|
التاريخ : عندما يكتبه .. الإرهابيّون
سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 1343 - 2005 / 10 / 10 - 10:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدارس للتاريخ الإسلامي ، يكتشف أنّ هذا الشّيء الّذي نُسميه تأريخا إسلاميّا ، هو في حقيقته تاريخ المسلمين ، و هُم أوّلا و أخيرا " بشر " ينطبق عليهم ما ينطبق على الإنســان في أُوروبا و أمريكا و سائر قارّات الأرض ، و ليسمح لي المؤرخون (( الموضوعيون و المتحيّزون )) أن أقول : أن التاريخ الإسلامي في غالبيّته و باستثناء القليل النّادر ، هو تاريخ أسود و قاتم لا يبعث على الارتياح ، بل يجعل الباحث الموضوعي يُدرك أنّّ الفترة المشرقة القصيرة لا تقارن قط بتلك المساحة الشّاسعة البشعة ، حين كان المسلمون يجاهدون باحثين عن " الجّنس " و " السّلطة " و " السّيطرة " تحت شعار عظيم ـ أفرغه المسلمون من محتواه ـ و هو " الجهاد في سبيل المظلومين و الحُريّة و فقط دفاعا عن النّفس " ، لاحظ معي أيُّها القارئ الكريم ، كيف تقوم الدّراما العربيّة بتحريف و تشويه التاريخ ، إنّ التّاريخ حسب هؤلاء (( أرباب المدرســة الأمويّة العروبيّة القوميّة )) هو مجموعة من التّناقضات المُبرّرة و المعقولة في آن واحد ، مثلا نجد المؤرخين المسلمين يصفون خليفة أو سلطانا بأنّه : كان تقيّا ورعا رقيق القلب .. إلى غير ذلك من النّعوت " ثم و بعد أسطُر قليلة يصفون الشّخص ذاته بأنه قتل آلافا من الأنفس في يوم واحد دون أن يغمض له جفن .. و هذه الأمثلة التاريخية كثيرة ، و هذه الشخصيات " مـعاوية ، يزيد ، عبد الملك بن مروان ، أبو جعفر الدّوانيقي (( المنصور )) ، هارون اللا رشيد ، المتوكل العبّاسي ، و .. الخ ، هي مجرّد نماذج غير قابلة للحصر ، خصوصا في مقال ، لكن هذا التّناقض ليس وليد الأمور بعينها ، بل هو نتاج عقل (( الواعظ )) الّذي يريد أن يلعب دور المؤرخ ـ الّذي يُفترض به أن يكون محايدا ـ فالواعظ يُريد أن يُنزّه السّلطان و الحاكم و الدّكتاتور ، و حتّى الغني الذي يسكن المنطقة ، أن ينزهه عن الخطأ و يضفي عليه نعوتا تفوق حتّى صفات الأنبياء المعصومين " مع ملاحظة أنّهم معصومون بالنّسبة للمؤمنين بهم على الأقل ـ لا إكراه في الدّين " ، إنّ التاريخ بذاته ، كعلم ، ليس كما يصفهُ البعض بأنّه : (( يكتُبه الأقوياء )) ، هذا المنطق المريض وضعه ، طبعا ، الأقوياء و المتنفـّذون في السّلطة ، لكن التاريخ يصفه هؤلاء أنفُسهُم مرّة أُخرى ، حينما يكذّبهم التاريخ و يظهر إفلاسهم ، بأنّ التاريخ : (( يكتبه المعارضون )) !! ، فما هذا التناقض الصريح !! ، الحقيقة التاريخية و التي أثبتها البحث العقلي الحديث للتاريخ ـ حسب النمط الّذي وصلنا إليه بفضل الغرب ـ فإن التاريخ يكتبه الفقراء و المسحوقون (( عامة الشّعب )) ، خُذ مثلا كتاب (( تاريخ الخلفاء : للسيوطي )) فستجد حقائق مُذهلة حول شخصيات و دول إسلامية بكاملها ، فرغم كُل محاولات السّيوطي العبثية في تبرير وصفه ـ كمثال ـ لمجون و انحطاط هـــارون " الرّشيد في اللّذات و العنجهية " إلا أن الباحث يتوصل أنّه كان من الجيد و المفيد أن يدون هؤلاء كتبهم ، فنحن نستطيع أن نضع تبريراتهم جانبا ، قد يحاول البعض في فترة مُعيّنة من الزّمن أن يُخفي أو يغطّي على حقيقة مُعينة ، لكن الخط العام و الرّئيسي يبقى واضحا ، من ذلك أنني و خلال الثّمانينات ، قرأت كتابا بعنوان " العراق في عهد الحجّاج بن يوسف الثّقفي : تأليف : عبد الواحد ذنّون طه " و كان المؤلف ـ و الواضح أن خلفيّته الثّقافيّة بعثيّة ـ يُحاول و بشكل مُستميت أن يُدافع عن الحـــجّاج و بشكل مُتكلّف ، بمعنى أنه كان على استعداد أن يكذّب كل المصادر التاريخية ، في سبيل تبرئة موكله ، فمن ذلك أنه حاول أن يُشكك في حادثة تاريخية مشهورة ، و هي ذبح الحجّاج لألوف الناس في جــامع البصرة ، على أساس أنّ المسجد لا يتّسع لـ 70000 مصلّي ، كما يورد بعض المؤرخين ، قلت : حسنا ، سنفترض أنّ المؤرخين يبالغون ، نأخذ صفرا من السّبعين ألفا ، يكفينا 7000 فقط ، لا ، سنأخذ صفرا آخر ، يكفينا 700 ، يكفينا 70 ، يكفينا 7 ، أُنظر إلى أيّ حدّ يهون هؤلاء من شأن سفك الدّم ، و الحقيقة أن التّبرير لم يكن من أجل الحـــــــجّاج ، بل من أجل صــدّام بن يوســف الثّقفي ، هذه هي الحقيقة التي يجب أن ننتبه إليها ، و أمثال هؤلاء الكُتاب التّبريريين ، هم عار على التّاريخ ، و كنت أتوق إلى أن أكتب عن هذه المنهجية التدميرية ، لو لا أن سطوة النظام البعثي المجرم كانت تقف حجر عثرة ، بل مشنقة عثرة أيُها السّــادة ..".
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(( الإخوان المسلمون ... و التدمير المزدوج )) !!
-
المواطن العراقي .. أم ال(( الطفل )) العراقي ...-
-
كيف تصبب الجعفريّ عرقا .. خجلا من أفعال حثالة العراق !!
-
هل فقد العراقيون عقولهم ..-!!
-
العقل .. و العقل المزيف - على هامش محاكمة الطاغية و أذنابه)
...
-
الحديقة الخلفية للإرهاب
-
شمـال العراق و ثقافة الصّــــــنم
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|