|
المقاومة و الإرهاب في العراق
سلامة كيلة
الحوار المتمدن-العدد: 1342 - 2005 / 10 / 9 - 10:18
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لوهلة يبدو أن المقاومة في العراق قد إختلطت بالإرهاب، و سيبدو أن النشاط الرئيسي هو النشاط الإرهابي، فقط لأن أجهزة الإعلام تعطي مساحة أكبر بكثير لعرض صور، و هي في الغالب لا تتحدّث عن المقاومة أو أنها تشير سريعاً في هامش الخبر الذي يتناول العمليات الإرهابية، و هو ما يبرز تحيّز الإعلام و لا موضوعيته. لكن في كلّ الأحوال فإن قتل المدنيين العراقيين بات سياسة يومية عبر إستخدام السيارات المفخخة، أو العمل الإنتحاري. و كلها عمليات يقوم بها تنظيم " قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين "، و باتت تُعمّم بصوت " أبو مصعب الزرقاوي ". هذه السياسة الإرهابية تطوّرت خلال السنة الحالية بطريقة ملفتة، مع تعمُّق أزمة الإحتلال الأميركي. و إذا كانت تهدف إلى " مقاومة الإحتلال الأميركي "، فهي تتحوّل إلى حرب ضدّ الشيعة الروافض، و تنطلق من أن هؤلاء هم الخطر الأكبر إنطلاقاً من الفتاوى الدينية ( من الغزالي إلى إبن تيمية وصولاً إلى محمد بن عبد الوهاب ). و بهذا بات الوضع حسّاساً، حيث أن المعركة آخذة في الإنقلاب من الإحتلال إلى الشيعة حسب ما يريد الزرقاوي. و هو هنا يستعيد فتاوى إبن تيمية و كل الإتجاه الأصولي السنّي، الذي كان يسعى لمحو كل المختلفين و المخالفين. و بالتالي فهو يعود بالسياسة إلى كونها فتاوى شرعية، كما يعود بالزمن إلى القرون الوسطى، حيث غرق العرب في حروب الطوائف، و حيث عزّز الإنهيار الكبير الذي لحق بالإمبراطورية و بالخلافة كل الميول المحافظة و الأسطورية و المتخلّفة. مما جعل السياسة هي بالتحديد فتاوى شرعية. و لاشكّ في أن تقزيم السياسة إلى فتاوى شرعية يقود إلى دمار السياسة، و إلى مآسٍ مريعة، لأن هذه الفتاوى هي نتاج القرون الوسطى حيث الصراع السياسي كان يتّخذ شكل الصراع الديني، كما أنها تقوم على أساس بسيط: مَنْ يتوافق و مَنْ يختلف معنا، و حيث هناك فرقة هي التي تمتلك الحقيقة و العصمة، تقوم بتخوين الآخرين كونهم خارجون عن الدين القويم. و لقد حدَّدت الفتاوى ( الأصولية ) الشيعة و كل الفرق الإسلامية كفرق ضالّة مصيرها النار، أو كما حدَّد الغزالي فيصل التفرقة بين الإسلام و الزندقة. و هنا يتطابق الحق مع الإسلام الأصولي، و مع طرف محدَّد منه حسب كل " أمير "، و وفق مرجع الفتوى. هذا المنطق الساذج يوجد شرخاً مجتمعياً خطراً، و يؤسِّس لحرب طائفية، بينما يقبع الإحتلال في العراق و يحكم سيطرته و يعزِّز وجوده، مادامت المعركة تتحوّل إلى حرب طائفية. و هذا المنطق يصبّ هنا فيما يريده الإحتلال الذي يتعامل مع العراق كطوائف و إثنيات متناحرة، و يدفع نحو تفكيكه عبر إيجاد التناقض الداخلي على أساس طائفي و إثنيّ، من أجل تكريس تقسيمه إلى دويلات. و إذا كانت " القوى الطائفية الشيعية " التي عادت مع الإحتلال و أصبحت هي السلطة، تحاول تكريس جنوب العراق إقليماً شيعياً مستقلاً في إطار فيدرالية عراقية تتحدَّد على أساس طائفيّ و إثنيّ، فإن الزرقاوي القادم أيضاً من الخارج مع الإحتلال، يلعب الدور المقابل حيث يسعى لتعزيز التعصّب " السنّي "، و تعزيز التناقض الشيعي/ السنّي لكي يُفرض على العراقيين ما يرفضونه، و بقوى أتت من الخارج و تحمل مشاريع مناقضة لطموحه. و لم تفعل القوّات الأميركية إلا أن جلبت هؤلاء بطرق مختلفة إلى العراق لإفتعال هذا التناقض. إن تحقيق الهدف، أيّ هدف، يبدأ من تحقيق الشروط المناسبة لذلك، و هذا ما قامت به الدولة الأميركية. هذا المنطق هو الذي جعل معركة أبو مصعب