى أماكن التصوير لخداعهم مثل محمد فؤاد أو هانى رمزى وغيرهم، وعلى رأسهم رامز جلال يُظهرون مدى حبهم لأصدقائهم المُستضَافين، وكما يقول رامز الجملة الشهيرة "أنا بحب اصحابى"!!.

وفى ظل حب الأطفال لتلك النوعيات من البرامج ومتابعتها باهتمام، ندرك مدى تأثير تلك البرامج السلبى على التربية الأخلاقية والمفاهيم الاجتماعية لهم وللكبار ايضا، بما تشمله من التعاملات العامة والخاصة فى العلاقات الإنسانية البسيطة مع من يحيطونا بشكل مباشر، أو مع الفنانين الذين نتعامل معهم وجدانيا بالفن الذى يقدمونه.

فنحن أمام تسميم لمعايير الحب ومعايير الضحك وغيرها من المعايير التى تُكوِّن تفاصيل إنسانيتنا، ونحن نتجاهلها بسطحية تعامل وسذاجة معرفة بما يدور حولنا وفينا من تغيرات، ونتلذذ لحظات بجهل، عمق ما نراه أمامنا من دقائق يومية، فيها صديق يستدرج أصدقاؤه من الفنانين ليجرجرهم إلى مكان التصوير حتى يذيقهم دقائق من الخوف والرعب، بينما مفهوم الصداقة يُشوَّه لدينا، ومن قبله مفهومنا لحب نجم فنى يُشوَّه حيث يتناسب طرديا حبنا للفنان بحبنا وشغفنا لان نراه فى تلك المواقف المريعة والمُحرجة من ردة فعل بعدها.

ومازلت اتسائل ما هو المضحك فى مشاهدة عُرى أناس من هيبتهم واحترامهم وقوتهم، وإظهار أسوأ ما فيهم من خوف وذعر وانهيار وسُباب كمحاولة نفسية تلقائية لعمل رد فعل على آلام نفسية مكثفة تعرضوا لها؟ بل وإدانتهم فى حين تحولوا من الكياسة إلى الوقاحة؟ والحقيقة السخيفة هنا هى أن الجمهور يشارك المستضيف فى صناعة وقاحة هذا الضيف التى شارك فى صنعها بمتابعته وضحكه المريض!، فما المضحك فى هذا؟ ولماذا يُنتظَر مشاهدته باهتمام؟ لما يستحق كل هذا الفضول والشغف؟ ألهذا الحد نريد أن نعرى الأخر من تميزه وجودته وقوته؟ ألهذا الحد نتلذذ بأذيته ونستمتع ولو لحظات بأزمته؟!.

مواجهة الظاهرة وتحليلها

لابد وان نتوقف عند تلك الظاهرة ولا نتجاهلها، فلابد من أن ندرك أننا أصبحنا نملك قدرا كبيرا من السادية فى مجتمعنا الذى أصبح يعج بمظاهرها، فنحن باستمتاعنا بهذه البرامج أو باستسلامنا لهذه الظاهرة نقنن نوع جديد من الجرائم فى مجتمعنا وهو القتل النفسي بإسم الضحك، وجرائم أخرى تساعد على تفشى السادية ومشاكل نفسية أخرى كثيرة، من المفترض أن نقاومها بدلا من أن نختلقها ونعززها ببرامج تدعى الكوميديا، لان هذا هو سرطان الموقف المأساوى الذى نحن فيه الآن، حيث السم فى العسل من برامج تتسبب فى استفزاز وضغط نفسي بإسم الضحك، فلقد أصبحنا نتلذذ بآلام الآخرين حتى نضحك، نستمتع بمعاناتهم حتى نخرج من مواقفنا السيئة بلعبة تغيير الأدوار.

كيف نتجرأ إذن ونطالب بتطبيق القانون على من يُرخص من دم المصرى فى صورة سياسية أو تجارة بالدين ونحن نضحك على من يتعذب نفسيا أمامنا ونصفق لمن يدبر له هذا الألم؟!.

