أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد المومن شباري - راهن الوضع السياسي في المغرب















المزيد.....



راهن الوضع السياسي في المغرب


عبد المومن شباري

الحوار المتمدن-العدد: 359 - 2003 / 1 / 5 - 07:08
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


 

مدير جريدة النهج الديمقراطي

 

يجتاز المغرب في المرحلة الحالية ظروف سياسية بالغة التعقيد والأهمية، ذلك أن البلاد لم تعرف الاستقرار المجتمعي والسياسي الذي دشنته مرحلة ما يسمى بالعهد الجديد، وهي مقبلة في الوقت نفسه في الأشهر القليلة القادمة، على استحقاقات سياسية كبرى، تشكل تحديا سياسيا كبيرا لمختلف القوى الديمقراطية المناضلة. وخطوة حاسمة ومحددة في التطورات السياسية المقبلة، سترتهن البلاد على ضوء نتائجها في الفترة القادمة، ومع ما يمكن أن تفرزه من معطيات في المشهد السياسي.

 

إن المتغيرات التي شهدتها البلاد، ووتيرة السرعة التي أخذتها، لتدفع بقوة المعطيات القائمة، وحتى القادمة منها، كل الفاعلين السياسيين على تحليل دقيق لهذه المرحلة من الحياة السياسية التي مرت وتمر فيها البلاد، لتدقيق المهام المفترض إنجازها والمطروحة في جدول أعمال المرحلة السياسية الراهنة، وتحديد التحالفات السياسية الممكنة، حتى تكون لقوى الصف الديمقراطي القدرة السياسية والنضالية، للتأثير والفعل الوازن في مجريات الوضع العام داخل البلاد، في أفق إنجاز متطلبات المرحلة.

إن التحولات التي عرفتها البلاد، على إثر التغيير الذي طال أعلى مستوى في هرم السلطة بعد وفاة الحسن الثاني، وما استتبع ذلك من تداعيات سياسية، على امتداد السنتين الماضيتين، ليستدعي منا التوقف عند هذه الفترة السياسية، بالتحليل لمختلف المتغيرات التي مست العلائق السياسية لدى النخب، والأحزاب، والمؤسسات، لتحديد سمات هاته الفترة التي اصطلح عليها بالعهد الجديد.

ويمكن أن نميز داخل هذه الفترة بين طورين شكلا مرحلة متكاملة تمكن من خلالها المخزن من أن يحقق استقراره وضبطه لتوازنات المجتمع. حيث أعاد المخزن الجديد إنتاج استراتيجية، وتجديد بنيته السياسية وأساليب اشتغاله، مع الحفاظ على جوهر السلطة السياسية المخزنية العتيقة..

ولقد سلك النظام المخزني من أجل إنجاز أهدافه تلك، تكتيكا زاوج فيه بين البحث عن المشروعية، وتثبيت أسس الحكم من جهة، ومن جهة أخرى مأسسة العهد الجديد بواسطة العديد من الإجراءات، والتدابير السياسية، والإدارية والتشريعية الرامية إلى إحكام سلطته والتحكم في المجال السياسي. ولتصريف هذه الاستراتيجية منذ اعتلاء محمد السادس الحكم، عمد هذا الأخير إلى العمل على اكتساب شرعيته السياسية، من خلال التبني لقضايا كانت ولا زالت من القضايا التي تدخل في الاهتمامات الاستراتيجية لقوى اليسار المغربي.

