|
الأحزاب الكردية ونهاية الأيديولوجيا
صالح كيلو نعسان
الحوار المتمدن-العدد: 4861 - 2015 / 7 / 9 - 14:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لكارل ماركس آراء في بناء المجتمعات البشرية وانهيارها، أختصرها وفق قراءتي له بالبنود الثلاثة التالية : 1- يحدث التطور وفق ما يلي: تتطور وسائل الإنتاج (الآلات)، فيؤثر هذا التطور على عقل البشر، ثم يرتفع مستوى الوعي، ووفق الوعي الجديد تتبدل التركيبة الاجتماعية. 2- كل مجموعة إيديولوجية تنتهي صلاحياتها عندما تصل إلى سقفها النهائي، حيث يمنعها جمودها العقائدي من الإتيان بأي جديد. 3- إذا حدث خلل ما في البنية الاجتماعية، فمن المؤكد انه حدث خلل قبل ذلك في البناء الفكري الذي تقوم عليه الروابط الاجتماعية لتلك البنية. يوضح كارل ماركس في هذه المقولات بشكل جلي، تشكيل البنيات الاجتماعية، وتطورها بالتلازم مع تطور وسائل الإنتاج، ويبين أن شروط استمرار تلك التشكيلات هي التجديد المتواصل، ويؤكد على انهيارها بعد ظهور الخلل في بنائها الفكري، عندما تمتنع عن السير على التوازي مع الأبوستومولوجيا (نظرية المعرفة)، وتتحول إلى الأيديولوجيا الدوغماتية (العقائدية) الجامدة . إذا انطلقنا من تلك المقولات واعتبرنا جدلاً أن تاريخ ولادة كارل ماركس الفكري والسياسي كان عام 1848 أي عام كومونة باريس، وإصدار البيان الشيوعي(المانافيستو)، من منطلق أن هذا التاريخ يحدد وصول وعيه إلى أقصى درجاته، كإنسان ينتمي إلى عصر معين. وإذا نظرنا إلى فكر ماركس في سياقه التاريخي، نجد أن تطور وسائل الإنتاج في ذلك الوقت، كان يعتمد على الدولاب البخاري، ويتم تحت عنوان الحركة الميكانيكية، وبالنتيجة ووفق مقولاته السابقة فإنه كإنسان وهو ابن عصر معيّن لتطور وسائل الإنتاج، لا يستطيع أن يكون متطورا بفكره لما بعد عنوان ذلك العصر لتطور الحركة الميكانيكية، حتى إذا اعتبرنا تجاوزا باعتباره مفكراً وطليعياً ومتقدما على عصره، انه يستطيع التكهن حتى نهاية عصر الدولاب بكل أشكاله، البخاري والديزل والكهربائي. بعد ذلك وكتحصيل حاصل، سيتوقف تكهنه لأنه يعتمد على الوعي المرتبط بتطور وسائل إنتاج عصر الحركة الميكانيكية. وبالتالي نحن مضطرون للتوقف إذا حكمنا على ماركس وفق وجهة نظره في التطور لنقول: كان عليه كفكر، التجديد أو الرحيل في نهاية عصر الحركة الميكانيكية، بعد سيطرة عصر الكهرومغناطيس كعنوان جديد لتطور وسائل الإنتاج، أي بعد ظهور الأقمار الصناعية، وغزو الفضاء، وهيمنة أنظمة التحكم عن بُعُد. وفق هذا المنظور كان على الأمبراطورية السوفياتية المترامية الأطراف، إعادة النظر في بنائها الفكري واختيار التجديد، أو انتظار التعفن والانهيار. لقد خالفت الدولة السوفياتية المستندة على فكر ماركس قواعد التطور، ورفضت أية محاولة للتجديد، بل وقفت في وجهها بالحديد والنار تحت ضغط هَيمَنَةُ الأيديولوجيا. ورفضت تجديد نفسها بالاعتماد على الشروط الأبوستومولوجية التي وضعها كارل ماركس. ثم انهارت فجأة لان بنائها الفكري قد تعفن، ولم يعد قادراً على تحمل ثقل تلك الدوغماتية كما توقع ماركس. أحزابنا الكردية التي تعمل حتى الآن وفق نهج ستالين، أو أرنستو تشي غيفارا، أو الاثنين معاً تتجاهل كون تاريخ وفاة ستالين هو عام 1954، وتاريخ مقتل غيفارا كان عام1967، وتاريخ انهيار الدولة السوفياتية هو عام 1991، وان التجربة الشيوعية السوفياتية تركت وراءها في كل أنحاء العالم ديكتاتوريات أغرقت شعوبها في الجوع والتخلف والموت البطيء، وغيرت المفاهيم النضالية بتحويل الأحزاب الشيوعية كلها إلى جواسيس في خدمة المخابرات السوفياتية، تتجسس على مواطنيها وأوطانها، وتدعم الديكتاتوريات والطُغَم العسكرية الفاشية. تلك الأحزاب تتناسى أيضا الحالات التالية: أنه وبعد مقتل غيفارا في بوليفيا كتب زميله ورفيق نضاله الصحفي والمفكر الفرنسي ريجس دوبرييه ورقة نعيه، بمجموعة من الكتب والروايات، وخاصةً كتاب ثورة ضمن الثورة، منتقداً النهج الدوغماتي الطوباوي في الثورة المستمرة ضد الإمبريالية بدون تحديد الغاية والهدف الإنساني النبيل لها. هذا النهج الذي أوصلهم إلى الإحباط والإفلاس ومقتل غيفارا، كنتيجة حتمية لسياسة المغامرة، والاندفاع الانتحاري، واصفاً حرب الأنصار، أو حرب البؤر الثورية، أو حرب العصابات أو الغويريلا كما تسمى بالانجليزية، التي خاضوا تجربتها في بوليفيا، بأن هذا النوع من النضال الذي كان يرضي غرور جيل الشباب واندفاعهم وحماسهم وتهورهم لم يَعُد مجدياً. وأن ديكتاتور الصين ماو تسي تونغ الذي أعدم أكثر من مليون صيني على أعواد المشانق وفي الساحات العامة، تحت ذريعة الثورة الثقافية، مدافعاً عن حكمه المطلق، فشل ومات لتنبعث الصين عملاقاً اقتصاديا بعد ما تخلت عن ستالينية ماو المقيتة. وأن مواطن كوريا الجنوبية يتمتع بالحياة الرغيدة والحرية والدخل المرتفع، بينما قريبه في كوريا الشمالية يعاني الفقر والجوع، وهو معرّض للإعدام إذا لم يقلد طريقة الزعيم في حلاقة شعره، أو لمجرد السهو والإتيان بحركة يفسرها النظام، بمخالفة تَنُمُ عن عدم تقديس القائد المنتمي إلى سلالة الديكتاتور كيم ايل سونغ السيء الصيت. وأن كوبا فيدل كاسترو وأخيه راؤول، تراجعت بعد ستين سنة من إفقار وإذلال الشعب الكوبي لتَقّرَ بأن نظامها الشيوعي فشل فشلاً ذريعاً، وأن الديماغوغيا التي مارستها تحت عنوان الانتصار على ديكتاتورية باتيستا كانت كذبة كبيرة. بالرغم من تلك الأحداث فإن أحزابنا الموقرة لازالت متمسكة بالنهج الستاليني، و الغيفاري في كل من سوريا وتركيا. فهي في سوريا ستالينية، بدليل أنها تعتبر نفسها شرعية، وتنفي تلك الشرعية عن غيرها من الأحزاب المماثلة لها في الشكل والمضمون، رافعةً شعار الشمولية كما كل الأحزاب التي لازالت ترى ضالتها في الستالينية. وهي ديكتاتورية حيث أن الديموقراطية التي تمارسها، تشبه تماماً ديموقراطية الأحزاب الشيوعية التي تهيئ الحلقات الدنيا قبل الانتخابات من أجل ضمان نجاح قيادة الهرم الحزبي. تلك الشمولية والديكتاتورية، والأسلوب الستاليني في العمل والتعامل بشكل عام، يؤدي بطريقة تلقائية إلى ردة فعل القواعد الدنيا، ومن ثم الشرذمة، وابتعاد الطبقات المثقفة، وتوالي الانشقاقات، وازدياد اللامبالاة واليأس، وبالتالي لجوء الشباب إلى الحلول المتطرفة، والتي هي إما الانضمام إلى المجموعات الراديكالية، أو الهروب من الواقع والهجرة النهائية إلى بلدان اللجوء، فتفقد الحركة السياسية ثقة الحد الأدنى، وتتحول إلى خصم للمجتمع، ومشجب لتعليق الذنوب التي ارتكبتها والتي لم ترتكبها، لتجلس في قفص الاتهام، متحملةً أوزار انهيار البنية الاجتماعية.
