|
اشترى الدين الديموقراطية في العراق
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 4860 - 2015 / 7 / 8 - 16:24
المحور:
المجتمع المدني
الديموقراطية الفتية التي بدت ظهورملامحها و تطبيق الياتها على ارض ليست خصبة لها بل تصارعت عليها وسائل العنف و التسقيط في عهد الدكتاتورية في العراق، تراجعت حتى عن بداياتها عما بعد السقوط . لو اخذنا اية دولة غربية و فيها النسبة الطموحة من الديموقراطية التي يمكن ان نقتدى بها، لم نجد اي مفهوم او اعتبار لمسالة و ما تعتبر قدسية مسيطرة على الناس تصارع و تنافس و في اكثر الاحيان تمنع الديموقراطية من السير على سكتها الصحيحة . اول و اقوى المصارعين هو الدين و المذهب و التاريخ الدكتاتوري المضاد الذي يفرض جو من الخوف و التلكؤ و الحذر من الحرية المطلوبة كشرط لتطبيق الديموقراطية الحقيقية . فهذه الدول العلمانية وهي فصلت الدين عن الدولة على مر الزمن و ابعدت عن نفسها اكبر عائق للسلم و الدموقراطية، و به وسعت المساحة و مهدت الارضية للديموقراطية و لتنفيذ الياتها بشكل سلس لخدمة الشعب و مصالحه،و لكن كيفية ازاحة العوائق مختلفة و هذه ما ابقت على نسب مختلفة منها في الدول العديدة، و لكن لا يوجد ما يقف ضد الديموقراطية بشكل كامل او ما يفرغها من محتوياتها و سموها و يمنعها السيطرة على مضاداتها . لم نجد ديموقراطية كاملة في الدول التي لها تاريخ مليء بالعنف الا بعد معاناة كبيرة مع الواقع التي خلفتها المراحل العنيفة و تسلسل تاثير المفاهيم التاريخية التي سيطرت على تلك البلدان لحين مجيء و توفر مستوجبات و مستلزمات مرحلة الديموقراطية التي فرضت نفسها، اي لم تصل الديموقراطية الى ذروتها الا بعد فصل الدين عن الدولة كاول معوق لها و اول شرط لذلك، و تم ذلك بعد تجسيد ارضية و ما هو المطلوب من البنى الفوقية و التحتية لتطبيق الديموقراطية كاحد اهم و انسب وسائل الحكم في التاريخ البشري . كلما ازدادت فسحة الحرية و ما فيها من المعطيات الايجابية المانعة للامراض الذاتية الصنع التي تفرضها محاولات استغلالها من قبل المتضررين منها من السلطات او اصحاب المصالح الاقتصادية و السياسية العامة،كلما كانت فرصة نجاح الديموقراطية اوسع و اكبر، و لكن بشرط ان تكون الحرية مواكبة لوجود النسبة المطلوبة من الشعور بالمسؤلية تجاه الديموقراطية ذاتها قبل اي شيء اخر . اي المسؤلية التي تمنع الاضرار بالديموقراطية و الحرية بوسائل تفرزها او تتيح لها المجال الديموقراطية ذاتها . الغرب تخلصوا بشق الانفس و بعد صراعات مريرة و دموية استغرقت قرون من الدين و المذهب كاكبر مانع لتوفير الحرية و انبثاق الديموقراطية و ترسيخ ارضيتها و خلق الياتها الملائمة وفق الظروف الخاصة جدا لكل موقع او بلد، و ذلك باعادته الى مكانه الاصلي . اول بلد في الشرق الاوسط بعد تحريره من اعتى دكتاتورية هو العراق الذي حاول المحرر المصلحي تطبيق ديموقراطية بشكل فوقي دون ايجاد ارضية و الية تتوافق مع تاريخ و عقلية و البنى الموجودة فيه . عدا تدخل المتضررين الخارجيين و الداخليين نتيجة مستوجبات المصالح الخاصة بهم من تامين مستقبلهم و البقاء دون تاثير المستجدات التي تحصل بعد السقوط على مسارهم، و استغل من قبلهم هو عوق الدين و المذهب و مستوى الوعي و الثقافة العامة الموجودة في البلد التي ليست بمعوقة للديموقراطية فقط بل مانعة لها من اساسها، لان العراق لم يمر بمرحلة فصل الدين عن الدولة بل انخرط فيه عقلا و احساسا و شعورا و مزج به بشكل لاصق و مؤثر حتى في ادق تفاصيل حياة الفرد، ونرى الفروقات بين المكونات نتيجة ما نراه من التزام ابناء المذهب الواحد و الدين الواحد بمرجعيتهم و تعاليمهم الخاصة قبل اي شيء اخر، و لو طلب منهم ان يضحو ليس بمصالحهم بل بانفسهم من اجل ما يطلب منهم مبررين تعاليم الدين