ومن المجالات الحيوية التي تركز فيها هذه القوى ثقلها السياسي والتنظيمي، بحيث تم الالتفاف على المجال الاجتماعي، وأحدثت له مؤسسات خاصة به، رصدت لها الأموال الطائلة من عائدات الخوصصة، وتبنت القضايا الأكثر حساسية في المجال الاجتماعي، كالفقر ومحاربة الأمية، وإشكالات الإعاقة، والمرأة، والطفولة، والتنمية، وغيرها من  القضايا التي ترتبط باليومي لعموم الشعب الكادح، وكذا التطهير الشكلي والجزئي لبعض المؤسسات العمومية وشبه العمومية، وإقامة بعض المحاكمات الشكلية المحدودة لبعض رموز الفساد الإداري، واختلاسات المال العام (CIH)، الضمان الاجتماعي، محاكمة بعض رؤساء الجماعات…، كما سلك النظام السياسي خلال هذه الفترة، الإطاحة ببعض رموز القمع للعهد البائد (إدريس البصري وفريقه داخل وزارة الداخلية..). كما عرفت هذه المرحلة إبطال مفعول بعض الملفات السياسية الساخنة، كعودة إبراهام السرفاتي، وفك الحصار المضروب على مرشد جماعة العدل والإحسان عبد السلام ياسين، وإطلاق سراح جزئي لبعض معتقلي الرأي، وتسريع مساطر إجراءات التعويض لبعض ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان. إن كل هذه الخطوات السياسية والاجتماعية، سوف تعيد تلميع صورة المخزن سواء لدى جزء عريض من الرأي العام الوطني، أو الخارجي الذي كسبت من ورائه الديبلوماسية المغربية الكثير من الانتصارات فيما يخص قضية الصحراء.

إن كل هذه الإجراءات سوف تشيع الكثير من الغموض والتخبط السياسيين لدى الأحزاب الديمقراطية والنخب السياسية التقدمية، التي ساهم قطاع عريض من داخلها في الدعاية لما يسمى بالعهد الجديد، وبتحرك قاطرة الانتقال الديمقراطي، وبالتالي جعلت المخزن الجديد يكسب رهان المشروعية السياسية، التي مكنته من تحقيق شبه إجماع سياسي وشعبي حوله، تمكن من خلاله من ترتيب وضعه الداخلي، الشيء الذي أهله لإطلاق دينامية سياسية، شكلت انطلاقة الطور الثاني من مرحلة العهد الجديد، وهي الدينامية التي سارت في اتجاه مأسسة العهد الجديد، وتجديد البناء المؤسساتي لمختلف البنى السياسية والقانونية، والإدارية والتشريعية، لتجديد المفهوم الجديد للسلطة حيث طرحت العديد من مشاريع القوانين التي تهم البناء المؤسساتي، وهي التي لم تأت بجديد من حيث جوهرها إذا ما قورنت بالسابقة عليها، بل تضمنت إضافات لسد بعض الثغرات الموجودة في النصوص القديمة، لمزيد من إحكام سلطة النظام السياسي (قانون الأحزاب، قانون الحريات العامة، مدونة الشغل، الأحوال الشخصية..). كما تم إحداث العديد من المؤسسات غير الدستورية (تعد حكومة فعلية في الظل). تشتغل بالمال العمومي، وتعمل خارج مسؤولية الحكومة والوزير الأول، والممسكة بالملفات الضخمة والأساسية التي تهم مستقبل البلاد (التعليم، حقوق الإنسان، التحضير للانتخابات، الأحوال الشخصية، قضايا المرأة، الأمازيغية)، هي هيئات ترتبط مباشرة بالمؤسسة الملكية، وغير خاضعة للمراقبة، سواء التنفيذية منها أو التشريعية، وإذا ما أضفنا إلى ذلك الصلاحيات الاقتصادية الضخمة المتعلقة بمجال الاستثمار التي منحت مؤخرا للولاة والعمال، وهي صلاحيات تفوق بكثير الصلاحيات الوزارية، ولكون العمال والولاة هم ممثلو الملك في الأقاليم، وفق منطوق الدستور، فإننا نصل إلى الحكم المطلق الذي تمارسه المؤسسة الملكية، بحيث أضافت العديد من الصلاحيات لها، وعبر المؤسسات المحدثة المرتبطة مباشرة بها الشيء الذي جعلها تزيد من إحكام سلطتها على المفاصل الأساسية للدولة والحكم، طبقا للمفهوم الجديد الذي منحه الملك لمضمون السلطة التي يديرها، وهي مفهوم الملكية التنفيذية.