أما الحركة الكردية السياسية في تركيا، المؤثرة بشكل مباشر على السياسة الكردية في سوريا منذ أيام الآبو عثمان صبري المناضل الوطني العنيد، والديكتاتور العشائري النزيه، والذي كان يرفض كل قواعد الفكر السياسي، ويحصر الحزب في نفسه اولاً وأخيراً، ويكافح كل تيار مثقف فيه. هذا القسم وخاصة حزب العمال الكردستاني، الذي تأسس في وقت كانت أساليب جيش تحرير الشعب التركي المصاب بمرض الطفولة اليساري، مهيمنة على جيل الشباب في تركيا بما فيهم الشباب الأكراد، حيث انتهى هذا الجيش في وقت قصير بعد قيامه بأعمال انتحارية في اسطنبول وغيرها. تبنى العمال الكردستاني الغيفارية كمدرسة للكفاح المسلح، وحاول بكل الوسائل إثبات انه قادر على حرب الأنصار، مقتدياً بتجربة غيفارا الوحيدة في بوليفيا لمدة أكثر من عشرة سنوات، لكنه إعادة النظر في استراتيجيته، بعد اتفاق العديد من الجهات الدولية على إخراج السيد عبدالله أوجلان من سوريا واعتقاله من قبل أجهزة الأمن التركية، بطريقة دراماتيكية تنم عن اتفاق مسبق بين جهات عديدة بما في ذلك النظام السوري وأجهزته الأمنية. بعد ذلك حافظ على معسكراته في جبال قنديل، ليقوم أحياناً ببعض الصدامات مع الجيش التركي، بانتظار حل ما، لازال مرتبطاً بالمصلحة السياسية للدولة التركية وليس بحق وإرادة الشعب الكردي في تركيا، التي تحتفظ بالسيد عبدالله أوجلان في السجن السياسي كرهينة أبدية، منتظرة الحل وفق شروطها المجحفة بحق كرد تركيا. بقيت العقلية الغيفارية العسكرية طاغية على النهج السياسي للعمال الكردستاني الذي رفع شعارات كثيرة متبدلة بسرعة مذهلة، وصولاً إلى الإدارة الذاتية والأمة الديموقراطية ذات الهوية الضبابية. السمة الواضحة لسياسته كانت السير المتواصل على حافة الهاوية واتباع أسلوب المغامرة بحدها الأقصى، على مساحة كردستان كلها، منشغلاً بشحن عواطف بسطاء الكرد، وماهب ودب من أصحاب المصالح الخاصة، لاستخدامهم ضد الكردي السياسي المختلف بالديماغوغيا السياسية حيناً، وبالقوة العارية احياناً أخرى. أدت سياسة حافة الهاوية خلال ثلاثين سنة إلى تفتيت المجتمع الكردي وخاصة في سوريا، وانفجار بنيان العائلة الكردية من الداخل، وضياع المفاهيم النضالية المعتمدة على الحد الأدنى من العقلانية السياسية. وخلقت تياراً ايديولوجياً دوغماتياً متزمتاً، رافضاً لكل ما هو مختلف. لقد اقترب هذا التيار الغيفاري من الدخول إلى عنق الزجاجة، كما سبقه إلى ذلك الحيّز التيارات الستالينية النهج والسلوك في سوريا. فبالرغم من المحاولات المستميتة لتسجيل بعض الانتصارات العسكرية في الساحة السورية، وبالرغم من التوفيق في الحصول على ثمانين نائباً في البرلمان التركي في ظروف خاصة قد لا تتكرر. إلاّ أن سياسة حافة الهاوية دفعته إلى الضياع في نشوة الانتصار، فترك كوباني بلا حماية، وكانت المذبحة. وقد تدفعه تلك السياسة المغامرة إلى ارتكاب الخطأ القاتل في الساحة التركية، فتؤدي إلى ضياع أول انتصار برلماني ساحق كان ينتظره منذ أمد بعيد. كانت البنية التحتية لهذين التيارين السياسيين في كل من سوريا وتركيا قد بدأت تتخلخل منذ ما قبل الحدث السوري، وكانت الفرصة مواتية أمامهما للاستفادة إلى حد ما من ظروف الحدث. بالاتفاق اولاً ومحاولة التضافر من اجل الحفاظ على المنطقة الكردية آمنة من البطش بها، والابتعاد عن ما تسمى بالثورة السورية ذات التوجه الطائفي، ومنعها من الاقتراب من المنطقة الكردية، والعمل بعقلانية على التواصل مع الفئات والأقليات السورية المعارضة للنهج الطائفي، لتشكيل جبهة ترفض ما يحدث، وتعمل من اجلسوريا وطناً للجميع. لكن الصراع القديم ظل مستمراً، بدون الاستفادة من الفرص التي كانت متاحة لهما كما كان متوقعاً مما أدى إلى بدء خلخلة بنيتهما الفوقية أيضا، بالرغم من محاولات الترقيع المتواصلة. في النهاية أود أن أقول. أن الحركة الكردية في كل من سوريا وتركيا تعيش أزمة بنيوية عميقة، وقد أوردت بعض الملاحظات النقدية كأمثلة على ذلك الواقع الغارق في فكر انتهت صلاحياته منذ أمد بعيد، على ضوء ما توقعه كارل ماركس. على أمل أن تنتبه وتعيد النظر في بنائها الفكري، وسلوكها السياسي ولكي لا تؤدي نظرتها الاستعلائية والشمولية، إلى جرّ الشارع الكردي إلى متاهات صراع اللا جدوى، وضياع ما تبقى من جيل الشباب التائه في دوامة بلا قرار. ومن اجل أن لا ترتكب المزيد من الأخطاء التي قد تكون قاتلة للجميع.
أربيل - 8 - 5 - 2015
#صالح_كيلو_نعسان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|