و المذهب و ان كانت اساس ضد مصالحهم و مستقبلهم و هم لا يعلمون فانهم يقدمون علي ما يؤمرون به . بعد بداية مبشرة و ربما نتيجة رد فعل جميل من قبل الشعب العراقي بعد المعاناة لما بعد سقوط الدكتاتورية، استبشر الكثيرون الخير من التغيير و ما ياتي بعده، و لكن سرعان ما انقلب الوضع بعد التعقيدات و تدخلات اصحاب المصالح الداخلية وا لخارجية باسماء و عناوين مختلفة و ضيقت على مساحة الحرية و سحبت بساط الديموقراطية من تحت ارجل الشعب بعدما تدخلت المصالح و تراجعت الديموقراطية اثر تفاعل تلك المعوقات مع نسبة الوعي الواطيء، عدا ما موجود اصلا من المعوقات الاجتماعية التي تفرض سدودا على طريق سير الديموقراطية و الحرية المطلوبة لها . فاصبح الدين و من يقف على ترويجه و فرضه كوسيلة سياسية و يفضله او يعتبره على الضد من العلمانية و الديموقراطية وهو غير عليم به اصلا و يدعي خلاف ما يؤمن و يضرب الديموقراطية باسم الديموقراطية الدينية السلطوية غير الموجودة اصلا في جعبة التاريخ الاسلامي . اننا وجدنا انفسنا امام سارق كبير للديموقراطية و السلطة المدنية و الذي سرق جزء كبير من التغيير و يريد ان ينهي ما تغير بشكل اخر او ما يمكن ان نسميه شراء ما يعتبره غير صالح من اجل الاستحواذ علىه و على الواقع و يمنع تحقيق الهدف الذي تسير اليه الديموقراطية . اي يمكن ان نقول اننا نمر بمرحلة اشترى الدين الديموقراطية بعد ان سرق الجزء الاكبر منه خلال هذه المدة في العراق الذي طمح الكثيرون في ان يكون بداية لمرحلة جديدة و نموذجا للديموقراطية التي بنيت عليها الامال . غير ان الدول الاخرى قد تحررت من تاثيرات افرازات الدين السلبية على الديموقرطية عند استغلاله في السلطة عن طريق فصله و اعادته الى مكانه الصحيح و هو فكر و عقلية و اخلاق و سلوك الفرد دون الدولة او السلطة، و عليه يجب محاولة اعادة المسروق الى صاحبه و من ثم البدء في العملية الصعبة بهدوء و تروي .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تركيا بين العقد الداخلية و الخارجية
-
هل اللاوعي العربي مليء بالعنف ؟
-
مع الماضي او الحاضر ام الاهم هو التجديد الدائم
-
متى ينتهي شغف الكتابة ؟
-
متى تتراجع الدخلاء في العراق ؟
-
السياسة و الصحافة العراقية في مرحلة المراهقة
-
مسيرة تركيا بعد فوز حزب الشعوب الديموقراطي
-
الشتيمة و اشعال الفتنة في العراق
-
كيف يجب ان تتعامل الحكومة الفدرالية العراقية مع نوايا استقلا
...
-
متى نصل للمرحلة الانسانية في شرق الاوسط ؟
-
يتهافتون لاسترضاء امريكا رغم انعاتها براس الفتنة
-
ايهما الاَولى النضال القومي ام الطبقي في كوردستان
-
وفيق السامرائي يريد اشعال الفتنة بين الكورد
-
اخطرهم الفساد الاجتماعي المنتشر في العراق
-
العراق و مراوغة الاسلام السياسي
-
الانتخابات التركية و مجزرة الارمن
-
هل الشعب العراقي يؤيد قرار الكونغرس ؟
-
ماذا تنتظر سوريا من ايران ؟
-
متى ستنتهي اللعبة ؟
-
اوباما و كوردستان
المزيد.....
-
الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو وجالانت لارتكا
...
-
الجنائية الدولية تصدر أمر اعتقال بحق قائد كتائب القسام محمد
...
-
حيثيات تاريخية لإصدار أمر اعتقال نتنياهو وجالانت لارتكاب جرا
...
-
وزيرة إسرائيلية تصف مذكرات الاعتقال الدولية الصادرة ضد نتنيا
...
-
بن غفير يدعو إلى فرض السيادة على الضفة الغربية ردا على مذكرا
...
-
قيادي لدى حماس: مذكرات اعتقال نتنياهو وجالانت تؤكد أن العدال
...
-
المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ويوآ
...
-
المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الجنائية الدولية: توجيه تهم ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية ل
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|