إن وضعا سياسيا كهذا، جعل من حكومة التناوب المخزني، حكومة فاقدة للفعل والمبادرة، وجهاز يدبر الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد، بحيث لا تملك الحكومة السلطة التنفيذية الفعلية لمحدودية مجال تحركها، ولتركيبتها السياسية.. فالتزامها بفتح ورش في مختلف مجالات الحياة العامة داخل البلاد، على المستوى السياسي، والاقتصادي، والقضائي، والإداري، بغية ردم الهوة القائمة بين الدولة والمجتمع، وكذا توفير شروط انتقال سياسي نحو الديمقراطية، إن كل هذه النوايا سوف تصطدم بطبيعة النظام المخزني المافيوي.

إن تعثر وتيرة الإصلاح، وفرملتها من قبل المافيا المخزنية النافذة في السلطة، وكذا تحكمها في كل دواليب الدولة، عرى الاختلالات السياسية والدستورية والمؤسساتية، التي تطال مستويات وبنى النظام السياسي المخزني المغربي، التي تجعل الحكومة ومؤسسة الوزير الأول تفتقدان للمرتكزات الدستورية، والآليات المؤسساتية، التي تمنحها قدرا من الاستقلالية، وحضورا سياسيا، قانونيا أقوى.

إن كل تلك الإعطاب والاختلالات البنيوية، لا تؤهل الحكومة، للانخراط الفعلي في تدبير وتحقيق برنامجها الإصلاحي الذي اقترحته، ومارست على أساسه تسيير الشأن العام. كما أن هذا الوضع المأزقي للحكومة جعل من حصيلتها بالنظر إلى ما التزمت به أمام الرأي العام الوطني في تصريحها الحكومي، بعيدة كل البعد من أن تجد طريقها إلى التحقيق، وغير قابلة للاستجابة لانتظارات فئات عريضة من المجتمع (الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين، والحركات الاجتماعية..)، ولم يتجاوز تدبير الملفات في القضايا الملحة، حدود النوايا، كورش الإصلاح، في مجالات: القضاء، والإدارة، والإعلام، وخطة إدماج المرأة في التنمية، ومدونة الشغل، وقانون الحريات العامة، وقوانين الانتخابات، وغيرها من التشريعات، والتدابير والإجراءات السياسية. بل إن الحركة النضالية العارمة التي تعرفها البلاد، عرفت الكثير من القمع، والمحاكمات، وتم منع الكثير من الصحف، ومتابعة العديد من الصحفيين، وتضييق الخناق على الحركات الاجتماعية والنقابية، والإمعان في عدم منح بعض الحركات السياسية أحقيتها في العمل السياسي القانوني لرفضها الاندماج في النظام السياسي القائم، وقمع الانتفاضات التي تعرفها بعض المناطق (السمارة، العيون..)، كما عرفت الانتخابات التي جرت في بعض الدوائر في ظل حكومة التناوب، تزويرا لم يقل عما كانت تعرفه الانتخابات في الحكومات السابقة.

لقد أدت التحولات التي عرفها المغرب خلال السنتين الماضيتين، وما أنتجته من أزمة مركبة طالت كل الأصعدة والمجالات العامة في البلاد، إلى إفرازات سياسية بالغة الدلالة. اخترقت المجال الحزبي أفقيا وعموديا، وأعطت مسارات جديدة داخل المشهد الحزبي أفقيا وعموديا، وأعطت مسارات جديدة داخل المشهد الحزبي، لم يستقر بعد على تشكله النهائي، ومن أبرز تلك الإفرازات المؤشرات الأولية التالية:

تفكك الكتلة الديمقراطية التي فقدت في مسار تطورها الكثير من أجنحة مكوناتها (الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكي، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي)، التباعد المتزايد بين القطبين الرئيسين لها (حزب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي) تباعد بين الأحزاب المشاركة في الحكومة، وغير المشاركة (مثال: منظمة العمل الديمقراطي سابقا، والتحاق المؤتمر الوطني الاتحادي حاليا)، كما شهدت هذه الفترة، التلاشي التدريجي للأحزاب الإدارية المخزنية، بعدما تخلص النظام منها، لحاجته لما تتطلبه الظرفية من نخب ذات مصداقية تحظى بالاحترام السياسي داخل المغرب وخارجه (وهذا هو الدور الذي تلعبه حاليا أحزاب الديمقراطية الاجتماعية). كما ستعرف هذه المرحلة جنوح التيارات الأصولية المتشددة إلى الاعتدال السياسي التكتيكي (نموذج العدل والإحسان: التخلي عن حرب الشواطئ، الموقف من الإفلات من العقاب، الموقف من الانتخابات المقبلة، الموقف من العهد الجديد..). كما شهدت هذه المرحلة العديد من التقاربات السياسية والميدانية، والتنظيمية لمكونات اليسار الجذري (النهج والطليعة، مكونات اليسار الاشتراكي الموحد) وتقارب هذه الأخيرة مع تيار الوفاء للديمقراطية، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي.

إن المؤشرات التي سبق ذكرها، تؤكد عمق التحولات البنيوية التي يعرفها المشهد السياسي المغربي بشكل عام، والتي أدت إلى إعادة هيكلة المشهد الحزبي في البلاد، حيث طالته متغيرات عديدة، إن على مستوى الاستراتيجيات السياسية أو الاختيارات المذهبية، وكانت المحصلة النهائية لذلك، ظهور تقاطبات سياسية جديدة، تبلورت على إثره اصطفافات تنظيمية، ارتكزت على التقارب في التقدير السياسي للظرف، ومتطلبات المرحلة. ولذلك يمكن تحديد ملامحها العامة، من دون أن تكون تلك التقاطيات، قد اتخذت شكلها النهائي، بحيث لا زالت تعرف الكثير من التجاذبات وفق التحولات السريعة والمتوارثة التي يعرفها المجتمع، ولعل أهم هذه التقاطبات التي أفرزتها هذه المرحلة التاريخية هي :

 

- قطب أحزاب الديمقراطية الاجتماعية:

ويتشكل هذا القطب من جزء، من الأحزاب الديمقراطية المشاركة في الحكومة القائمة "الاتحاد الاشتراكي U.S.F.P، حزب التقدم والاشتراكية P.P.S، جبهة القوى الديمقراطية F.F.D، الحزب الاشتراكي الديمقراطي P.S.D …"، وبعض جمعيات الأطر التقنقراطية ذات الميول الليبرالية الاجتماعية (بدائل..) وتلتقي مكونات هذا القطب من كونها تتبنى الفكر الاشتراكي الديمقراطي، ومن انحدارها من أصول المعارضة البرلمانية السابقة.

ولقد بلغ هذا القطب الديمقراطي من الاندماج السياسي، منذ انطلاقة ما يسمى بمسلسل التوافق والتراضي، إلى مستوى الارتباط العضوي مع بنية النظام السياسي، حيث فك ارتباطه التنظيمي مع قاعدته الاجتماعية ومنظماته الجماهيرية، وانتقل من موقع المعارضة، إلى موقع المشاركة السياسية، وعلى رأسها الحكومة، لوقف ما أسماه بالنزيف، والقيام بإجراءات الإصلاح السياسي الضروري والممكن لوضع المغرب على عتبة الانتقال الديمقراطي.

غير أن تجربة هذا القطب في إدارة الشأن العام، أفقدته الكثير من المصداقية، وورطته في العديد من الإجراءات السياسية المتعارضة مع مواقفه المعلنة لدى الرأي العام الوطني، والمتضمنة في تصريحه الحكومي، ووضعته في الكثير من الأحيان في صراع مكشوف مع الحركات الاجتماعية. بحيث أن العديد من الإكراهات انتصبت أمامه، لم يجد معها من الإمكانيات السياسية ما يجعله قادرا على إنجاز منجزاته. الشيء الذي جعله يبحث عن أفق تنظيمي يواجه به الاستحقاقات المقبلة. وفي هذا الإطار بدأت تطرح بعض الصيغ التنظيمية لتقوية صفوف هذا القطب، ومد الجسور مع الفعاليات الاشتراكية إلى خارج تنظيماتها، وهي الصيغ التي أخذت العديد من التسميات، كالحزب الاشتراكي الكبير المقترح داخل الاتحاد الاشتراكي والقطب الديمقراطي الاشتراكي المقترح داخل حزب التقدم والاشتراكية والحزب الديمقراطي الاشتراكي.

