|
متى يحضر الاستبداد؟
عماد صلاح الدين
الحوار المتمدن-العدد: 4858 - 2015 / 7 / 6 - 14:39
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
هل الحضارة والرقي والتقدم واطراد النمو، وليد الانضباط والالتزام، والعمل والتفاني، وتقديم التضحيات؟ وهل تداول الآراء والأفكار، والتناوب على الحكم، وعموم مراكز القرار، والسلطات الرئيسية والمهمة في الدول، إلا نتاج طبيعي وحقيقي لمنظومة قيم عالمية وإنسانية، يتوافر فيها عنصرا الشكل والمضمون، لإطار وممارسة عملية، تشكل حالة ثقافية وحضارية عامة، لأفراد، وعموم جماعات، وتعدديات مجتمع ما أو امة محددة.
وهل الحضارة الحقيقية، والسلمية الإنسانية الداخلية العاملة، في إطار مجتمع ما، إلا المحاولة الجادة لإطلاق قدرات وطاقات الإنسان فيها، في غير مجال، وبحسب ميل الرغبات وتنوعها، وتباين التعبير الارادوي لكل إنسان على حدة، حتى تشكل منظومة إنسانية متكاملة؛ واثقة وقادرة ومبادرة، على صنع الحدث، وإقامة الحضور الفاعل والمميز للإنسان، حيثما كان ذلك ممكنا؛ بلغة الواقع والممكن ،واستطاعة الإرادات، وقدرة تحملها.
وكذلك، حتى تتشكل منظومة قيم؛ في الفهم الإنساني، وقدراته ومقدراته، وتفهم حاجاته واحتياجاته المستمرة، ومعرفة حقيقة تكوين انساق الإنسان بين مادية وروحية، وتداخلية متصلة ومستمرة في هذا المجموع النسقي العام؛ بروحية الواقع في كل شيء، وبروحية المعنى في كل شيء تقريبا، لكن برسم سؤال المستقبل المهم وهو:
هل لدينا إنسان حقيقي سليم في بناه المهيأة للانبثاق، نحو حقائق الواقع وتفاعلاته.؟، وهل أتيحت الفرص وتتاح، في توفر أجواء الرعاية الحاضنة، والإرشاد اللازم، والتزويد المتكامل النسبي، لحاجات الإنسان الصحية والتربوية والتعليمية، لإطلاق هذا الإنسان من جديد إلى عالم الحياة الأرضي، بدون عراقيل ومعيقات خطرة، منذ بداية مشوار الإنسان في دوراته الحياتية على الأقل؛ حيث التأسيس الأولي والمرحلي الأول، وضمن الخاتمة وتمهيد البنية، وإقامة القواعد، وبسط الهياكل وإقامتها، هي المعتمد الأول في تحسس وإدراك حقيقة الميل المستقبلي، سواء نحو السيئ أو الأسوأ، أو الحسن أو الأحسن، للأفراد وعموم المتشكل المجتمعي الإنساني، في بيئة متعينة؟؟.
وفي سؤال متى يحضر الاستبداد، إلى نسقيات الأفراد بالخصوص، أو إلى نسقيات المجتمع الأكبر؟ فجواب هذا السؤال يتوقف على قضيتين:
1- منظومة القيم والجانب الخلقي.
2- أدوات الممارسة والتعبير المادي والنتائجي، عن منظومة القيم والأخلاق، في واقع الحياة الإنسانية، وفي مختلف حقولها ومجالاتها.
فمنظومة القيم والأخلاق، كمشترك حضاري وتراثي عالمي؛ في الدين، وتراكم التجربة الإنسانية المشكلة لأعرافها وتقاليدها، وتداخل العلاقات الإنسانية المحلية والعالمية، لا بد- ومع حفظ الخصوصية- لكل مجتمع أو امة بعينها، من خلال خاصية البيئة والظروف والإمكانات الموجودة، لابد - من جديد- حتى تكون منظومة قيم وأخلاق من بروز العقلانية والمنطقية وراء فلسفتها وماهيتها وأهدافها؛ منظومة قيم لها نمط علمي ومقبولانية نسبية لدى الجنس البشري، يلمسونها من خلال الممارسة والتطبيق العملي، ولا يجوز أبدا في هذا السياق الخلط بين منظومات القيم الأخلاقية والروحية الهادية والمنارية على صعد الدين والتاريخ، وبين اعتبار التطبيقات العملية الإنسانية وتجلياتها وتحولاتها وتحويراتها إلى استقرار بحكم الوقت والزمن إلى عادات وتقاليد وأعراف؛ فهذه الأخيرة لا يجوز اعتبارها منظومات قيم إنسانية ثابتة، وعالمية تحقق للبشرية من خلالها الرحمة والتنمية والتقدم والسمو، حتى ولو كانت حصيلة هذه العادات والأعراف والتقاليد، حصيلة ايجابية بالمكون الإنساني والتراثي لاحقا.
