mohammed
الحوار المتمدن-العدد: 4862 - 2015 / 7 / 10 - 20:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كثيرا ما يتم الخلط بين مصطلحي الليبرالية والعلمانية ويتم تقديمهما على انهما مصطلح واحد, او يتم محاسبة الليبرالية بسبب بعض اخطاء الانظمة (العلمانية)! وهذا خطأ كبير, لما بين المصطلحين من فرق شاسع, وبهذا سأبين من خلال ما سأكتبه في السطور اللاحقة فهمي للفرق بين المصطلحين, وايضا للتشابه بينهما ( اذا كان هناك بعض التشابه)!
للحديث عن العلمانية وفرقها عن الليبرالية يجب ان نحكي قصة مسيرة الجنس البشري على كوكب الارض, ولأن الوقت لايسمح لذلك سأحاول الاختصار قدر المستطاع, وارجو ان أوفق في ذلك.
في بداية ظهور البشر على كوكب الارض قبل عشرات ألاف سنين, وما تميزو به عن باقي الكائنات الأخرى الموجودة على الارض بامتلاكهم (الوعي) بأنفسهم وبالعالم المحيط بهم, والذي أهلهم لأن يطرحو الأسئلة الوجودية (التي مازالت تحيرهم لحد الان) والاجابة عليها من خلال ما يمتلكون من معارف وادوات, وبما ان في بداية وجود البشر في هذه الارض كانت الحياة بسيطة بالمعارف والادوات, لأفتقاره للخبرة التي ممكن التؤهله لكي يمتلك المعارف المتطورة لفهم الطبيعة المحيطة, لهذا كان الغموض هو سيد الموقف, فحاول الانسان بعقله البسيط ان يجد الاسباب التي تتحكم بسير الامور, لمحاولة الاستمرار في الوجود, وزيادة موارده الخاصة, ومن هنا بنا نموذجه الاول للتفسير, والذي جعل فيه الاسباب التي تتحكم بهذا العالم هي اسباب فوق هذا العالم المادي الحسي, فهي اما ارواح او اله, وهذه الارواح لها صفات البشر من الغضب والفرح, لذلك يجب ان يكتشف الاسباب التي تجعل هذه الكائنات الماورائية تغضب فيجتنبها, وما يجعلها ترضى, فيفعلها, ومن هنا بنيت الشرائع والنظم السياسية والاخلاقية, بالاعتماد على هذا النموذج, واستمرت هذه الحالة الى عشرات الاف السنين, لكن خلال تلك الفترة, ضل الانسان يكتشف القوانين المادية التي تتحكم في العالم, فبدلا من ان يطلب من الاله ان تزرع له, اكتشف طرق للزراعة, لكن رغم ذلك هذه الاكتشافات لم تزعزع الايمان بالنموذج التفسيري القديم القائم على فكرة وجود عالم ماورائي وضل هو المتحكم في كل شيء, فكلما اكتشف الانسان قانون طبيعي, كان الجواب ان هذا بمشيئة الاله!
الى ان وصلنا الى اوربا في القرون الوسطى, فاصبح هذا النموذج التفسيري القائم على فكرة الشريعة الالاهية التي تمثلها الكنيسة, بسلطتها البابوية ليس فقط حجر عثرة في سبيل نمو المعرفة البشرية (المتمثلة في الاكتشافات العلمية, مثل اكتشاف كوبرنيكوس لدوران الارض حول الشمس عكس ما كان متصور) بل ايضا اصبح هذا النموذج حجر عثرة في طريق استمرار البشر, فالحروب التي اندلعت بين اصحاب الديانات اصبحت تأكل الاخضر قبل اليابس, ولا تبقي ولا تذر, فأصبح حتمياً ان يظهر نموذج تفسيري جديد للاسباب التي تتحكم في العالم بعيدا عن النموذج القديم, الذي اصبح مستهلكاً ولا يقوى على الصمود, وبهذا ظهر النموذج العَلماني (بفتح العين), وهو القائم على فكرة ان الاسباب التي تتحكم في الكون ليست من خارجه بل هي من داخل هذا العالم (وهو ماعززته الاكتشافات العلمية منذ ذلك الوقت الى الان) لذلك يجب ان نبني انظمتنا السياسية والاخلاقية والاجتماعية, اعتمادا على قوانين واسباب مادية, لا اسباب ماورائية مجهولة!
هنا يتبين بصورة جلية اننا عندما نتكلم عن العَلماني فاننا ببساطة نتكلم عن مصطلح يشير الى فكرة هي نقيض لفكرة اخرى تقول بان الاسباب التي تتحكم في هذه العالم هي ليست من داخل هذا العالم, بل من خارجه, وهي الفكرة اللاهوتية الدينية, وتتمثل برجال الدين, الذين ينصبون انفسهم واسطة بين هذا العالم الفوق مادي, وعالمنا المادي, ورفض هذه الفكرة اللاهوتية في تفسير الكون, واحلال التفسير المادي المستمد اسبابه من داخل العالم, هذه هي الفكرة العَلمانية, واي فعل يقوم به الانسان في اتجاه استخدام قوانين مادية في استحصال النتائج, هذا الفعل عَلماني, اياً كان هذا الشخص, حتى لو ادعى النبوة!.
من هنا يمكن القول ان مصطلح العَلمانية هو احدث من مفهومها! ففي الوقت الذي فيه المفهوم يمتد في القدم الى الاف السنين, نجد ان المصطلح قد صك في الخمسمئة سنة الماضية فقط.
لكن الفكرة العلماني لم يتوقف الى هذا الحد, فلكي تحكم اسباب هذا العالم, للوصول الى الغايات المرجوة, نحتاج الى مناهج اخلاقية, واجتماعية, وسياسية, تحتوي الخطوات الي يمكن اتباعها للوصول لهذه الغايات, وهذه المناهج تمثل طريقة رؤية الانسان للعالم وكيفية سيره, ووجدت عدة مناهج للتفسير ضمن العلمانية, ومن هذه المناهج المنهج مثلا المنهج الشيوعي, او المنهج الفاشي, او المنهج القومي, او المنهج النازي, فكل هذه المناهج يمكن ان تصف نفسها بانها علمانية, لكن لا تجرؤ ان تقول بانها (ليبرالية) وذلك لان المنهج الليبرالي هو ايضا من ضمن المناهج العلمانية في تفسير العالم.
في الوقت الذي تكون فيه العلمانية تؤكد على فكرة ان اسباب هذا العالم من نفس العالم, فالليبرالية تعطي تفسيرها لقوانين العالم وكيف يجب ان نتصرف حيال ذلك, فهي تؤكد على قيمتي الحرية والمساواة كأساس في التعامل مع البشر, وان الفرد هو الذي تتمحور حوله القيم, لا الجماعة (بالرغم من وجود عدة مدارس داخل الليبرالية, في تفسير هذه العبارة).
ومن هنا يمكن القول ان العلمانية هي اشمل من الليبرالية, وان يكون الشخص علماني, ليس بالضرورة ان يكون ليبرالي, لكن ان تكون ليبرالي فشرط ان يكون علماني, وايضا العلمانية تؤسس لفكرة ان العالم هو منبع المسببات, لكن الليبراية تعطي التصور لهذه القوانين والاسباب التي يسير فيها العالم, وكيف يجب ان يتم التصرف حيالها.
#mohammed (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