 

- ملامح بروز قطب يميني جديد:

على خلفية نفس التصور السياسي بالنسبة للقطب الأول، وعلى قاعدة نفس التقدير السياسي للمرحلة ومقتضياتها، مع فارق الاختلاف لمكونات هذا التوجه على المستوى المذهبي بالنسبة للاصطفاف الأول وذلك من خلال التلاقي عند المرجعية السلفية والإسلام بمفهومه العام، والاختلاف كذلك مع حزب الاتحاد الاشتراكي في كيفية تدبير الشأن العام داخل الحكومة. بحيث بدأت معالم تقاربات سياسية تلتف حول حزب الاستقلال، الذي بدأ يرسم حدودا فاصلة بينه وبين حليفه الأساسي الاتحاد الاشتراكي، وذلك من خلال الحملة القوية للانتقادات التي يقودها لسوء تسيير الاتحاد للحكومة، ولهيمنته على بعض الحقائب الوزارية الأساسية، والاشتغال بالأغلبية الحكومية بدل الكتلة الديمقراطية، إضافة إلى الحصيلة العامة للأداء الحكومي، خلال تجربة التناوب المخزني والتي يحمل مسؤوليتها لحليفه الاشتراكي. إن كل هذه القضايا الخلافية والاستعداد للمرحلة المقبلة، والفرز السياسي الحاصل في المجال السياسي العام، دفع بحزب الاستقلال الاعتماد على تجربته السياسية الطويلة، في البحث عن تحالفات سياسية بديلة، وهو ما بدأت تؤشر عليه العديد من المعطيات السياسية، التي انطلقت في شكل مشاورات سياسية بين هذا الأخير والتجمع الوطني للأحرار، والحركة الوطنية الشعبية، وحزب العدالة والتنمية، حيث بدأ يمارس هذا التكتل ما يسميه بالمساندة النقدية، لخلق المسافات السياسية الضرورية بين هذا الحلف وحزب الاتحاد الاشتراكي. وإذا كانت الحاجة السياسية ليمين حقيقي له من المؤهلات السياسية ما يجعله ينهض بمثل هذه المهام، فهل سيتمكن حزب الاستقلال النهوض بمثل هذه المهمة ؟ وهل بداية التنسيق السياسي وباقي التشكيلات الحزبية المشار إليها أعلاه، مؤشر دال على سيرورة سياسية أخرى قيد التشكل ؟ إن التطورات السياسية التي تشهدها الساحة المغربية والتداعيات التي قد تفرزها المرحلة المقبلة، هي الكفيلة بالإجابة عن الهيكل العام لهذا القطب. خاصة وأن الفراغ السياسي جعل المعارضة تتموقع خارج المؤسسات، وهذا ما يشجع على الدفع بوجود يمين يلعب دوره في الخريطة السياسية المقبلة.

 

- التيار الأصولي:

لقد عرفت تيارات الاتجاه الأصولي المغربي هي الأخرى، الكثير من التباعدات السياسية فيما بين الفصائل المكونة له، وهو العامل الذي أفقده الكثير من قوته التي برزت في عقد التسعينات. حيث اتجه حزب  العدالة والتنمية إلى الاندماج التدريجي في بنية النظام السياسي، ووجد مكانته بالمؤسسات السياسية، بدون أفق سياسي واضح، حيث تأرجحت مواقفه بين المساندة في بداية الأمر، والمعارضة قرب نهاية الولاية التشريعية. في حين تقترب العديد من التشكيلات الإسلامية الصغيرة، إلى فضاءات اليسار الجذري، وتعمل مع البعض من فصائله على خلق تنسيقات سياسية كالبديل الحضاري والحركة من أجل الأمة.