ولذلك، فان المجتمعات التي تتهم - وعن حق- بالتخلف الديني والاجتماعي والعلمي، والتي إما أن يكون قد مضى عليها عقود وربما قرون زمنية، وهي تتخذ من تطبيقاتها ومحاولاتها الإنسانية وتحوراتها إلى أعراف وتقاليد، منظومة قيم وأخلاق هادية ومرشدة لها، في نسقها وسيرها الحضاري الخاص والعام. وإما أنها تريد البدء لإطلاق مشروع حضارتها، فتخطأ التمييز بين منظومة قيم خالصة راشدة وعالمية، وبين تطبيقات تراكمية صارت عادة أو عرفا وتقليدا فتختار الأخيرة حتى ولو كانت - كما أسلفنا- حصيلتها ايجابية في العموم. وفي هذا الشأن أود أن الفت إلى مسألتين وهما: 1- إن العادات والتقاليد والأعراف هي في النهاية حصيلة مجتهدات إنسانية في مرحلة أو مراحل زمنية بعينها طالت أم قصرت، وبالتالي ما كان يصلح لهم بقريب جدا من التأكيد، هو لا يصلح لنا حتى ولو كان في عهود تلك المجتمعات والأمم السابقة ايجابيا وسليما متقدما، لمس الناس نفعه واقعا.
2- إن المجتمعات والأمم حين تخلط في طريق نهضتها بين المنظومات القيمية الإنسانية العالمية ومنظومات الممارسة المجتهدة إنسانيا (العرف والعادة والتقليد) فتختار الأخيرة، في غالب الأحوال. عند هذا الاختيار غير الصحيح وغير الموفق، يكون التعامل مع أعراف وتقاليد سلبية في حصيلة الممارسة الإنسانية، وهنا تكون المسألة مضاعفة وخطيرة جدا، ولكنها أيضا منطقية في تهور الاختيار، وبشكل تلقائي، وان كان سلبيا؛ ذلك أن المجتهد الإنساني العرفي والعاداتي يخص جماعات إنسانية ومراحل زمنية وحضارية بعينها، لا تصلح لغيرهم من لاحق مجتمعات البشر وأممهم المستقبلية.
أرى أن كثيرا جدا من الأفكار الحلولية وديباجاتها الدينية الاثنية في تبرير الضعف وسوقه، وكذلك في تبرير الاستبداد سواء الداخلي أو الاستعماري، والتي اسميها أو اتفق على تسميتها ب(الحلولية الكاملة أو الشاملة أو التهويمية الشاملة وأخيرا العلمانية الشاملة) ناتجة عن التمسك بأعراف وعادات هي في نهاية مرحلة مجتمعية أو أممية في عصر بشري ما، تعتبر لاحقا في الأمم الحاضرة والمستقبلية مجرد خرافة وأسطورة ضررها بالتأكيد أكثر من نفعها الخاص أو العام.
وأما بخصوص البند الثاني من سؤال حضور الاستبداد على صعيد الأفراد والمجتمعات، وفيما يتعلق تحديدا بأدوات الممارسة والتعبير المادي والحضاري، في واقع الحياة الإنسانية بمختلف مجالاتها، فان هذه الأدوات المترجمة للبعد الحضاري؛ إما أن تكون علمية ومنهجية تعمل على تكوين الإنسان صاحب الروح والملكة التلقائية الحضارية، التي كان عنوانها باستمرار التجريب وتحويل الممارسة في الشعور إلى اللاشعور؛ في التربية والتعليم واعتماد المنهاج واستقراره، وفي كل مبادرة وناشطة إنسانية في مجال ما.
وبتصوري أن الطالق والموجه لتكوين الملكات والروح، لدى الأفراد والجماعات ومتشكل المجتمع ورابط الأمم، هي منظومة القيم والأخلاق الإنسانية العالمية"التي في مصدرها الأساسي والناظم والهيكلي العام جاءت من عموم وحي رسالي سماوي سواء في اليهودية أو المسيحية وأخيرا الإسلام).
وإما أن تكون أدوات الممارسة الحضارية غير علمية ولا منهجية، وبالتالي ينتج عنها برامج استظهارية ببغاوية لا تصنع إنسانا ولا جيلا حضاريا فاعلا ؛ تنقصه المبادرة والانضباط والالتزام(الصبر) والشجاعة والإيمان. وتبذل مع مثل تلك الأدوات والبرامج جهود وطاقات ومقدرات ضخمة، فلا يتمخض عن جبلها غير فأر حقل صغير. وارى هنا أن نمط ونسقية وواقع هذه الأدوات والبرامج سواء في التربية أو التعليم وغيرها، مردها إلى موروثات وأعراف وتقاليد أثنية ودينية ولغوية ، مضى زمنها؛ وهي بحصيلة الاجتهاد، وليس بمنظومة قيم وأخلاق حضارية كونية خالصة وشاملة بهذا الخصوص.
#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غياب ملكة العقلانية لدى الشعوب المتخلفة
-
في زمن مجتمعات التخلف مطلوب الإضافة لا المناكفة
-
الحلولية الجزئية والحلولية الشاملة
-
خزعبلات اثنيه وأفكار حلولية وديباجات
-
الإنسان وحقائق الحياة
-
هل توجد إمكانية لانسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة عام1967؟
-
العالم العربي: تفاقم المرض بين الظلم والخنوع
-
الإجرائية وغياب تقرير المصير (الحلقة الأولى)
-
الإجرائية وغياب تقرير المصير (الحلقة الثانية)
-
هل هي مشكلة الدين والبرنامج السياسي في فلسطين؟
-
الإيمان والتهويم والعدل
-
هل الثورات العربية بخير؟
-
أوجه الشبه والخلاف في المسألتين الفلسطينية والعربية
-
فلسطين: في منطق الحق والواجب
-
غزة تنتحر لأجل عموم النضال الفلسطيني
-
غياب الموجه نحو تقرير المصير
-
العالم العربي: لماذا لا يحسن حكامه حتى خداع شعوبهم؟
-
غزة في خطر
-
إجرائية في ظلال أوسلو
-
الحلولية الجزئية
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|