لذا أرجو ألا نتغاضى عما يحدث هذا ولابد من مراقبة المجتمع جيدا، كذلك الإعلام أيضا لتأثيره عليه، فتلك البرامج وجماهيرها وتعليقات المشاهدين الراضية عن الفكرة والراجمة للضحية أوقات كثيرة، هى مؤشرات خطيرة حقا تهدد المجتمع الذى من المفترض انه دخل طور جديد من البناء، فإن كنا نسعى حقا لتطويره وتنقيته علينا بأن نواجه تلك الظاهرة، وان نعترف بحقيقة ما أصبحنا عليه من تناقض وأننا أصبحنا فى اجتماعياتنا اقرب إلى مظاهر الفاشية لما نتمتع به من سادية حتى فى الضحك.

وأتمنى أن يقوم مهتمون من المختصين فى مجال علم النفس وعلم الاجتماع بتحليل تلك الظاهرة، والعمل على التعامل معها بصورة توعية وشرح يصل لكل فئات المجتمع، حتى لا تمتد فى صور أخرى إلى ما ابعد واخطر من ذلك.

وحقيقة كنت أتمنى أن الضيوف أنفسهم الذين كانوا الضحايا فى تلك البرامج أن يتخذوا موقف جاد وصادق مع رد فعلهم الحقيقى لهذه المقالب السخيفة، لكن ردود الأفعال المُُقنَّعة بالرضا و"تكبير الدماغ"، كانت فى مثل سخافة تلك البرامج ذاتها.



#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)       Ereiny_Samir_Hakim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فى ذكرى رحيلك أبى
- أين أنتِ يا لعنة الفراعنة من واقعنا؟
- بمصداقية الحق ينتقد المناضل الفنى سمير صفير سلبيات الغناء ال ...
- رصد المجتمع بسجن النسا فى المسلسل المصرى وفيلم شيكاغو الامري ...
- ولو لجأت العائلة المقدسة لمصر فى زماننا كانوا سيُهجَّرون!
- الباحثون عن الله فى اتلانتس
- هل يحتاج مؤتمر الرقابة والمسرح إلى رقابة؟!
- إزرع الصفر
- يا آدم غرقان فتفاحك
- بين فهلوة عادل إمام وفهلوة محمد رمضان تشكيل اجتماعى
- أنا هذا الصفر الذى نبذه العالم
- الشمس ليست بفاشلة
- من شَبعَِت أيامه من الأوهام
- لا تتاجروا بالشمس
- فى عرض *وحيدا* إحساس *دالى* لا يرقص وحيدا
- أعطنى بصمتى
- كرامة الدموع
- يوم الجمعة العظيمة هو عيد الحب الحقيقى
- لا تبكون المسيح اسبوعا وتصلبونه عاما!!
- البحر مايعرفش إن لونه ازرق


المزيد.....




- هجمات داغستان.. السلطات الروسية تُعلن ارتفاع حصيلة القتلى
- مصور يوثق حفرة عميقة وخطرة للغاية بجبال المسمى بالسعودية.. م ...
- ??مباشر: صحة غزة تعلن ارتفاع حصيلة ضحايا الهجوم الإسرائيلي إ ...
- لجأ لشركة -غير مرخصة-.. شاب مصري يصف لـCNN وفاة والده المسن ...
- بعد هجوم قوات كييف الإرهابي على سيفاستوبول.. موسكو تستدعي سف ...
- Foreign Policy: الوجود الأمريكي تراجع بشكل خطير في القطب الش ...
- بوتين يوقع قانونا يسهّل آليات حجب المواقع المحظورة في روسيا ...
- اليونان.. وفاة واختفاء عدة سياح بسبب الطقس الحار -غير المعتا ...
- نتنياهو: المعارك -العنيفة- ضد حماس في رفح -على وشك الانتهاء- ...
- إسرائيل تلوح باستخدام أسلحة غير معهودة ضد لبنان وسط مخاوف من ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - إيرينى سمير حكيم - سادية جماهيريتنا لبرامج المقالب وتسمم معايير الحب