أما أقوى هذه التيارات، وأكثرها تشددا، والتي تمثله جماعة العدل والإحسان، فقد عدلت هذه الأخيرة الكثير من مواقفها في اتجاه أكثر اعتدالا من السابق، وأعطت الكثير من الإشارات السياسية للتعبير عن ذلك (الموقف من الانتخابات + الموقف من العهد الجديد + الإفلات من العقاب + عدم الحضور في المواجهات السياسية العامة ..) لكن يبقى الرابط فيما بين هذه المكونات باختلافاتها في التقدير والرؤية، هو نزوعها إلى مجتمع ذي طابع إسلامي-أصولي، يرتكز على اجتهادات خاصة في المجال الإسلامي لبناء مجتمع الخلافة، كما يجد التطابق في الرؤية بين كل فصائل هذا التيار، في كل القضايا الكبرى، كقضية المرأة، والتشريعات المتعلقة بالأحوال الشخصية، وغيرها من القضايا.

 

- اليسار الجذري:

ويتشكل هذا التكتل من مختلف تنظيمات اليسار الجديد لعقد السبعينات، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، حيث تتقاطع هذه التنظيمات في وجودها داخل خندق المعارضة للحكومة ولمسلسل التوافقات السياسية بشكل متفاوت فيما بين هذه التشكيلات، كمقاطعة المسلسل الانتخابي (النهج والطليعة)، أو عدم المشاركة (الديمقراطيون المستقلون)، والإمساك عن التصويت للتعديلات الدستورية (بالنسبة لكل التيارات)، وفي التشبت بالمرجعية الاشتراكية كاختيار أيديولوجي، ولا زال هذا القطب بكل تنظيماته يعتبر أن الإصلاح الدستوري يشكل مدخلا مركزيا لأي إصلاح أو تغيير ديمقراطي، ويضع ذلك ضمن الأولويات التي يقتضيها أي تغيير في أفق المجتمع الاشتراكي. ولقد عرف هذا القطب العديد من التقاربات السياسية، أفضت إلى وحدات تنظيمية، كالتكتل الديمقراطي بين الطليعة والنهج، واليسار الاشتراكي الموحد بين منظمة العمل وبقية فصائل اليسار الجديد.

إن التحولات التي اخترقت المجتمع المغربي بفئاته وهياكله، وما أفرزته من متغيرات، والتي أعادت هيكلة المشهد السياسي برمته، جعلت من وظائف الفاعلين السياسيين تعرف هي الأخرى توجهات مغايرة لما كانت عليه في السابق، حيث تحولت المعارضة البرلمانية بشقيها الاشتراكي الديمقراطي والليبرالي الاجتماعي إلى شريك للنظام السياسي القائم في تدبير المرحلة، وانتقلت من موقع المعارضة إلى مستوى المشاركة، كما أن فشلها السياسي في إدارة دفة الحكم في إطار ما يسمى بحكومة التناوب، جعلت المغرب مفتوحا في تطوره السياسي في اتجاه احتمالين: إما الفاشية أو الديمقراطية الحقيقية. الفاشية كما هي مجسدة في المشروع الأصولي، الذي يعرف نموا ملحوظا لانحسار التيار الديمقراطي، ويتغذى من الفشل الذريع لمشروع الاتجاه الديمقراطي وطنيا، والانهيار التام للمشروع الاشتراكي عالميا. الشيء الذي جعله من البدائل الممكنة.

وهناك المشروع الديمقراطي الحقيقي، وهو مشروع يتحمل في ظل الغموض السياسي والأيديولوجي داخل المجتمع، وزر الفشل الحكومي للقوى الديمقراطية، حيث أن هذا الأخير قد زاد من تعقيد مهام اليسار الجذري ذو المصلحة في الديمقراطية الحقيقية. كما أن هذا المشروع يتطلب من حامليه في صف اليسار الجذري بذل مجهود فكري وسياسي لتبديد الخلط السياسي، وإعادة تقويم خط النضال الديمقراطي كاختيار نضالي وسياسي، وذلك بإعادة ربطه بعمقه الجماهيري، وإدارة الصراع بدل سياسة التوافقات، التي استفاد منها النظام السياسي. بحيث لا يمكن أن تؤسس المجتمع البديل على قاعدة البني المخزنية العتيقة، وبمعية مافياته المتغلغلة داخل دواليب الدولة، بل يتطلب ذلك إحداث قطيعة سياسية مع نظام المخزن، أي تقويض أسس البنى المخزنية والقضاء على تعبيراتها الاقتصادية والسياسية، بارتباط مع البناء الديمقراطي الحقيقي، الذي يروم الإصلاح السياسي والدستوري الذي يمس جوهر النظام السياسي. ويمكن أن نلخص الخطوط العريضة لمهام المرحلة، كمرحلة للنضال الديمقراطي الجذري في المهام التالية :