الزرقاوي هي مع الشعب العراقي و ليس مع الإحتلال ( رغم إعلاناته الوهمية عن عمليات قليلة ضد جيش الإحتلال ). و لهذا يستسهل قتل المدنيين يومياً تحت شعار أنهم شيعة، و يرسل السيارات المفخخة إلى المناطق المدنية دون هدف سوى القتل. و كل منْ يتابع عمليات القاعدة يلاحظ أنها تستهدف مدنيين في الغالب، و تطال مناطق " شيعية " كذلك. و لقد أعلن الزرقاوي ذلك بعد عملية 14/9/2005 التي طالت عمّالاً في منطقة الكاظمية، حيث أهدر دم كل شيعي، و تعامل و كأنه القائد العام للمقاومة العراقية. إذن، ستبدو معركة أبو مصعب الزرقاوي و تنظيم " قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين " متوافقة مع معركة الجيوش الأميركية ( حتى لو لم يُرِدْ ذلك )، و تصبّ في خدمتها مادامت تقوم على القتل العشوائي و الحرب الطائفية بفتح معركة مع الشيعة و ليس مع الإحتلال و عملائه. و سيتوضّح من خلال المعركة كيف أن السياسة التي تقوم على الفتاوى لا تخدم سوى القوى الإمبريالية، من الحرب في أفغانستان ضد الإتحاد السوفييتي إلى الحرب في العراق. و هذا ما تعرفه الإدارة الأميركية، و لعبت عليه جيداً ضد السوفييت، و ربما هي تلعب عليه اليوم من أجل تكريس تقسيم العراق. حيث أن إستثارة الماضي و تحويله إلى راهن، هو ما عمل على أساسه الإستعمار حينما دعم الأصولية، و هو ما ورثته أميركا من أسلافها و تعمل على تحقيقه الآن. و بالتالي فهو المرادف للسيطرة الإمبريالية و الخادم لها، بغض النظر عن الشعارات التي يرفعها. هذا الوضع يفرض على المقاومة العراقية إعلان موقف واضح من تنظيم " قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين "، لكي يُخنق في العراق و لكي تُقطع إمداداته العربية التي تذهب للعراق للقتال ضد الإحتلال، لكن " الأوهام " المبنية على الفتاوى الشرعية تحوّلها إلى قوّة تخدم الإحتلال ذاته. و أن تطارد فلوله لكي لا يستمرَّ في الإرهاب الذي يمارسه و في قتل المدنيين، و أيضاً في تسعير الحرب الطائفية. إن فتاوى الجهاد ( التي تعمل الإدارة الأميركية على شطبها كما تدَّعي ) باتت عبئاً على المقاومة، فقد كانت أساس القتال ضد السوفييت في أفغانستان بدعم أميركي، و إذا كانت تتركز الآن على أميركا و على الغرب عموماً ( الغرب الصليبي )، فإنها تنقلب إلى فتاوى ضد " الشيعة الروافض " لتكون مدخلاً لحرب طائفية تريدها الدولة الأميركية. و بالتالي ليتحوّل الجهاد إلى " جهاد ضد الشيعة الروافض ". المقاومة تحتاج إلى رؤية سياسية و ليس إلى فتاوى، لقد ولّى زمن الفتاوى لأن الفكر تطوّر و أصبح للسياسة قوانينها التي لا تؤخذ من " الكتب المقدّسة ".
#سلامة_كيلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غزة ... أخيراً
-
أوهام اللببرالية و خطاياها
-
العلمانية و الديمقراطية و أولوية السياسة
-
حول العلاقة بين الليبرالية و الديمقراطية دخول في النقاش السا
...
-
العلمانية كمطلب واقعي
-
حين تتجرّد الديمقراطية من علمانيتها
-
اليسار السوري في ميله الليبرالي
-
مناقشة - مشروع بيان غير شيوعي
-
منطق الإستبداد لحظة القرار الأميركي بالتغيير في سوريا
-
الماركسية و أفق البديل الإشتراكي: الماركسية في أزمة؟
-
مأزق اليسار الديمقراطي و إشكالية الإشتراكية الديمقراطية
-
دافوس البحر الميّت
-
سياسة أميركا
-
ورقة عن الحرب الإمبريالية الصهيونية في المنطقة العربية
-
الحركة القومية العربية: تجربة نصف قرن
-
مسار الخصخصة في سوريا
-
عودة الى الطبقة العاملة
-
الحركات الشعبية و دور أميركا
-
التغيير التائه بين الداخل و الخارج
-
ديمقراطية الطوائف
المزيد.....
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|