|
كردستان: بوليفيا الشرق، صداقة الجبال وعشق الحرب
بوناب كمال
الحوار المتمدن-العدد: 4861 - 2015 / 7 / 9 - 04:11
المحور:
القضية الكردية
دولتان غنيتان بالموارد، لكنها محاصرتان جغرافيا. بتاريخهما الحضاري الزاخر الضارب في عمق التاريخ والممتد لآلاف السنين، تتشارك كردستان وبوليفيا في تحمل تبعات دفع ضريبة " لعنة الجغرافيا" ، ومثلما تَوصل العلم إلى إدراج العناصر الكيميائية في جدول دوري، شاءت أقدار سوق الجغرافيا السياسية أن تُصنف " كردستان" و " بوليفيا" في خانة الدول المستضعفة المهيمن عليها من دول الجوار المدعومة من قوى إمبراطورية، مع حفظ الاختلاف في كون مظالم الجغرافيا حفظت مكانة لـ " لاباز" في عالم الدبلوماسية الرسمية، واكتفت بالمقابل بتتويج " أربيل" بأوسمة أنتروبولوجية تعزو صداقة شعبها للجبل وانجذابه الفطري للحرب. مازال الوعي السياسي في بوليفيا يتجرع مرارة " حروب الباسيفيك" ( 1879 ـ 1883) أين خسرت بوليفيا لـ التشيلي " صحراء أتاكاما" أكبر مورد طبيعي في العالم لنترات الصوديوم ناهيك عن غناها بمعادن النحاس والفضة والحديد والليثيوم، ولأن لعنات الجغرافيا لا تأتي فرادى، دفعت بوليفيا ثمن جوارها للباراغواي بخسارة ملكية " جران تشاكو" فيما يعرف بحرب العطش ( بالإسبانية: La guerra de la sed )، ليُحكم بذلك على بوليفيا، وربما للأبد، بأن تكون دولة داخلية حبيسة، مدعاة لإثارة الأطماع التوسعية. باستثناء التجربة القصيرة والفريدة لـ " جمهورية ماهاباد" ترفض الدول المجاورة الاعتراف بحق الأكراد كشعب مستقل، مثلما رفضت ذلك الحضارات العربية والفارسية والتركية المجاورة لهم، يحدث هذا رغم أن للأكراد من المؤهلات التاريخية والحضارية ما يخولهم لفرض ذواتهم وهويتهم بما يفوق بكثير أمما أخرى فتية، ودون حاجة للاستدلال بـ " قلعة أربيل" التي يبلغ عمرها ثلاثة آلاف عام وعندها اصطدم الإسكندر الأكبر بالفرس، تثبت الدراسات العلمية أن الشعب الكردي تمتد أصوله لأكثر من 2000 سنة قبل الميلاد، وبذلك يعد من أقدم الشعوب الشرقية، و ورد في الموسوعة الأثرية العالمية بأنه وُجدت أدوات من العصر الباليوليثي بتلال كردستان، كما تم العثور على طفل نيادرثالي في منطقة كردستان العراق، وقد ذكرهم مؤرخ اليونان الشهير اكزينوفون Xenophon في رواية " رحلة العشرة آلاف رجل عبر كردستان"، والواقع أنه توجد العديد من المحددات التي تحفظ هوية الفرد الكردي وتمايزه عن باقي سكان المنطقة، فالمعتقدات الأسطورية تنتشر بكثرة وسط هذا المجتمع، واستخدام كلمة " أسطورة" لا يعني زيف المعتقد، حيث يؤكد " ماكليفر" أن كل مجتمع يتوحد من خلال نسق أسطوري يكون بمثابة الموجه لحركة المجتمع. في عام 1920 قال أرنولد ويلسون محذرا " الأكراد يحبون الحروب، ولن يقبلوا بأي حاكم عربي"، ومثلما قال Massimo D’aeglio " بعد أن صنعنا إيطاليا، سنصنع الآن الإيطاليين"، حاول النظام البعثي تنميط الأكراد لغويا ودينيا ولو استدعى الأمر استعمال القوة، ولكن رُب ضرة نافعة، فالأكراد حصلوا على استقلالهم " الضمني" منذ العام 1991، أين أسهمت فظاعة الأسلحة الكيماوية في تنشئة جيل جديد من الشباب الكردي لم يذهب إلى العراق، ولا يتكلم العربية، ولم ير قط علما عراقيا على أرض كردستان. بخطى بطيئة ولكنها ناضجة تتجه الأمة الكردية إلى منهجة وجودها، ومع تنامي مظاهر التطرف الديني في المنطقة، تبقى أربيل والسليمانية وجهتان نادرتان لتشييد الكنائس بمحاذاة المساجد، في ما يثبت أن " صداقة الجبال" لا تعني انتفاء الروح المدنية العريقة عراقة هذا الشعب. على الرغم من أن الذهنية الإمبريالية نادرا ما تلتفت لنداء الضمير، إلا أن مكتبة التاريخ ما زالت تُشيد بكتاب " تدمير الإنديز" الذي ألفه الكاهن الإسباني بارتولومي دولا كازاز سنة 1551، وهو نقد لاذع للاستعباد الذي يمارسه عملاء التاج الإسباني لشعوب جبال الأنديز، ويصف البعض هذا الكتاب بأنه أول وثيقة حقوق إنسان في التاريخ. على هذا المنوال يحتاج عالم اليوم يقظة ضمير يكون عنوانها " الاعتراف بالشعب الكردي" حينها يكون العالم قد بلغ درجة من التمكين الحقوقي تخوله الولوج لمرحلة " ما بعد حقوق الإنسان".
المراجع: ـ بوناب كمال " تداعيات التدخل الأمريكي في العراق على توجهات السياسة الخارجية التركية". مذكرة لنيل شهادة الماجستير. جامعة عنابة ـ الجزائر ـ باراج خانا " العالم الثاني: السلطة والسطوة في النظام العالمي الجديد". ترجمة: دار الترجمة ـ Javier Romero « The war of the pacific » . Strategy and tactics magazine
#بوناب_كمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا عن سنغافورة يا فوكوياما!
-
علاقة السلطة بالمعرفة في أوروبا: من الصدام إلى الاحتواء
-
أسباب بقاء الممالك الخليجية من منظور كريستوفر دافيدسون
-
التدخل الإنساني: إعادة تسويق لنظرية الحرب العادلة
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|