1-  تفكيك البنيات المخزنية الأساسية:

·   كشف حقيقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وخاصة حقيقة الاختطاف والاختفاء القسري وعدم إفلات المسؤولين عن هذه الجرائم من العقاب.

·     تفكيك الأجهزة القمعية السرية المسؤولة عن هذه الانتهاكات.

·   تفكيك جهاز وزارة الداخلية وإعادة بنائه بما يرفع يده عن باقي الوزارات والمرافق ويجعله في خدمة المواطن وتحت مراقبة ممثليه المنتخبين بشكل ديمقراطي.

·     تفكيك جهاز القضاء وإعادة هيكلته بما يضمن استقلاله التام عن السلطة.

·     محاكمة مرتكبي الجرائم الاقتصادية والنضال ضد الامتيازات والزبونية والمحسوبية واستغلال النفوذ.

·     تقديم كل الدعم للحركة الحقوقية ولمكونات المجتمع المدني التي تناضل من أجل نفس الأهداف.

·     النضال من أجل وضع أسس حياة ديمقراطية، وذلك ب :

2- وضع دستور ديمقراطي في محتواه وإعداده بحيث يجسد إرادة الشعب باعتباره صاحب السيادة ومصدر السلطة ويضمن فصلا حقيقيا للسلطة ويعترف باللغة والثقافة الأمازيغية كلغة وثقافة وطنية.

·     إقامة انتخابات نزيهة بناء على دستور ديمقراطي.

·     سن قوانين الحريات العامة بحيث تكون منسجمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان.

·     النضال من أجل إقرار الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية.

·     دعم نضال الحركة النسائية من أجل المساواة بين المرأة والرجل على كافة المستويات وضمان حقوق المرأة "امرأة وأم".

3-  مواجهة هجوم الرأسمالية على أوضاع الجماهير الشعبية وذلك ب :

·   الارتباط بنضالات الطبقة العاملة والشغيلة من أجل تحسين شروط العمل وضد التسريح وإغلاق المعامل والمؤسسات وتقليص ساعات العمل بدون أجر من أجل الدفاع عن الحقوق والمكتسبات النقابية في مواجهة مشروع مدونة الشغل ومشروع قانون الإضراب.

·     دغم احتجاجات الفلاحين ومطالبهم والنضال من أجل ثورة زراعية تعطي الأرض للفلاحين.

·     دعم معارك المعطلين من أجل الشغل.

·     مواجهة تفويت القطاع العام.

·     النضال ضد ضرب مجانية التعليم ومن أجل تعميمه والقضاء على الأمية وضد تصفية صندوق المقاصة.

·     النضال من أجل وقف تدهور الخدمات الاجتماعية: الصحة، النقل العمومي، السكن…

·     دعم الحركات التي تواجه العولمة الرأسمالية.      

 



#عبد_المومن_شباري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
- بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
- -وسط حصار خانق-.. مدير مستشفى -كمال عدوان- يطلق نداء استغاثة ...
- رسائل روسية.. أوروبا في مرمى صاروخ - أوريشنيك-
- الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 80 صاورخا على المناطق الشم ...
- مروحية تنقذ رجلا عالقا على حافة جرف في سان فرانسيسكو
- أردوغان: أزمة أوكرانيا كشفت أهمية الطاقة
- تظاهرة مليونية بصنعاء دعما لغزة ولبنان
- -بينها اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية -..-حزب ال ...
- بريطانيا.. تحذير من دخول مواجهة مع روسيا


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد المومن شباري - راهن الوضع السياسي في المغرب